بيزنس الصحة في مصر

في استمرارٍ لسياسات الليبرالية الجديدة، تسعي شركة “أبراج كابيتال”، التي تأسست عام 2002 كشركة متعددة جنسيات، ومقرها مدينة دبي الإماراتية، لاحتكار القطاع الصحي في مصر، حيث قامت بشراء ١١ مستشفى خاص منها القاهرة التخصصي، والنيل بدراوي، والجولف، وأندلسية، وكليوباترا، وشركة هايدلينا، بجانب أكبر معامل التحاليل الطبية (البرج والمختبر). كما تسعي لشراء شركة أمون للأدوية، وتخطط للدخول في صفقة مع الحكومة لشراء نحو 45% من القصر العيني الفرنساوي، ومستشفى عين شمس التخصصي التابعتان لوزارة التعليم العالي.
ما يحدث لا يعني فقط توجه عام نحو تسليع الخدمة الصحية، بل يجب النظر إليه ضمن توجه أكثر عموماً وشمولية؛ فهذه الشركة تحت مسمع ومرأى من حكومة السيسي تسعى لممارسة سياسة احتكارية بهذا القطاع الحيوي، وبالفعل بات هذا التوجه قاب قوسين أو أدنى من التحقق في مجال التحاليل الطبية بعد السيطرة على معامل المختبر والبرج. وهناك توجه عام يُناقش الآن داخل أروقة الحكومة علي أرضية المؤتمر الاقتصادي لتطبيق نظام تأمين صحي شامل، وهو إعادة إنتاج لمشروع حاتم الجبلي وزير صحة مبارك، يتماشى مع الإطار العام لتوجيهات البنك الدولي، ويسعى لخفض مستوى الخدمة الصحية المُقدمة بالقطاع الحكومي، وفي المقابل يفتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار بقوة بهذا القطاع بتعديل القوانين بما يسمح بالشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في مجال تقديم الخدمة الصحية.
فهناك:
أولاً؛ في الوقت الذي زادت فيه عدد الأسرّة في القطاع الخاص مرتفعة التكاليف من 15 ألف 259 سرير عام 1998 إلى 29 ألف سرير و393 في 2011، نشهد انخفاضاً ملحوظاً في عدد الأسرّة بالمستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة، حيث تراجع العدد من 71 ألف و694 سريراً عام 1998 إلى 41 ألفا و647 في 2011. جاء ذلك بعد غلق حاتم الجبلي لمستشفيات الحميات ومستشفيات التكامل تمهيداً لخصخصتهما وفقاً لسياسات البنك الدولي المُوقّع عليها في 1991، لتعاني مصر من نسبة عجز تصل إلى 50% في عدد الأسرّة بالمستشفيات الحكومية وفقاً لتصريحات نقابة الاطباء. وتصل نسبة الأسرّة إلى السكان في مصر 1.6 سرير لكل 1000 مواطن، بينما تبلغ النسبة في الهند 5 أسرّة، وفي الولايات المتحدة 10 أسرّة، وفي السويد 12 سريراً. وبالطبع أدى ذلك التدهور إلى تراجع معدل دخول المرضى المستشفيات الحكومية تدريجياً من 2 مليون و468 ألف و871 حالة في 2009، إلى 2 مليون و11 ألفا و619 في 2011.
ثانياً؛ طبقاً لآخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تعاني المستشفيات الحكومية نقصاً خطيراً في الخدمة الصحية، ونقصاً في الأدوية يبلغ 52% في الحضر و82% في الريف، وفي المعدات تصل نسبته إلى 51% في الحضر و70% في الريف، وفي الأخصائيين يعادل 36% في الحضر و80% في الريف، وفي الأطباء الممارسين بنسبة 40% نتيجة لانخفاض موازنة الصحة وصرف ثلثها تقريباً كمرتبات وحوافز علي العاملين بديوان عام الوزارة، وبالتالي ارتفعت نسبة الوفيات داخل المستشفيات الحكومية من 0.84% عام 2009 إلى 1% عام2011، ذلك العام الذي شهد وفاة 20 ألف و38 مريضاً في المستشفيات الحكومية مما وضع مصر في المركز 66 على مستوى الصحة في العالم وفق إحصائية منظمة الصحة العالمية لسنة 2013.
ثالثاً؛ مررت الحكومة بعد انقلاب 3 يوليو دستوراً لم ينص بشكل صراحةً على “الحق في الصحة”، كما حذفت كلمة “غير القادرين” من الديباجة. كما لم ينص الدستور بين بنوده على منع خصخصة التأمين الصحي، وفي المقابل نص على أن نسبة موازنة الصحة 3% من الناتج القومي الإجمالي، وليس الموازنة العامة للدولة، مما جعلها مادة مطاطة تسمح بالتأويل وفقاً للتوجه الاقتصادي للدولة، علاوة على السماح بشراكة القوات المسلحة والقطاع الخاص في تقديم الخدمة الصحية.
وبالفعل تُنفق الآن المليارات على مستشفيات الجيش والمخابرات للتطوير ،وكذلك أُنشأت كلية طب عسكرية جديدة لتخريج أطباء للقوات المسلحة، وليس ببعيد افتتاح السيسي لأعمال التطوير والتوسع في مجمع الجلاء الطبي للقوات المسلحة لتشمل عدداً من المستشفيات والأقسام العلاجية الجديدة، هي مستشفي الجلاء للعائلات، ومستشفي الأطفال والنساء التخصصي، ومستشفى طب الطوارئ والحوادث، ومركز جراحة المخوالأعصاب، ومركز أمراض الكلى، ومستشفي الأورام، ومستشفى الأنف والأذن والسمعيات والتخاطب التخصصي، ومركز الرعايات المركزة وبنك الخلايا الجذعية والعيادات الخارجية.
رابعاً؛ تسعى الحكومة الحالية لإقرار قانون المستشفيات الجامعية الجديد، والذي يحوّل المستشفيات الجامعية إلى وحدات اقتصادية ذاتية التمويل لتمهيد السبيل للشراكة مع القطاع الخاص في تقديم الخدمة كباب خلفي لخصخصة هذا القطاع.
وتحت سحابة كثيفة من الشعارات الوطنية الزائفة، تسعى حكومة السيسي مدفوعة بمدى عمق الأزمة الاقتصادية والسياسية لإيجاد حلول سريعة لأزمات الاستثمارات الراهنة بإصدار القوانين والتعديلات اللازمة لتحسين مناخ الاستثمار المصري، حتى تتمكن من جذب استثمارات جديدة خلال مؤتمر القمة الاقتصادية في مارس المقبل، مقدمةً نظم الحماية الاجتماعية والصحية والكهرباء والتعليم والنقل والصرف الصحي وغيرها قرباناً لنيل رضا أمراء الخليج وكبرى الشركات العالمية.