إيطاليا والبرتغال: مزيد من التقشف.. والاحتجاجات أيضا

شهدت العاصمة الإيطالية روما، والعاصمة البرتغالية لشبونة، حركة احتجاجات واسعة خلال الأسبوع الماضي ضد سياسات التقشف التي انتهجتها حكومة البلدين خلال وضعهما لموازنة العام المقبل.
ففي إيطاليا، صاحبة أكبر رابع اقتصاد في أوروبا، خرج الآلاف من المحتجين في مظاھرات جابت میادین العاصمة، حيث قدر المنظمون أعداد المشاركين بنحو 70 ألف شخص في حين ذكرت قوات الأمن أنهم 50 ألف شخص فقط. وشاركت جمعیات مدنیة وحركات یساریة الاحتجاجات في أجواء سلمية، حتى اعترضت الشرطة طريقهم بالقرب من وزارة المالية بإلقاء قنابل الغاز لتفريقهم، فقام المحتجون بقلب صناديق القمامة وإحراقها ورشق قوات الشرطة بالبيض وهو ما واجهته قوات الأمن بمطاردة المحتجين واعتقال نحو 15 شخصا.
طالب المحتجون حكومة رئیس الوزراء الإیطالي إنریكو لیتا بالرد على دعوات التخلي عن سياسات التقشف التي تقود البلاد نحو اتجاه واحد سیؤدي إلى الإفلاس، كما لم تحقق تلك الإجراءات ما كان منتظرا منھا في خفض حجم الدیون وتقديم حلول حقيقية للأزمة وسط تجميد رواتب العاملین في القطاع العام وعدم تخفيف العبء الضریبي بشكل كاف عن العمال.
ترجع الأزمة في إيطاليا لارتفاع ديون البلاد إثر تدخل الحكومة لإنقاذ البنوك والشركات التمولية بالتأميم وشراء الأسهم من أموال دافعي الضرائب والاقتراض من المؤسسات المالية الدولية عام 2008. وبرغم من ذلك فشلت تلك الأموال في حل الأزمة مما أدي إلى تقلص حجم التمويل للشركات الصناعية والتجارية، وهو ما يعني وقف مشاريع التوسع وإغلاق الكثير من المصانع والشركات الصغيرة فتم تسريح الكثير من العمال وزيادة البطالة، ومن ناحية أخرى لجأت الحكومة لاتباع سياسات تقشفية وإخفاض إنفاقها بتقليل عدد العاملين وتجميد الرواتب لتسديد الديون وفوائدها.
لم تكن الاحتجاجات الإيطالية هي الأولي منذ حدوث الأزمة، ففي أكتوبر 2010 قام نحو مليون عامل بمسيرات جابت شوارع العاصمة روما، احتجاجا على تقلیص إنفاق الحكومة بقیمة 22 ملیار یورو، والآن تعود الاحتجاجات مجددا لتعلن عن فشل سياسات التقشف في القضاء على الأزمة في الوقت الذي تتحمل الطبقة العاملة أعبائها دون غيرهم.
وفي البرتغال، أفقر بلدان غرب أوربا، تظاھر الآلاف بقلب العاصمة لشبونة رفضا للسیاسة التقشفیة التي تتبعھا الحكومة، وقد دعا اتحاد النقابات في البلاد لھذه المظاھرات تحت شعار “لا للاستغلال والافقار”، وجابت بورتو، كبرى مدن شمال البرتغال، مظاھرة احتجاجیة شارك فیھا ما بین 50 و60 ألف شخص حسب المنظمین، في حین قدرتھا الشرطة بنحو 25 ألفا.
طالب المحتجون برحیل الحكومة وإجراء انتخابات جدیدة، وذلك احتجاجا على برنامج تقشف یمتد لعامین، وھو جزء من حزمة الإنقاذ المتفق علیھا بین لشبونة والدائنین الدولیین والذي يتضمن إجراء أكبر خفض في الرواتب منذ عام1977، حيث تعتزم الحكومة البرتغالية خفض أجور الموظفین المدنیین بما بین 2.5% و12% وتقلیص معاشات الموظفین السابقین بنحو 10%.
تفاقمت الأزمة في البرتغال في أواخر 2010 حين لجأت الحكومة إلى تمویل عاجل لدعم القطاع المصرفي، في الوقت الذي وصل فيه العجز المالي إلى 12 ملیار یورو، ما يعادل 16 ملیار دولار، لذا سعت الحكومة البرتغالیة إلى توفیر 5 ملیار یورو سنویا من خلال اتباع برنامج تقشف اقتصادي، في حين كانت نسبة البطالة في البرتغال تصل إلى 10.9% مما دفع النقابات إلى الدعوة لإضراب عام ليوم واحد شارك فيه ما یقرب من 3 ملیون عامل، واستطاع الإضراب أن یشل حركة الموانئ والقطارات، وأن یعطل قطاعات ھامة مثل المصارف والإعلام وتوزیع الوقود.
تفاقم الأزمات يبدأ بالاقتراض من المؤسسات المالية الدولية التي تحمل الاقتصاد فيما بعد أعباء سداد الديون وفوائدها، وهو ما على جماهير دول الربيع العربي النضال ضده في ظل تمسك الحكومات باتباع نفس السياسات الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد العالمي وتحمل نفس النتائج المعادية للجماهير.
تكرار الموجات الاحتجاجية ليس في إيطاليا والبرتغال فقط، لكن في معظم دول أوروبا على اختلاف حجم اقتصادياتها، يعد دليلا على فشل خطط التقشف، مما يجعل إصرار تلك الحكومات لاتباع نفس سياساتها نوعا من الإفلاس في إيجاد حلول جذرية للأزمة المثيرة للاحتجاجات، وهو ما على الثوريين داخل أوروبا استغلاله لطرح برنامجا راديكالياً لوضع الطبقة العاملة في نضال مباشر ضد الرأسمالية.