بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عامان على حكم السيسي.. تعافي السلطوية وتدهور الاقتصاد

قبل عامين من الآن كان المصريون منقسمون بين متفائل ومتشائم من اقتراب عبد الفتاح السيسي من منصب الرئاسة، ولكن الصورة بعد انقضاء نصف المدة الرئاسية فقط تختلف كثيرا، إذ أن قطاعات واسعة من المصريين صارت ساخطة على حكمه بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، واكتفت الكثير من الأصوات المدافعة عنه في 2014 بالصمت أمام الانتقادات المتوالية ضده.

ويأتي تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل تصاعد سياسات التضييق على الحريات التي شرعنتها حزمة القوانين الصادرة بعد أحداث 30 يونيو 2013في ظل غياب البرلمان.

وبعد انتخاب البرلمان الجديد لاتزال البلاد في حالة غياب واضح للحوار السياسي مع السلطة، إذ تمضي الحكومة في تطبيق السياسات الاقتصادية التي بدأتها مع انتخاب السيسي دون أي محاسبة أو ضغط من الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية المصرية، باستثناء تعطيل البرلمان لقانون الخدمة المدنية.

ولفهم ما جرى في عامين من حكم السيسي علينا أن نعود لمشهد اليوم الانتخابي، عندما توجهت قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى الباحثة عن الاستقرار بعد ثلاثة أعوام من ثورة 2011، وظنت أن البلاد لن تستعيد حالة الهدوء إلا بانتخاب الرجل القوي الواقف وراء نظام 30 يونيو.

وفي نفس توقيت انتخاب السيسي أصدرت الحكومة، في هذا الوقت، مشروع الموازنة العامة، لعام 2014-2015، والذي تناول مشكلة عجز الموازنة المتفاقم وطرح حلولا لمواجتهه على حساب مصالح الطبقة الوسطى الداعمة للسيسي، ولكن لم يلتفت الكثيرين لإشارات الاقتصاد وسط صخب السياسة.

كان أبرز صدام مع الطبقة المتوسطة يتمثل في البدء في عملية تحرير دعم الطاقة، الذي قالت الحكومة أنها ستمضي فيه خلال خمس سنوات، وظهر ذلك واضحا في تخفيض فاتورة دعم المواد البترولية في هذا العام بنحو 30 مليار جنيه، ولكن زيادات أسعار الوقود لم تتبعها موجة غضب شعبي مشابهة لما جرى عام 1977، فقد كان المزاج العام أميل للاستقرار والتفاؤل بالمستقبل.

وفي مقابل الاجراءات التقشفية أعلن نظام السيسي عن حزمة من الإجراءات التي توحي بأن الأغنياء سيشاركون في سداد جزء من فاتورة تخفيض عجز الموازنة، والتي كان من أبرزها ما عرف بضريبة الأثرياء، وهي ضريبة سنوية على من تتعدى دخولهم مليون جنيه، وكانت ذات طبيعة مؤقتة إذ لا تمتد لأكثر من ثلاثة سنوات.

هذا إلى جانب فرض ضرائب على توزيعات الشركات لأرباحها على المساهمين، وعلى مضاربات البورصة التي لا تفيد الاقتصاد بشكل مباشر مثل الأنشطة الإنتاجية، علاوة تقديم مساعدات إجتماعية للفقراء، في صورة دعم نقدي، تخفف عنهم الآثار التضخمية لزيادة أسعار الوقود.

لكن سرعان ما تراجعت حكومة السيسي عن بعض التزاماتها الخاصة بأعباء الأثرياء، فاتجهت لتجميد ضريبة مضاربات البورصة وألغت الضريبة المؤقتة قبل مرور السنوات الثلاثة دون مبررٍ واضح، وحتى الدعم النقدي تأخرت في تقديمه للفقراء.

ومع قدوم العام المالي الثاني كان المشهد قد اختلف، فلم يعد دعم الوقود يمثل عبئا كبيرا بسبب الانخفاض المفاجيء لأسعار النفط العالمية في النصف الثاني من العام الميلادي 2014، مما دفع الحكومة لتهدئة وتيرة إعادة هيكلة الدعم، واتجهت للبحث عن طرق أخرى تخفف بها عجز الموازنة، وان كانت أيضا على حساب الطبقات الوسطى والدنيا.

