بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

زلزال سياسي في اليونان

• نُشرت المقالة لأول مرة باللغة الإنجليزية في 9 مايو 2012 بجريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية، تصدرها منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة

رسالة دوت في كل أرجاء العالم بعثتها نتائج الانتخابات في اليونان نهاية الأسبوع الماضي: أن العمال يريدون وضع حد لإجراءات التقشف التى هوت بالاقتصاد اليوناني إلي الركود، والتي خفضت مستوى المعيشة في كل مكان.

وكان أبرز ما في نتائج التصويت تلك التي حازها التحالف اليساري الراديكالي (سيريزا) وهي الأحرف الأولي باليونانية لتحالف الأحزاب والمنظمات اليسارية الثورية والإصلاحية. التحالف الذي أحرز المركز الثاني في الانتخابات يوم 6 مايو متقدما على حزب (بازوك) المحسوب علي يسار الوسط, والذى ظل مسيطرا على الحكومة حتى نهاية العام الماضي، ولاحقا بفارق صغير من الأصوات للحزب المحافظ الرئيسي، حزب (الديمقراطية الجديدة). لم يتمكن حزب الديمقراطية الجديدة من تكوين تحالف انتخابي يضمن له استحواذ الأغلبية في البرلمان اليوناني, وبهذا أعطى (سيريزا) الفرصة التي بدورها اقتنصتها. لكن المتحدث الرسمي باسم (سيريزا) ألكسيس تسيبراس, يؤكد أنه على الحكومة اليونانية القادمة أن ترفض إجراءات التقشف التي سببت الكثير من الضرر لليونان.

هذه الانتخابات هي الأولى التي يتاح لشعب اليونان فيها التصويت على السياسات الموضوعة منذ بداية أزمة الديون اليونانية. التخفيضات المتوحشة في الإنفاق العام، خفض أجور عمال القطاع العام، الخصخصة وغيرها من التدابير التقشفية، هي جميعا الشروط اللازمة لاستمرار خطة الإنقاذ المالي المهندسة من طرف الاتحاد الاوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

تسببت إجراءات التقشف اليونانية في أزمة مدمرة، لكن ما اصطلح عليها اللجنة الثلاثية (الترويكا) والداعمين لها في وول ستريت وفي الحكومات القوية كالولايات المتحدة الأمريكية، يريدون المزيد من خفض الإنفاق، كما بدأت النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في أوروبا تحذر من عواقب وخيمة بعد ظهور نتائج الانتخابات في اليونان.

وقد أسهمت المجموعة الاشتراكية اليونانية المعروفة باليسار العمالي الأممي (ديا) في تأسيس (سيريزا) منذ عام 2004, وفي هذا المقال المأخوذ من صحيفة المجموعة، تحتفل (ديا) بفوز اليسار في السادس من مايو وتتطلع إلي المستقبل.

باتخابات السادس من مايو، تأكدت رسالة المقاومة والنضال التي تبنتها (سيريزا). فنتيجة الانتخابات هي أولا وقبل كل شيء مناهضة للوضع السياسي القائم؛ فلقد صوتت الأغلبية ضد حزب الديمقراطية الجديدة اليميني وضد حزب بازوك الاشتراكي الديمقراطي.

كان هذان الحزبان هما الضامنان لما عرف بـ (مذكرة التفاهم) وهي حزمة من الديون المعادية للعمال بين الحكومة اليونانية والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي, كما كانا الشريكين الرئيسين في حكومة التكنوقراط لرئيس الوزراء لوكاس بابديموس المسئول السابق في البنك المركزي الأوروبي, الذي تولى رئاسة الوزراء إبان جائحة من الغضب ضد إجراءات التقشف التي اتخذها حزب (بازوك)، والعضو الثالث في تلك الحكومة الائتلافية كان التجمع الشعبي الأورثوذوكسي اليميني المتطرف الذي مُني أيضا بالخسارة حائزا على 2,9 بالمائة من الأصوات، وهو أقل من الحد الذي يسمح لأي حزب بالتمثيل في البرلمان المقبل.

قال الزعيم في حزب الديمقراطية الجديدة، أنطونيوس ساماراس، أن حزبه كان يسعي لكسب أغلبية حكومية, وفي النهاية خسر الحزب 1,1 مليون صوتا من الذين صوتوا له في 2009, وحصل فقط علي 18,9% من إجمالي الأصوات مقارنة ب 33,5% منذ عامين، حيث كان الحزب يعتبر نتيجته في انتخابات 2009 هزيمة ساحقة.

أما رئيس الـ (بازوك)، إيفانجيلوس فينيزيلوس، فقد أمل أن يظل حزبه في المرتبة الأولى بين الأحزاب، في النهاية فقد الحزب 2,2 % من الأصوات التي أعطيت له في 2009، منكمشا إلى 13,2% من إجمالي الأصوات بعد أن كان قد حاز 43,9% في آخر انتخابات، وأخيرا انتهى الحال بـ (بازوك) في المركز الثالث بعد (سيريزا).

