بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

فن وأدب

هاري بوتر

سحر الرواية أم سحر التسويق؟!

قبل عند صدور الجزء الثالث من سلسلة هاري بوتر إنه بعد 20 عاما ستكون هناك لغة مشتركة تحدد انتماء الشخص لجيل معين وستتضمن هذه اللغة كلمات مثل الكويديتش (اللعب الرياضية التي يمارسها السحرة) وهجوراتث (مدرسة السحرة). وبعد صدور الجزء السابع والأخير أصبحت مؤلفة السلسلة جي كي راولينج أغنى فعليا من ملكة انجلترا، بالإضافة إلى كونها قد أصبحت أكبر الكتاب دخلا عبر التاريخ. السؤال هنا: هل يمكن أن تتحقق مثل هذه القفزة في الدخل بسبب كتاب واحد ناجح لا غير؟ وكيف يمكن أن يغزو كتاب العالم بهذا الشكل؟ في الحقيقة يوجد عاملان أكثر أهمية من مضمون الكتاب، وهما التسويق والتقنيات الحديثة التي ساهمت في الوصول بالكتاب ونشره إلى أبعد الأماكن على مستوى العالم. ولا تقتصر تلك الآليات على الدعاية للعمل، بل يتطلب الأمر التدخل على مستويات عديدة لجعل العمل قابل للتسويق على أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية والعمرية.

من هو هاري بوتر؟

بدأت راولينج الكتابة منذ عامها السادس ولكنها لم تسع للنشر قبل كتابة الجزء الأول من سلسلة هاري بوتر التي جاءتها فكرته لأول مرة خلال تعطل قطار كانت تركبه لمدة أربع ساعات. وتدور الأحداث حول المراهق اليتيم هاري بوتر الذي يكتشف في عامه الحادي عشر أنه ساحر وأنه الشخص الوحيد الذي تغلب على اللعنة القاتلة التي استعملها الشرير لورد فالدرمورت لقتل والديه. وبنجاة هاري يتحول لورد فالدرمورت إلى شبه شبح وشبه حي في نفس الوقت. يتلقى هاري رسالة بتأهله لدخول مدرسة السحرة التي لم يكن يعلم بوجودها، بينما تحاول خالته وزوجها إخفاء الأمر عنه بلا جدوى. وفي المدرسة يتعرف على هارمايني ورون الذين يصبحان شركائه في مغامراته عموما وخاصة محاولته لهزيمة قوة الشر وزعيمها لورد فالدورمورت. أرسلت راولينج مخطوطة روايتها إلى العديد من وكلاء الكتاب (الذين يقومون بالترويج لأعمال الكتاب والبحث عن ناشرين لها) وقبل أحدهم تمثيلها وتولي إرسال نسخة الرواية الى دار بلومزبري التي تولت نشرها في المملكة المتحدة.

كلمة السر.. التسويق

وهكذا بدأت آلة التسويق العمل. وكانت أولى التغيرات التي فرضتها هو تحديدها أن هذه الرواية موجهة لمن هم بين التاسعة والحادية عشر من العمر، على الرغم من أن الكاتبة لم تحدد عمرا معينا كانت تتوجه له. ولا يبدو أن آلة التسويق لدار نشر بحجم بلومزبري قد أصابت في اختيارها، فقد انتشرت الرواية بين جميع الفئات العمرية منذ الجزء الأول. وسرعان ما تأقلمت آلة التسويق مع هذا الوضع المربح لجعله أكثر إدرارا للأموال بإصدار «نسخ البالغين» من الرواية. وفي حقيقة الأمر لا يوجد اختلاف بين النسختين إطلاقا إلا في صورة الغلاف وكلمة «نسخة للبالغين» المكتوبة عليها. ولا توجد أي إشارة على الكتاب أو في الدعاية لتكشف حقيقة أن النص المتضمن في الكتاب مطابق تماما لنفس النص المتضمن في نسخ الأطفال.

كانت الحيلة التسويقية الثانية التي استخدمتها دار النشر هي أنها طلبت من راولينج أن تستخدم اسما مستعارا، حيث أن المسئولين في الدار كانوا يخشون أن كون راولينج امرأة سيأثر سلبا على المبيعات. ومع بداية نجاح الرواية بين القراء الأكبر عمرا بدأ تسريب الروايات حول حياة راولينج الصعبة، وكيف أنها كانت تمضي الساعات في مقهى وهي تكتب لكي تستمتع بالدفء في الشتاء حيث تحيى مع ابنتها الصغيرة في شقة صغيرة من مساكن الإعانة الاجتماعية بلا تدفئة. أي ان الآلة الإعلامية والتسويقية لم ترى أنها تصلح كإمراة لتسويق كتابها، ولكن بعد ما عرف الجمهور أنها امرأة إصبح من الضروري كسب تعاطفه معها بإظهار معاناتها كأم وحيدة. وعندما بدأت المعلومات حول حجم الثروة التي تجنيها جي كي راولينج من مبيعات كتابها تنتشر، ظهرت مقالات تتحدث عن أن حياتها لم تتغير وأنها لم تشتري سوى بيتا صغيرا لتعيش فيه مع ابنتها وسوى خاتم واحد. ولم تبدأ الحكايات حول الثروة المهولة التي كونتها راولينج تنتشر بدون تزييف إلا عندما تأكد أن فكرة هاري بوتر قد أصبحت أكبر من مجرد كتاب. فقد تغلغلت الأفكار والشخصيات المتضمنة في الروايات إلى الوعي الجمعي لجيل بأكمله حول العالم، خاصة في العالم الأول وأصبحت تستخدم في السلع والألعاب والوسائل التعليمية والملابس. كما تمت ترجمة الرواية إلى 65 لغة منها اليونانية القديمة واللاتينية، وبالتالي فالخوف من تأثر المبيعات نتيجة لصورة مؤلفته ورأي الجمهور فيها قد تراجع.

