لماذا انهار معرض الكتاب؟
لم يتراجع معرض الكتاب، هذا العام، عن دورات الأعوام السابقة، فحسب، بل سقط سقوطاً مدوياً، هل لهذا الأمر علاقة بغياب سمير سرحان؟
أن تلتقي بمثقفين، بحجم محمود درويش و أدونيس، في معرض الكتاب، كان يعد في الماضي امرأ طبيعياً، الآن اختفي كبار المثقفين، ليبدو المعرض، وكأنه حدث متوسط الحجم.
توقع الكثيرون، قبل أن يبدأ معرض الكتاب، هذا العام، أن يستمر في المزيد من التراجع، الذي كان قد بدأ، قبل عدة سنوات، لكن معرض الكتاب هذا العام لم يتراجع فحسب، بل سقط سقوطاً مدوياً، علي كافه المستويات، حيث انخفض معدل بيع الكتب، بشكل غير مسبوق، كما أكد لنا، معظم الناشرين المصريون والعرب، أما الإقبال الجماهيري فكان ضعيفا، لم يكن مستوي الندوات وضيوفها أبداً، كما عهدناه، في السابق. بدا بوضوح، أن تلك الأيام التي كنا نسير فيها، في طرقات المعرض، ونلتقي خلالها بكبار المثقفين والمبدعين في عالمنا العربي، قد ولت إلي غير رجعة.
في الماضي القريب، كان من الطبيعي والعادي أن تلتقي بشعراء، بحجم أدونيس، وسميح القاسم، وأن تلتقي بكبار المفكرين والصحفيين، من المشرق العربي ومغربه، كل ذلك اختفي تماماً، هذا العام، ليبدو معرض القاهرة، الذي عُرف باعتباره أضخم تظاهرة ثقافية عربية، وثاني أهم معرض كتاب علي مستوي العالم، وكأنه معرض متوسط الحجم والمستوى.
من المؤسف أن يكون أكثر ما لفت الأنظار، هذا العام، هو التواجد الأمني المكثف والغير مسبوق، بلغ التدخل الأمني السافر ذروته إلى حد، بمنع الجمهور من دخول المعرض في أيام الجمعة إلا بعد صلاة الجمعة وذلك لمنع أي مظاهرات تضامن مع غزة، قد تحدث عقب الصلاة.
التواجد الأمني
طوال عقود أعتاد جمهور المعرض علي مشاهدة جحافل الأمن في معرض الكتاب، وهو تقليد بدأ منذ مطلع الثمانينات، بسبب المشاركة الإسرائيلي في أحد دورات المعارض ، و الغريب أن المشاركة الإسرائيلية غابت تماما بسبب المظاهرات، التي نظمها المثقفون المصريون، لرفض تواجد إسرائيل في المعرض، لكن الأمن لم يغب أبداً من يومها عن التواجد في المعرض، وبأعداد كثيفة، تواجد ليس له ما يبرره، علي الإطلاق، سوي خشيه الأمن من أي تواجد جماهيري كثيف، وفي الأعوام السابقة، كان الأمن حريصاً علي التواجد بكثافة، في أيام الجمعة، تحسباً لما قد يندلع من مظاهرات مناهضة لإسرائيل أو ضد أمريكا أو مظاهرات معارضه للتوريث، وكان الأمن يتعامل مع تلك المظاهرات بالطريقة التقليدية، من خلال حصار المتظاهرين، سواء عند المسجد ، أو عند المقهى الثقافي، أما هذا العام، الذي شهد مجزرة غزة، استخدم الأمن سياسة التجفيف من المنبع، حيث قام بمنع دخول الجمهور المعرض تماماً إلا بعد صلاة الجمعة، كما أغلق المقهى الثقافي أيضاً، ضاربا بكل التقاليد التاريخية للمعرض عرض الحائط، والمؤسف أن قيام الأمن بغلق المعرض يوم الجمعة لحين انتهاء الصلاة، أضاع علي القادمين من المدن الأخرى فرصه زيارته، فالمعروف أن كثيرا من جمهور الأقاليم يستغل يوم الجمعة لزيارة المعرض منذ الصباح الباكر، والإجراءات الأمنية جعلت الآلاف من أبناء المدن يحجمون عن الزيارة، خاصة بعد ما نشرته الصحف عن التواجد الأمني المبالغ فيه والتفتيش الذاتي للزائرين، بما يجعل من زيارة المعرض إهانة مؤكدة، وليس نزهة.
أعتقد أن الحل الوحيد، للتغلب علي هذه المشكلة، ربما يكون في أيدي الناشرين والمثقفين علي السواء، فمن المهم جداً أن يعلن الناشرون والمثقفون الامتناع عن المشاركة في المعرض القادم، آو يلوحوا بذلك، إذا لم يتم الحد من هذا التواجد الأمني، الذي الحق بهم الضرر، أكثر من أي جهة أخرى، فالجهة المنظمة للمعرض ربما تكون قد خسرت سمعتها بسبب تواجد الأمن، لكن الناشرين خسروا الأموال التي دفعوها، مما يعنى للمزيد من الإحجام من قبل الناشرين علي المشاركة في معرض القاهرة.
