بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أي مسار للثورة في سوريا؟

في هذا المقال يبحث لي سوستار أحدث مراحل الثورة السورية وسياسات المعارضة وحملة فرض العقوبات بقيادة الولايات المتحدة ضد نظام الأسد.

بعد حوالي ستة أشهر من التعبئة المستمرة في مواجهة القمع الوحشي، تتساءل الحركة الثورية السورية بشأن مستقبلها في ضوء محاولات الولايات المتحدة التأثير على المعارضة لخدمة مصالحها في الشرق الأوسط.

استمرت الاحتجاجات في سوريا بعد صلاة الجمعة يوم 26 أغسطس فيما أطلق عليه المتظاهرون جمعة “الصبر والإصرار”. طبقا للجان التنسيق المحلية في سوريا، وهي عبارة عن شبكة من الثوار القاعديين، استشهد في هذا اليوم حوالي 11 مواطن سوري على حين حاصرت الدبابات حوالي ألفين من المواطنين لمنع احتجاج أمام مسجد في أحد ضواحي دمشق.

وقد جاءت حملة القمع بعد أن كثف نظام بشار الأسد من هجومه على عدد من المدن تضمن، حسب بعض الشهود هجوما على مدينة لاطاكيا الساحلية بواسطة قوات بحرية يوم 14 أغسطس. وحسب بعض منظمات حقوق الإنسان فقد بلغ عدد القتلى حوالي 2500 من بداية الاحتجاجات في مارس، على حين ألقي القبض على عدة آلاف، تعرض الكثيرون منهم للتعذيب.

مع ذلك، لم يكن هناك أي ما يشير إلى أن عمليات القتل الأخيرة في مواجهة الاحتجاجات السلمية سوف تقضي على الثورة. بل العكس هو الصحيح. ذلك أن قدرة النظام على الاستمرار في عملية القمع محدودة بأعداد القوات الموالية له والتي يقدر الثوار عددها بحوالي خمسين ألف جندي.

لذلك فحين استخدمت الوحدات المتقدمة من القوات المسلحة المدرعات والمدفعية في شن عدد من الطلعات الهجومية على المدن الثائرة مثل حمص ودرعا وحماة ولاطاقيا وجسر الشغور، استمرت الاحتجاجات في أغلب المناطق الأخرى بدرجة أقل بكثير من القمع. حيث يبدو أنه لا يمكن الاعتماد على القطاع الأساسي من القوات المسلحة، المكون بالأساس من المجندين المسلمين السنة في القيام بمثل هذه الهجمات.

مع هذا الاعتماد الضعيف على القوات المسلحة لجأت الحكومة إلى استخدام أجهزتها الأمنية المختلفة إضافة إلى البلطجية الأجراء المسميين بالشبيحة، للقيام بالدور الأساسي في قمع الثورة. لكنها هي الأخرى لم تنجح في منع المظاهرات الجماهيرية الحاشدة.

وقد ترتب على ذلك أن وصلت الثورة إلى طريق مسدود، حيث تستمر الحركة الجماهيرية في النزول إلى الشوارع، بدون سلاح، وبادراك كامل أن العشرات قد يقتلون في أي لحظة على حين تتعرض أعداد أكبر بكثير للاعتقال والتعذيب.

في نفس الوقت يدرك كل مشارك في الحركة أن تردد التعبئة سوف يؤدي إلى توحش في النظام سوف يترتب عليه ذبح عشرات الآلاف. ذلك هو بالتحديد ما حدث في عام 1982 حين أمرت حكومة حافظ الأسد، والد بشار الأسد، أمرت القوات المسلحة بذبح ما يقرب من عشرة آلاف شخص في مدينة حماه للقضاء على الانتفاضة السنية.
– – – – – – – – – – – – – – – –
تستمر إذا الاحتجاجات الشعبية بهدف استقطاب آخر معاقل دعم النظام بين الأقليات الدينية المتعاطفة تاريخيا معه.

