بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

القاهرة بين مهرجانين للسينما

شهدت القاهرة مع نهاية شهر نوفمبر الماضي وبداية شهر ديسمبر الحالي مهرجانان للسينما أقيما بالتوازي. الأول هو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي أقيم في الفترة من 28 نوفمبر إلى 8 ديسمبر. والثانى هو مهرجان القاهرة الأول للسينما المستقلة والذي أقيم في الفترة من 1 ديسمبر إلى 5 ديسمبر في مسرح روابط. ولم يكن في التوقيت أي مصادفة، فبالرغم من أن مهرجان السينما المستقلة لم يصدر بيانا بأسباب إقامته في نفس وقت إقامة المهرجان الدولي السنوي، إلا أن محمد عبد الفتاح، مدير فرقة قافلة حالة والمنظم الرئيسي للمهرجان، يقول إن التوقيت في حد ذاته يغني عن أي بيان. كان الراعي الأساسي للمهرجان المستقل جمعية النهضة العلمية التابعة للجزويت، ورجل الأعمال هاني عنان عبر شركته الخاصة. وقد قدم العديد من المراكز الثقافية الأخرى دعما متفاوتا للمهرجان في صور عينية، بينما كان الراعي الرئيسي لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا العام هو نجيب ساويرس عبر شركتي أوراسكوم و موبينيل. ومن اللافت أن أحد أهم ندوات المهرجان الدولي هذا العام كانت ندوة عن قرصنة الأفلام، مما أثار التساؤل حول مدى تأثير الممولين للمهرجان على اختيار القضايا التي تناقش خلاله.

أفلام الافتتاح

كان لتباين فلسفة المهرجانين تأثيرا واضحا في اختيار فيلم الافتتاح لكل منهما. فقد افتتح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بالفيلم البرازيلي “أبناء فرانشيسكو”، وهو أنجح فيلم برازيلي على المستوى الجماهيري خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية. كما أنه يمثل البرازيل في فرع الأفلام الأجنبية في مسابقة الأوسكار، وهي المسابقة التي، مع جماهيريتها وأهميتها الإعلامية، يتم منح الجوائز فيها بالتصويت من قبل آلاف الأعضاء في أكاديمية الفنون الأمريكية. على الجانب الآخر افتتح مهرجان القاهرة الأول للسينما المستقلة بفيلم “سنترال” للمخرج محمد حماد، الذي يتناول فيه عددا من العلاقات المتشابكة التي نتعرف إليها عبر تصنت عاملة السنترال على مكالمات الزبائن الذين تعرفهم شخصيا وتعلق بالتالي على علاقاتهم وحواراتهم التليفونية. ومع الإشادة العالية التي نالها الفيلم من أنصار السينما المستقلة، إلا أن نجاحه، على ما يبدو، يرجع لحماسة أنصاره لجرأته أكثر من أي تميز أو رؤية بصرية رفيعة.

السينما المستقلة.. لماذا؟

ويثير هذا الاختيار تساؤلا مهما حول الغرض من اتجاه صناع الأفلام المصريين من الشباب لنمط الإنتاج المستقل. تتنوع الإجابات على هذا السؤال، ومنها انخفاض التكلفة عبر إمكانيات التصوير الديجيتال، وصعوبة العثور على جهات إنتاج، ولكن تأتي الأجابة الأبرز دائما هي حرية تناول الموضوع. وفيلم “سنترال” كما هو الحال مع فيلم محمد حماد الأول “الجنيه الخامس”، صادم في استخدامه للغة الشارع في شكلها الأكثر فجاجة وفي نوعية العلاقات التي يتناولها مما كان سيقف عقبة بينه وبين أي محاولة للحصول على تمويل من جهة رسمية، عدا جهات الإنتاج التجارية التي لا تنتج أفلاما قصيرة بالمطلق. هذا ما دفع العديد من صناع الأفلام المعروضة في المهرجان إلى إنتاج أفلامهم بأنفسهم عبر مساهمات العاملين بالفيلم. يدافع محمد عبد الفتاح عن فكرة حرية اختيار الموضوع كعامل رئيسي في تصنيفه لأي فيلم على أنه “مستقل”. وقد سمح بالتالي بعرض أفلام من إنتاج جهات تقليدية ضمن فاعليات المهرجان. كان أبرز هذه الأفلام فيلم “صباح الفل” للمخرج شريف البنداري، وهو من إنتاج المركز القومي للسينما عن نص لداريو فو من إعداد فيروز كراوية. ومع أن الفيلم من أنضج التجارب المعروضة في المهرجان، بفضل الاختيارات الفنية الجيدة لمخرجه بالإضافة للأداء المميز جدا لهند صبري، إلا أنه يظل فيلما من إنتاج أحد أهم المؤسسات الفنية المملوكة للدولة.