كان إقبال الجماهير على التصويت لـ (سيريزا) هو الطريقة الرئيسية التي عبرت بها عن ميلها الشديد يسارا, فقد رفع التحالف اليساري الراديكالي نسبة التصويت لصالحه من 4,6% و315 ألف صوتا عام 2009 إلى 16,8% و1,1 مليون صوتا عام 2012.

فاز تحالف (سيريزا) بسبب السياسات اليسارية الراديكالية، و"لا" الجهيرة والواضحة في وجه اتفاقات القروض وحزم المساعدات، بسبب هجومه المستمر على أصحاب البنوك والمطالبة بزيادة الضرائب على الأغنياء, ولأن التحالف استهدف الأعداء الحقيقيين منحيا الخلافات الداخلية في اليسار جانبا، واختار الوحدة. الأهم من كل هذا، فاز لأنه لم يرتعد من تهديدات سماراس وفنزيلوس أن كل صوت لن يكون لصالح التقشف سوف يدمر الاقتصاد اليوناني. دعا سيريزا إلى ضرورة الإطاحة بالحكومة الحالية فورا وطرح بثبات شعار حكومة يسارية كبديل.

أما الحزب الشيوعي اليوناني، فقد ثبت تقريبا عند نفس المستوى من التأثير، كسب 517249 صوتا عام 2009 ثم 536072 صوتا عام 2012، وهي زيادة لا تكاد تذكر إذا وضعنا في الاعتبار النضالات العظيمة والمزاج اليساري القوي الذي ساد خلال نفس الأعوام.

لذلك فنتائج انتخابات 6 مايو لابد أن توجه رسالة إلى قادة الحزب الشيوعي اليوناني، هؤلاء الذين آثروا أن يوجهوا سهام النقد بالأساس ضد (سيريزا)، وقبل كل شي، آثروا أن يزعموا للجماهير أن: كل جهد تبذله هي لتحسين حياتها اليوم وليس على شاكلة سلطة الشعب في المستقبل البعيد، إنما هو "تزييف خطير" .

المكاسب الانتخابية للـ(أنتارسيا)، وهو تحالف أصغر لليسار الأكثر تطرفا، كانت أيضا محدودة جدا، فمن 24687 صوتا (0,36%) عام 2009 إلى 75439 (1,19%) عام 2012. في فترة مليئة بالنضالات والتجذر، فشل تحالف أقصى اليسار هذا في زيادة تأثيرة ودوره السياسي في اليونان، فشل في أن يحقق حتى ما حققه النازيون الجدد، الجناح "الراديكالي" لليمين.

هذا هو الجانب الأكثر ظلاما في الانتخابات، الزيادة الكبيرة في التصويت لصالح (الفجر الذهبي)، الذي ليس مجرد حزب من أقصى اليمين، ولكن من النازيين الجدد المتشددين، فقد تمكن تلاميذ هتلر هؤلاء من كسب 438910 صوتا أي 6,97% من إجمالي الناخبين، هذه العصابة من البلطجية، والتي تظهر كقوة معادية لاتفاقات القروض، رغم أنها كانت وستظل دائما كلبا مخلصا للطبقة الحاكمة، لديها القدرة والوسائل المادية لتصبح حزبا سياسيا حقيقيا.

أصبح اليمين المتطرف خطرا متزايدا على المهاجرين واليسار والحركة العمالية، ومن ثم فإن مواجهته من المهام الرئيسية لحركة المقاومة واليسار، فالنضال من أجل دحر النازيين يجب أن يكون واعيا ومنظما ودائما.

بصفة عامة الانتخابات سددت لكمة قوية لجسد النظام، وسببت شللا غير مسبوق للممثلين السياسيين للطبقة الحاكمة، الذين تركوا بلا شرعية ولا بدائل غير كسب التأييد لسياساتهم التقشفية، كل هذا يأتي في وقت يتطلب فيه اشتداد الأزمة الاقتصادية منهم التصرف أسرع وبحزم أكبر ضد العمال.

نتيجة الانتخابات أيضا تعكس إمكانية تصاعد المقاومة الاجتماعية من أسفل، وتفتح إمكانات أكثر لزلزلة أركان النظام القائم، ذلك أن شعار "حكومة يسارية" يكسب الآن تأييد قطاعات هامة من الجماهير. وحقيقة أخرى لا يمكن جحدها، وهي أن تحالف (سيريزا) أصبح الأول في كسب أصوات الطبقة العمالة في القطاع العام كما في القطاع الخاص, بين العاطلين عن العمل وبين المصوتين من سن 14إلى 34 ومن سن 35 إلى 54. وهو أيضا الحزب القائد في مجالس أحياء الطبقة العاملة في أثينا وبيرياوس.

