ندوة مركز الدراسات الاشتراكية
توجهات النظام في ضوء بيان الحكومة والتعديل الوزاري

تعصف بمصر أزمة اقتصادية ظهرت آثارها في الانخفاض الحاد للجنيه مقابل الدولار، وينعكس ذلك على ارتفاع أسعار المعيشة. فيما أثارت وعود انتعاش الاقتصاد بعد مؤتمر شرم الشيخ وافتتاح تفريعة قناة السويس تساؤلات حول ماهية الأزمة وحجمها.
في هذا الإطار، عقد مركز الدراسات الاشتراكية ندوة، الجمعة 8 أبريل، لمناقشة توجهات النظام الاقتصادية في ضوء التشكيل الوزاري الجديد، تحدث فيها: ياسر الشيخ القيادي العمالي وعضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للعاملين بالبترول، ووائل جمال الباحث الاقتصادي الاشتراكي الثوري، وإبراهيم الصحاري الاشتراكي الثوري الصحفي الاقتصادي.
كيف ندرك حجم الأزمة؟
يعد الناتج المحلي الإجمالي أهم مؤشر يعكس الصورة العامة للاقتصاد. عقب الإطاحة بمحمد مرسي منتصف عام 2013 حتى فض اعتصامي رابعة والنهضة، وما صاحب ذلك من توترات سياسية وأمنية، شهدت الاستثمارات تراجعًا ملحوظًا انعكست بالتالي على انخفاض في النمو. ومن الملاحظ ارتفاع تدريجي في معدلات النمو لتصل لأعلى مستوياتها (6.8%) منذ عام 2011 في الفترة التي شهدت الانتخابات الرئاسية وتولي السيسي الرئاسة، ووفقًا لإبراهيم الصحاري، فإن هذا الرقم انخفض بشدة إلى 3% في نفس الفترة من العام المالي الذي يليه، بحسب تقارير البنك المركزي. فيما سرب أحد بنوك الاستثمار ورقة بحثية أفادت انحدار مزري للنمو ليصل إلى 2.2% في الربع الثاني. في حين تعمدت الحكومة إخفاء تلك المعلومات رغم الانتقادات الدولية لذلك.
ومن المتوقع انخفاض النمو في الربع الثالث إثر تراجع في مؤشرات قطاع الصناعات التحويلية والسياحة وإيرادات قناة السويس، وهو ما يعكس فشل النظام الحالي الذي استلم السلطة بارتفاع تدريجي بالنمو وصولًا إلى انحدار مذهل الآن. انعكس ذلك على الحالة الاحتجاجية للمصريين، الذي انتقل من رضا ودعم السيسي إلى اختلاف في شعبيته مقارنة بالعام الماضي.
واستنكر الصحاري ما يتم ترويجه عن انخفاض العجز العام الحالي، فالأكاذيب تكمن في التفاصيل، فهبوط منحنى الصادرات منذ 2014 ووصوله إلى أدنى مستوياته باللحظة الحالية، قابله على الجانب الآخر انخفاض منحى الواردات مما أدى إلى انخفاض العجز، بل ويشير إلى ركود صناعي كبير فـ 70% من الواردات تمثل مستلزمات إنتاج للأغذية وبترولية، وتعتمد الصناعات في مصر بالأساس على السلع الوسيطة التي يتم استيرادها من الخارج.
ووفقًا للصحاري، فحال القطاع الصناعي يشرح تمامًا الأزمة. منذ سيطرة السيسي على السلطة توسع القطاع الصناعي بنسبة 55%، وفي يونيو 2015 شهد أكبر انكماش ليسجل 30% انخفاض بما يؤكد أن حجم الأزمة تعمق بالفعل؛ فوفقا لمؤشر مدراء المشتريات للشركات الذي يشرح حجم التصدير والطلبيات الخارجية، شهد شهر فبراير الماضي أكبر تدهور مقارنة بـ 31 شهر سابق. كل هذه المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد اتجه إلى أسوأ أحواله وهو ما يفسر إخفاء الحكومة أرقام النمو.