يدافع محمد عبد الفتاح عن هذا الاختيار وعن اختياره لأفلام أخرى من إنتاج المركز والمعهد العالي للسينما بقوله إن الاستقلالية هنا كانت في اختيار مواضيع بعيدة عن السائد. مضيفاً أنه من المبكر الحديث عن أي تعريفات حديدية لمفهوم السينما المستقلة. فبينما بدأ العمل في المسرح المستقل منذ عام 1987، لا يزال هناك خلافات بين المسرحيين حول تعريفه. ومع التسليم بأن جهات إنتاج الفيلم المستقل هي في الغالب أفراد أو هيئات تعمل خارج نظم التوزيع والإنتاج التجارية المعروفة، فإن هذا في حد ذاته ليس ضمانا لاستقلالية صانع الفيلم في تقديم فكرته على الشاشة دون تدخل. فقد صرح أحد العاملين بفيلم “مش زي خروجه”، المُنتًج عبر منحة من مؤسسة المورد الثقافي والمعروض أيضا في المهرجان، أن تعديلا طفيفا قد حدث على فكرة الفيلم بتدخل غير مباشر من إدارة المؤسسة. يصور الفيلم دورة مياه للسيدات في أحد الأماكن العامة، حيث نرى مجموعة من النساء والفتيات ونستمع إلى مشاكلهم وقصصهم وحواراتهم الداخلية، بينما إحدى الشخصيات تراقب الكل في صمت. ويبدو أن مخرجة الفيلم أرادت أن نكتشف أن التي تقوم بالمراقبة منقبة بارتدائها النقاب قبل خروجها من الحمام، ولكن هذه التفصيلة لم تنفذ أو لم تعرض، حيث تم عرض الفيلم دونها.

وأتى افتتاح وختام المهرجان والتكريمات الممنوحة فيه متسقا مع فكرة الاستقلالية حيث تم الافتتاح بما يشبه الزفة البلدي، قادتها فرقة قافلة حالة، التي انضم لها أفراد من الجمهور في الرقص والاستعراض. أما المشروب الذي كان يوزع خلال حفل الافتتاح فكان”شربات”. أما المكرمين، فقد كان منهم المخرج أسامة فوزي صاحب فيلم “بحب السيما”، والممثلين أحمد كمال وكارولين خليل، والنقاد عصام زكريا وسمير فريد. كما تضمنت قائمة المكرمين أيضاً الناقد طارق الشناوي، الذي لم يحضر أي من عروض المهرجان أو حفل التكريم متعللا بنزلة برد أصابته، بينما حضر بالفعل فاعليات المهرجان الدولي واشترك في بعض ندواته ومنها الندوة الخاصة بفيلم خالد الحجر الجديد “ما فيش غير كده”.

مهرجان القاهرة وأقسام جديدة

مع أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لا يقتصر بالطبع على العروض التجارية ولا يرفض في العادة عرض أي فيلم، جيد على المستوى الفني، بسبب موضوعه، إلا أن المنظمين في هذه الدورة قاموا بتخصيص قسم بعنوان “الأفلام المثيرة للجدل”. ولم يتضمن هذا القسم سوى ثلاثة أفلام، من ضمنهم فيلم “عبر التراب” من إنتاج كردستان العراق، وفيلم “تانجير” (أي طنجة) وهو فيلم بلجيكي. والمشترك بين الفيلمين هو نظرتهم العدائية للعرب وتصويرهم لواقع عربي رديء، وبالذات فيلم تانجير. تدور أحداث الفيلم حول واقعة حدثت بالفعل عندما تورط سائق حافلة سياحية بلجيكي في تهريب مخدرات، دون علمه، على الحافلة التي يقودها وتم سجنه في المغرب في ظروف غير إنسانية.

