بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

حول الاحتجاجات في إسرائيل

أي شعب.. وماذا يريد

اثارت موجة الاحتاجات الأخيرة في إسرائيل ردود أفعال متباينة بين التفاؤل الشديد، في اجتياح الموجة الثورية للمشروع الصهيوني من الداخل، من ناحية، وبين الإنكار التام، المسبق، لأية إمكانات لحدوث تغير في المشروع. وهو ما يجعل أنه من الضروري ان ننظر نظرة أعمق بقدر الإمكان للوضع في إسرائيل، والافق الحقيقي للاحتجاجات، دوت تضخيم أو تقليل.

بدأت الاحتجاجات التي دخلت اسبوعها الرابع، من جانب المتضررين من قانون التمويل العقاري، الذي يضع شروط وفوائد لا يقدر عليها الفرد الإسرائيلي، وتبين مدى استفحال الازمة من استجابة أعداد ضخمة، حيث تكشفت ظاهرة زواج الابناء وبقاؤهم مع ازواجهم وأبناءهم في بيت العائلة، وهو في الأغلب شقة متوسطة.

وكان انطلاق شعار "الشعب يريد عدالة اجتماعية" انعكاسا لعدد من المشكلات الاقتصادية-الاجتماعية التي يعاني منها الإسرائيليين، في الاجور والتعيينات، والصحة والسكن، والتعليم…حتى قدر عدد المتظاهرين بمئات الآلاف، وهي نسبة ضخمة مقارنة بعدد السكان، صاحب ذلك سيل من الاعتصامات والإضرابات لعمال وموظفين ومهنيين.

من يطلع على تفاصيل الاعتصام وردود الأفعال قد يصاب بالدهشة، من الكثير من الأمور التي تذكرنا بالثورة في مصر وتونس: فبدءا من "الشعب يريد…" والتخييم في اهم مكان في العاصمة تل ابيب، والشعارات الساخرة "افرحي يا اما هجيلك انا وجوزي والعيال" والمشانق لدمية نتنياهو(بيبي) وتذكيره بمصير مبارك.

وحتى ردود الأفعال سواء من الحكومة، او المعارضين للاعتصام-نسبة المؤيدين في استطلاعات الراي 90%. نتنياهو ، مايسترو الليبرالية الجديدة، تحدث عن الخطة الاقتصادية، وخطط الإصلاح، واتهم المعتصمين بالتسييس، وباليسارية، وهي تهم مضحكة في إسرائيل، أما ليبرمان فقد زعم ان المطاعم الفاخرة في تل ابيب تعج بالمعتصمين. في حين تعج تعليقات المعارضين للاعتصام بالتشهير والسؤال عن "من يمول الاعتصام" واالادعاء ان العتصمين يتلقون دعم من حماس، وسب كل الشخصيات العامة والفنانين الذين يزورون الاعتصام للتضامن وتنظيم حفلات.

من ناحية اخرى كان زحف اليمينيين على الاعتصام متأخرا، برغم معارضتهم السافرة للمعتصمين. يذكرنا بزحف السلفيين على الميدان. "الشعب يريد دولة يهودية" "حل مشكلة الإسكان في الضفة وغزة"-بمعنى إعادة احتلالهم- "الشعب يريد جلعاد شاليط"(عايز اخته كاميليا) وبرغم تهمة اليسارية، كان الاعتصام بعيدا عن سيطرة فصيل يساري بعينه، وفصيل يساري جذري بالمرة، ودائما ما طالبت قيادات الاعتصام اليساريين بالمرونة وقبول اية شعارات من اجل الحفاظ على الإجماع، وإزالة تهم "التسييس" واليسارية" وقد حدثت بعض احتكاكات بين اليساريين الذين رفضوا الشعارات اليمينية والعنصرية للجماعات والتنظيمات المتطرفة التي زحفت على الاعتصام(شبهتها بعض التعليقات الساخرة بموقعة الجمل).

خدعة سبتمبر:
تزايدت تصريحات نتنياهو وليبرمان بشكل خاص عن خطر جلل سيقع في سبتمبر، حيث يزعم ليبرمان ان الاحتكاكات اليومية عند معبر قلندية تنذر بمحاولة اقتحام عشرات الآلاف من الفلسطينيين للحدود!. أو إصدار جيش الاحتلال تعليمات لسكان الشمال بالحذر..بغرض تذكيرهم بالحرب مع حزب الله وبالتالي العداء ضد العرب حتى في الداخل.

لكن كل ذلك يجب الا يخدع ابصارنا، فالإسرائيليون لا يفتقدون الديمقراطية البرلمانية "الأوروبية"، ولم يخضعوا  لنظام قمعي، وبالتالي فإن "إسقاط النظام" يعني حقا إسقاط النظام الصهيوني المرتبط بالاستعمار العالمي، وهو شعار لم يُرفع اصلا.

