الفن والثورة
عبر آلاف السنين الفاصلة بين عهد الفراعنة وآل روكفلر فى أميركا –وهم عائلة من كبار الرأسماليين هناك – ظل عالم الفن على الدوام مسيطر عليه من الطبقات الحاكمة, دون أن تمنعه تلك السيطرة من أن يعكس كل تناقضات المجتمع .
صحيح أنه لا وجود لقطعة فن تشكيلي أحدثت ثورة، لكن هناك الكثير من الأعمال الفنية ساهمت في الحركات الثورية، وعبرت عن التغيرات الثورية في المجتمع.
رمبرانت مثلاً كأحد اعظم الفنانين الأوربيين كان إفرازاً لكل من الثورة الألمانية ضد الحكم الأسباني في القرن السادس عشر، وكذلك الرؤية النقدية للمجتمع الرأسمالي ألماني الوليد – وقتذاك – كما يتبدى من رسومه التي حملت تعاطفا عميقا مع الشحاذين.
في فرنسا وابان الثورة أنجز الفنان دافيد، الذي كان عضوا في الجمعية الوطنية الثورية، لوحة “اغتيال مارات”، مارات الذي كان صحفيا ثوريا متدفقاً، بالحماس لقى حتفه على يد الثورة المضادة.
فى العام 1830، عبر الفنان الفرنسى ديلاكروا رمزيا عن الثورة المشتعلة، في ذاك العام في لوحته الشهيرة “الحرية تقود الشعب”, وبعدها وخلال ثورة 1848، احدث الفنان كوربية عاصفة في الأوساط الفنية في باريس بلوحته العظيمة “عمال المحاجر”.
في القرن العشرين، خلقت كلاً من الثورة الروسية في 1917 والألمانية في 1918 -1923 حركات فنية طليعية قوية، ففي روسيا طور فنانون من أمثال مالفيتش, رودنشينكو, وجونتشاروفا و تاتلين اتجاهاً جديداً هدف لتوحيد الفن مع حياة العمل والصناعة، وكان أشهر أعمال هذا الاتجاه للاخير مشروع –لم يكتمل – وهو برج تاتلين، الذي كان من المفترض أن يكون نصب تذكاري، للأممية الشيوعية.
في ألمانيا انتج اوتو ديكس وجورج جروز أعمالا فنية هجت بعنف الطبقات الحاكمة, وتبعهما جورج هارتفيلد الذي استخدم تقنية الفوتو مونتاج لإنتاج أعمال فنية، هاجمت بقوة وبشجاعة هتلر و النازية.
أما الحركة السريالية التي ولدت على يد اندرية بريتون، فكانت حركة ذات أهداف اشتراكية ثورية صريحة. بمن في ذلك فنانون كماكس ارنست، وجون ميرو – بعكس سلفادور دالى الذي نبذ من الباقين لميوله الفاشية.
حاول فنانو السريالية تدمير الوعي البورجوازي المألوف بصور مرسومة من العقل الباطن. خرج للنور كذلك بعض من أقوى الفنية الثورية في المكسيك، في الفترة ما بين الحربين الأولى والثانية، على يد فناني الجداريات امثال مانويا اوروزكو ودافيد سيكويروس ,ودييجو ريفييرا .
رسم ريفييرا خلال الثورة المكسيكية رسوما جسدت التاريخ المكسيكي منذ الغزو الأسباني وحتى العصر الحديث, في حين جاء إنتاج زوجته، فريدا كاهلو، اكثر ذاتية لكن ليس بأقل راديكالية.
فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، سمعت الحركات الراديكالية في الستينات صداها القوى في الفن. انعكس نضال السود في الولايات المتحدة الأمريكية، في أعمال فنانين، مثل رومار بيردون وبيتى سار, بينما انتج ليون جولب عملاً قوياً هاجم فيه حرب فيتنام.
ووصلت تلك المرحلة الى ذروتها في مايو 1968، في باريس، إبان أحداث مايو التاريخية – انتفاضة الطلبة و الاضراب العام واحتلال المصانع –احتل طلاب الفنون كلية الفنون الجميلة وحولوها لمصنع تخيلي لإنتاج ملصقات ثورية, تهاجم الرئيس ديجول، وشرطة مكافحة الشغب البغيضة، وتحتفى بالعمال اللذين تدفقوا لشوارع باريس. كانت توهجا لفن بديع ودعاية ثورية.
بالطبع سيكون خطأ فادحاً محاولة حصر الفن للأسباب السياسة المباشرة أو الإصرار على ضرورة خدمة الفن لقضية سياسية مباشرة. الفن يخدم كل التطورات المتعلقة بالشخصية الإنسانية، حيث يتعامل الفن مع الحب, والموت، والرؤى، وجملة العلاقات الاجتماعية .
لكن في التحليل النهائي للسياسة الاشتراكية والفن الجذري يمكن القول بأنهما جزء من النضال الكلي من حرية الإنسان، ولذلك الثوريين والفنانين هما حلفاء محتمليين.
يرى هذا التحالف، اليوم، في بريطانيا، في أعمال الفنان بانكسى الذي انتج أعمالا غطى بها أجزاء من الجدار العازل في فلسطين ,و مارك والينجر الذي أنتج قطعا فنية في متحف تات في لندن تدين الحرب على العراق, وفي فوتوغرافيا ياسر علوان في مصر حول الطبقة العاملة المصرية.