حيث بلغ احتياطي العملات الصعبة بالبنك المركزي عام 2010، 36 مليار دولار، لينخفض في العام الحالي إلى 16.5 مليار. والمعروف أن هناك 4 مصادر للاحتياطي النقدي تتمثل في تحويلات المصريين من الخارج والسياحة والصادرات وإيرادات قناة السويس. كل هذه المصادر تراجعت تمامًا وأحدثت ضغوط ضخمة على الجنيه المصري وتضاؤله المتزايد أمام الدولار. مما يؤكد بالأساس أن الأزمة تتعلق بالاقتصاد نفسه وليس بثوابت المضاربين والسوق السوداء. عائدات السياحة مثلا انخفضت من 7.5% عام 2014 إلى 6% عام 2015 ومن البديهي أن تنخفض تماما هذا العام بعد حادث الطائرة الروسية، كذلك الاستثمار الأجنبي، الذي من المفترض أن يقوي وضع الجنيه المصري، فالتراجع غير مسبوق خلال الربع الأخير. تم تخفيض سعر الجنيه 20 مرة منذ 2011 مما أحدث موجة تضخمية كبيرة يدفع ثمنها المواطنون من غلاء معيشة وأعباء اجتماعية أكبر.
وكيف نقرأ التعديل الوزاري وسياسات الحكومة؟
ووفقًا لوائل جمال، فإنه “لا يمكن أن نغفل أن الأزمة الاقتصادية مرتبطة تمامًا بالأزمة السياسية، مشروع قناة السويس مثلًا وضغط العمل به إلى سنة واحدة، أحدث آثار سلبية بالاقتصاد المصري والغرض منه إحداث ضجة سياسية تُحسب للنظام ويعبأ عليها. والسؤال هو كيف تتعامل الدولة مع الأوضاع الاقتصادية السلبية؟ من الواضح أنه لا توجد خطط اقتصادية شاملة وواضحة، فالخطة التنموية التي تصدرها وزارة التخطيط، والحديث عن العدالة الاجتماعية، لا تمت للواقع بصلة. في المقابل، فتسريبات اتفاقات الحكومة مع البنك الدولي شرحت الكثير من الخبايا”.
يموِّل البنك الدولي مشروعات تنموية وليس قروض متعلقة بالسياسات. الحكومة استبدلت الصندوق بالبنك بعد أن ساءت سمعته لدى الجمهور، وحصلت على سماح لاقتراض قروض لم يسبق أن حصلت عليها من قبل. هذا النوع من القروض مرتبط بحزمة سياسات يصبح فيها الصندوق طرفًا في التفاوض وموافقًا على حزمة السياسات المطروحة. وهناك بند واضح للغاية بالاتفاق المسرب، الذي تضمنه القرار الجمهوري ونشره موقع “مدى مصر”، يكشف مشروطية القرض البالغ 3 مليار دولار، وهو قرض تافه لن يحل أزمات، بأن مصر لن تحصل عليه إلا بعد تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة التي يدفعها المستهلك بشكل المباشر، بل وإقراره بطريقة معينة يوافق عليها البنك وذلك بطلب من الحكومة نفسها.
وأضاف جمال، أنه “بعد انعقاد البرلمان، أعلنت الحكومة عن بيان حكومي طرحه رئيس الوزارء شريف إسماعيل هناك ليكشف تفاصيل تطابقت تمامًا مع الاتفاق السابق، كذلك تم توزيع نسخ ورقية على أعضاء البرلمان في الوقت الذي أصبحت كل هذه التفاصيل غير مطروحة على الرأي العام للموافقة أو الرفض. في هذه النسخ طرحت الحكومة تحديات تتعلق بالجانب الاقتصادي كمعدل التضخم وعجز الموازنة. في حين تكررت جملة “الاستقرار الاقتصادي مسألة أمن قومي” كأولوية ولم تناقش هذه التحديات تطوير القطاع الصناعي أو التحديات الاجتماعية سوى بجمل عامة فضفاضة، وانحسرت على الهموم المالية فقط. ومن الملاحظ تكرار مصطلح “استكمال إصلاحات العاميين الماضيين فيما يتعلق بالمصروفات” وهو انطباع كاذب عن إنجازات حكومة محلب فيما يتعلق بالإصلاحات الاجتماعية، وهذا خطأ فوعود توجيه الضريبة على السجائر العام الماضي وإنفاقها على القطاع الصحي أكاذيب تدحضها احتجاجات العاملين بالقطاع الطبي”.
ووفقًا لجمال “الموازنة العامة في مصر تنقسم إلى جزئين أساسيين الأول هو المصروفات والثاني الاستخدامات يتضمن الاستثمارات الحكومية وأقساط الديون، الحكومة تحسب نسب الإنفاق الصحي من المصروفات فقط وليس الإنفاق العام، وتبدو النسب بشكل أكبر، وعند حساب تلك النسب من الاستخدامات سيبدو الأمر مختلفا أيضا، فاتورة الأجور مثلًا وفقًا للتصريحات الحكومية ازدادت، لكن مع حسابها من الإنفاق العام سنجد أن العامين الماضيين انخفضت من 25% إلى 19% وفي العام الحالي انخفضت إلى 17% فقط، كذلك الصحة والتعليم، من المفترض زيادتها إلى 10% من الناتج القومي الإجمالي وفقا لنص دستوري. لم تلتزم الحكومة بهذا على الإطلاق.
