رغم المهرجانات والدعاية
السينما المستقلة في مأزق
أعلنت جوائز مهرجان الساقية للأفلام القصيرة يوم الأثنين 22 فبراير 2007 الماضي، مفجرة أسئلة مهمة حول السينما المستقلة، وحول الرقابة غير الحكومية على الأفلام. في البدأ يجب توضيح أن المهرجان لم يعلن أنه خاص بالأفلام المستقلة وحدد المشاركات بطول العمل وليس بجهة إنتاجه. والحقيقة أنه حتى المهرجان الأول للسينما المستقلة، الذي عقد أول دوراته هذا العام وحدد صفة “المستقلة” في عنوانه، لم يلتزم بذلك كثيرا. فقد اشتركت في المهرجان أفلام من إنتاج جهات مؤسسية ضخمة منها معهد السينما والمركز القومي للسينما، الذي كان حتى سنوات قريبة جدا المنتج الرئيسي والحكومي للأفلام القصيرة.
الأمر الثاني الذي يبدو أنه بدأ في إثارة تساؤلات حول قدرة الأفلام المصورة باستخدام تقنية الديجيتال على منافسة الأفلام المصورة على شريط السينما التقليدي (خام الـ35 ملي). وقد فتح مهرجان القاهرة السينمائي الباب هذه السنة للمرة الأولى للأفلام المصورة بتقنية الديجيتال ولكن في فئة خاصة بها. ويرى بعض المتخصصين أن هذا التقسيم عادل لأن الصورة النهائية الناتجة عن التصوير الديجيتال مسطحة في مقابل العمق الذي يمنحه خام الـ35 ملي للصورة. ولتبسيط الأمر على القارئ تخيل الفرق بين صورة المسلسلات التليفزيزنية وصورة الفيلم السينمائي، وتقع صورة الفيلم الديجيتال في مكان ما في الوسط بين الاثنين.
وبما أن المسألة في الأغلب ليست مسألة اختيار بقدر ما هي مسألة إمكانيات، فهذا الاختيار يعني بالضرورة أن بقية الإمكانيات المتاحة لصناع الفيلم ستكون هي الأخرى محدودة. كل تلك العوامل تساهم في جعل العمل أقل جودة من الفيلم المصور على شريط سينمائي 36 ميلي. ولو تساوت كل العوامل الأخرى، بما فيها حرفية وموهبة العاملين في الفيلم، فستأتي النتيجة مع كل ذلك في غير صالح الديجيتال بسبب صورته المسطحة.
والأمران السابقان مرتبطان ارتباطا يكاد يكون عضويا. فالأفلام المنتجة بشكل مستقل تستعمل في الأغلب الأعم، ولمحدودية الإمكانيات، تقنية الديجيتال. وجاءت نتيجة مسابقة الساقية لتمنح الجوائز الأربعة لفيلم من إنتاج المركز القومي للسينما وفيلم من إنتاج معهد السينما وفيلم من إنتاج التلفزيون وأخيرا الجائزة الأولى لفيلم من إنتاج مؤسسة سمات. وبينما كان المشتركون في المهرجان يتكهنون حول الأفلام التي قد تفوز سرت إشاعة تأكدت فيما بعد، بأن إدارة الساقية طلبت من المخرجة أيتن نبيل التي كانت قد تقدمت للمسابقة بفيلم “راجلها”، أن تقتطع بضع ثواني من زمن الفيلم. تتضمن هذه الثواني مشهد لعلاقة مثلية بين امرأتين، ويعتبر مشهدا أساسيا في الحبكة الدرامية للفيلم المأخوذ عن قصة قصيرة بنفس الاسم للكاتبة المصرية، التي تكتب باللغة الإنجليزية، أهداف سويف.
وربما تعد تلك الواقعة الثانية التي يتم فيها الكلام بشكل علني عن رفض مؤسس الساقية، محمد الصاوي، المعروف بميوله المحافظة عرض فيلم ما بسبب مضمونه. كان الفيلم الأول هو “الجنيه الخامس” من إخراج محمد حماد وهو يحكي عن شاب وفتاة يدفعان جنية زائد عن أجرة الأتوبيس المكيف ليمارسا علاقة جنسية في مقاعده الخلفية.
وأشدد هنا على أن المنع كان بسبب المضمون وليس بسبب المشاهد العارية أو التي يراها الصاوي خارجة. فالمثير في الأمر أنه سمح بعرض فيلم “شرف البنات” للمخرج أسامة عشم، ضمن نفس الدورة من مسابقة الساقية للأفلام القصيرة التي طلب من أيتن نبيل فيه قطع مشاهد من فيلمها، والذي يتضمن العديد من المشاهد التي تصور جرائم اغتصاب وحالات تحرش وعلاقات جنسية.
وبالتالي فيبدو أن المقياس في السماح والمنع هنا كان الرسالة “الأخلاقية” المتضمنة في العمل. ففي “شرف البنات” تُعاقب كل الخاطئات بالفضح، بينما تخضع البطلة البريئة لعملية ترقيع بمباركة والدها لإتمام زواجها على خطيبها الذي لن يلم بواقعة اغتصابها. أما في “راجلها” أو في “الجنية الخامس”، فهناك حالة من التعاطف مع الأبطال الذين تحركهم الغيرة أو الكبت بدون محاكمتهم أخلاقيا. ولم يتقتصر منع فيلم “راجلها” على العرض العام فقط، ولكن على دخول المسابقة من الأساس.
وهكذا، فبرفضها ممارسة الرقابة على فيلمها الأول تحرم أيتن نبيل من فرصة تقييمه على أساس أنه عمل فني من قبل لجنة تحكيم متخصصة. وبعد إعلان ممدوح الليثي فرض 150 ألف جنية كرسوم يدفعها من يعمل بالإخراج من غير خريجي المعهد العالي للسينما يتأكد أن الجهات المؤسسية كلها قد اجتمعت لمنع الشباب من ممارسة فن مستقل بإمكانيات محدودة.