ومع نجاح الرواية أصبحت هناك قواعد لتسويقها منها أن نسخ هاري بوتر تباع في اليوم نفسه في جميع أرجاء العالم وأن هناك عقوبات صارمة لأي مخالفة لهذا التوقيت الذي يبدأ عادة عند منتصف الليل حيث تكون طوابير المعجبين منتظرة لساعات.

عندما وصل هاري بوتر لمصر

حمى هاري بوتر وصلت كذلك إلى مصر. فقبل إصدار الجزء الخامس من السلسلة فتحت مكتبة ديوان باب الحجز، وقبل منتصف نهار نفس اليوم كانت النسخ قد نفدت مما تسبب في مشاجرات عديدة بين الأطفال والكبار على السواء. وقبل صدور الجزء التالي أعلنت المكتبة أنها لن تقبل حجوزات وأنها ستبيع الكتاب للزبائن عند طلبه بلا أي ترتيبات مسبقة، واستعدت المكتبة لهذا الحدث بنسخ مضاعفة من الكتاب لتفادي المشاجرات. أما في الفرع المصري من متجر فرجين ميجا ستورز فقد ارتدى العاملون ملابس السحرة وأمسكوا بالمقشات خلال الأيام الأولى للمبيعات.

هاري بوتر وسيد الخواتم

علينا الاعتراف أن جميع تلك الحيل التسويقية لم تكن لتخلق وحدها نجاحا على وزن ما وصلت له سلسلة هاري بوتر، دون أن يكون هناك في الأصل نص قادر على الاستحواذ على خيال الجماهير وإثارة شغفهم. فرواية راولينج قد نجحت فعليا في خلق عالم كامل موازي بقوانينه ومخلوقاته قادر على إثارة الخيال بغرابته المحسوبة. وليس من المصادفة أن يبدأ تحويل كتاب الكاتب الإنجليزي تولكين «سيد الخواتم» إلي فيلم بالتزامن مع نجاح هاري بوتر فالكاتبان قد نجحا في خلق عوالم موازية لعالمنا كما نعرفه، إلا أن عالم راولينج كان أقرب. لعدة أسباب يمكن رؤيتها حسب موقعك من المناظرة الدائرة منذ ظهور الأفلام التي نقلت عن الكتابين.

يتلقى موقع مجل نت Muggle Net (ومجل هي كلمة من ضمن الكلمات التي دخلت اللغة بسبب هاري بوتر وتعني الشخص الذي لا ينتمي للعالم السحري) رسائل عديدة من معجبين سيد الخواتم يبدون فيها استنكارهم من ميل البعض للمساوة بين العملين من جهة التأثير والخيال. والحقيقة أننا إذا نظرنا بتروي سنرى أن عالم هاري بوتر قابل للتسويق بسهولة أكثر، حيث أنه يسير بالتوازي مع العالم الحقيقي في زمنه الحالي بينما تدور أحداث سيد الخواتم في عصر بعيد في قلب الأرض. ويختلف النقاد وأساتذة الأدب والأدباء اختلافاً شديداً حول القيمة الفنية لسلسلة هاري بوتر. فبينما يرى البعض، وبينهم شخصية بحجم الأديب أيه أس نيبال، أن سلسلة الروايات تفتقد للخيال وتستعير من كتابات الأطفال المعروفة الأخرى، ويرى آخرون أنها عمل سيتم توريثه وحكايته من جيل إلى جيل. فيقول الناقد أيه أن ويلسون في مجلة التايم «لا يملك كتاب كثيرون قدرة راولينج الديكنسية (إشارة إلى الروائي الإنجليزي الأشهر تشارلز ديكنز) على جعلنا نقلب الصفحات بسرعة، أن نبكي وأن نضحك بعد بضعة صفحات على نكات جيدة». أما الكاتب الروائي الشعبي الأكثر مبيعا في أمريكا ستيفن كينج فيرى أن هاري بوتر ستعيش لتصبح إحدى كلاسيكيات الأدب العالمي للأطفال.

ولم تقلل الانتقادات من شعبية العمل. فقد هاجمته بعض النسويات لأنهن يتصورن ضعفا ونمطية في الشخصيات النسائية في الرواية، كما يرى المتدينون أنها تشجع على السحر، حتى أن هناك جماعات دينية أمريكية رفعت قضايا ضد الرواية على هذا الأساس. على الجانب السياسي تعلن راولينج أنها يسارية وتسقط بعض الأفكار عن المساواة والطبقية في الرواية ولكن الانسياق وراء هذه الإشارات العابرة قد يكون خادع، فهي في الحقيقة مجرد رواية مغامرات لا يقف خلفها أي هدف سياسي. في نهاية الأمر وأيا ما كانت آراء المؤيدين والمعارضين لهاري بوتر فلا شك أن آلة التسويق العملاقة كان لديها نص رائع هو أساس كل ما استطاعت إنجازه. ولا شك أيضاً أن هذا النص الرائع كان يمكن أن يبقى حبيس أرفف المكتبات مثل المئات وربما الآلاف من الكتب لولا سحر آلة التسويق الجبارة.