تراجع الإقبال علي الكتاب كوسيط معرفي
ليس خافيا علي أحد، تقريبا، أن الإقبال علي الكتاب كوسيط معرفي لم يعد بنفس الأهمية السابقة، ولهذا عدة أسباب، أولها ظهور وانتشار وسائط معرفية أخري، أكثر سهوله وجذبا في التعامل معها، مثل الإنترنت، والذي أثر انتشاره الكبير علي الإقبال علي الكتب، وستتفاقم هذه الظاهرة أكثر واكثر في الأعوام المقبلة ، فحتى الآن مازالت هناك أجيال لم تعرف سوي الكتاب كمصدر للمعرفة ، لكن ذلك سيتراجع مع مرور الوقت خاصة بين الأجيال الناشئة، التي اعتادت أن يكون الإنترنت هو بوابتها للمعرفة وليس الكتاب.
ضعف ميزانيات المؤسسات المخصصة لتزويد مكتباتها بالكتب
من المعروف في أوساط الناشرين وأصحاب المكتبات ، أن جزءا كبيراً من مبيعات الكتب، في معرض الكتاب، تعود إلي أنه المناسبة السنوية، التي تستغلها معظم مؤسسات الدولة لتزويد مكتباتها بالكتب، لكن المؤسف أن الميزانيات المخصصة لشراء الكتب من قبل هذه المؤسسات تشهد تراجعا مستمراً بدأ قبل عشر سنوات، وكما قال لنا قاسم بركات المسؤول عن التوزيع بدار الفارابي اللبنانية، إن الجزء الأكبر من مبيعات الدار وكذلك بقية الدور العربية كانت تتجه للمؤسسات وليس للأفراد، وهذا التعامل مع المؤسسات كان هو الذي يغطي تكاليف المشاركة، في المعرض، لكن تراجع المؤسسات عن الشراء قلل من اهتمام الناشرين العرب بالمشاركة بالمعرض، ومن المعروف أن الناشر العربي يضطر لدفع تكاليف مشاركته في المعرض بالدولار الأمريكي، وان أيجار جناح، لا تزيد مساحته عن 12 متر مربع، يكلف الناشر حوالي ألف دولار، وهو رقم كبير يصعب علي الناشر تعويضه من المبيعات، بعد توقف المؤسسات عن الشراء، أضافه إلي ذلك يضطر الناشر لتحمل تكاليف الإقامة والشحن، بينما المعارض العربية الأخرى تقوم بتسهيل كافه الصعوبات أمام الناشرين المشاركين، ففي معرض أبو ظبي للكتاب المشاركة مجاناً، حيث لا يتحمل الناشر تكاليف إيجار الجناح الذي سيعرض فيه، والمدهش أن إدارة معرض أبو ظبي تم إسنادها، قبل عامين، إلي المسئولين عن تنظيم معرض فرانكفورت للكتاب، الذي يعد أهم معرض للكتاب في العالم، بما يوضح الطموحات المشروعة من قبل دولة الإمارات لتطوير المعرض، واحتلال مكانه مميزة في خريطة المعارض العالمية وليس العربية فحسب.
إدارة المعرض
هناك عده أسباب أدت إلي هذا التراجع في مستوي معرض القاهرة، وهو التراجع الذي بدأ قبل خمس سنوات، وتحديداً منذ رحيل سمير سرحان، والذي تولي إدارة المعرض والإشراف عليه لسنوات طويلة، حتى أن اسم المعرض ارتبط تلقائيا، لدي الكثيرين، باسم سمير سرحان، الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع عدد من المثقفين العرب، حيث لم يكن خافيا علي أحد، أن كثير من المثقفين العرب والمبدعين يشاركون في فاعليات المعرض، بسبب علاقاتهم بسمير سرحان، حيث كان يتردد، في أروقة المعرض، أنه الوحيد القادر علي أن يرفع سماعه التليفون، ويقنع محمود درويش وادونيس، وكذلك كبار المسؤولين الحكوميين، بالمشاركة في المعرض، وهذه القدرات الإدارية الكبيرة التي امتلكها ، جعلت مشاركة هؤلاء كفيلة بجذب أعداد كبيرة من الجمهور الحريص علي حضور الندوات التي يشارك فيها هؤلاء المبدعين الكبار، وكذلك كبار المسئولين. وهذه العلاقات الجيدة مع أكبر عدد من المثقفين، بجانب قدرات تنظيمية جيدة توفرت لدى سمير سرحان، ساعدت في إنجاح المعرض، أما من تولى الأشراف على المعرض، بعد ذلك، سواء ناصر الانصاري أو شريف الشوباشي، كان واضح حرصهم الزائد علي الجوانب التنظيمية أكثر من حرصهم علي تحقيق أوسع مشاركة ممكنة.
الأزمة الاقتصادية
من المؤكد أن الكتاب ليس ضمن أولويات قطاع عريض من الشعب المصري، بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة، التي يعيشها هذا الشعب، والتي تجعل من تفكيره في اقتناء كتاب نوعاً من الرفاهية، وكان هناك رهان لدي القائمين علي الثقافة في مصر، أن مشروعا مثل مكتبه الأسرة، بما يقدمه من كتب مدعمه، سوف يخلق وينمي، بالتراكم، عادة القراءة، واقتناء الكتب، لدي قطاع عريض من الجمهور، لكن الواضح أن ذلك لم يحدث ، بدليل تراجع الإقبال الواضح علي شراء الكتب من المعرض، فكل من اعتاد المشاركة وارتياد المعرض طوال العقود السابقة، سوف ينتبه إلى أن الأيام التي كان المعرض فيها لا يوجد به مكان لموطئ قدم قد ولت، والخوف كل الخوف أن تكون قد ولت إلي الأبد.