بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الوعد: نصف فيلم جيد!

فيلم: الوعد
إخراج: محمد ياسين
إنتاج: 2008
تأليف: وحيد حامد

يقع الناقد المهتم بالمحتوى السياسي والاجتماعي للأفلام في حيرة بين قياس أهمية الفيلم على أساس الموقف الذي يقدمه، وبين التعامل معه كقيمة فنية مجردة. والمؤسف أن عددا كبيرا من النقاد من أصحاب المواقف السياسية ينحاز إلى الأفلام التي تؤيد وجهة نظره ويتغاضى، تحت وطأة هذا الانحياز، عن أساسيات تقييم العمل الفني.

الحقيقة أن العمل الفني الرديء يضر بالقضية التي يحملها، بينما قد يكسب عمل فني محكم بعض المؤيدين لما يسعى للترويج له. فالسينما فن يجمع بين النص والصورة، ولذا فالأجدى هو كتابة مقال إذا كان الوصول إلى عناصر سينمائية محكمة متعذر.

كان وجود اسم وحيد حامد على سيناريو فيلم الوعد أمرا مبشرا. إذ سيتوقع المشاهد سيناريو محكم مكتوب باعتناء، على نقيض الكثير من الأفلام التي تدعي الجدية حاليا. كما أنه سيضمن، إلى حد بعيد، أن يكون الفيلم فكرة أصلية وليس، كالعادة، اقتباسا من فيلم تجاري أمريكي.

يحقق وحيد حامد ما تنتظره منه في الثلث الأول من الفيلم. حيث نرى عادل (آسر ياسين) يحمل زهور وعلبة ليزور يوسف (محمود ياسين) المريض بالمستشفى. ويبدو واضحا أن عادل في مهمة ما وأن الزيارة ليست شخصية. ثم نعرف أن العلبة بها مبلغ من المال بعث به السحراوي (غسان مسعود بصوت أحمد فؤاد سليم) كمكافأة نهاية خدمة ليوسف الذي كان يعمل معه.

الإخراج الذي قام به محمد ياسين لا يدع مجالا للشك أن السحراوي يدير عمليات غير قانونية، حتى قبل أن نعرف ذلك بشكل مباشر عبر الحوار. وتنشأ صداقة بين عادل، الذي يبدو أنه لا يفهم طبيعة عمله الجديد بشكل كامل، ويوسف الذي يسعى لخلق علاقة إنسانية مع عادل ويتودد إليه ويطلب منه مراعاته، ولو بمكالمة تليفونية صباحا ومساء.

يقنعك السيناريو بهذه العلاقة، وتتوقع سير الفيلم في خطها، خاصة بعد أن يطلب يوسف من عادل أن يشرف على دفنه في مكان عال يطل على البحر. ومع تصريح يوسف أنه مسيحي، يبدو أن السيناريو يسير في منحى ممتع لتقديم علاقة صداقة ووفاء بين مسلم ومسيحي لا تحمل كليشيهات مسلسلات مرحلة التنوير. ويزداد التفاؤل مع الظهور المتميز لأحمد عزمي في دور جرجس مسئول الدفن بإحدى الجمعيات الدينية، الذي يتورط في مساعدة عادل ثم يستمر في هذه العلاقة التي أخرجته من حياة شديدة الروتينية والملل.

إلى هنا تنتهي المفاجآت السارة في الفيلم، ويتحول مع مقتل يوسف إلى فيلم حركة عادي من مجموعة الأفلام التي حلت في الآونة الأخيرة محل الموجة الكوميدية في صدارة إيرادات السينما المصرية. سترضي المطاردات الطويلة بين أسطح البيوت وعبر شبابيكها في المغرب بعض رغبات جمهور الأكشن، وسيرضى جمهور أفلام العيد التقليدي بأداء روبي المصطنع في دور المومس التقليدية التي تدفعها العصابة في طريق البطل فتصبح ملاكه الحارس بدلا من أن تشي به.

تؤكد تصريحات طاقم العمل بالفيلم أن “الوعد” هو الوعد الذي يقطعه عادل ليوسف بالسؤال عنه ومراعاة شئونه ومن ثم دفنه حسب رغبته. ولكن هذه الأحداث لا تستغرق أكثر من ثلث الفيلم. كما تفيد تصريحات أخرى لنفس طاقم العمل أنه ذلك هو الوعد الذي يقطعه عادل ليوسف بعدم القتل إلا دفاعا عن النفس. ولكن صناع الفيلم لا يسمحون لنا باختبار جدية هذا الوعد. حيث يتحول عادل إلى منتقم تقليدي يحاول الثأر ليوسف. وينسى المشاهد في غمار المطاردات والحيل المتبادلة بينه وبين عصابة أي وعود أو التزامات قد ألزم نفسه بها.

المدهش في الأمر أن المخرج محمد ياسين تمكن باقتدار من الحفاظ على إيقاع مشوق ومناسب للأحداث في الجزء الأول الخالي من الأكشن، بينما فقد زمام هذا الإيقاع تماما في الجزء الذي امتلأ بمقومات الإيقاع السريع من جريمة ومطاردات وحيل. فمشهد مطاردة العصابة لعادل في شوارع المغرب جاء أطول من اللازم بكثير بدون أن يشعر المشاهد بتشويق حقيقي.

نجح وحيد حامد ومحمد ياسين هنا في صناعة نصف فيلم جيد. نحن نشاهد على الشاشة لأول مرة منذ فترة علاقة بين مسلم ومسيحي لا يكون الغرض منها بالضرورة هو الحديث عن الوحدة الدينية بقدر ما هو الحديث عن علاقة إنسانية تصادف أن أطرافها من دينين مختلفين. وكانت تلك العلاقة مدخل عادل إلى الكنيسة حيث يقابل “جرجس” النموذج شبه المتدين الواعي بالمشاكل التي تحيط علاقة المسيحيين والمسلمين في مصر في الوقت الحالي. بل إن تغاضي جرجس عن تحفظاته على المسلمين ومحبته لعادل لا تتسبب فيها مشاهد درامية مسرحية تمثل لحظات كشف، بل نراها تتكون تدريجيا خلال اختلاطهم ببعضهم البعض في مغامرة غريبة.

باختصار نجح وحيد حامد في كتابة نص سينمائي ذو بعد سياسي اجتماعي وليس مقال سياسي، ونجح محمد ياسين في ترجمة النص بصريا باقتدار، ولكن نجاحهما لم يستطع أن يصمد لأكثر من ثلث زمن العرض!