أي شعب.. وماذا يريد..
يقول الكاتب اليساري .(أيال كلاين): "إنها احتجاجات أنانية وقطاعية اكثر منها تضامنية..من النظر الأولى من السهل ان تستبعد التحليل القطاعي، ويبدو أن النضال الحالي "الكل معاً"، أي الطبقة الوسطى والأدنى منها.

فـ"الشعب يريد عدالة اجتماعية" ومع ذلك، رغم أننا نستخدم الشعار ذاته، فإن تصوراتنا مختلفة للغاية عن الغايات والسبل لتحقيق "العدالة". فبالنسبة للبعض "الشعب" هو "شعب إسرائيل"-أي اليهود، بينما يعتقد آخرون ان المقصود هو "المواطنون"-اي كل المقيمين في إطار الدولة-اي تشمل العرب، بينما بالنسبة لآخرين هم كل البشر الذين يعيشون هنا-وبالتالي تشمل ايضا العمالة المهاجرة من آسيا وافريقيا- البعض يرى أن العدالة الاجتماعية هي المقابل الذي يُقدم لكل من يخدم الدولة-وبخاصة الخدمة العسكرية- في حين يرى آخري انه يجب توجيه الرعاية للفقراء والمقيمين في مناطق نائية بعيدا عن مركز البلاد،

واخيرا هناك من يؤيدون الحقوق المتساوية للجميع بدون استثناء والمقصود ان الصراع ليس طبقيا، بمعنى أنه ليس صراع بين الطبقة العاملة، أو طبقة العاملين بأجر، ضد الطبقة العاملة، مثلا، لكنه صراع قطاعي، حيث ان يتركب المجتمع الصهيوني من قطاعات مختلفة في المنشأ، شرقية وغربية، متدينة وعلمانية، مستوطنون أوائل، ومهاجرون، جاءوا في موجات استيطانية بدات في القرن التاسع عشر ولا تزال مستمرة. وهو ماخلق تمييز على اساس قطاعات وطوائف-بدون احتساب العرب ولا العمالة الأجنبية الكثيفة- لها مصالح ككتل تصويتية، فاليهود السوفييت يتحالفون مع الكتلة الدينية، رغم التباين في التركيبة والعقلية.

فكان من المنطقي أن يصرخ ابناء الطبقة الوسطى، وبالأدق القطاع المنحدر من
الأجيال الأولى للمستوطنين(الصباريم) ضد تحيز الحكومات للمتدينين، والتسهيلات التي تقدم لهم لبناء مستوطنات، لا يطأونها عمليا، بل يشغلونها كمشروع، ثم تعويضهم في حالة تفكيك المستوطنة في اتفاق سياسي. فإخلاء ثمانية آلاف مستوطن من قطاع غزة تكلف 8مليارات شيكل، بمعدل مليون شيكل لكل مستوطن، هؤلاء تلقوا قطع أراضي على الشاطيء وفي أفضل المناطق. وإخلاء 250 ألف مستوطن من الضفة الغربية ستكلف إسرائيل 250 مليار. علاوة على التكلفة الأمنية.

لكن الإيجابي هنا هو  الاحتجاج على امور كانت تعد من المسلمات، وهي "الاحتلال" "والأمن" والربط بين تكلفتهم المادية-حيث أخذت الاحتجاجات من قبل جانب سياسي، خاصة في حالة وقوع ضحايا او اسرى- والمستفيد ماديا من المشروعات العقارية سواء في المستوطنات او في مناطق الداخل هي الشركات الخاصة التي تاخذ الارض من الحكومة بأسعار وشروط وتعاقدات ميسرة للغاية.

أزمة الطبقة الوسطى، إذن هي الدافع، وهي عامل نجاح الاعتصامات. فبرغم كل شيء الظلم والمعاناة التي يعانيها العاملون لدى مقاولي العمالة، وسكان الضواحي، والعرب، والمتدينين، وبقية الفئات الضعيفة، ليست بجديدة، ولا حتى احتجاجاتهم. فالمختلف هذه المرة، هي مشاركة بل وقيادة الاعتصامات من جانب الطبقة الوسطى، من الشباب أبناء البرجوازية القديمة، العلمانيين الاشكنازيين-أو المتشكنزين اجتماعيا-، الذين يعتبرون أنفسهم الأغلبية الصامتة او الإسرائيليين الحقيقيين، الذين لا يزالوا يسيطرون على مصادر قوة حقيقية، نتنياهو وليفني وباراك، ورجال الاقتصاد والصناعة،والقضاء،
والصحافة، والقيادات العسكرية، وأساتذة الجامعة.

