في العام الأول لثورة ليبيا:
تساؤلات حول المجلس الوطني الليبي
قبل أيام قليلة تعرضت مدينة الكفرة بجنوب ليبيا لهجمات مسلحة من قبائل استطاعت فرض سيطرتها على المدينة وتقسيمها بما لا يدع مجالا لتحرك السكان، القبائل المتمركزة عند المناطق الحدودية استخدمت أسلحة متطورة أوقعت ضحايا ما بين قتيل وجريح في صورة أعادت للأذهان ما شهدته المدينة في نفس التوقيت من العام الماضي.
فهؤلاء الأهالي الذين أول من استجابوا للتظاهر في كل مدن مصراتة الأبية، يواجهون اليوم نفس القبائل الموالية للقذافي والتي اعتمدت على المرتزقة الأفارقة، والآن وقد هرب الساعدي القذافي إلى النيجر فإن شبهات كبيرة تحوم حول تورطه باستخدامهم لزعزعة أمن البلاد.
لكن الأوضاع بمدينة الكفرة هي جزء من أوضاع ليبيا ككل وسط تحديات تواجه المجلس الانتقالي في مرحلته الجديدة، فما يحدث في المدينة أثار تساؤلات حول مدى قوة ذلك المجلس في التعامل مع رموز النظام السابق المتورطين في دعم القبائل ماديا في نفس الوقت الذي يستعين فيه المجلس برموز من رجال الأعمال الذين طالما احتكروا كبرى الشركات الاستثمارية ودعموا بها السفاح سابقا.
في شرق ليبيا تزايد الشعور بالإحباط من المجلس الوطني الإنتقالي بعد مرور عام على الانتفاضة كما أوضح مايك الكين بوكالة انتر برس سرفيس أن الشائعات قد كثرت حول الفساد وتسلل عناصر النظام السابق أو الاستعانة بهم حيث تم التعتيم على هوية الأعضاء وعددهم.
واستنكر عبد الرحمن الشاطر تصريحات بعض أعضاء المجلس في مقالة "مجلس يسمع ما يكره ويفعل ما يريد" قائلا: أنا اسمع الانتقادات في كل لقاء وكل محاضرة وأكثر من ذلك سمعته من أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بل أن رئيس المجلس صرح بأن المجلس والحكومة غير قادرين على السيطرة على الأمور ما جعلني متأكدا بأن أداء المجلس الوطني الانتقالي المؤقت لا يسير في الطريق الصحيح وبالشفافية التي نطالب بها.
بت متأكدا أكثر أن هذا المجلس بتشكيلته الحالية لن يوصلنا الى بر الأمان، فالأكثر من شهر وشبابنا في ميدان الشجرة في بنغازي واخوانهم في ميدان الجزائر بطرابلس يواصلون اعتصامهم مطالبين بتصحيح مسار الثورة وتنقيتها من الشوائب التي بدأت تظهر وتتوغل في أوصال الدولة لتمثل خطرا مؤكدا على صحة مسارها، وطوال هذه المدة لم يتزحزح المجلس الانتقالي عن عدم مبالاته بهذين الاعتصامين في ظل غياب الأحزاب والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والقنوات الفضائية، غبنا جميعا وكأننا نقول للمجلس الوطني الانتقالي المؤقت بأنه على حق وأن المعتصمون على خطأ. فهل الأمر حقا هو كذلك؟
وتسائل الشاطر قائلا:" المجلس الوطني الانتقالي لم ينظف صفوفه من المتسلقين وأتباع القذافي ولم يستكمل تشكيلته وفقا لنص الاعلان الدستوري. أليست هذه من الأسباب التي تبرر الاعتصام؟ المجلس الوطني الانتقالي يصدر لنا التصريحات المطمئنة على نسق سياسة القذافي الذي كان يقول لنا (سوف نوزع عليكم الثروة) ثم يعطي البعض عشر نعجات عجاف، أليس هذا سببا للاعتصام؟
المجلس الوطني الانتقالي بدأ يرد على المحتجين عليه بأنهم طابور خامس ورفع من وثيرة التحدث عن أتباع النظام السابق وخطرهم. فهل هم أخطر على الثورة الآن بعدما انتصرت؟. أليس هذا تخوينا للوطنيين الأحرار يستدعي الاعتصام؟ ألا يمثل هذا كما للأفواه يستدعي عدم السكوت والخروج للاعتصام؟
المجلس الوطني الانتقالي يطأطئ رأسه لبعض الدول لمجرد أنها ساعدتنا، أما المعتصمون يقولون أن ليبيا ليست للبيع وأن المجلس المؤقت بتشكيلته الحالية غير مؤهل لأن يقود معركة بناء الدولة بحيث تأتي ولادتها طبيعية وليست قيصرية عن طريق التدخلات الأجنبية.
هؤلاء المعتصمون لا يطالبون بقروض ولا منح ولا هبات، إنهم يطالبون بألا تسرق الثورة بعد أن قدم الشعب أربعون ألف شهيد وخمسون ألف مفقود وأكثر من ستين ألف مصاب وجريح وثمانية آلاف حالة اعتداء على الشرف ناهيك عن المشردين واليتامى والأرامل وجروح غائرة لن تندمل أبدا.
يذكر أن بعض التفسيرات ذهبت لتورط المجلس بصفقات تمويل دول الناتو بخام النفط كشروط مسبقة حول دخولهم المعارك ضد القذافي وهو ما تسبب في مأزق كبير لدى أعضاء المجلس بضرورة البقاء على رجال أعمال من النظام السابق الذين احتكروا الشركات الاستثمارية النفطية الكبرى، ذلك التداخل السياسي الاقتصادي ما يمثل خطر على أهداف ثورة تطالب بالمحاكمات العادلة.
اقرأ أيضاً:
تم نشر هذا المقال في جريدة الاشتراكي – العدد 87