وبعثت نتيجة الانتخابات أيضا برسالة إلى أوروبا، رسالة ليست فريدة، كما أظهرت الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

أما قادة الاتحاد الأوروبي فقد ردوا بدورهم برسائل متضاربة. فمن ناحية يطمحون في السيطرة على الوضع بعد الانتخابات، أن يرعبوا الشعب اليوناني من خطر "الفوضى" إذا لم تحترم دولة اليونان الاتفاقات التي وقعها كل من سماراس وفينيزيلوس.

ومن ناحية أخرى يقومون بمناورة على أمل فتح باب التفاوض، فيزعمون أنهم مقبلون على مناقشة تعديلات في بعض بنود (مذكرة التفاهم)، مثل مد مدة سياسات التقشف من عامين إلى ثلاثة أعوام للتخفيف من وطأتها. ويقولون أنهم عازمون على التفاوض بشأن سياسات جديدة تجمع بين التقشف والوعد بإجراءات محفزة للاقتصاد.

أما المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" ووزير المالية "فولفجانج شابل" فهما في الحقيقة مرعوبان لأنهما أدركا حقيقة أن اليونان قد تكون الحلقة الأضعف في سلسلة اقتصاد التقشف الأوروبي، وعلى اليسار أن يولي وجههه شطر هذا الأفق.

إن نتائج انتخابات السادس من مايو لم تأت من العدم، فهذا الغليان السياسي تمتد جذوره في موجات النضال التي امتدت عبر السنوات السبع الماضية، الإضرابات العامة المهولة، التظاهرات الجسورة، احتلال الميادين. لها جذورها في تراكم الخبرات السياسية لدى الجماهير منذ انتفاضة الشباب في 2008 إلى الانفجار النضالي للغضب الطبقي في شوارع أثينا في فبراير 2012.

لكننا لايمكن أن نغفل الدور الذي لعبه تحالف (سيريزا) في بلورة هذا الحراك ومنحه تعبيرا سياسيا.
مؤسسات البرجوازية تحاول قهر هذا الحراك بتهديداتها أن لا حزب الآن قادر على تشكيل حكومة، ودفاعها عن (حكومة إنقاذ) ائتلافية تضم كل الأحزاب، وقد اتخذ تحالف سيريزا موقفا سليما برفض هذا السيناريو ومقاومة كل الضغوط والابتزاز، وينبغي على هذا أن يظل.

فقط بواسطة حكومة يسارية يمكن لـ(مذكرة التفاهم) أن تسقط لصالح الطبقة العاملة. حكومة يسارية تلغي هذه المذكرة واتفاقات القروض كخطوة أولى تجاه برنامج له أولويات مختلفة تماما. القضايا المركزية في هذا البرنامج لابد أن تكون الأجور والمعاشات، التعليم العام والصحة العامة ودعم العاطلين. ولتوفير الموارد المالية لهذا البرنامج لابد لهذه الحكومة أن تمتنع عن الدفع إلى حيتان القروض داخل اليونان وخارجها, ولا بد لها من تأميم البنوك، ومن فرض ضرائب ثقيلة على الأرباح الاحتكارية وعلى الأثرياء عموما.

سيمر حزبا الطبقة الحاكمة الرئيسيان حتما بأزمة عميقة. ففي حزب الديقراطية الجديدة هناك أصوات الآن بالفعل تطالب باستقالة ساماراس، وفي حزب بازوك يتسائل حتى تيودوروس بانجالوس القيادى في الحزب والمشهور بهجومه علي خصوم الحزب وسياساته، يتسائل على الملأ إن كان حزب بازوك يستحق الوجود أصلا بعد الآن.

اليسار لديه الآن إمكانية اجتثاث هذا النظام السياسي العفن من جذوره، وطالما قيادة الحزب الشيوعي مصرة على البقاء على الهامش، ستوفر لفينزيلوس وساماراس جلدا سياسيا جديدا يلبسانه، لكن حتى لو لم يتغير هذا فإنه ليس عند سيريزا الآن خوف من خوض انتخابات جديدة.

تجاه هذه الغاية نكرر مرة أخرى دعوتنا للجبهة المتحدة لليسار سواء في كل النضالات في كل أنحاء اليونان، أو في معارك الانتخابات، نوجه هذا النداء إلى كل القوى اليسارية وبخاصة الرفاق في منظمة (أنتارسيا).

لقد شاركت (ديا) في كل المعارك والجولات التي خاضتها (سيريزا) حتي تصل إلى هذه النقطة، واليوم نحن فخورون بهذا الاختيار، نشكر كل الذين أعطوا أصواتهم لمرشحينا في سيريزا، ونعاهد أنفسنا أن نفعل كل ما في وسعنا لنحافظ علي الخط اليساري الثوري لسيريزا، وهو نفس ما يسعى إليه أغلب أعضائها وحلفائها.