بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مصر في ظل السيسي: السلاح قبل الخبز

يقولون أن الرجال يبدون أقوى وأطول وفي أيديهم البنادق، لكن في الحقيقة يعاني 3 من كل 10 أطفال مصريين تحت سن الخامسة من التقزم، بسبب أن عائلاتهم ليس لديها ما يكفي من الخبز لإطعامهم، أو ليس لديها خبزٌ على الإطلاق.

وكما كتب جورج أورويل في عمله المميز “الحنين إلى كتالونيا”: “إنه لمشهد مقزز أن يجلس رجلٌ سمينٌ ليأكل السمان بينما يتسوَّل الأطفال الخبز، لكن من غير المرجح أن تلتفت لهذا المشهد حين تهدر أصوات البنادق على مسامعك”.

على أصداء مثل هذه المهزلة، يستمر عبد الفتاح السيسي في استيراد المزيد من السلاح بينما تقبع البلاد على حافة نقص حاد في الكثير من السلع الأساسية، تتضمن أدوية وأغذية. وقد قالت صحيفة “لا تريبون” الفرنسية، الأسبوع الماضي، أن “مصر تستعد لشراء سفن حربية وأقمار صناعية عسكرية في صفقة تُقدَّر بأكثر من مليار يورو… ومن المتوقع أن تُعقد الصفقة خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند مصر في 18 أبريل المقبل”.

عسكرة الاقتصاد
وقعت مصر حتى الآن عقودًا بمليارات الدولارات، مع فرنسا وروسيا، لشراء طائرات مقاتلة وسفن حربية، ومن المتوقع عقد المزيد من الصفقات هذا الصيف. وقد تقدمت مصر بالفعل 4 مراكز في تصنيف دول العالم من حيث استيراد السلاح، من المركز السادس عشر إلى الثاني عشر، خلال عام واحد فقط، وفقًا لمعهد ستوكهلوم الدولي لأبحاث السلام.

زاد استيراد مصر للسلاح بنسبة 37% بين عامي 2011 و2015، مقارنةً بما استوردته بين عامي 2006 و2010. ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فقد تضاعفت واردات مصر من السلاح في العام 2015 ثلاث مرات لتصل إلى 1475 مليون دولار، مقارنةً بـ 368 مليون في 2014. وقد شهدت مصر العام الماضي أعلى معدل في استيراد السلاح منذ عشرين عامًا.

يعتمد معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، وهو معهد دولي مستقل تأسس في العام 1966، على مصادر مفتوحة بالفعل في تتبعه لتسليم السلاح للدول التي تشتريه. هذا يعني أن مصر ربما تكون قد أنفقت أموالًا أكثر لم يتمكن الباحثون والمراقبون من رصدها. وفي الحقيقة، تُقدِّر بعض وسائل الإعلام المحلية مشتريات مصر من السلاح خلال العام الماضي بأكثر من 10 مليار دولار.

شراء الشرعية
لكن لماذا ينفق السيسي كل هذه الأموال الطائلة على السلاح؟

يقول بعض المحللين السياسيين أن إمدادات السلاح هذه تساعد الجيش المصري في مواجهة القلاقل المتصاعدة في سيناء وفي تأمين الحدود. لكن في الحقيقة لا يحتاج أي جيش في العالم بارجة حربية مثلًا لمحاربة مقاتلين متحصنين في الجبال أو مختبئين بين السكان والأهالي، والجيش المصري هو بالفعل واحد من أكبر الجيوش في الشرق الأوسط. وفي 2011، احتل هذا الجيش المركز السادس عشر في تصنيف جيوش العالم من حيث قوتها، وفقًا للتقييم السنوي الذي يعده موقع جلوبال فاير باور.

ومنذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في العام 1979، “موَّلت الولايات المتحدة مصر بما يقرب من 70 مليار دولار، حوالي نصفهم (34 مليار) لشراء معدات عسكرية أمريكية الصنع. وتشكل منح المساعدة الأمنية الأمريكية لمصر (1.3 مليار دولار) 80% من ميزانية المشتريات السنوية للجيش المصري”.

