بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أزمة “إبداع”!

عندما كتب إسماعيل أدهم كتابه الجدلي “لماذا أنا ملحد” في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي كان يرد في دراسة فلسفية على مقال مطول بعنوان “لماذا أنا مؤمن” للكاتب أحمد زكي أبو شادي. ما تبقى لدينا من ردود الأفعال على كتيب إسماعيل أدهم هو مقالة للكاتب محمد فريد وجدي بعنوان “لماذا هو ملحد” فند فيها الأفكار المطروحة في الكتيب. ولا يذكر لنا التاريخ أي دعوات لإقامة حد الردة على أدهم ولا المطالبة بمصادرة كتابه.

أما في الواقعة الأشهر، والتي أحيل فيها طه حسين للنيابة بسبب كتابه “في الشعر الجاهلي” فقد أغلق رئيس النيابة محمد نور الدين ملف الدعوى، رغم اختلافه مع ما ورد في الكتاب واستعان في قراره بمجموعة من النقاط القانونية، أهمها “لمعاقبة المؤلف يجب أن يقوم الدليل على توفر القصد الجنائي لديه، فإذا لم يثبت هذا الركن فلا عقاب”. أما الآن فمجرد الاشتباه في النية أصبح مدعاة ليس للمناقشة وإنما للمطالبة بمصادرة مجلة وسحب ترخيصها.

فبعد سنوات من التوقف ترقب القراء من محبي الأدب عودة مجلة إبداع في ثالث إصدار لها، بنفس طاقمها القديم وعلى رأسهم الشاعرين أحمد عبد المعطي حجازي وحسن طلب. وبعد نزول العدد الأول بأيام سُحِبَ من الأسواق بقرار من رئيس هيئة الكتاب ناصر الأنصاري. وتردد أن سبب مصادرة المجلة هو وشاية عمال المطبعة، الذين رأوا مساس في الذات الإلهية في قصيدة بعنوان “شرفة ليلى مراد” للشاعر حلمي سالم.

ومع أن تلك المعلومة لم تؤكد، إلا أن لعمال مطبعة هيئة الكتاب سابقتين في فرض رقابتهم على المطبوعات. فقد كانوا قد امتنعوا عن طباعة مجموعة قصصية لعلاء الأسواني. ولم يكتفوا بالامتناع عن الطباعة في حالة الكاتب ياسر إبراهيم، بل صعدوا الأمر إلى شرطة الآداب. وفور معرفتهم بموضوع مجلة إبداع سارع الشيخ يوسف البدري ومعه 11 شخصا آخرين بتقديم بلاغ للنائب العام ضد حجازي بصفته رئيس تحرير المجلة وحلمي سالم بصفته صاحب القصيدة محل البلاغ.

وبما أن المجلة صادرة عن جهة حكومية هي هيئة الكتاب، أشار البدري في بلاغه إلى إنفاق أموال الضرائب على المجلة وطالب بالتحقيق مع حجازي وحلمي سالم بتهمة ازدراء الأديان.

أما حجازي نفسه فقد دافع عن مجلته وعن حرية النشر بالتأكيد على أن تقييم النصوص الأدبية يكون على أساس أدبي وفني وليس ديني. واستشهد حجازي، بكتابات أبو نواس وأبو العلاء المعري التي لم تكن لترى النور في حالة تطبيق مثل تلك المعايير الدينية والأخلاقية التي يطالبونه بتقييم النصوص على أساسها.

وبالرغم من اختلافي مع الرؤية المشوشة التي قدمها السيناريست والصحفي بلال فضل في عموده الأخير في جريدة الدستور، إلا أن استشهاده بقصيدة سبارتاكوس للشاعر العظيم أمل دنقل في مكانه. فقد جاء في مقدمة القصيدة “المجد للشيطان معبود الرياح .. من قال لا في وجه من قالوا نعم”. وهل كان من الممكن أن لا يشرف أي شخص محب للإنسانية بالوقوف في نفس الخندق مع أمل دنقل إذا ما تعرض لموقف كهذا.