تاريخيا تعتمد القاعدة الشعبية للنظام السوري على المسيحيين والدروز وبالأخص المسلمين العلويين الذين يمثلون حوالي 12% من السكان. حيث يتبوءون مناصب محورية في بيروقراطية الدولة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

لقد انجذب العلويون – من ذوي الأصول الفلاحية الفقيرة والمضطهدة تاريخيا – إلى الانخراط في القوات المسلحة كسبيل إلى الترقي الاجتماعي كما انضموا إلى حزب البعث العلماني الذي استولى على الحكم في عام 1963. ثم زادت مكانتهم الاجتماعية بعد وصول حافظ الأسد إلى الرئاسة في عام 1970. وقد تمكن حزب البعث بقيادة الأسدين، الأب والابن، من التغلب على العديد من التحديات في الماضي بداية من الحرب مع إسرائيل وانتهاء الضغوط الامبريالية المستمرة من قبل الولايات المتحدة.

تغلبت سوريا على هزائمها العسكرية أمام إسرائيل من خلال التدخل في الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات، الأمر الذي مكن النظام السوري من مساحة من حرية الحركة الاقتصادية ووزن سياسي في الشرق الأوسط وذلك بواسطة القوات التي أصبحت تشكل منظمة حزب الله في لبنان إضافة إلى علاقات وثيقة مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية. بل أن الولايات المتحدة باركت الدور الذي لعبته سوريا في لبنان في عام 1991 في مقابل دعم سوريا لحرب الخليج ضد العراق في نفس العام.

مع ذلك فقد استشعر النظام السوري ضغوطا متزايدة في السنوات الأخيرة سواء من الولايات المتحدة وإسرائيل أو بسبب تناقضات سياساته الاقتصادية. كذلك فإن انهيار الاتحاد السوفييتي الحليف الاستراتيجي للنظام السوري في عام 1991 كان بمثابة ضربة اقتصادية وسياسية له. ثم جاء بعدها بعقد من الزمان الغزو الأمريكي للعراق الذي كان يستهدف، ضمن ما استهدف، أن يؤدي إلى قلب النظام السوري. لكن الأسد تفاعل مع الحدث من خلال السماح لمقاتلين إسلاميين سنيين بالعبور إلى العراق وتقييد حركة القوات المسلحة الأمريكية.

ورغم الصعوبات التي واجهت القوات المسلحة الأمريكية في احتلال العراق إلا أن سوريا أصبحت محاصرة بين إسرائيل من ناحية وأقوى قوة مسلحة في العالم. في عام 2005 أجبر الضغط الجماهيري في لبنان القوات المسلحة السورية على الانسحاب المفاجئ من البلاد ولم يكن ذلك الانسحاب بمثابة ضربة سياسية للنظام السوري فحسب بل وضربة اقتصادية أيضا حيث كان حوالي مليون مواطن سوري يعملون في لبنان في ذلك الوقت.

في محاولة للتكيف مع هذه الضربة السياسية والاقتصادية سارعت سوريا بإجراء “إصلاحات في السوق” أي فتح اقتصادها أمام المشاريع الرأسمالية الخاصة التي سريعا ما جارت على الصناعات المملوكة للدولة والشبكات السياسية الموالية لبعضها البعض والتي طالما هيمنت على الاقتصاد السوري في ظل حكم البعث. ومن ثم تفاقمت مظاهر انعدام المساواة.

يشير بيتر هارلينج وروبرت ماللي، المواليان للامبريالية والأعضاء في جماعة الأزمات الدولية، إلى أن هذه التغيرات الاقتصادية هي التي مهدت للثورة: ذلك أن النظام كان في الواقع يشن حربا على قاعدته الاجتماعية الأصلية. حين جاء حافظ الأسد إلى الحكم كان نظامه يضم أعضاء من الفرع العلوي من الإسلام الذي يجسد المناطق الريفية المهملة بفلاحيها وطبقتها المستغلة. أم النخبة الحاكمة اليوم فقد تنكرت لجذورها وورثت السلطة بدلا من النضال من أجلها وأغلبها ممن ولدوا وكبروا في دمشق وصاروا أقرب إلى الطبقات العليا الحضرية التي اختلطوا بها وخالطوها وقادوا عملية تحرير الاقتصاد على حساب فقراء الأقاليم.