كانت علاقة مصر بالولايات المتحدة قد تراجعت بعد الإطاحة بمحمد مرسي في يوليو 2013، وقد جمدت واشنطن المساعدات السنوية المقدمة لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار. لكنها واشنطن قررت، في مارس 2015، فك تجميد المساعدات العسكرية ومنحها مرة أخرى.
وفقًا لهذا، لا يبدو إذن شراء مصر السلاح الروسي والغربي ضروريًا، أليس كذلك؟

كلا، إن صفقات السلاح السخية مع روسيا والغرب لهي مصدر لشراء الاعتراف بالشرعية بالنسبة للسيسي، بالأخص على الساحة الدولية. على سبيل المثال، كتب مدير “مراقبة حقوق الإنسان” في فرنسا، مقال رأي في جريدة “لو موند” الفرنسية يتهم فيه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بـ”وأد ديبلوماسية حقوق الإنسان”. وجه فاردو نقده بالأخص لعلاقة فرنسا الحميمة مع السيسي. لقد شارك أولاند أيضًا في افتتاح قناة السويس الجديدة. وفي 2015، كان 47% من السلاح الذي استوردته مصر فرنسي الصنع، وجاءت مصر في المركز الثالث بين الدول الأكثر استيرادًا للسلاح الفرنسي بنسبة 9.5%. ومن المتوقع أن يزور الرئيس الفرنسي القاهرة مرة أخرى في أبريل.

من يدفع الثمن؟
كل صفقة لها شروطها التي تحدد أساليب الدفع وجدوله الزمني. وعلى الرغم من أن هذه الشروط غير معروفة نتيجة نقص الشفافية، إلا أن من الواضح، بناءً على القليل مما نعرفه، أن الجيش ليس هو سيدفع قيمة هذه الصفقات من أرباح مشاريعه، بل ميزانية الدولة هي التي ستتحمل هذا العبء.

في منتصف مارس الجاري، صوَّت البرلمان لصالح إقرار 3.3 مليار يورو قروض فرنسية ستُستخدم في تمويل شراء معدات عسكرية من فرنسا، من طائرات مقاتلة وسفن حربية، دون مناقشة برلمانية. وقد كشف موقع أهرام أونلاين أن “القيمة الإجمالية لهذه المعدات تبلغ نحو 5,6 مليون يورو، وستدفع مصر الـ 40% المتبقية”. وسيكون على وزارة المالية في مصر ضمان القرض.. يبدو أن فقراء مصر هم من سيدفعون ثمن صفقات السيسي.

السلاح قبل الخبز
حين خرج الثوار والعمال إلى الشوارع في 2011، نادوا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. والآن بعد مرور أكثر من خمس سنوات على ثورة 25 يناير، لا يزال المصريون يتضرعون من أجل العيش، ويظل الأمن الغذائي – وهو حق إنساني أساسي – حلمًا بالنسبة للكثيرين.

وتواجه مصر سلسلة من الصدمات الاقتصادية، التي ستؤثر خاصةً على الفقراء، بينما يسيطر الفقر على حياة أكثر من 50% من السكان وأكثر من 52% من الأطفال المصريين، وفقًا لمعدلات خطوط الفقر القومية العليا والدنيا. لقد ازداد معدل الفقر في مصر إلى 26.3% من السكان في 2012 – 2013، مقارنةً بـ 21.6% في 2008 – 2009. وقد تدهور هذا المعدل بشكل أكبر منذ استيلاء السيسي على السلطة منتصف العام 2013.

ومن أجل جذب الاستثمارات، وضع السيسي عرقلة دعم المواد الغذائية والطاقة أولوية قصوى. في يوليو 2014، سمحت حكومة السيسي بزيادة أسعار الطاقة للمنازل والشركات بنسبة تصل إلى 80%، بهدف الاستمرار في الزيادة بواقع 20% كل عام حتى 2018. وكان البنك الدولي قد اعتبر أن الزيادة في أسعار الطاقة في يوليو 2014 قد يدفع حوالي 400 ألف نسمة تحت خط الفقر. والأكثر من ذلك أن الحكومة تخطط لتخفيض الدعم في الميزانية الجديدة للعام المالي المقبل بنسبة 10%، وبالتالي ستدفع بذلك المزيد من الناس إلى هوة الفقر.

في مصر، بينما يأكل الرجال السِمان السِمَّان، يتسوَّل الأطفال الخبز، ويتضرع الشعب من أجل العدالة الاجتماعية. يبرر النظام وإعلامه وحاشيته إنفاق المزيد من المال لشراء السلاح، بينما يصرخون ضد حربٍ، يمكن في ظل الفقر، حقيقةً، أن تكون فقط بين الدولة والفقراء.

* المقال بقلم إبراهيم الصحاري، منشور باللغة الإنجليزية في 29 مارس 2016 على موقع العربي الجديد