بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

يوميات الإضراب العام في لبنان: الشعب يحاصر الحكومة

قبل أسبوعين أعلنت هيئة التنسيق النقابية بلبنان دعوة صريحة لإضراب عام ومفتوح يشل كل المدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمعاهد والوزارات والإدارات العامة والسرايا الحكومية في المحافظات وذلك اعتباراً من الثلاثاء، 19 فبراير الماضي. ووفقاً للدعوات تم الإضراب في موعده المحدد حيث طالب المعتصمون بإحالة سلسة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب فوراً تمهيداً لإقرار مطلب زيادة الأجور. كما جاء الإضراب رداً على هيئات أصحاب العمل اللبنانية المطالبة بتطبيق المادة 15من قانون الموظفين لحظر الإضراب والتظاهر.

اليوم الأول: إعلان الاعتصام وفشل التفاوض

بدأ الإضراب في يومه الأول باعتصام أمام السرايا الحكومية في بيروت بعد أن تصدت القوات الأمنية للعديد من المسيرات. حمل المعتصمون لافتات تؤكد أن “إحالة السلسلة لم تعد تحتمل التسويف والمماطلة”. فيما تعجب بعضهم من زيادة عدد النواب من 128 إلى 134 نائباً وتوفير الأموال اللازمة لذلك، في حين تمتنع الدولة عن تنفيذ الحقوق الأساسية للعاملين في حد أدنى للأجور.

لم يمر أكثر من نصف ساعة على بدء الإضراب حتى دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هيئة التنسيق النقابية للقاء بهدف تسوية الأوضاع، حتى خرج بعده نعمة محفوض نقيب المعلمين بالمدارس قائلا: “ليس لدى الرئيس ميقاتي جواب شاف ليقدمه لنا”، وكان المعنى واضحا بأن “قرار الحكومة بعدم إحالة السلسلة، يقابله قرار هيئة التنسيق النقابية بعدم الخروج من الشارع”، في إشارة إلى استمرار الإضرابات والاعتصامات.

اليوم الثاني: تضامن وتنظيم أوسع

وفي ثاني أيام الإضراب، اتجه المضربون إلى التظاهر أمام مقر وزارة المالية، أما المناطق التي شهدت اعتصامات منذ اليوم الأول فقد ظهرت حالة التضامن الملحوظة من جانب الموظفين بالامتناع عن أداء أعمالهم في عشر مناطق على الأقل. كما انضم العاملون في الجامعة اللبنانية للإضراب ليوم واحد معلنين وقف جميع الأعمال الإدارية في الجامعة. فيما حاول المعلمون المضربون اجتذاب الطلاب وأهاليهم للإضراب بالإعلان عن تأجيل مواعيد الامتحانات الرسمية بقدرعدد أيام الإضراب وأن كل يوم إضراب سيعوض عنه بيوم دراسي. حيث أعرب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة أن مطالبهم لن تتحقق دون هذه الوحدة والتماسك، كما وجهت هيئة التنسيق النقابية دعوة إلى اتحاد المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة للانضمام إلى الإضراب بعد إصدارهم  بيان لتأييد المطالب المرفوعة.

برزت الأهمية تنظيم الإضراب في ذلك اليوم حيث عقدت هيئة التنسيق النقابية اجتماعاً مفتوحاً بنقابة المعلمين للإطلاع على الوضع الميداني وقرروا تشكيل لجان إضراب في كافة السرايا الحكومية مهمتها الالتزام بالإضراب المفتوح ورفع الاقتراحات بالخطوات اللازمة إلى هيئة التنسيق النقابية المركزية من خلال تنظيم اجتماع على مستوى الفروع عند الثالثة من عصر كل يوم.

اليوم الثالث: تشكيل لجان قاعدية في الوزارات

تميز الإضراب في ذلك اليوم بالانتشار والتوسع على المستوى الأفقي حيث خرج المعتصمون من أمام وزارة المالية بضرورة تشكيل لجان قاعدية في الوزارات للحرص على استمرارية الإضراب. تم ذلك فعلاً بالإعلان عن تأسيس لجنة من موظفي وزارة المالية التي شهدت اعتصامهم أمس. 

وتكراراً للتجربة، شهد اليوم الثالث للإضراب إقرار أماكن جديدة للاعتصام عند العاشرة صباحاً أمام وزارة التربية والتعليم ببيروت، وشمالاً أمام دائرة المالية بطرابلس وفي باقي المناطق سيكون الاعتصام أمام مراكز المحافظات. كما أصدر المجلس التنفيذي للاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان بياناً يدين تجاهل الحكومة لمطالب العمال في مواجهة التضخم المالي المتصاعد والارتفاع غير المبرر لأسعار المحروقات، واتهم الحكومة وهيئة أصحاب العمل بالتآمر لإلهاء الناس عن المشاريع المشبوهة مثل قانون الانتخاب وقوانين زيادة الضرائب على الفئات الفقيرة.

اليوم الرابع: تجاهل حكومي ومناطق جديدة للاعتصام

انتقل المضربون باعتصامهم إلى أمام وزارة الزراعة كما استمرت الاعتصامات أمام السرايات في كل المناطق جنباً إلى جنب مع الاعتصام المركزي في بيروت. فيما شهد الجنوب إضراباً عاماً مع إقفال للمدارس الرسمية وتعطيل الإدارات العامة واعتصامات أمام السراي الحكومي. 