كان المنوط بتغيير النظام أن يفتح الطريق أمام سياسات اشتراكية وعمالية حقيقية، مختلفة تماما عن اللغو الاجتماعي الذي كان النظام يستخدمه أحيانا. لكن الحزب الشيوعي السوري كان قد تحالف منذ زمن مع النظام وأصبح رافدا من روافد نظام ابعث ومن ثم فقد كل مصداقية له. ومن ثم تحول الصراع، الطبقي في الأصل، إلى مسارات طائفية وقبلية.

في سياق فشله في تحسين مستويات العيش للأغلبية الفقيرة من الشعب السوري حاول نظام الأسد الحفاظ على سلطته من خلال بث المخاوف من الفتن الطائفية. فادعت الحكومة أن “عصابات مسلحة” والمسلمين السنة – الذين يمثلون أغلبية السكان – سوف يفرضون دولة إسلامية أصولية على الأقليات الدينية. وفي نفس الوقت بدا وكأن بشار الأسد وأعوانه يأملون في إرهاب المعارضة في كافة أنحاء البلاد من خلال تكثيف القمع على مدن بعينها. لكن توقعاتهم باءت حتى الآن بالفشل.
– – – – – – – – – – – – – – – –
رغم أن النظام لم ينجح في القضاء على الحركة إلا أن القوى الثورية ذاتها منقسمة حول الاستراتيجيات والتكتيكات اللازم اتخاذها لإسقاط الأسد وكذلك حول قبول أو رفض الدعم من القوى الامبريالية.

حيث أشارت بعض قوى المعارضة المحافظة إلى إسقاط معمر القذافي في ليبيا كدليل على ضرورة الترحيب بدعم الولايات المتحدة والناتو. بل إن التطورات في ليبيا قد أثارت حالة عنيفة من الجدل مثلما يفصل جوشوا لانديس على موقعه الالكتروني تعليقا على أحداث سوريا.

كذلك فإن صفحة الثورة السورية على الفايس بوك تكشف “تأثير ليبيا” على المعارضة السورية. حيث تصر إدارة الصفحة على إبراز عنصر “السلمية”، كما تشير التعليقات إلى ضيق المعلقين الذين يعبرون عن قلقهم من أن افتقاد الثورة لدفعتها الأولى، ويؤكد الكثيرون على أن الأساليب السلمية فشلت وغير قادرة على الانتصار أمام إصرار وإمكانيات أجهزة وقوات الأمن.

لكن هناك أيضا الكثيرون من اليساريون العرب الرافضين لهذا الموقف. طبقا لطلال سلمان، المحرر في جريدة السفير اللبنانية اليسارية:
إن عودة القوى الاستعمارية متنكرين في زى المحررين هو أمر يفوق في خطورته كل تصور. “أي اختيار بائس تفرضه الديكتاتورية على الشعوب العربية: إما أن يفقدوا أصواتهم أو أن يتخلوا عن حقوقهم في بلدانهم ويقبلوا العيش بلا كرامة أو أن يعيشوا في ظل استعمار يأتي هذه المرة تحت شعارات التحرر والقضاء على القمع وإعادة البلاد لشعوبها.

في هذه الأثناء هناك محاولات داخل وخارج سوريا لتنظيم وهيكلة الحركة. فقد التقت مجموعة من رموز المعارضة في تركيا في شهر أغسطس لكن جهودهم لم تؤت نتائج واضحة. في حوار مع الأسوشيتدبرس قال المعارض السوري عبيده النحاس أن الاجتماع أسفر عن تشكيل مجلس، الأمر الذي اعترض عليه آخرون.

مصادر أخرى قالت لجريدة الشرق الأوسط أن المجلس الوطني “سوف يضم ما بين 115 إلى 125 عضو” و”أن التنسيق يتم مع المعارضة السورية داخل سوريا لضمان تمثيل “المجلس الوطني” للشعب السوري بكافة طوائفه وخلفياته”.

لكن هناك من بين المعارضة من يرفضون تشكيل المجلس الوطني خارج سوريا. يقول أشرف مقداد مدير الإعلام والاتصالات في دمشق على موقع ألف اليومي:
إنهم ينفقون الملايين على مؤتمرات وهمية في الوقت الذي كان أجدر بهم أن يدعموا الشعب السوري داخل سوريا. يجب تأجيل إعلان تشكيل أي مجلس وطني إلى حين الوصول على اتفاق موحد. نحن نريد رموزا لها تاريخ، يمثلون الداخل تمثيلا حقيقيا. إنهم ينظرون إلى تجربة ليبيا ويريدون تطبيقها في سوريا لكن الفريق كبير بين الوضع هنا وهناك.

