دافوس 2012: الرأسمالية تتقهقر
مثلت ثورات الربيع العربي وما بثته من الهام لحركات احتجاجية اجتماعية في الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا بالإضافة إلى أزمات الديون السيادية لحكومات تلك الدول وما تبعها من خطط تقشفية يتحمل عبئها عمال وكادحين هذه الدول قوى رفض ومقاومة للعولمة الرأسمالية كنمط اقتصادي دولي أنتج النمو غير المتساوي بين الدول وأنتج داخل كل مجتمع احتكارية اقتصادية (لوسائل الإنتاج وبالتالي للثروة) وديكتاتورية سياسية ومزيد من الفقر والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
لذلك جاء عنوان "التحول الكبير : تشكيل نماذج جديدة للتعامل معه" للاجتماع السنوي لمنتدى دافوس أو المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum الذي انعقد في الفترة من 25- 29 يناير 2012 ببلدية دافوس بسويسرا.
ومنتدى دافوس هو مؤسسة غير هادفة للربح مقرها جنيف بسويسرا أسسها دكتور الاقتصاد كلاوس شواب في عام 1971 وهو رئيسها التنفيذي، يعد منتدى دافوس إحدى الركائز الفكرية للعولمة الرأسمالية و سياسات الليبرالية الجديدة بدعوته وترويجه للخصخصة وتحرير التجارة وإزالة الحواجز بين الأسواق، ويتجلى هذا الدور لدافوس كانعكاس للانتماءات الطبقية للأشخاص والكيانات المكونة له والمشاركة فيه، إذ يضم المنتدى كثير من ممثلي كبرى الشركات متعددة الجنسيات بالإضافة إلى رجال أعمال وقادة منظمات عالمية كالصندوق والبنك الدوليان وسياسيون ومحافظو بنوك مركزية للدول ذات النفوذ والمصلحة في تحديد مسار الاقتصاد العالمي، يشتركون جميعاً في وضع و تشكيل خطط اقتصادية عالمية وإقليمية مشتركة .
وفيما يخص محتوى المنتدى هذا العام يجدر ذكر تصريح لكلاوس شواب الرئيس التنفيذي للمنتدى والمؤسس له بأن "الرأسمالية في شكلها الحالي لم تعد ملائمة للعالم من حولنا". وقد أوضح تقرير المنتدى الصادر في 10 يناير 2012 والمتعلق بالمخاطر أو التهديدات العالمية (المخاطر على النظام الرأسمالي بالطبع) خلال العام الحالي والعقد المقبل والذي تم مناقشته في المنتدى أن أهم أسباب الاحتجاج الاجتماعي والسياسي المعنونة بــ "بذور واقع مرير" هي التفاوت الحاد في الدخول والأوضاع المالية غير المستقرة للحكومات والتهميش السياسي والرقابة المتراخية التي كانت سبباً في فشل توقع الانهيار المالي.
لذلك كانت الأفكار المطروحة كحلول تتمحور حول عمل علاقة بين الحد الأقصى للأجور والحد الأدنى في أي مكان عمل، وتوفير فرص عمل، وتوسيع نطاق المشتركين في عملية اتخاذ القرار في الدولة لتشمل العناصر التي لا تدخل في مفهوم الدولة، تغيير مفهوم النمو الاقتصادي حيث يجب ألا يستهدف فقط زيادة معدلات النمو أو القدرات التنافسية بل يدخل نوعية النمو ومدى تحقيقه للتوزيع العادل.
إن ما يطرحه دافوس هذا العام هي مجرد معالجات شكلية تمثل تراجع في بعض السياسات الرأسمالية نتيجة السخط والغضب الاجتماعي العالمي ضد النظام الرأسمالي وعولمته والغرض منها ترميم النظام والمحافظة عليه بتغيير شكله وعدم تغيير جوهره المبني على الاستغلال الاقتصادي لعمل العمال والهيمنة السياسية لطبقة الرأسماليين. فما يطرحه المنتدى هو توزيع مختلف للنمو أي سيقوم الرأسماليون بالتخلّي عن جزء بسيط من الأرباح (المحققة من عرق العمال) لصالح العمال بالإضافة إلى التواجد الشكلي للعمال والمهمشين في عملية اتخاذ القرار في الدولة (السلطة السياسية) دون أن يمس بحكم الطبقة الحاكمة، لذلك لن تنجح هذه الحلول في إنقاذ النظام الرأسمالي وإنما من الممكن لها أن تطيل عمره لفترة من الوقت إلى أن يسقط هذا النظام القائم على الاستغلال بأيدي من يتم استغلالهم.. العمال.
اقرأ أيضاً: