عن الأدب والثورة في مصر
الكتاب: أدباء ثوريون في الثقافة المصرية
المؤلف: د. أحمد القصير
الناشر: دار العالم الثالث – القاهرة
تاريخ النشر: 2006
بالرغم من عنوانه، فإن هذا الكراس الصغير (أقل من 80 صفحة من القطع الصغير) لا يهتم كثيرا بالتحليل النقدي لإبداعات الأدباء الستة الذين يتناولهم: فؤاد حداد، صلاح جاهين، كمال عبد الحليم، عبد الرحمن الخميسي، يوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي. ذلك أن موضوعه الرئيسي هو طرح مزيج من الذكريات الشخصية والمعلومات السياسية حول تلك الشخصيات الستة التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ الثقافة المصرية وتاريخ اليسار.
ما الذي يجمع بين تلك الشخصيات الستة؟ بالطبع أنهم “ثوريون” (أو بالأدق يساريون) كما يشير عنوان الكراس. لكن الأهم من ذلك – حقيقة – هو أنهم ينتمون إلى “مكتب الأدباء والفنانين” بمنظمة حدتو الشيوعية في الأربعينات والخمسينات. المؤلف نفسه ينتمي إلى ذات المنظمة، وهو ربما ما سمح له بأن يلتقي كثيرا بهؤلاء المبدعين، وهو بالتأكيد ما دفعه إلى كتابه هذا الكراس تمجيدا لدور منظمته وعناصرها الأدبية الطليعية.
ما يلفت الانتباه هو أن أطول مقالات الكراس هي تلك التي تناولت كمال عبد الحليم، القيادي بحدتو ومسئول مكتب الأدباء والفنانين بها. فهي تحتل حوالي نصف عدد الصفحات، وتتناول أدب عبد الحليم قليلا، ولكنها تتناول دوره السياسي كثيرا.
لا يمكنك أن تخرج من هذا الكراس برؤية، أو حتى ملاحظات نافذة، حول أدب هؤلاء المبدعين العمالقة، مهما اختلفت مع أدبهم ومع مواقفهم السياسية. لكن يمكنك أن تخرج منه بفكرة لها تأثير كبير في أوساط المثقفين المصريين اليساريين، وهي أن ما يطلق عليه “الجبهة الثقافية” هي واحدة من أهم جبهات النضال الطبقي، وأن الهيمنة اليسارية عليها أمر ضروري وممكن، كما تثبت تجربة الثقافة المصرية في فترة الأربعينات والخمسينات والستينات.
لا شك أن جذب المبدعين والمثقفين إلى الفكر الثوري يعد من ضمن مهام الاشتراكيين. ولا شك أيضا أن كثيرين من هذه الفئة يقتربون من الفكر اليساري لأنه يميل للتمرد والرفض، وينبني (افتراضا) على قبول حرية التعبير. لكن الصورة ليست بالميكانيكية التي يصورها هذا الكراس. فالتأثير الثقافي للشيوعيين المصريين لم يكن بالضرورة يعكس قوتهم السياسية. الإخوان مثلا كانوا أقوى وأكبر جماهيرية كثيرا، لكن تأثيرهم على المبدعين بالقطع كان شبه معدوم. ثم أن انجذاب كثير من المثقفين التقليديين إلى الأفكار الثورية يكون – للأسف – مؤقتا، ومرتبطا ربما بصعود جماهيري مرحلي يبهر قطاعات من المبدعين ويدعوهم للارتباط، على عجل، بعربة الثورة، ثم يغادرونها مع أول أزمة.
وأخيرا، لا ننسى أن فكرة “الجبهة الثقافية” ارتبطت بتراث الستالينية وواقعيتها الاشتراكية المفلسة، والأخيرة هي في الحقيقة أحد صور تقييد الفن بواسطة سلطة ادّعت ذات يوم أنها نصيرة للعمال والفلاحين والفقراء عامة. ولا ننسى أيضا أن مآل غالبية عناصر “الجبهة الثقافية” اليسارية كان الانخراط بهمة ونشاط في الثقافة الرسمية بمجالاتها المختلفة، وذلك بعدما حصلوا على لقب “كتاب كبار” من الدولة وأصحاب السلطة فيها.