وفي حديث آخر لألف يتساءل المعارض السوري أبو دعد سالم:
كيف يمكن تشكيل المجلس من مؤتمرات فاشلة لم تقدم للثورة إلا مزيدا من الانقسامات؟ قوى المعارضة السورية في الخارج تتسابق من أجل تشكيل مجالس ولم يتشاوروا مع لجان التنسيق في داخل سوريا. أعتقد أن اللجنة العامة للثورة السورية قد تشكلت في الوقت المناسب لصد تلك القوى المعارضة (في الخارج).

تتكون هذه اللجنة المشكلة حديثا من أكثر من 40 مجموعة ثورية داخل وخارج سوريا حيث تستشعر الحاجة إلى “توحيد الجهود الميدانية والإعلامية والسياسية” و”ضرورة توحيد كافة الجهود في جبهة فاعلة واحدة تعكس كل وجهات النظر”. وفي إشارة إلى مبادرات تشكيل مجالس وطنية خارج سوريا تؤكد اللجنة على ضرورة تأجيل أي مشروع تمثيلي كما دعت إلى عمل على الوصول إلى توافق عبر كافة أطياف المجتمع السوري.
– – – – – – – – – – – – – – – –
مع انقسام المعارضة السورية، تنتهز الولايات المتحدة وحكومات الاتحاد الأوروبي وحلفائهم الإقليميون الفرصة في محاولة تشكيل نتيجة الصراع لما فيه مصلحتهم.

في البداية عبرت الولايات المتحدة عن نقد محدود لمحاولات الأسد قمع المعارضين وبدلا من مطالبته بالتنحي وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون “بالإصلاحي”. لكن مع نمو الحركة الثورية خلصت الولايات المتحدة إلى أن الأسد سوف يضطر إن آجلا أو عاجلا إلى التخلي عن السلطة، ولم يساعدها حمام الدم المستمر في محاولة إبراز الأسد كإصلاحي.

بالتالي، وبعد رفضها التدخل العسكري على النمط الليبي باعتباره مخاطرة سياسية وباهظة الثمن استقرت الولايات المتحدة على إستراتيجية تغيير النظام بدون ثورة. ففرضت العقوبات الاقتصادية على سوريا وعزلتها دبلوماسيا وعقدت واشنطن الآمال على أن تنجح الضغوط على بعض قطاعات النظام في إزاحة الأسد والسماح للمعارضة بالمشاركة في مرحلة انتقالية محدودة الديمقراطية. في هذا السياق تمكن الملك عبد الله ملك السعودية من إدانة “آلة القتل” السورية” الأمر الذي يثير السخرية قياسا إلى آلة القتل التي قادها النظام السعودي في البحرين، حيث نظام سني حليف للمملكة يمارس الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب للقضاء على الحركة الجماهيرية التي اندلعت مطالبة بالديمقراطية بعد اندلاع الثورة في كل من تونس ومصر. رغم التوترات التي شابت العلاقات السعودية السورية لوقت طويل إلا أنها هدأت في الفترة الأخيرة، على الأغلب خوفا من أن يؤدي سقوط الأسد إلى قيام حكومة شعبية أقل استعداد للانصياع لقواعد اللعبة مما قد يمثل تحديا للنظام السعودي.

النظام السعودي بالطبع لا يتجاوز كونه لسان حال مؤيديه الامبرياليين في الولايات المتحدة. فقد ترددت واشنطن في البداية في المطالبة بتنحي الأسد، ليس فقط لتخوفها مما قد يكون لذلك من تأثير ملهم على باقي الثورات العربية وإنما لأن حكومة ديمقراطية في السعودية قد تتجاوز لغو الأسد المعادي للصهيونية وتطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان بل وقد تقدم الدعم للنضال الوطني الفلسطيني.

