المؤتمر الاقتصادي: نتائجه وانعكاساته الاجتماعية

انتهت فعاليات مؤتمر الاستثمار، الذي روج له السيسي ونظامه على أنه الحدث الذي سيبث الحياة في الاقتصاد المصري وسيأتي بالخير الوفير للفقراء.
فما هي أهداف المؤتمر الحقيقية لدى النظام الحاكم؟ وهل سيحقق للشعب الآمال التي روج لها؟ وما هي توزيعات القطاعات التي سيتم الاستثمار فيها وما دلالات هذه التوزيعات؟
للإجابة على هذه الأسئلة، عقد مركز الدراسات الاشتراكية ندوة بمقره تحت عنوان: “المؤتمر الاقتصادي: نتائجه وانعكاساته الاجتماعية” بحضور الصحفيين الاقتصاديين إبراهيم الصحاري وبيسان كساب.
كيف يمكن أن نفهم المؤتمر؟
أثار المؤتمر عاصفة من المقالات والآراء المختلفة التي دارت حول نجاحه أو فشله من منظور “الشماتة” في نظام السيسي، مثلما حاول الإسلاميون ترويجه دون مناقشة حقيقية وتحليل عميق، أو “الدعاء له بالتوفيق” مثلما تحايل مؤيدي النظام باعتبار دعاوي الاستقرار والانتعاش الاقتصادي. وأكدت أنه “بغض النظر عن الاحتفالية التي بدا عليها المؤتمر والتنظيم الذي بالغ البعض في إظهاره، فالموازنة بين الخسائر والمميزات وانعكاساتهما هو الأسلوب العلمي الوحيد لتقييم نتائج المؤتمر وكلفته”.
رأت بيسان أن المؤتمر يعكس مغزى سياسي بالأساس حيث الحرص على التمثيل الحضوري لكبرى الدول، رغم أن وسائل الاتصال مع المستثمرين الأجانب لا تتم بين يوم وليلة، والتعاقدات الفعلية الممثلة بعقود تتوقف على عوامل كثيرة وتتأثر بظروف ذاتية وإقليمية. وهذا يطرح السؤال عن الكلفة التي قدمتها مصر في مقابل استقبال الحشد الدولي والتي تمثلت بوضوح في إجراءات ما قبل المؤتمر التي أطاحت بعدد من المكاسب.
كان أول هذه الإجراءات إصدار قانون الاستثمار الموحد ذو البنود المثيرة للجدل والمتعلقة برفع القيود عن قانون العمل لصالح رجال الأعمال وإتاحة سهولة فصل العمال، بما يتوازى مع قرار صدر منذ عهد الرئيس السابق، عدلي منصور، يحظر الطعن على العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين. قانون الاستثمار الموحد أيضا أضاف سلطة تقديرية للحكومة تفتح الباب للفساد والرشاوي.
فيما أتى قانون الضريبة كأحد أهم الإجراءات التي تكشف بوضوح توجهات النظام الحاكم، حيث تطور الطابع الرمزي لهذا الإجراء أكبر بكثير من نتائجه وخاصة مع ضعف قدرة الحكومة على التحصيل الضريبي، حيث أكدت بيسان أنه في أعقاب الجدل العام الذي أثير حول العدالة الاجتماعية عقب ثورة يناير 2011، أُجبرت الحكومة وقتذاك على رفع الضريبة إلى 25% على الشركات والأغنياء، بينما خفض القانون الحالي تلك القيمة إلى 22.5% في ظل توحيدها على الفقراء والأغنياء سواء، في ظل إلغاء الضريبة الاستثنائية المقدرة بـ 5% لمدة 3 سنوات على الدخول التي تفوق المليون جنيه، ولم تستمر عام مالي واحد وتم بالتوافق مع رجال الأعمال والحكومة.
كان من الممكن طرح أموال الضرائب على الأغنياء والرواتب الفائقة كأحد المصادر لدعم الاقتصاد، ووفقا لبيسان، فإن طبيعة المشاريع التي أقرها المؤتمر وتباهى بها النظام هي مشاريع عقارية بالأساس، وتعاقداتها لم تكن في حاجة إلى كل هذا الصخب، بل إن المشاريع نفسها في بناء العاصمة الإدارية وواحة أكتوبر وجنوب مارينا تعكس بوضوح توجهات النظام الحاكم باعتبارها استثمارات غير استهلاكية لا تفيد متطلبات الفئات العريضة من الشعب المصري في التشغيل الدائم، كما توضح أولويات الحكومة في تنمية منطقة جنوب مارينا في ظل ازدياد مفزع للفقر في مصر.