بالإضافة إلى هذا القسم، أقام المهرجان قسما لتكريم السينما اللبنانية، وقسما آخر لسينما أمريكا اللاتينية التي كانت ضيف شرف المهرجان. وقسم لأفلام كتالونيا، وعروض خاصة لأفلام العرب في السينما العالمية. هذا بالإضافة إلى الأقسام المعتادة مثل: مهرجان المهرجانات، الذي يعرض أفلام نالت جوائز مهمة في مهرجانات أخرى وقسم الاختيار الرسمي خارج المسابقة. هذا بالطبع إضافة للفروع الثلاثة للمسابقة الرسمية: المسابقة الدولية، والمسابقة الدولية للأفلام الديجيتال الطويلة، والمسابقة الدولية للأفلام العربية. واللافت للنظرهنا أن المهرجان قصر المشاركة لأفلام الديجيتال على الأفلام الطويلة، مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان الهدف من ذلك هو قصر المشاركة على الأفلام التي يمكن تسويقها في دور العرض التقليدية؟ كما صدر عن المهرجان هذا العام كتاب لتكريم نجيب محفوظ، وتم عرض فيلم تسجيلي عنه خلال حفل الافتتاح. كذلك عرض ضمن برنامج السينما اللاتينية فيلم مكسيكي مأخوذ عن رواية زقاق المدق لنجبب محفوظ، وقامت فيه سلمى حايك بتمثيل شخصية مقتبسة من شخصية حمدية التي قامت بدورها في الفيلم المصري المطربة شادية.

مهرجان السينما المستقلة وافتقاد التقسيم

على العكس من ذلك، ومع العدد الكبير من الأفلام المعروضة في مهرجان السينما المستقلة وتتابع العروض، لم يتم تقسيم الأفلام بشكل واضح ما عدا فقرتان خصصتا للأفلام التي نفذها أطفال وللأفلام التي نفذت على كاميرات ملحقة بهواتف محمولة. كما لم يتم تنظيم أي ندوات للأفلام المشاركة أو حتى ندوات حول مواضيع عامة خاصة بالسينما المستقلة. لذا فقد بقيت العديد من النقاط الخلافية حول السينما المستقلة قيد المناقشة في الجلسات الخاصة وعلى المقاهي المحيطة بمسرح روابط. كان أهم هذه النقاط علاقة تقنية التصوير الديجيتال بالسينما المستقلة. ومع الإدراك الكامل لأن أغلب الأفلام التي عرضت في مهرجان السينما المستقلة غير قابل للتسويق، بمقاييس دور العرض وأغلب القنوات التلفزيونية، إلا أن محمد عبد الفتاح ينوي تنظيم عروض مماثلة أو مهرجانات متكاملة في الأسكندرية والمنيا. يتم في هذه المهرجانات عرض الأفلام التي شاركت في المهرجان الأول بالقاهرة، بمنطق أن إتاحة فرص عرض في مهرجانات أو مراكز وفاعليات ثقافية، هي وسيلة الإنتشار الوحيدة المتاحة في الوقت الحالي لأغلب التجارب المستقلة والأفلام القصيرة.

لم يمنح مهرجان السينما المستقلة أي جوائز. بل إن مهام لجنة المشاهدة اقتصرت على تحديد صلاحية النسخة المقدمة للعرض. أما في المهرجان الدولي فقد كان هناك كالعادة اقتسام لجائزة بين أكثر من فيلم. فقد حصل فيلم “قص ولزق” المصري، إخرج هالة خليل على جائزة المسابقة الدولية للأفلام العربية، مناصفة مع فيلم “بركات” (إنتاج جزائري فرنسي مشترك)، وفاز بالجائزة الكبرى للمهرجان الفيلم الصيني “الطريق”.