لذلك فقد اعتمدت الولايات المتحدة على سياسة العصا والجزرة في تعاملها مع الأسد. حتى يوم 20 أغسطس 2011 وحسب الصحفي اليساري جيم لوب
امتنعت إدارة أوباما عن المطالبة بوضوح بتنحي الأسد وذلك لعدد من الأسباب بما في ذلك مزيج من الآمال بأنه سوف يفي بوعوده في إجراء إصلاحات واسعة وخوفا من أن تؤدي إزاحته إلى مزيد من سفك الدماء بل وحتى حرب أهلية. كذلك تحاول الولايات المتحدة التأثير على الأحداث في سوريا من خلال تركيا ذات المصالح المنفصلة ولكن أيضا المتقاطعة من الولايات المتحدة في المنطقة.

كانت تركيا، مثلها مثل الولايات المتحدة، مترددة في البداية إزاء القطع مع سوريا التي تتبادل معها ما يعادل 2.5 بليون دولار سنويا في أعمال تجارية. في يونيو لخصت الصحفية باربارا سلافين وجهات نظر واشنطن والعاصمة التركية فيما يلي: “كلاهما لا يريد سقوط نظام الأسد، وكلاهما قلق بشأن عدم قدرة النظام على إحداث التغيير الايجابي”.

لكن معدل القمع بطول الحدود التركية الذي أدى إلى هجرة الآلاف إلى تركيا دفع برئيس الوزراء أردوغان إلى انتقاد النظام السوري واستضافة اجتماعات قيادات المعارضة. بل أن اردوغان أشار في أوائل أغسطس إلى أزمة سوريا باعتبارها “أمرا داخليا” بالنسبة لتركيا، في إشارة إلى أن سوريا كانت واحدة من أقاليم الإمبراطورية العثمانية حتى عام 1918 وقد تضمن خطابه استفزازا دبلوماسيا محسوبا بل وتهديدا عسكريا ضمنيا.
باعتبارها عضو الناتو تعتبر تركيا جزءا من الإمرة العسكرية المشتركة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. مع ذلك من المستبعد أن نشهد تدخلا كاملا للناتو في سوريا. قد تتحرك القوات التركية عبر الحدود إلى ما كان في السابق ضمن مستعمراتها تحت دعوى حماية اللاجئين الذين لا زال 7000 منهم في تركيا بعد هجوم عسكري سوري عليهم من بضعة أسابيع. كذلك فإن تركيا طرف في منافسة اقتصادية وسياسية إقليمية مع إيران التي ظلت في علاقة تحالف مع سوريا منذ الثورة الإيرانية في عام 1979 التي جاءت بحكومة إسلامية. السؤال هو ما إذا كان نمو السطوة الاقتصادية لتركيا في سوريا سوف تتفوق على علاقات إيران الإستراتيجية طويلة المدى مع دمشق. كل من سوريا وإيران يدعمان حزب الله في لبنان، وهو الحلف الذي كثيرا ما أجهض أغراض الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.

بغض النظر عما سوف تسفر عنه هذه المحاولات إلا أن ما يحدث في أنقره وواشنطن لن يأتي بالحرية لسوريا. فكلاهما يفضل استمرار حكم رجل قوي في سوريا مع بعض الإصلاحات “الديمقراطية” مثل الانتخابات.. نظام أقرب إلى مصر حسني مبارك. كذلك فإن أي دعم يأتي من الولايات المتحدة سوف يأتي مشروطا، أو على الأصح مقيدا بقيود تربط ما بين سوريا والولايات المتحدة من أجل ضمان استمرار هيمنتها على الشرق الأوسط والحفاظ على إسرائيل كممثل محلي للقوى الامبريالية.

التحدي كبير أمام اليسار في المعارضة السورية. ذلك أن التحالفات من خلال المجالس الوطنية قد تستبدل التوجه إلى الطبقة العاملة التي تتقاطع مع كافة العناصر الدينية والقبلية والإقليمية. لقد كان نضال الطبقة العاملة هو ما حسم التوازن في الثورة المصرية وأضاف البعد الاقتصادي والاجتماعي للحركة الجماهيرية في ميدان التحرير.

الوضع في سوريا يحمل نفس الإمكانية حيث خاطر مئات الآلاف من الشعب بحياتهم في احتجاجات شعبية على مدى ست شهور تقريبا. هذا هو النضال الذي يمكن أن يفرز تنظيما وقيادة تسقط النظام وتفتح الطريق أمام تحول اجتماعي وسياسي ضخم.