وانتقدت بيسان المهللين لسياسات السيسي رغم إنها تتطابق مع ما قدمه المعزول محمد مرسي في جذب الاستثمارات الأجنبية كحل للأزمة الاقتصادية. فالخطاب الأخير له وإعلانه أن مصر تحتاج إلى 200 أو 300 مليار دولار هو تقريبا نفس الرقم الذي أعلنت عنه جماعة الإخوان المسلمين في “مشروع النهضة” ووعدهم باجتذاب 200 مليار دولار كاستثمارات أجنبية بالاتفاق مع 15 شركة عالمية لم نعرفها حتى الآن!
المؤتمر وأكاذيب السلطة المصرية
تحدث الصحفي الاقتصادي إبراهيم الصحاري عن المبالغات التي أعلن عنها أحد كبار الصحفيين بأن الاستثمارات القادمة ستبلغ 300 مليار جنيه، كما أطلقت جميع الصحف والجرائد الرسمية تهليلات واضحة عن المليارات التي تتدفق و”تتكلم”. فيما أعلن محلب أن الحكومة تستهدف 60 مليار دولار كقيمة إجمالية مقسمة على تعاقدات مبنية على مذكرات تفاهم وتشغيل شركات أخرى أو استثمارات مباشرة. لتفاجئنا وزيرة التعاون الدولي نجلاء الأهواني أن المستهدف 35 مليار دولار، لكن لم تذكر المدة الزمنية لهذا المستهدف، ليعلن أخيرا وزير الاستثمار، أشرف سالمان، عن قيم 10 – 15 مليار دولار خلال سنتين.
الاستثمارات في مجملها هي عبارة عن منح وقروض مباشرة أو ادخار محلي، ومصر سجلت واحدة من أقل المعدلات العالمية في الادخار، مما انعكس على نقص الفوائض المالية وعجز دائم في الميزانية.
وجد الصحاري أن “نجاح الاستثمار يتوقف على شروط موضوعية تتيح مناخ استثماري دولي. ووفقا لتقرير “التنافسية” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن ترتيب مصر يقع في المركز 119 من أصل 142 دولة على مستوى العالم، وبتراجع 13 مركز عن العام الذي يسبقه، وهو ما يعكس ضعف المركز التنافسي في جذب الاستثمارات العالمية، أضف إلى ذلك الضعف التام للبنى التحتية التي تبتلع أي قيم نقدية.
هناك أيضا ظرف ذاتي كشرط لنجاح الاستثمار يتأثر بالظروف الإقليمية المتاحة وانعكاسها على الداخل، حيث الاضطرابات والحروب، مما يجعل الاستثمار في مصر “استثمارا سريعا”، لكن ما يفسر الدعم الخليجي هو أهمية مصر السياسية بالنسبة للمنطقة. الاستثمارات ستضيف “نهضة” نسبية تحول دون وقوع الاقتصاد المصري أو انتعاشه التام، ومن ثم البقاء على ممارسة الدور السياسي المنوط بالسلطة المصرية في قمع الثورات العربية بالمنطقة وعدم تجذرها”.
في السياق، أكد الصحاري أن “تضارب الأقوال لم يتوقف على تصريحات حجم الاستثمارات، لكن يخوض في عدم وضوح التفاصيل. فتكلفة العاصمة الجديدة وفقا للحكومة 45 مليار دولار، أما محمد العبًار، رئيس شركة إعمار الإماراتية التي أعلنت تبنيها المشروع، فتحدث عن تكلفة تصل إلى 90 مليار دولار وبفارق يقارب الضعف عما أعلنته الحكومة، بما يضع تضارب غير مفهوم واستهتار تام بجدية التصريحات، كما يضع على الجانب الآخر تساؤلات حول مشاركة مصر في المشروع، كيف ستتم؟ وهل رأس المال المصري في امتلاك الأرض كفيل لتدفق كل هذا الكم الهائل من المليارات الخارجية التي أعلن عنها العبًار؟”.
ووفقا لمؤشر المشتريات الصادر عن البنك العالمي HSBC، الذي كشف عنه الصحاري، فهناك تدهور حاد في ظروف التشغيل ووصوله إلى أدنى المستويات خلال آخر 17 شهر، وهم حكم السيسي، واقتراض النظام لسد فوائد أموال المصريين المجمعة في مشروع قناة السويس الجديد، حيث ازداد العجز خلال نفس الفترة بنسبة 32% عن العام السابق، بما يعني ازدياد الإنفاق العام مقارنة بالإيرادات. في المقابل، سعت الحكومة إلى رفع التوقعات الشعبية بانتعاش الاقتصاد، مثلما فعلت سابقا وتاجرت بأحلام مرضى الفيروس الكبدي سي بجهاز وهمي، ليعلن وزير المالية بعد المؤتمر عن سحب قرض داخلي يفاقم من العجز، في الوقت الذي ألغى فيه ضريبة الـ 5% على الدخل الذي يفوق المليون جنيه، بما يضع تصورات حول توجهات السلطة الحاكمة في البقاء على مصالح الأقلية شديدة الثراء على حساب الأغلبية الشعبية الفقيرة.