رقعة الاعتصام شهدت اتساعاً في ذلك اليوم بعد تصريحات رئيس جمعية تجار بيروت أن ما يسمى بـ “الهيئات الاقتصادية” التي تضم أصحاب الأعمال “تُطاع ولا تطيع”، وهو ما اعتبره المضربون تحدي صارخ وغطرسة ضد العمال، فعقدت الهيئة اجتماعاً في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، عرضت خلاله نتائج التحرك ثم أقرت الاستمرار بمناطق الاعتصام السابقة مع إقامة اعتصام جديد أمام المصرف المركزي وتقاطع وزارات الإعلام والسياحة والداخلية، والتفتيش المركزي وغرفة التجارة والصناعة. وبذلك تتسع مناطق الاعتصام في يومه الرابع لتشمل الشمال والجنوب وبعلبك وجبل لبنان.
اليوم الخامس: حان الوقت للتصعيد 

بعد اجتماع الهيئات التنسيقية للإضراب، ووفقاً لاستمرار التجاهل الحكومي، تم إقرار برنامج تصعيدي باليوم الخامس حيث سيتم تنظيم اعتصام دائم أمام وزارة المالية رداً على تهديدات وزير المالية للموظفين المشاركين باللجنة، سيتم ذلك بالتوازي مع تنظيم تظاهرة مركزية في بيروت أثناء انعقاد جلسة مجلس الوزراء والذي من شأنه إحالة قرارات زيادة الأجور إلى مجلس النواب. كذلك الاستمرار بالاعتصام أمام المصرف المركزي والسرايا الحكومية والمحافظات وتسيير المسيرات الدائمة. فيما حرص البرنامج على ضرورة تدعيم مواقف المعلمين في المدارس الخاصة، التي تعرض المعلمون فيها للضغط والتهديدات، وذلك بالاعتصام أمام تلك المدارس.

وبنظرة عامة وأشمل للإضراب نجد أن:

1- الإضراب فضح انحياز الحكومة لرجال الأعمال، فبدلاً من فرض ضرائب تصاعدية على أرباحهم الفائقة أو التحقيق في قضايا إهدار المال، جاء الحل الحكومي في انتقاص تعويضات المتقاعدين وخفض معاشات التقاعد في بلد بلغت مؤشرات التضخم فيها 10,7%. 

2- ما ميز الإضراب هو الحشد الذي استغرق أسبوعين، فهو من ناحية يمنح الحكومة فرصة جديدة بشأن التحرك الفوري، ومن ناحية أخرى يوفر فرص أكبر لتنظيم الإضراب بصياغة أهدافه ومطالبه وتشكيل لجانه القاعدية والمركزية، والتواصل بين القطاعات العمالية المختلفة.

3- الشكل التنظيمي للإضراب بتكوين اللجان الفرعية لمختلف المناطق ساعد على سرعة التحرك الميداني رداً على التصريحات والردود الحكومية، الاعتصام مثلاً بدأ أمام وزارة المالية احتجاجاً على فرض مزيد من الضرائب، في حين توسع إلى أمام المصرف المركزي والغرفة التجارية رداً على تصريحات الهيئات الاقتصادية. 

4- اهتم الإضراب بتوسيع دائرة التضامن في جذب الطلاب إلى قضية معلميهم وانضمام جبهات نقابية أخرى. بل أصبح الإضراب قوة دفع لتحفيز معارك عمالية أخرى كنقابات موظفي المصارف التي هددت الإدارات بإتخاذ المسار القانوني بعد امتناعها عن تسديد الزيادات المقررة لعام 2011، كان ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه النقابات تأييدها لمطالب المضربين في بيان صادر عنها.

5- الاعتصام أمام المقرات والمؤسسات الحكومية انطلق من مجرد احتلال المباني ومنع الموظفين من الدخول إلى رفع المطالب الاقتصادية المشتركة بين المعتصمين والعمال بداخل تلك المؤسسات. الأمر الذي ساعد في انضمام العمال تحت راية تلك المطالب. بل وقاموا بتكوين مجالس قاعدية، داخل وزارة المالية مثلا، تنظم الإضراب وتنتقل به من الشارع إلى داخل أماكن العمل وبين العمال المتحكمين الفعليين في الإنتاج.

6- لم يدهشنا الإضراب إذن في إمكانية الربط بين المطالب الاقتصادية والسياسية، ففي الوقت الذي أبدت فيه الحكومة تجاهلا للإضراب كان العمال يهددون بمقاطعة الانتخابات المقبلة والحشد لذلك. وفي الوقت الذي تتحجج فيه الحكومة بزيادة الدين والاتجاه لتقليل النفقات، يفضح العمال على الجانب الآخر قيادات مافيا الحكومة المتورطين في عمليات سلب ونهب الأملاك العامة وخزينة الدولة.

قد يعكس الإضراب في لبنان تطوراً غير مسبوق في تاريخ العمل النقابي، بل أن قوة العمال في فضح الحكومات ورجال أعمالها انتقلت أيضاً لحركات نقابية مغربية بإعلانها عن خوض إضراب عام يوم 28 فبراير تحدياً لسياسات الرأسمالية وانتصاراً لشعوب جمعها القهر والاستغلال.