تذاكر المترو الجديدة هي الأغلى في العالم.. وتساوي ربع الحد الأدنى للأجور

“تكلفة المواصلات في دول العالم الأغنى تتراوح بين 3.19% إلى 10.23%”
أهم المبررات التي تسوقها الدولة لرفع أسعار تذاكر المترو بنسبة وصلت إلى 350%، هو مواكبة الأسعار العالمية، ورأينا كيف عقدت أبواق السلطة مقارنات مغلوطة بين أسعار المواصلات في مصر وغيرها من الدول.
وتكمن المغالطة والتزييف هنا في أن المقارنة بين الأسعار المحلية والأسعار العالمية لا يجب أن تقتصر على أسعار السلع والخدمات وفقط، ولكن يجب أن تشمل أيضا أسعار العمل، أي الأجور.
وبعقد المقارنة الحقيقية التي تشمل أسعار المواصلات بالنسبة للأجور بين مصر ونفس الدول التي طرحت كأمثلة لتبرير رفع أسعار تذاكر المترو، يتضح مدى زيف تلك الحجة، حتى مع المقارنة مع أكثر الدول ارتفاعا في أسعار المواصلات مثل دول غرب أوروبا وأميركا وشرق آسيا.
فتلك المقارنة لا تكشف بالفعل سوى أن الحكومة المصرية تدفع المواطنين نحو مزيد من الفقر المدقع الذي لا يمكن أن يتحمله اي مواطن فى اي دولة فى العالم.
فبمقارنة سعر تذكرة المترو فى مصر حاليا ودول أخري أوروبية نجد أن الزيادة فى سعر التذكرة حاليا بالنسبة للحد الادني للأجور هي الأعلي بين الدول.
فى دولة مثل ألمانيا على سبيل المثال الحد الأدني للأجور 1280 يورو شهريًا كحد أدني تكون تذكرة المواصلات العامة بها تتراوح بين 2.90 يورو إلي 3.40 يورو صالحة لمدة ساعتين واذا كنت ستقوم بعدة رحلات يومية فبتذكرة ثمنها 7 يورو تمكنك من استخدام الموصلات لمدة 24 ساعة وتذكرة صالحة لمدة اسبوع بتكلفة 25 يورو وأخري صالحة لمدة شهر بتكلفة تصل الي 80 يورو فى بعض المدن الألمانية صالحة لجميع الاتجاهات والخطوط وتكون جميع تذاكر المواصلات العامة صالحة لاستخدام كافة أنواع المواصلات (الأوتوبيس ومترو الأنفاق والمترو الأرضي والترام) أي أن المواطن لن يضطر لدفع المزيد من الرسوم خلال رحلته بعد دفع هذه التكلفة فوسائل المواصلات العامة تعتبر الوسيلة الأساسية للتنقل داخل المدن ويوجد تخفيض للطلبة وكبار السن وذوو الإعاقة الجسدية.
وفي المقابل تكون وسائل المواصلات صالحة بنسبة كبيرة للإستخدام من كافة فئات المجتمع فيكون بها أماكن مخصصة لكبار السن وذوي الإعاقة وملحقة بوسائل أمان وسلامة تساعد كافة المواطنين فى التعامل مع وسائل المواصلات دون التعرض للخطر، فى حين أن شبكة المواصلات العامة فى ألمانيا تعتبر من أقوي شبكات المواصلات حول العالم حيث أنها تغطي معظم أجزاء وأطراف المدن الألمانية. الأمر نفسه ينطبق على كافة الدول التي تسوقها الدولة للمقارنة وتتمتع بشبكة مواصلات عامة على درجة عالية من الكفاءة والتغطية، ولا تتفوق شبكة المواصلات العامة المصرية عليها إلا في معدلات الأعطال والتواجد الأمني الذي لا يهدف لحماية المواطنين بقدر ما يهدف للتجسس عليهم وملاحقتهم.
مثال ألمانيا يوضح أن نسبة تكلفة المواصلات العامة جميعها للحد الأدنة للأجور 6.25% فقط، بينما أصبحت نسبة تكلفة الاستخدام اليوم لمترو الأتفاق في مصر في المتوسط “تذكرتين يوما بقيمة خمسة جنيهات” تصل إلى 25% من الحد الأدنى للأجور، والذي يساوي رسميا 1200 جنيه شهريا. ناهيك عن أن الحد الأدنى للأجور في مصر لا يغطي رسميا سوى العاملين بالحكومة، كما أن تطبيقه تشوبه الكثير من التشوهات التي تجعله أقل من ذلك عمليًا.
