بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

وباء الأزمات الاقتصادية من تركيا أردوغان إلى مصر السيسي

من المؤكد أن كثيرًا من مؤيدي نظام السيسي ينظرون اليوم لانهيار الاقتصاد في تركيا أردوغان بكثيرٍ من التشفي والارتياح. ولكن ربما كان من الأفضل لهم التمعُّن قليلًا في تفاصيل الأزمة التركية. فتلك الأزمة هي جزءٌ مما يحدث في مجموعة من دول ما يسمى بالأسواق الناشئة. تلك المجموعة تتميز بديون خارجية ضخمة وعجز متزايد في ميزان الحساب الجاري وفي ميزان المدفوعات. ومصر السيسي نموذج لدول المجموعة وما حدث في الأرجنتين خلال العام الماضي وما يحدث في تركيا اليوم مرشح أن ينتشر كالوباء لباقي دول المجموعة (وعلى رأسها جنوب أفريقيا وأوكرانيا ومصر).

كانت سياسة أردوغان الاقتصادية تعتمد على ضخ الأموال في مشاريع بنية تحتية وتنمية عقارية ضخمة مما كان يؤدي بدوره إلى تنشيط الاقتصاد ككل. وكانت هذه السياسة ناجحة طالما تمكن أردوغان من تمويلها من خلال جذب استثمارات أجنبية ببيع السندات الحكومية وأيضًا من خلال الاقتراض العام والخاص من البنوك الأجنبية.

ولكن ما يحدث في الاقتصاد الغربي والأمريكي بشكل خاص خلال الفترة الحالية قد وضع نهاية لنجاح مثل تلك السياسات. لماذا؟ أولًا لأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) بدأ في رفع الفائدة على الدولار خلال العام الماضي وسيستمر في ذلك طوال العام المقبل. هذا بعد سنوات من الحفاظ على سعر الفائدة قريبًا من الصفر بهدف تنشيط الاقتصاد بعد الركود الكبير في 2008. وقد تدفقت الأموال من منطقة الدولار ذات الفائدة الضئيلة إلى السندات في الأسواق الناشئة ذات سعر الفائدة المرتفع للاستفادة من الفارق الكبير. أما الآن ومع ارتفاع الفائدة على الدولار يتسابق المستثمرون للعودة للسوق الأمريكي والهروب من الأسواق الناشئة الأكثر اضطرابًا. وثانيًا هناك ارتفاع متزامن لقيمة الدولار الأمريكي بالنسبة للعملات الرئيسية الأخرى (ارتفع الدولار بأكثر من 15% خلال العام الحالي) مما يعني زيادة أسعار الواردات وارتفاع قيمة الديون والفوائد على الديون بالنسبة للأسواق الناشئة. وثالثًا مما يزيد من العبء على الحكومة التركية ومثيلاتها هو ارتفاع أسعار البترول عالميًا مما يزيد من تكلفة الطاقة.

أدت هذه العوامل ومعها انفراد أردوغان بإدارة السياسة المالية (عين زوج ابنته رئيسًا للبنك المركزي) إلى هروب رأس المال الأجنبي من السندات التركية (وصلت الفائدة على السندات الحكومية إلى 20%) وانهيار لقيمة الليرة (فقدت نصف قيمتها هذا العام). وقد أوشكت الحكومة التركية على الإفلاس وربما اللجوء لصندوق النقد الدولي للاتفاق على قرض عاجل لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار التام.

ولكن إذا نظرنا للأرقام سنجد الوضع في مصر أكثر خطورة على المدى المتوسط من الوضع التركي. فالعجز في ميزان الحساب الجاري في تركيا وصل 5.5% من إجمالي الناتج المحلي في حين أنه تجاوز 6.5% في مصر. والدين الخارجي التركي وصل 53% من إجمالي الناتج المحلي والنسبة أقل في مصر ولكنها تزيد بمعدل سريع (36% من إجمالي الناتج المحلي).

وقد رأينا السيسي يتفاخر ومعه رئيس البنك المركزي باحتياطي النقد الأجنبي الذي وصل إلى 44 مليار دولار. ولكن احتياطي النقد الأجنبي في تركيا تجاوز ١٣١مليار دولار. المهم ليس الرقم ولكن نسبته من الدين الخارجي (أقل من 55% في الحالة المصرية. وإذا أضفنا إلى ذلك معلومة أن الدين الحكومي في مصر يصل إلى 102% من إجمالي الناتج المحلي في حين لا يتجاوز 28% في تركيا، يصبح واضحًا أن الوضع الاقتصادي في مصر غير قابل للاستمرار طويلًا وأننا يمكن أن نشهد خلال العام القادم، ورغم أن مصر سبقت تركيا في اللجوء لصندوق النقد، أزمة مالية عنيفة وانهيار جديد لقيمة الجنيه ودورة جديدة من التسول السيساوي في الخليج والغرب بحثًا عن القروض والهبات والمساعدات. والأهم والأخطر من ذلك هو أن نظام السيسي سيجعل الشعب يدفع ثمن أزمته مجددًا بموجة جديدة من زيادة الأسعار ورفع الدعم وتجميد الأجور.

الأزمة الحالية في تركيا والأزمة القادمة في مصر هي نتيجة لنفس السياسات الاقتصادية الرأسمالية التي تجعل الاقتصادات والشعوب عرضة لكل تحول أو تقلب في الاقتصاد العالمي ولكنها أيضًا نتيجة لجنون العظمة المشترك بين الرئيسين أردوغان والسيسي وحبهم للمشاريع العملاقة الممولة بالديون الخارجية والتي سيتحمل ثمنها فقراء مصر وتركيا.