بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أوباما ومغازلة العالم الإسلامي

في الأسبوع الأول من شهر أبريل وقف الرئيس الأمريكي اوباما امام البرلمان التركي ليقول ان أمريكا لا تعادي الإسلام. قبلها بعدة أشهر وفي أول حديث تليفزيوني على الاطلاق اختار اوباما قناة العربية ليخطاب العرب والمسلمين، حيث قال نفس الكلام. وقبلها قال أوباما في خطاب تنصيبه انه يهدف لأن تكون علاقة أمريكا مع العالم الإسلامي قائمة على الاحترام والمصلحة المتبادلة. يهدف اوباما من هذه الخطوات المتعاقبة إلى تجاوز الصورة المذرية للولايات المتحدة في العالمين العربي والاسلامي والتي تسببت فيها جرائم وسياسات وغطرسة سلفه بوش. ربما يكون انطل هذا الكلام على كثيرين. وهناك أسباب كثيرة يمكن ان تدعو لذلك. فأوباما رئيس ذكي وليس متغطرس كسلفه بوش، وكونه رئيس جاء من وسط جماعة مضطهدة -أي الأمريكيين من أصول سوداء- يوحي بالأمل وببعض المصداقية للرأسمالية المتوحشة التي تقودها الولايات المتحدة. لكن هذا الكلام المعسول أيضاً ربما لم ينطل على كثيرين في العالمين العربي والاسلامي، والذين ربما قالوا باختصار: العبرة بالأفعال وليس بمجرد الكلام المعسول.

ولأصحاب الفريق الأول -أي المخدوعين بكلام أوباما- والذين لديهم بعض الأمل في أن يجلب أوباما تغييراً حقيقياً تجاه العالم الإسلامي، نقول ان التعاطف وحده لا يكفي لبناء المواقف السياسية. المواقف السياسية لا تبنى على الكلام المعسول. لكن على محكات أرض الواقع. واهم هذه المحكات هي ما تفعله أمريكا في العالمين العربي والإسلامي ( بل وفي العالم كله). ومن أمثلة هذه المحكات القضية الفلسطينية وما فعلته أمريكا في العراق وفي أفغانستان. فهل ستتخلى أمريكا عن شراكتها ودعمها الاستراتيجي لإسرائيل؟ وهل ستعوض أمريكا وتعتذر عن جرائمها التي ارتكبت في العراق وفي أفغانستان؟ وهل ستترك أمريكا القواعد العسكرية في المنطقة والعالم؟ وهل ستوقف أمريكا دعمها للحكام المجرمين في المنطقة (إذا كان أوباما يقول ان أمريكا سوف تلتزم بالقانون الدولي وتدعم الحرية والديمقراطية)؟ ونحن هنا لا ندعو ولا ننتظر من أمريكا جلب الديمقراطية للعالم العربي. فنحن نعرف ان ديمقراطيتها زائفة. لكننا أيضاً نكشف نفاق الادارة الأمريكية. نقول للمخدوعين بكلام أوباما، النوايا الحسنة والكلام المعسول لا يكفي لإصلاح جرائم أمريكا في العالم كله وليس العالمين العربي والإسلامي فقط.

ولأصحاب الفريق الثاني -أي هؤلاء الأكثر فطنة الذين يقولون ان العبرة تكون بالأفعال وليست بالكلام المعسول- نقول انكم على صواب. لكننا نحذركم من الوقوف عند حد هذا المنطق فقط- أي انتظار الأفعال. فأصحاب هذا المنطق يخطأون في اعتقادهم إن تغيير الامبريالية وانهاء الظلم الأمريكي في العالم يمكن أن يكون بقرار أمريكي. إنهاء ظلم الامبريالية في العالم يا سادة لن يكون سوى باتحاد فقراء وشعوب العالم. وكما ان الإطاحة بالحكومات الظالمة لن يكون سوى بثورة الشعوب المظلومة وليس بأي منحة من هذه الحكومات، فأن الامبريالية لا يمكن ان تنتهي بقرار من السادة الإمبرياليين أنفسهم. وأي محقق فطن في الأمور سوف يرى محاولات الادارة الأمريكية لانقاذ الرأسمالية الأمريكية في الداخل وفي العالم. وأثناء كتابة هذه السطور يطالب أوباما الكونجرس بالتصديق على مبلغ 83 بليون دولار للحرب في افغانستان والعراق. أي ان ادارة اوباما سوف تستمر في الحرب. وحتى لو انسحب اوباما من العراق بعد عام أو عام ونصف، فهو ملتزم أمام الإدارة الأمريكية والطبقة الحاكمة الأمريكية باستمرار الحرب في افغانستان.