نحن هنا لا نتحدث سوى عن نظام رأسمالي يتبع آليات السوق الرأسمالي المبني علي إستغلال الطبقة العاملة بألمانيا واضطهاد واستغلال اللاجئين والمهاجرين والفئات الأضعف بالمجتمع لصالح الشركات الرأسمالية الألمانية الضخمة التي تسيطر على السلطة فى ألمانيا. وبالطبع لا نغفل عن المعاناة الضخمة التي يعانيها الشعب الألماني والمقيمين فى ألمانيا نتيجة فرض السلطة الألمانية الضرائب الضخمة على وسائل النقل المعتمدة على الطاقة في حين تتغافل وتتواطأ الحكومة الألمانية مع شركات الديزل المنتجة للسيارات ووسائل النقل المستهلكة للطاقة ولا تحملها أي ضرائب أو تعويضات نتيجة ما تسببه من ضرر للبيئة والصحة وبالطبع نذكر الحادثة الشهيرة للرشوة الانتخابية التي قدمتها شركة بي إم دابليو لصالح الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تزعمه أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية الحالية فى انتخابات سابقة سنة 2013 والتي فى مقابلها حصلت شركات السيارات الألمانية للمرة الرابعة على تمديد مدة لتوفيق الانباعاثات الكربونية التي تخرج من سياراتها والتي تؤثر على البيئة بالسلب وفي المقابل تحمل هذه الأعباء البيئية على المواطنين البسطاء من خلال أسعار المواصلات. والمثال الألماني ليس الوحيد، فبحسب الجدول المرفق تتراوح نسبة تكلفة المواصلات إلى الحد الأدنى للأجور في أغلب الدول المتقدمة، وحتى الدول المعروف عنها ارتفاع تكلفة المعيشة، ما بين 3.19%، في السويد، و10.23% في إنجلترا.
الحقيقة أنه لا يمكن في أكثر الأنظمة الرأسمالية استغلالًا وفسادًا تجاهل أهمية تقديم خدمة نقل جيدة ومتاحة لكافة الطبقات الاجتماعية بالأسعار المناسبة، لا أن تستقطع تلك الخدمة ربع الحد الأدنى للأجور، حتى أن ذلك لا يمكن اعتباره مجرد دعم تقدمه الدولة للفقراء، بل هي ضرورة للرأسمالية نفسها، فانتقال العمال بين أماكن السكن والعمل بسهولة وبأسعار مناسبة، هو أمر لا يمكن أن تستغني عنه الرأسمالية بالطبع، أما بالنسبة للعمال والطبقات الفقيرة، فهو حق أساسي يمثل إهداره هجوما غير مسبوق على حقوق الفقراء.
هذا الهجوم هو ما تمثله السعار الجديدة لتذاكر المترو بالضبط، فالحد الأدني للأجور فى مصر 1200 جنيهًا، بكل ما يتضمنه من قصور وتشوهات. لو افترضنا ان مواطن يستخدم المترو يوميا ويدفع متوسط سعرالتذكرة الحالية وهو 5 جنيهات لمسافة 16 محطة فقط فى اتجاه واحد .. اي فى الاتجاهين 10 جنيهات حيث تبلغ التكلفة 300 جنيهًا شهريًا أي 25% من اجمالي الحد الأدني للأجور فى مصر شهريا أي أربعة أضعاف ما يدفعه المواطن الألماني تقريبا. وحتي هذه الفرضية بعيدة عن الواقع المصري فبسبب رداءة شبكة المواصلات فى مصر يضطر المواطن المصري لصرف عشرات أخري من الجنيهات للوصول لمحطات المترو والأماكن الأخري العديدة التي لا يصل اليها مترو الانفاق. فيضطر المواطنين لاستخدام عربات النقل الجماعي الخاصة كالميكروباص والتكتوك والعامة كأتوبيسات النقل العام والتي زادت مؤخرا عقب الزيادة الأخيرة علي منتجات الطاقة بنسبة 50% في أفضل الأحوال. وبالتالي تصبح تكلفة المواصلات فى مصر أعلي من النسب المذكورة أعلاه دون الالتفات لتكاليف المعيشة الأخري التي زادت أسعارها مؤخرا ضمن خطط الحكومة لرفع الدعم والتي تدفع المصريين لمزيد من الفقر.
وبالتالي حتى إذا كانت جودة المواصلات فى مصر رديئة للغاية ولا تكفي لتغطية المدن المصرية وكثافة السكان الموجودة بها ولا يوجد بها اي امكانية لذوي الاعاقة أو كبار السن مازال يتحمل المواطن المصري أكبر نسبة لخدمة المواصلات نسبة الي دخله الشهري مقارنة بباقي دول العالم، وهو ما يعني تجاوزا حتى للتطبيق الأعمى لسياسات السوق التي دأب عليها نظام السيسي، ولكنه هجوم منظم ومنهجي على الفقراء والكادحين من قبل نظام الثورة المضادة.
فأي مقارنة بين أحوال المصريين وأحوال الشعوب الأخرى حتى في دول العالم الأول من الدول الرأسمالية لا يتحمل مواطنيها هذا الكم من الأعباء والافقار التي تحمله الحكومة المصرية على المصريين.
وإليكم جدول للمقارنة بين مصر وباقي الدول من حيث تكلفة المواصلات ونسبتها للحد الأدني للأجور:
المصادر:
الحد الأدني للأجور لدول العالم:
متوسط تكلفة المواصلات على الفرد شهرياً لدول العالم:
زيادة سعر تذكرة المترو وأسعار اشتراكات المترو الجديدة بمصر: