هل السيسي حر أصلًا في رفع الأجور؟

حزمة كبيرة من الإجراءات المرتبطة بالأجور في الموازنة الجديدة أعلن عنها منذ أيام قليلة رئيس الجمهورية الذي يستعد قريبا –مسلحا بحاشية ضخمة من الطبقة السياسية- لخوض مرحلة تعديل الدستور على نحو يسمح له بالبقاء لفترة قد تمتد إلى 2034.
لكن ليس السؤال هو السبب في هذه القرارات، فشبح التعديلات الدستورية يقبع خلف القرارات وإلا ما كان السيسي قد أصدرها في محاولة لنيل شئ من رضا الجماهير وهو نفسه الذي سبق في 2016 أن انتقد ما أدت إليه الثورة من ارتفاع في تكلفة الأجور في الموازنة العامة معتبرًا أن هذه الزيادة هي السبب في ارتفاع الدين الداخلي. السؤال هو كيف صدرت القرارات وهل يملك الرجل إصدار قرارات “توسعية” الطابع بعد سنوات من التقشف العنيف الذي ازدادت قسوته مع توقيع الاتفاق بالاقتراض من صندوق النقد الدولي.
الإجابة أبسط مما قد نتخيل لأول وهلة: السيسي لا يملك فعلا إصدار قرارات توسعية، هو المكبل على الأقل بالتزامات الاتفاق الحديدية مع الصندوق، وهو ما أصدر تلك القرارات أصلا إلا لكونها ليست توسعية بالقدر الذي تبدو عليه.
الحكومة كانت قد أعلنت أن حزمة القرارات الأخيرة ستكلف الدولة 60 مليار جنيه إجمالًا، فما الذي يعنيه هذا الرقم؟ الرقم لا يعني شئ في حد ذاته، فتقييم توجه السيسي فيما يتعلق بالأجور يستلزم النظر لإجمالي مخصصات باب “الأجور وتعويضات العاملين” في الموازنة العامة الجديدة – التي يبدأ العمل بها في أول يوليو- لا إلى تكلفة الإجراءات الجديدة وحدها.
تبلغ إجمالي تكلفة الأجور 300.5 مليار جنيه في موازنة عام 2019/2020، قياسا إلى 270 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2018/2019، ما يعني أن معدل الارتفاع يبلغ 11.5% تقريبا وهو معدل قريب من معدل التضخم المتوقع من قبل صندوق النقد الدولي، ما يعني أن القيمة الحقيقية للأجور لن تشهد أي تحسن ملحوظ. والقيمة الحقيقية لارتفاع الأجور هو معدل الارتفاع بعد خصم تأثير التضخم السلبي على القدرة الشرائية للأجور.
وتمثل هذا الارتفاع في مخصصات الأجور معدلًا أقل من معدل الارتفاع في مخصصات الأجور العام الحالي الذي شهد ارتفاعا في تكلفة الأجور في الموازنة قدره 12.5% تقريبا.
وفي المقابل لن تشهد مخصصات “الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية” في موازنة العام الجديد أي ارتفاع، بل ستشهد انخفاضا قدره مليار جنيه تقريبا، وفقا لجريدة البورصة، وهو ما يعني أن القيمة الحقيقية لتلك المخصصات ستنخفض بحوالي 10%، تمثل معدل التضخم المتوقع العام القادم.
وتبعًا لجريدة البورصة، لن تشهد إجمالي المصروفات في الموازنة العامة إلا ارتفاعًا بنحو 10.5% لتصل إلى 1.57 تريليون جنيه وهو ما يقل أصلُا عن ما هو متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، ضمن البرنامج الذي حصلت مصر بناء عليه على موافقة الصندوق على القرض في نوفمبر عام 2016.
لم يخرج السيسي إذن بأي حال عن النص “التقشفي” بقراراته الأخيرة بالرغم مما حاول أن يضفيه على خطابه ، لذي أعلن فيه القرارات، من معاني السخاء أو “رد الجميل” للشعب على تحمله للتقشف، وفقا للتعبير الذي استخدمته إحدى الصحف الموالية له.
لا يتعلق الأمر فقط بقيود صندوق النقد الذي فرض على مصر خفض الإنفاق على الأجور الحكومية –ضمن عدد من التدابير التقشفية شملت كذلك خفض الدعم- وانما بالاهمية التي يوليها نظام السيسي لمؤسسات التقييم الائتماني التي استندت في تحسين تقييمها الائتماني للديون السيادية المصرية إلى حزمة التدابير التقشفية التي أقدم نظام السيسي على تنفيذها بما يعنيه ذلك من المزيد من “الجدارة الائتمانية” -أي الثقة في قدرة هذا النظام على تسديد الديون الخارجية.
وبطبيعة الحال، تزداد أهمية رأي هذه المؤسسات كلما زاد احتياج هذا النظام للمزيد من الاقتراض الخارجي، وهو ما يتبدى في سعيه للتوسع في القروض طويلة الأجل في محاولة لتسديد القروض قصيرة الأجل، وهي سياسة معلنة من قبل وزارة المالية.