فـ"الشعب" إذن يظل مصطلح مبهم، وكذلك العدالة الاجتماعية، حيث يعلق (ايال جروس) "من الصعب أن نسمع كلاما عن العدالة الاجتماعية دون التطرق للاحتلال، وعملية الاسبعاد التي تصاحبه، بما في ذلك الفلسطينيين مواطني إسرائيل، تتضمن تقويضا للعدالة الاجتماعية".

"ومن ينظرون للصراع على أنه صراع من أجل نظام اشتراكي-ديمقراطي، يدركون انه لا يوجد نظام اشتراكي-ديمقراطي بدون ديمقراطية، وأن الاحتلال يخلع الديمقراطية من جذورها. وفي هذا السياق من الصعب ألا نفكر في التناقض بين التأييد الواسع للاحتجاجات من قبل الجمهور، وبين التأييد الذي حصل عليه سن قانون المصادرة، وذلك قبل أيام معدودة من نصب اولى الخيام الاحتجاجية.

هذا الفصل بين ماهو اقتصادي وماهوسياسي، يبدو ليس فقط مصطنعا بل وغير ممكن.

أين العرب:
في الاعتصام المركزي في تل ابيب تكاد لا ترى عرب. في الوقت نفسه هناك احتجاجت أخرى قد لا يلقي عليها الإعلام الضوء مثل الخيمة العربية-اليهودية المشتركة في يافا. فالصراع حول الحق في السكن تغافل تماما عن حقيقة كون المشروع قائم على اساس الاستيطان في ارض لشعب تم، ولا يزال يتم، محوه، وتشريده.

المحك الآن حسب تعليق الكاتب(أيال جروس) هو "هل يؤدي هذا النضال إلى وعي اجتماعي تضامني بين قيادة وعناصر المحتجين، حتى يتعدى الطبقية والانتماء الإثني والقومي: هل ستهتف الحشود ضد القرارات التي تضر بالفئات الضعيفة التي لا ينتمون لها؟ وهل تشريد مواطني "العراقيب" والقرى البدوية غير المعترف بها-من جانب إسرائيل- سيثير الدرجة نفسها من الهتافات،  أم أنه سلب الحقوق من الجمهور الفلسطيني في المناطق المحتلة وفي إسرائيل، وفي السياق نفسه في الضغط على الفئات الفقيرة من السكان، وأغلبها شرقية، تظل في وعي الرأي العام الإسرائيلي، كوضع "عادي" بعدما تنخفض تلك الموجة من الاحتجاجات؟"

افتقاد قطب ثوري:
من ناحية أخرى، تآكل اليسار الراديكالي الحقيقي داخل إسرائيل، له جذور بنيوية داخل المجتمع الإسرائيلي بطبيعته الصهيونية. فإسرائيل، بالدعم الإمبريالي غير المحدود، وبسياسة الفصل العنصري المؤسِسة لوجودها، مجتمع يتغذى تماسكه داخليا على معاداته للآخر الفلسطيني يطغى على اية تشققات طبقية-سياسية كبرى ذات مغزى. مجتمع كهذا لا يمكن إسقاط أسسه من الداخل، بل لابد أن تأتيه الضربة من خارجه، من ثورة الطبقات العاملة العربية.

وهذا بالتحديد هو ما يجعل من وجود يسار راديكالي حقيقي، كتيار له تأثير، أمرا بعيد المنال في تلك الدولة. وهو كذلك ما يدفع من يرفضون الصهيونية جذريا، أي يرفضون وجود الدولة الإسرائيلية، إلى مغادرة إسرائيل جسديا أو إلى الانتقال الشامل إلى معسكر الثورة الفلسطينية.

حقائق وارقام:
دولة رأسمالية فيها 93% من مساحة الدولة ضمن ملكية الدولة. العرب داخل إسرائيل يمثلون 20% من السكان، وجيل الأبناء يمثل 24% من جيل الأبناء في الدولة، يعيشون على 2.5% من مساحة الدولة ويتم استقطاع ومصادرة اراضيهم وهدم البيوت بل وإرغام العرب على دفع تكلفة الهدم
46% من الذين يعيشون تحت خط الفقر هم اناس يعملون، 20% من المصنفين تحت خط الفقر هم أزاج شباب(كلاهما يعمل)

في 2009-2010 حدثت زيادة بنسبة 60% في اعداد المليارديرات المصنفين بين
اثري أثرياء العالم 2008-2009 زاد عدد المليونيرات بنسبة 43%تقريبا (8419 مليونير) وهي تعد في المرتبة الثالثة بعد هونج كونج والهند في نسبة الازدياد في عدد المليونيرات.

المصدر الاساسي لتراكم الثروة لدى هؤلاء هو تأكل نصيب فئات وقطاعات أخرى
– بلغ معدّل الأجور في إسرائيل خلال شهر مايو أيار الماضي 8454 شيكل شهريا