كانت مقدمات الاعلان عن حزمة الأعباء الجديدة على الطبقة الوسطى تتمثل في تصريحات الحكومة وقت مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، حيث حرصت الحكومة أن تظهر أمام المستثمرين بأنها قادرة على السيطرة على أزماتها المالية، وتهيء بيئة الاستثمار للشركات الأجنبية الكبرى التي تستضيفها على ضفاف البحر الأحمر.

و أعلنت الحكومة آنذاك عن قانون الخدمة المدنية، والذي جاء بأهداف واضحة تتعلق بتقليص فاتورة الأجور الحكومية ، كما أعلنت عن قانون جديد لإدارة قطاع الكهرباء يسمح بدخول الاستثمارات الخاصة بشكل أكبر في هذا المجال، في ظل اتجاه الحكومة لتحرير أسعار الكهرباء بشكل تدريجي.

وعكست موازنة 2015-2016، التوجه المعادي لطبقة الموظفين، مع تقلص معدل نمو موازنة الأجور الحكومية من 12.4% في العام السابق إلى 8.6%.

ولكن هل ساهمت سياسات السيسي التقشفية في قيادة الاقتصاد للتعافي، المؤشرات الكلية تقول لنا عكس ذلك، بل تحذرنا من أن الاستمرار في هذا المسار قد يقودنا إلى أزمة مالية.

صحيح أن الاقتصاد يتحرك، وتنشر الصحف أخبارا عن مشروعات ومنشآت جديدة، لكن البيانات الكلية تقول لنا أن الاقتصاد ينمو بنفس سرعة نمو عدد السكان تقريبا،عند 3%، وهو ما يعني أننا نغطي بالكاد احتياجات المواليد الجدد ونعيش ظروفا خانقة.
فبعد ارتفاع النمو في العام المالي الأول للسيسي عن متوسط معدل نمو السكان لأول مرة منذ الثورة، بنسبة 4.2%، تتجه تقديرات بعض الجهات البحثية إلى أن النمو سيسجل هذا العام نحو 3% فقط.

وكان صعود النمو في العام السابق متأثرا بارتفاع غير مفهوم في معدل نمو الصناعات التحويلية، ولكن آخر المؤشرات عن الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2015 تقول إن هذا القطاع ( الصناعات التحويلية) اتجه للانكماش بنسبة 0.4%، كما انكمش قطاع السياحة بشكل عنيف بنسبة 15% وهو أمر مفهوم في ظل الاضطرابات الأمنية وعدم نجاح السلطة في مكافحة الأرهاب.

ويتزامن تباطوء النمو أو وقف الحال بالتعبير الشعبي، مع استمرار معدلات البطالة فوق مستوى 10% من قوة العمل، ومعدلات تضخم مرتفعة، ليضاف التعطل والغلاء لقائمة هموم المصريين

فمعدل التضخم الأساسي، الذي يرصد أسعار السلع التي لا تتسم بالتذبذب، ارتفع في إبريل الماضي لأعلى مستوياته منذ أغسطس 2014، وبلغ تضخم سلة أسعار المستهلكين في المدن أعلى مستوياته أيضا منذ يناير الماضي.

وتأتي ارتفاعات التضخم على خلفية أزمة ضعف تدفقات النقد الأجنبي، والتي تسببت في انخفاضات متتالية لقيمة الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع أسعار السلع المستوردة بالتبعية.

لم تنجح إدارة السيسي في تحسين أوضاع الاقتصاد لا بمعايير مصالح الشعب ولا بمعايير مصالح رجال الأعمال، والكل يترقب المستقبل في بلد يعاني من ضعف عملته المحلية وتباطوء نموه الاقتصادي.

وتقف السلطة وسط الأصوات الساخطة المتصاعدة من الطبقات المختلفة في حالة من التردد، فمجتمع الأعمال ينتظر منها اصلاحات مثل التوسع في تطبيق ضريبة المبيعات، والذي سيولد إيرادات تتحمل اعباءها الطبقات الأفقر بدرجة كبيرة، ولكن الحكومة تحدثت كثيرا عن هذه الضريبة ولم تسارع بتطبيقها.

والطبقة الوسطى التي دعمت السيسي كانت تترقب نتائج سريعة لمشروعات قومية مثل التوسع في قناة السويس، واستفاقت من الدعايا الزائفة التي روج لها أنصار الرئيس عندما رأت ضعف إيرادات القناة في ظل تباطوء الاقتصاد العالمي.