فيلم Parasite: “نعيش جميعًا في بلدٍ واحد؛ بلد الرأسمالية”

جاءت أكبر مفاجآت موسم جوائز الأفلام هذا العام في احتفالية الأوسكار الشهر الماضي. لم يحصل فيلم “Parasite – طفيلي”، للمخرج الكوري الجنوبي بونج جون هو، على جائزة أفضل إخراج وأفضل فيلم دولي فحسب (تحدَّث بونج باستحسانٍ على تغيير اسم هذه الفئة من “فيلمٍ أجنبي” إلى “دولي”)، بل حصد أيضًا جائزة أفضل فيلم، وهي المرة الأولى التي يحظى فيها إنتاجٌ غير أمريكي بجائزةٍ كهذه.
لكن ربما لا يُعَدُّ ذلك مُفاجِئًا، وكما قال بونج نفسه في مقابلاتٍ صحفية أُجرِيَت معه، فقد وَجَدَ الاستجابة للفيلم متشابهةً في مُختَلَف البلدان حول العالم: “يتحدَّث الفيلم عن عائلتين متعارضتين تمامًا، يتحدَّث عن الأغنياء مقابل الفقراء، وهذه موضوعٌ عالمي، لأننا نعيش جميعًا في بلدٍ واحد؛ بلد الرأسمالية”.
وفي الحقيقة، تزداد فجوة اللامساواة بين أغنى 1% من السكان وبقية المجتمع في الولايات المتحدة عنها في كوريا الجنوبية كثيرًا، وهو ما يُفسِّر بوضوح فرصة الفيلم لشعبيةٍ أكبر لدى الجمهور الأمريكي.
إنه فيلمٌ مُتنوِّعٌ ومُتعدِّد الزوايا بصورةٍ بارعة. حين يبدأ، ربما نظن أننا بصدد مشاهدة فيلمٍ كوميدي عن عائلةٍ مدقعة الفقر (عائلة كيم) تعيش في قبوٍ تحت الأرض، من تلك الشقق الرديئة المنتشرة في كوريا الجنوبية، ويحاول أفرادها أن يشقوا طريقهم إلى حياة الترف والرفاهية بالعمل في خدمة عائلة بارك الثرية.
ربما نظن أيضًا أن عنوان الفيلم يعود إلى هذه العائلة: كيم كاي تايك (الذي أدَّى دوره الممثِّل الكبير سونج كانج هو)، وزوجته، اللذان شقَّا طريقهما في النهاية إلى عائلة بارك، ليعمل هو سائقًا على سيارتهم الليموزين، وهي مدبِّرة منزل لديهم.
كان هذا التسلُّل إلى منزل عائلة بارك من تدبير ابن كيم وابنته. قدَّم الابن، سون كاي وو (الذي يؤدِّي دوره الممثِّل تشوي وو شيك) نفسه بصفته طالبًا جامعيًا (بتمهيدٍ من صديقه ميسور الحال الذي هو طالبٌ بالفعل) لتعليم ابنة بارك المُراهِقة، دا هايي (الممثِّلة جونج زيسو) اللغة الإنجليزية. أما ابنة كيم، فقد قدَّمَت نفسها زيفًا، لكن على نحوٍ شديد الإقناع، باعتبارها مُعالِجةً نفسية بالفن لابن بارك الأصغر الذي يرتدي دومًا قناعًا للهنود الحمر.
غير أن الطابع الكوميدي يتلاشى بينما يبدأ الفيلم في الكشف عن المعاني المتعدِّدة وراء العنوان. إن الطفيليين الحقيقيين ليسوا عائلة كيم التي تكافح من أجل البقاء على هامش المجتمع، من خلال عملهم في طيِّ علب البيتزا للحصول على أجورٍ يُرثى لها، والذين يفتحون نوافذ بيتهم حين يأتي عمال رشِّ المبيدات الحشرية كي يحصلوا على إبادةٍ مجانية للآفات التي تعج بها شقتهم الضيقة، بينما تُسمِّمهم هذه المبيدات في نفس الوقت.
يبدو السيد والسيدة بارك (الممثلان لي سون كيون وتشو يو جونج) زوجين مثاليَّين؛ متحضِّرين للغاية ويعيشان في منزلٍ فاره تحاوطه حديقةٌ خضراء، ويشبه إلى حدٍّ ما ملجأٍ إسمنتي هائل. لكن كلَّ هذا قناعٌ للسلوك المتحضِّر الذي يرسخ على عمل أولئك الذين ينظران إليهم وكأنهم خُلِقوا من أجل تلبية احتياجاتهم.
