مايكل جاكسون الذي هزم نفسه

مات مايكل جاكسون. انتشر الخبر، بسرعة الزمن الحديث، وآلاته، واتصالاته/ ومعه انتشرت صور تكاد لا تكون لنفس الشخص. من الأخ الأصغر ذو الوجه الأسمر المستدير، والأنف الأفطس في فرقة من خمسة اخوة، ثم شاب يرقص بمهارة، لم يشهدها عالم الترفية، من قبل إلى كائن يشبه المخلوقات الفضائية نائما في كبسولة زجاجية، إلى رجل ابيض بأنف يكاد لا يوجد، معه ثلاثة أطفال يلبسون أقنعة. ما الذي حدث؟ هل هي صناعة النجوم أو الهوس الشخصي بكل ما هو غريب وغير مالوف، الذي يسيطر على هوليوود، ويمتد منها بسرعة وأخطبوطية إلى باقي العالم.
في رثائها لمايكل جاكسون قالت بروك شيلدز انها كانت تمزحه كثيرا بأنه دخل عالم الفن متأخراً في الخامسة من عمره، بينما كانت هي ممثلة إعلانات في عمر 11 شهر فقط. لقد كان اكثر الفنانين تأثراً في تأبين مايكل جاكسون الممثلة بروك شيلدز، ودوني ازمون الذي كان مغني شهير في طفولته أيضاً. تلك الطفولة التي رأى أنه بإمكانه استعادتها، إذا سكن في ضيعة سماها نيفير لاند، على اسم عالم بيتر بان القصصي، وبطله الطفل الذي لا يكبر أبدا. لقد اعطنا بروك شيلدز المفتاح المثالي في كلمتها المؤثرة التي تتحدث فيها عن صديق طفولتها وليس عن نجم أسطوري.
مشكلة مايكل جاكسون كانت مع الاستهلاك، ولكن على عكس رموز هوليوودية أخرى، مثل مارلين مونرو لم تكن مشكلته مع الاستهلاك هي رغبة المنتجين والمتحكمين في السوق بتحويله الى سلعة استهلاكية مربحة، ولكن كانت المأساة هي انه قتل نفسه باستهلاكه الشخصي. عندما أنجز مايكل جاكسون اسطوانة ثريلر عام 1982، بشروطه هو، و بفديو كليب يكاد يكون فيلم قصير، كان في وقتها اكبر الأسطوانات مبيعاً في التاريخ. عندما كتب نحن العالم we are the world، عام 1985 وجمع مع لاينول ريتشي اكبر عدد من فنانين الصف الأول ليسجلوا تلك الأغنية لصالح ضحايا المجاعات في أفريقيا، أو عندما أصبحت أغنيته انهم لا يكترثون لأمرنا They don’t really care about us، التي تبدو خارج سياق المؤسسة الترفيهية الأمريكية، حيث يقول فيها :
قل لي ماذا حل بحياتي.
لدي زوجة وطفلان يحباني.
أنا ضحية عنف الشرطة
والآن لقد سأمت
من كوني ضحية الكراهية.
ومع أن كلمات مثل تلك تتردد كثيراً على لسان مغنيين في أمريكا، وخارجها، إلا أنه مايكل جاكسون وحده كان يملك القدرة، على أن يضمن مثل تلك الكلمات في ألبوم تجاري، يصدر عن اكبر الشركات، ويوزع على اكبر نطاق ويذاع على أهم محطات الراديو والتلفزيون. بل انه المغني الأسود الأول الذي تمكن من اقتحام قناة أم تي في، التي لم تكن تفرد مساحات من قبله لأي مغني ملون. إذا فأن مايكل جاكسون كمغني لم يكن ضحية آلة الاستهلاك الفنية. لقد هزمها بسهولة شديدة جداً بكونه ظاهرة تحتاجها تلك الآلة وتدر عليها أموالاً ضخمة.
لقد استهلك مايكل جاكسون نفسه. سيطرت عليه في البداية فكرة انه عابر للأعراق. هي فكرة تستحق التأييد إن كانت تعني أن عرقك لا يجب أن يكون له دوراً في نجاحك، ولكنه تجاوز تلك الفكرة (أنكرها فيما بعد)، حيث رأى أنه من الممكن أن يمحي لون بشرته، ولا يستطيع بالتالي أي شخص أن يحدد عرقه، وهو تفكير أحمق، وكلفه كثيراً، على المستوى المادي والصحي. فعرقه مخلد في الصور، كما انه ليس مجرد لون. لقد أثبتت التقارير الطبية التي صدرت عقب وفاته أن المغني الأسطوري كان اقل بكثير من الوزن الطبيعي، لدرجة تثير الشك في انه لم يكن يأكل أبداً، كما أن عمليات التجميل التي خضع لها في انفه تحديداً، قد أفسدت انفه تماماً، كأداة مساعدة على التنفس. تلك الأمور مضافا إليها المسكنات، التي استطاع الحصول عليها، بفضل أطباء وممرضات يعملون لديه سببت وفاته المفاجئة.
كل هذا الألم الجسماني لأنه أراد تخليد نفسه في صورته الشابة، ثم في صورة اختلقها في خياله، وكان لديه الأموال ليفعل ذلك. فور وفاته كثر ملئ الحديث عنه، كل وسائل الأعلام، عن رقصاته، و أغانيه وفنه، الذي كان ضمن التيارات الرئيسية في عالم الترفيه الأمريكي، الذي لم يكن مضطراً لإخضاعه إلا لتفضيله هو الشخصي.
بلغت ديون جاكسون حوالي النصف مليار دولاراً، كان متوقع أن تسدد بسهولة من ريع الحفلات، والتي حققت تذاكرها فعلا مبيعات غير مسبوقة، ومن ريع بيع شيء يسير من ممتلكاته التي تضمنت حقوق جميع اغنيات البيتلز.
مأساة مايكل جاكسون كانت ساخرة جدا في الحقيقة، فهو قد قتل نفسه ليحافظ على صورة خارجية، استسلم فيها لما تصور انه شروط خلوده الفني، وهي لن تعلق كثيراً في الذاكرة بالمقارنة بأعماله وموسيقاه، التي كان له مجمل الحرية في تشكيلها وفرضها على السوق بشروط تخصه وحده.