بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

فن وأدب

الفن في ميدان التحرير:

دردشة حول الثورة والإبداع

كما كل حدث عظيم يزلزل المجتمع ينعكس على الإنتاج الفني، كانت الثورة بمثابة مفجر للطاقات الإبداعية للملايين، وحتى إن لم يتبلور، حتى الآن، ما يمكن أن نسميه تيار الثورة في الإبداع.

النوع الأول، الفن الرسمي، الفنانين الذين يقدمون الولاء للنظام، أيا كان هذا النظام، ويرتبطون بتوجهات السوق والشركات الرأسمالية، التي تتقدم أكثر نحو الاحتكار. وهؤلاء الثورة بالنسبة لهم، موجة، لا تختلف عن أي حدث آخر يطر نفسه على الساحة، وينعكس بـ”إسهال” – عفوا – من الأغاني والأفلام، مصحوبة ببرامج يطرح فيها المبدعين تحليلاتهم العظيمة. وفي السياق نفسه هناك أيضا الأدباء والفنانين التشكيليين، وإن كانت علاقة الأخيرين بالجمهور تكاد تكون مقطوعة. “شهداء يناير.. ماتوا في أحداث يناير” – سبحان الله.. شوف ازاي غير إنها كانت رقاصة.. كانت بترقص! وكل اللي كانوا بيلعنوا أبونا طلعوا يسِحّوا ويعصّروا في عيونهم، وحتى أغانيهم كانت من الابتذال من أن تصبح أكثر من إزعاج، وبالطبع تم حشد كم مهول من الأغاني التي تتحدث عن “ياللا نبني مصر” “وعجلة الإنتاج..” ومتشكرين يا جيشنا (يا نافش ريشنا)”

لا يبتعد عن ذلك الفن الشعبي (بكسر العين)، كاسيتات الأسواق والميكروباصات، والأصح تسميته بالفن العشوائي وهو الأدق، لأنه من الابتذال والامتهان بدرجة لا يمكن ربطه بأي شعب، ولكونه يتنافي مع المفهوم الحقيقي للفن الشعبي، وإن كان في الواقع، يعبر عن واقع تحلل وانهيار المجتمع المصري. “بكره إسرائيل.. وبحب عمر موسى” لا يمكن أن تعبر عن أي حس شعبي وطني.. سوى أنها “جات بظروفها كده” والظاهر إن الدماغ قلبت معاه بسياسة. يجرنا ذلك إلى مفهومنا عن “الشعبي” الذي أصبح يرتبط عمليا بالفقر والرخص والعشوائية،بينما تحول ما كان شعبيا حقيقيا، من أغاني وحواديت، ونسيج وملابس وأواني، وحتى المباني، إلى أرفف التراث.

النوع الثاني: الفن الملتزم، وهو مجموعات من الفنانين الذين يحملون تقديرا واحتراما لأنفسهم ولفنهم، كما يتسمون بـ”ميل يساري” نحو الجماهير، هؤلاء لا يستطيعون، أو لا يريدون، الدخول في مواجهة مع مؤسسة السلطة ورأس المال، ووجدوا متنفسا في بعض المنافذ، مثل ساقية الصاوي.. هؤلاء الفنانين تأثروا بالثورة وتفاعلوا معها بقوة، وكان وجودهم مميزا في الميدان، لكن، بغض النظر عن كون بعضهم يحمل ميل مستورد، فإن علاقتهم بالجمهور وقفت عند خط المسرح، وأقصد أن الجمهور ظل متلقيا. ويلتحق بذلك رسامو الجداريات، وشريحة كبيرة من الشعراء والأدباء. وهو ما تبلور عنه فعاليات “الفن ميدان”. والمتوقع مستقبلا أن يكون هناك رواجا لهذه الإبداعات، حيث ستتطلع إليها أعين الشركات، وستلقى دعم وترحيب من الكثير من المؤسسات.

النوع الثالث: فنانو الشعب، والمثال الأبرز، سيد درويش والشيخ إمام، وتميزهم عن الفن الملتزم في كونهم جزء من عجينة الشارع. في الكلمة والنغمة..

أول وأنزَه انتخابات يجريها ميدان التحرير لاختيار مبدعيه.. فبشكل تلقائي، لم يكن النوع الأول مطروحا على الإطلاق، ليس لمجرد مواقف سياسية معادية للثورة أعلنها البعض، ولكن لطبيعة هذا النوع من الأعمال الفنية، التي تبتز جنيهات الملايين. أما النوع الثاني، فكما ذكرنا كان متفاعلا، ومحبوبا، لكنه وقف عند خط “المبدع-المتلقي”. لم يلتحم فعليا بالجمهور، وبالتالي لم يكن تلقي الجمهور لإبداعهم مثل تلقيهم لأغاني درويش وإمام، التي لم تكن في الواقع معروفة، حتى اندلاع الثورة، لكل الجمهور.

وهكذا يُتوج الشيخ إمام، ومن على نهجه، مبدعا وفنانا للثورة.. ولكن مهلا.. فجمهورية التحرير، لم تقم لتنصيب رئيس.

الشعب الفنان:
“الشعب يريد.. إسقاط النظام”.. لا تقرأها وتنقل عينيك إلى السطر التالي.. انتظر قليلا.. اسبل جفنيك ورددها ببطء.. استرجع صوت الجماهير.. وتنسم عطر الميدان، وعندما يختلج جسدك.. ستشعر بما أريد أن أقول.

الثورة تفرز الإبداع، ولكن الإبداع في ثورة تونس ومصر.. بدأ في شعارها. “الشعب يريد.. إسقاط النظام”.. اختفى الهتاف المسجوع، المشطور مثل”أمن الدولة كلاب الدولة/دولا عتاولة في نهب الدولة”. ومعه أصبح “الهتيفة” بلا عمل.

“الشعب يريد.. إسقاط النظام”.. لا تعطي فرصة لالتقاط الأنفاس.. تصير كالهدير تصم آذان الطغاة. يليها كم عظيم من الهتفات التي وُلدت في الميدان. وطبعا تلاحظون أنني لم أذكر “إيد واحدة” الشعار الذي اختُطف من الميدان، ليصبح في خدمة اللئام. لافتة “ارحل” كلمة واحد حلت محل اللافتات القديمة المرتبطة بالهتافات التقليدية.

الكل مبدع.. الكل يغني، شيد قصورك، بقرة حاحا.. أهو ده اللي صار.. أصبحت ملكا للشعب، وهو سر حياة سيد وإمام رغم وفاتهما جسديا. الصور.. واللوحات.. شعارات الشوارع. “ارحل بقى إيدي وجعتني” – من شيل اليافطة – “مابيعرفش عربي.. كلموه بالعبري”، مش هنمشي هوه يمشي.. بينما لم تجد حشرات الثورة المضادة سوى سرقة هنتافنا “مش هيمشي.. انتوا تمشوا” مصحوبة ببعض الإشارات البذيئة. وشعارات “يسقط البرادعي الكلب بتاع امريكا ابن المتنـ..” في غباء وجهل واضحين وقصور في إدراك الثورة، بل وبلبلة في كيفية مواجهتها، لعدم وجود دافع حقيقي عند هؤلاء لينعكس في هتافاتهم شعاراتهم، بغض النظر عن قبولنا لمضمونها.