ارتفع نصيب الصحة في العام المالي 2014 – 2015 من 42 مليار إلى 45 مليار، هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار التضخم المتزايد (10% على الأقل) لكن النسب عمليًا تراجعت من 4.2% من الإنفاق العام إلى 3.9% العام الحالي، كذلك الأجور من 10.2% إلى 7.5%، هذا مؤشر يعطي أن نصيب العمل يقل من النمو لدى الحكومة. الأدهى هو أن شروط صندوق النقد الدولي تقضي بمزيد من التخفيض على تلك الأرقام لذلك قدمت الحكومة قانون الخدمة المدنية لاحتواء الشروط”.
واستنكر جمال تفسير البعض بعدم الكفاءة كسبب هذه الأزمات، والبعض الآخر يجد أن تدخلات الجيش بقوة في المشروعات الاقتصادية هو سحب البساط من أقدام رجال الأعمال وبناء عليه تقليص دورهم. لكن ما يبدو هو أن العوار يعيب النظام الاقتصادي نفسه.
فكل التشريعات التي صدرت مؤخرًا تعمل لصالح رجال الأعمال، قانون منع الطعن على فساد بيع الشركات، كذلك قانون وضع الحد الأقصى للأجور سقط بعد اعتراض رؤساء كبار الشركات. وفي حكومة الببلاوي، تم تعديل قانون المزايدات والمناقصات الذي يقضي بالشفافية والرقابة، حيث تم استثناء كل الهيئات الاقتصادية ذات القانون الخاص مثل هيئة التنمية الزراعية وكل هيئات التي تبيع الأراضي. هذا التعديل سمح بالبيع بالأمر المباشر ويقنن كل ما تم في الماضي. كذلك قانون الاستثمار، وقانون الأرباح الرأسمالية في البورصة الذي أوقفته الحكومة لـ 3سنوات بعد ضغط رجال الأعمال.
أوضح جمال أن “تركيبة الحكومة الحالية، لم تشهد دخول شخصي لرجال الأعمال أمثال ساويرس، لكن الوزراء تلاميذهم، وزير الاستثمار من شركة أوراسكوم ووزير الاتصالات من شركة HP ووزير الصناعة من شركة أبراج الإماراتية التي شارك بها جمال مبارك، ووزير المالية من شركة القلعة الذي أدار سير عمليات الخصخصة ومن المفترض عبثا اليوم أن يدير المالية لصالح الفقراء. هذه التركيبة توحي بالانحياز الفكري ودخول قوي للقطاع الخاص. ليس مصادفةً أن تعلن شركة أبراج بالقطاع الصحي في مصر وشراء كبرى المعامل بل تحويل ضريبتها خارج مصر. هذه السياسات تبدو بدرجة أعمق في الفجاجة مما طرحه جمال مبارك وهي جزء من معركة أفكار كبرى تمارسها السلطة الحاكمة بالكذب والتضليل على الشعب”.
تضليل وكذب وفساد
في كلمته، استنكر ياسر الشيخ الأكاذيب التي يروجها الإعلام الرسمي بـ “كسل الشعب” على الرغم من تدني الأجور وارتفاع الأسعار. الحكومة هي نفس عصابة مبارك التي تنهب ثروات البلاد في نفس الوقت اعتمدت في اقتصادها على المنح والقروض التي سيدفع ثمنها نفس الشعب “الكسول”! واستدل الشيخ على رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل أحد قيادات هذا القطاع، وطارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية ووزراء النقل والقوى العاملة والهجرة هم أيضًا قيادات من هذا القطاع المنهوب.
وزير القوى العاملة يتآمر ضد العمال بفصلهم تعسفيا واستهداف العمال النشطاء نقابيا، بل وكثير منهم يتم فصلهم تمامًا ليصبحوا دون عمل ومورد رزق آخر. هيئة النقل العام خاضت نضالًا طويلًا من أجل ترتيب المعاشات ومستحقاتهم مع الحكومة لكن كثير من قيادات قطاع البترول تتضاعف مستحقاتهم على غير حق فقط لأنهم يتحكمون بالمناصب الأعلى رغم أن العمل يُدار بالأساس على أكتاف العمال. وتسائل الشيخ مستنكرًا “بأي منطق يتم النهب المنظم؟ وبأي منطق يسرقون جهد وتعب العمال؟!”.