بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أوكرانيا.. آخر ساحات الحرب الباردة

تشهد أوكرانيا موجة عنيفة من الاحتجاجات مجددا من قبل الموالين للتقارب مع الاتحاد الأوروبي بعد أن خيب البرلمان آمالهم في تصويت لحجب الثقة عن الحكومة. طالب المحتجون برحيل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وحكومته عن السلطة والإسراع بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة إثر تراجعها عن إبرام اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوربي.

في الوقت نفسه قام الرئيس بزيارة إلى الصين دامت أربعة أيام لتوقيع مجموعة من الاتفاقات التجارية بجانب سعيه لإبرام اتفاق جمركي مع روسيا وهو ما دفع المحتجين للتظاهر في ميدان الاستقلال وسط العاصمة الأوكرانية كييف حيث واجهتهم الشرطة بالعنف وألقت القبض على عدد كبير من المحتجين الأمر الذي أدى لجذب المزيد من المتعاطفين للاعتصام في الميدان. فيما خرج الداعمون للبقاء في المعسكر الروسي في مظاهرات مؤيدة لسياسات الرئيس يانوكوفيتش المعروف بولائه لروسيا.

وفي أول رد فعل رسمي من الحكومة الأوكرانية منذ بداية الاحتجاجات، صرح نائب رئيس الوزراء أن هناك محاولات متجددة لإعادة التفاوض على شروط اتفاق الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي كما تقرر إصدار عفو عن المتظاهرين الذين أُوقفوا خلال الاحتجاجات. وبالرغم من ذلك قرر المحتجون استكمال اعتصامهم حتى إبرام الشراكة وسط تخوف من توقيع اتفاق جمركي مع روسيا أثناء زيارته إليها.

وعلى جانب آخر احتج صحفيون أوكرانيون أمام مقر اجتماع وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في العاصمة كييف ضد العنف الذي يتعرضون له في بلادهم وضد ما يتعرض له المتظاهرون المعارضون للسلطات الأوكرانية، حيث وزعوا صورا لصحفيين مصابين بجروح جراء الضرب الذي تعرضوا له على يد قوات الأمن.  هذا وقد دعا البرلمان الأوروبي إلى تشكيل بعثة وساطة بين الحكومة الأوكرانية والمعارضة للخروج من الأزمة الراهنة، وأعرب نواب خلال جلسة عمل عن دعمهم للمتظاهرين في أوكرانيا بينما رفع بعضهم العلم الأوكراني.

ووفقا للدراسات التي أجريت عن أسباب إقبال الجماهير على الاعتصام في ساحة ميدان الاستقلال فإن 70% من المشاركين انضموا لغضبهم من تفريق المظاهرة السلمية المؤيدة للاتحاد الأوروبي بعنف مفرط. في حين أن 54 ٪ منهم فقط قالوا إن ذلك يعود لرفض الرئيس الأوكراني التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. والسبب الأهم الذي جعل الناس يلتحقون بساحة الاستقلال هو الرغبة في تغيير الأوضاع الاجتماعية في أوكرانيا. فالمتظاهرون ليسوا مستعدين لانتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2015 وينشدون تغييرا سريعا للأوضاع في بلادهم

ويعيد المشهد الحالي في أوكرانيا إلى الأذهان ذكرى الثورة البرتقالية 2004، إحدى الثورات الملونة التي انفجرت احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة والتي بدا على إثرها بوادر انقسام أوكرانيا إلى معسكرين أحدهما يرى أوكرانيا تتوجه شرقا نحو موسكو بينما يريد الآخر التوجه نحو الغرب.

ومثلما يحاول طرفي الصراع القديم/الجديد، أمريكا وروسيا، تحقيق مكاسب سياسية وحلفاء لمصالحهم على أنقاض القضية السورية وعلى حساب ثورة الشعب المغدور، يحاول أيضا كلا الطرفين إيجاد أو تثبيت موطئ قدم بأوكرانيا على حساب مطالب شعبية اجتماعية استطاعت التفجر في وجه رئيسين أظهرا ولائهما لروسيا ثم أمريكا على التوالي.

تعود أهمية أوكرانيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة في أن سيطرتها على هذا البلد تمكنها من ضمها إلى حلف شمال الأطلسي لفرض المزيد من الحصار على موسكو وكسب أرض جديدة قد ترسو يوما عليها قواعدها العسكرية بالمنطقة. أما أهمية أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا تكمن في إنها دولة عازلة قادرة على صد توسع حلف شمال الأطلسي باتجاه روسيا كما تطل على موانئ المياه الدافئة في شبه جزيرة القرم التي تستضيف الأسطول الروسي، وبالتالي تعد أوكرانيا منطقة حيوية من أجل الحفاظ على وجود البحرية الروسية في البحر الأسود. وهو ما جعل روسيا تستغل كونها البلد المصدر الأكبر للغاز في أوكرانيا للضغط وترجيح كفتها.

لكن اليوم يأتي المشهد أكثر تعقيدا فبالرغم من نجاح الثورة البرتقالية في وضع السلطة في يد قائدها الموالي للغرب فيكتور يوتشنكو عام 2004، إلا إنه لم ينجح في تحسين أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية لتصل معدلات الفقر إلى ٣٧%، وتراجعت فرص العمل وتزايدت معدلات البطالة إلى ١٥%، وتفاقم عجز الميزانية وتراجع معدل النمو واستشرى الفساد، واضطراب الأوضاع الذي أدى إلى عودة الرئيس الحالي فيكتور يانوكوفيتش إلى سدة الحكم بعد 6 سنوات من اندلاع الثورة وسط انقسامات حادة بين صفوف معارضيه وعدم ثباتهم على أرضية سياسية مشتركة.

مظاهرات اليوم تؤكد أنه سواء اتجهت أوكرانيا شرقا إلى روسيا أو غربا إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي، فإن الواقع الاقتصادي لن يتغير كثيرا في ظل انتهاج الرأسمالية وسياساتها المعادية للأغلبية الشعبية العريضة والذي بدا واضحا انعكاسها بخطط تقشف حادة في بلدان أوروبا وتردي واضح في الأوضاع الاجتماعية بروسيا. خروج الجماهير حاملين نفس مطالب وآمال الثورة البرتقالية يؤكد على أهمية وجود حزب ثوري يقود ذلك الحراك الجماهيري ليتلافى أخطاء الماضي ويصحح مسار الجماهير نحو مطالبها الاقتصادية والاجتماعية مع مزيد من الاستقلال وإنهاء حرب اختيار السيد.