ونلفت نظر كل من الفريقين السابقيين أن الكثيرين من المسلمين في داخل الولايات المتحدة قد عبروا عن ضجرهم مما تقوم به ادارة اوباما تجاه العالم الإسلامي بدون ان يكون ذلك مصحوباً بسياسات عملية لمحاربة العنصرية ضد المسلمين في داخل أمريكا نفسها. وعلى سبيل المثال كتب أحد محرري جريدة المسلم اليومي (وهي جريدة تصدر في الولايات المتحدة وكندا) فور خطاب العالمين العربي والاسلامي في مقالة نشرت بتاريخ 26 يناير الماضي، أنه من الصحيح ان “خطاب اوباما يوحي بالأمل والتغيير تجاه العالم الاسلامي. لكن اوباما في ذات الوقت قد أقسم للشعب الأمريكي على محاربة الارهاب والانتصار عليه. أوباما قد أقسم ان يكون ذلك وفقاً لمبادئ وقيم الولايات المتحدة.” ويقصد الكاتب من ذلك ان تتسم محاربة الارهاب وفقاً للقانون. وهذا ينصرف على وقف ممارسات التعذيب. وبغض النظر عن صحة هذا في التطبيق العملي، عاد الكاتب ليذكرنا بأن اوباما اذا كان متسقاً مع نفسه يجب ان يوقف كل محاولات لصق الاسلام بالارهاب في الخطاب الرسمي للدولة على جميع المستويات، وان يواجه كل الحملات العنصرية ضد الاسلام والمسلمين في مستويات الدولة بل وفي المجتمع الامريكي، ومن المعروف ان عبارات مثل الاسلام الفاشي أو الجهاديين أو الاسلاميين العنيفيين أصبحت اشياء أكثر رسوخاً في المجتمع والدولة الأمريكية بعد مرحلة بوش. قال الكاتب ان اوباما يجب ان يمنع استخدام هذه العبارات مثل الاتحاد الأوروبي.

ويذكر ان تحالف مسلمي أمريكا للحقوق المدنية والانتخابات والذي يضم 9 منظمات كبرى تمثل المسلميين الأمريكيين قد عقد مؤتمراً صحفياً فور زيارته وتصريحاته بتركيا أن اوباما يصر على تجاهل المسلميين الأمريكيين في هذه الخطوات. وقال الإئتلاف انه بينما يهتم اوباما بالتقارب مع العالم الاسلامي، فأنه يجب عليه بنفس القدر مواجهة ظاهرة الاسلاموفوبيا (الخوف من الاسلام)، وتوتر العلاقة بين مسلمي أمريكا ومكتب التحقيقات الفيدرالية (أف بي أي) والتي تعاظمت مؤخراً بعد الكشف عن قيام ال (أف بي أي) بزرع مخبرين سريين داخل المساجد الأمريكية وغيرها من القضايا.

الامبريالية ليست مجرد كلمة يستخدمها اليسار ( الحنجوري). الإمبريالية هي قيادة دولة أو مجموعة من الدول للسيطرة على ونهب خيرات العالم لصالح فئة محدودة من البشر في العالم. وقد كتب بعض المحللين أن أوباما يتبنى أفكار الفيلسوف والمفكر الاقتصادي جوزيف ناي بجامعة هارفارد والتي تقوم على أن أمريكا تكون أقوى اذا استخدمت القوة الذكية وليس القوة الخشنة. وينصرف المعنى الأول الي استخدام الدبلوماسية والاقناع بالاضافة الى الحروب والجيش. وتنصرف الأخيرة الى استخدام القوة والحروب وتجاهل الدبلوماسية، كما فعل بوش تماماً. وربما يكون هذا الكلام صحيح. ولذلك فنحن نذكر أي قارئ لهذه السطور ان الامبريالية لا تهيمن بالحروب فقط (وأوباما كما نرى مستمر في حروبه في العالمين العربي والإسلامي). فإذا لم تكن نهب خيرات الشعوب وقيادة رأسماليو العالم لاستكمال هذا النهب المنظم إمبريالية، فكيف تكون الامبريالية! تذكروا قمة العشرين دولة التي انعقدت مؤخراً والتي بذل فيها أوباما مجهوداً كبيراً لإقناع الحكومات المشاركة باتخاذ خطوات مشابهة لما تقوم به الولايات المتحدة لانقاذ رأسماليتها.