في أحد المشاهد يعبِّر كيم كاي تايك من أن السيدة بارك “غنية، لكنها لطيفةٌ للغاية”. فترد زوجته، الأكثر عملية وواقعية منه، قائلةً: “إنها لطيفة لأنها غنية. إذا كان لديّ كلُّ هذا المال، سأكون لطيفةً أيضًا، أو حتى ألطف منها”.
يظلُّ هذا اللطف كما هو طالما لم تتأثَّر راحتها بشيء. في العديد من المشاهد، يلفت السيد بارك إلى الرائحة الكريهة المنبعثة من سائقه: “إنها مثل رائحة أولئك الذين يستقلون المترو”. يبدأ كيم في إدراك هذه الرائحة، وستكون هذه هي المهانة الأخيرة التي حفَّزَته لما قام به من عنفٍ وقتل لاحقًا في الفيلم.
يتضمَّن العرض الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية للفيلم بملاحظة أنه يندرج تحت “التصنيف R بسبب مشاهد الاستغلال الطبقي والعنف الدموي” (أي “محظور” على من هم دون سن الـ17 دون وجود الأب أو الأم). يسلِّط فيلم بونج الضوء على الطابع الطبقي للمجتمع من خلال إبراز الاختلافات بين الشقق الرديئة التي تكافح عائلة كيم وجيرانهم للعيش فيها من ناحية، والمنزل الفاخر العصري المُشمِس لعائلة بارك.
يصل الأمر إلى أن تستولى عائلة كيم على منزل بارك وأسرته، الذين ذهبوا للتخييم في عطلة أحد الأسابيع. أخذوا يُمتِّعون أنفسهم بالكمِّ الهائل اللامحدود من الطعام والشراب، مُتظاهِرين لبعض الوقت بأن هذا هو واقعهم، لتأخذهم الدهشة على حين غرة حين تظهر مدبِّرة المنزل السابقة (التي لعبت لي جيونج يون دورها ببراعة) في المشهد.
كان كيم وزوجته لهما يدٌّ رئيسية في طردها من منزل بارك، لتحلَّ زوجة كيم محلَّها. هذا جانبٌ آخر سائدٌ في الفيلم، حيث الافتقار إلى التضامن بين أولئك الواقفين على حافة بربرية الرأسمالية. ينتهي بهم المطاف إلى التناحر على الفُتات الذي يتصدَّق به أمثال عائلة بارك، بينما يكون عليهم أن يظلوا مُتذلِّلين خانعين ليضمنوا الاستمرار في تلقي هذا “الإحسان”.
يكشف ظهور مدبِّرة المنزل السابقة سرًّا مُروِّعًا كانت عائلة بارك غافلةً عنه تمامًا. هناك الكثير من الأمور التي لا يعرفونها، ولا حتى يمكن أن تخطر على بالهم، تحدث في الطابق السفلي من منزلهم.
تعود عائلة بارك إلى المنزل في وقتٍ قبل المُتوقَّع بسبب الأمطار الغزيرة، فيهرع الجميع لإخفاء آثار الاحتفالات في غياب أصحاب المنزل. تعود عائلة كيم مرةً أخرى إلى قبوهم تحت الأرض عبر طوابق عدة من السلالم، في عودةٍ أشبه بالنزول في دوائر الجحيم التي صوَّرها دانتي في “الكوميديا الإلهية”.
حين يصلون أخيرًا، يجدون الأمطار قد أغرقت قبوهم، والأقبية التي يقطنها جيرانهم، ما جعلها غير قابلة للسُكنى، وينتهي بهم الحال إلى المكوث في ملجأٍ مع مئاتٍ غيرهم من الناس.
لدى عودته في اليوم التالي من أجل حفل عيد ميلاد ابن بارك، يضطر كيم كاي تايك لاحتمال ثرثرة السيدة بارك حول الأمطار التي غسلت الشوارع وجعلت كلَّ شيءٍ يبدو جديدًا، بينما كان يتبعها إلى المتجر حاملًا أكوامًا من الأطعمة الشهية والمشروبات الكحولية للحفل من أجل ضيوفها المُترَفين المُدلَّلين.
جاء الحفل ليتحوَّل إلى مسرحٍ لاندلاعٍ جامحٍ للغضب من أولئك القابعين في قاع المجتمع. لكن الفيلم بأسره في الحقيقة يدور حول كشف اللامساواة الطبقية للنظام، تلك اللامساواة التي تنعكس في الغضب الطبقي الذي شهدناه مؤخَّرًا في بلدانٍ مثل تشيلي وفرنسا ولبنان والعراق وغيرها.
– هذا المقال مترجم عن موقع “الاشتراكي” الكندي.