ومن مصر.. مع المعارضة في لبنان
صدقت توقعاتنا في العدد الماضي من «الاشتراكي» ونزلت المعارضة للشارع. تسمرنا جميعا أمام قنوات المنار والنيو تي في والجزيرة لنشهد جارتنا الصغيرة لبنان تقدم درسها الجديد بعد درس المقاومة.. درس التغيير بالجماهير. فوفقا لدعوة قادة فصائل المعارضة، وإعلان ساعة الصفر يوم الجمعة الأول من ديسمبر لبدء الاعتصام الشعبي لإسقاط الحكومة، تدفقت أفواج اللبنانيين على ساحة رياض الحص موقع الاعتصام، لتمتلئ الساحة قبل موعد بدء الاعتصام في الثالثة ظهرا. ويفيض الحشد ليملأ ساحة الشهداء مستحقاً عن جدارة لقب حشد الساحتين. جاء المحتشدون من كل أرجاء البلاد ليشاركوا في فعل سياسي جرى التحضير والاستعداد له منذ الساعات الأولي لنهاية الحرب على إسرائيل، في أغسطس من العام الحالي. فقد بان ساعتها أن التعايش مع حكومة فؤاد السنيورة الموالية لـ والمدعومة من “المجتمع الدولي” أو أمريكا وفرنسا، لم يعد ممكنا وأن المقاومة في حاجة إلى حكومة تحميها وتدافع عن انتصارها وعن سلاحها.
لم تصدر المعارضة إحصاء حشد الساحتين، ولكن المراسلين وضعوا الرقم عند مليون يوم الجمعة الأول و2 مليون يوم الأحد الثاني 10 ديسمبر، وهو اليوم الذي دعا إليه نصر الله ليكون لحشد غير مسبوق وللدخول في المرحلة الثانية من التحرك. في ذلك اليوم أعطى العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر مهلة لتيار السلطة لقبول الشراكة وحكومة الوحدة الوطنية، وإلا اقتحم المعتصمون السرايا الحكومية لإسقاط الحكومة عنوة.
استمر الاعتصام منذ الأول من ديسمبر – كانون الأول في لبنان- وحتى مثول الاشتراكي للطبع. ويبدو أن النهاية ليست في الأفق. فالسلطة تصر على أنها شرعية، وترفض أي تنازل بينما أقسمت المعارضة على الاستمرار في الشارع لشهور لو لزم الأمر.
وبينما يلهم تحرك المعارضة الملايين في العالم العربي وفي العالم كله، ترفل السلطة في نعيم الدعم الدولي والرسمي العربي. ففي تصريحات ضررها أكبر من نفعها لمصداقية السلطة أكد كافة قادة ما يسمى بالشرعية الدولية على دعمهم للسلطة ولحكومة السنيورة. فمن بوش لشيراك لإسرائيل ، ومن مصر للسعودية ، أكدت الأنظمة دعمها للسلطة ورفضها لمطلب المعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وعلينا أن نكون أغبياء هنا لنسأل لماذا حكومة الوحدة الوطنية حرام في لبنان وحلال في فلسطين ضد حكومة حماس؟ ولنستمر ونسأل لماذا كان تحرك الشارع في فبراير-مارس 2005 والذي أسقط حكومة عمر كرامي في لبنان ثورة بينما اللجوء للشارع الآن انقلاب وخروج على الشرعية؟ الإجابة بسيطة: المصالح الأمريكية. لا يهم ازدواجية المعايير ولا النفاق السافر، سنستمر في الكذب وسيعلن فيلتمان –السفير الأمريكي في بيروت- “نحن لن نسمح باستمرار المظاهرات”. ويهدد مبارك بأن مظاهرات الشوارع ستجر للحرب الأهلية والتدخل الأجنبي. هذا لن يمنع السلطة –ومعها ما يسمى باليسار الديمقراطي في لبنان- من الصراخ تنديدا بالتدخل الإيراني في الشأن اللبناني.
ومن المثير للانتباه أن بعض القوى، التي تقدم نفسها على أنها تنتمي لمعسكر التغيير ومناهضة الامبريالية، تدعي الحياد في أفضل الأحوال ودعم السلطة في أسوأها. فتقف الجماعة الإسلامية في لبنان (فرع الإخوان المسلمين هناك) في صف قوى 14 آذار والسلطة. وبالتبعية تأخذ جماعة الإخوان في مصر موقفا محايدا. وينطبق الأمر على كتاب ومفكرين محترمين ومرموقين. الكل يحذر من الطائفية ومن خطر الحرب الأهلية، وكأنهم لا يرون ما يحدث في لبنان. ما يحدث يا سادة أكبر تحرك عبر طائفي يشهده لبنان في تاريخه، وقوى المعارضة تتجاوز التقسيمات الطائفية فهناك الشيعة والموارنة والسنة والعلمانيين من قوميين وشيوعيين. و التهديد بالحرب الأهلية هو القشة التي تتعلق بها السلطة ومن يدعمها من الحكومات الاستعمارية وحلفائها في المنطقة.
إن الموقف في لبنان يستلزم من اليسار الثوري- في مصر وفي لبنان والعالم كله- أن يقف بشكل واضح ولا لبس فيه دعما للمعارضة. لا يمكن أن نقف على الحياد بين المقاومة ومن يريدون نزع سلاحها، لا يمكن أن نقف محايدين تجاه حكومة يدعمها بوش وشيراك ومبارك وأولمرت. لا يمكن ألا نقف في صف من يطالبون بمحاربة الفساد وبالعدالة الاجتماعية ومواجهة الاستعمار. علينا أن نستلهم ما يحدث في لبنان، وأن نتعلم دروسه، وأن نعمل جادين حتى نكون قادرين على دعم المعارضة في لبنان، بإنجاز مهمة التغيير السياسي والاجتماعي في مصر.