بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

فساد أم استغلال اقتصادي؟

قد يبدو التساؤل المطروح كعنوان للمقال غريباً، فهل هناك تمييز أو تفرقة بين الفساد والاستغلال الاقتصادي، فربما يرى القارئ أن الفساد يحوي بداخله كل صفة قبيحة ودميمة وبالتالي يحوي الاستغلال بكل أنواعه.

بل وربما يصبح أغرب للقارئ عندما يعرف أنه ليس المقصود من العنوان فقط التمييز بينهما بل الأهم من ذلك هو أيهما الفرعي أو المساعد وأيهما الأساسي أو الجوهري (كسبب للفقر وسوء ظروف المعيشة)، فإذن كيف نميز ونفرق بين المفهومين؟ وما علاقة هذا التمييز بترجيح كلاً منهما أيهما الجوهري والمسبب الرئيسي وأيهما المساعد؟ وما علاقة هذا الترجيح باللحظة والمرحلة الحالية التي تعيشها الثورة المصرية؟

أولاً سنفرق بين الفساد والاستغلال الاقتصادي بتحديد مفهوم كلاً منهما..
فالفساد هو انحراف عن الطريق المفترض السير فيه وبالتالي يعتبر الفساد السياسي (فساد النظام أو السلطة) هو انحراف النظام عن السياسات المفترض أن يتبعها أي السياسات التي يؤمن بها ويعلنها وبالأخص السياسات الاقتصادية بالإضافة إلي الانحراف عن القوانين المنظمة والحاكمة لهذه السياسات.

أما الاستغلال الاقتصادي فالمقصود به علاقة الإنتاج الرأسمالي علاقة الملكية بالعمل المأجور أي العلاقة بين مالك وسائل الإنتاج الذي لا يعمل ولا يعرق وبالرغم من ذلك يحقق أرباح(نتيجة ملكيته لوسائل الإنتاج) وذلك من عرق وكدح العمال المأجورين الذين يخلقوا الإنتاج (أو القيمة المضافة) ولولاهم لما وجد الإنتاج ويحصلون على أجور هزيلة لا تكفي حتى ليعيشوا حياة آدمية.

فهي علاقة استغلال طبقي (مقننة ومنظمة)، وما يرتبط بهذه العلاقة من خلق جيش من المتعطلين عن العمل لتدنية أجور العمال الحاليين (زيادة عرض العمالة)، ومن نهم للربح من طرف رأس المال للتربح- على حساب البشر- من الخدمات العامة والاجتماعية كالصحة والتعليم وأصبحا سلعة تباع بجودة مرتفعة لكل من يستطيع الدفع، ولا نصيب أو الفتات للفقراء.

لذلك ستمثل هذه التفرقة بين المفهومين وسيلة وخلفية في ترجيح أيهما السبب الجوهري وأيهما السبب المساعد في خلق الفقر والظروف المعيشية المجحفة، فإذا رصدنا هذين المفهومين في وضع مصر الاقتصادي والاجتماعي في عصر الرئيس المخلوع سنجد أن النظام تبنّى سياسات الرأسمالية وجعل القطاع الخاص قاطرة للنمو وتبنى الانفتاح الاقتصادي كامتداد للعصر الذي سبقه.

ثم تبنّى سياسات خصخصة القطاع العام وتخفيض الإنفاق العام تنفيذاً لسياسات البنك والصندوق الدوليان ثم قام بتحرير سعر الصرف وتحرير سعر الفائدة البنكية بالإضافة إلى إقرار قانون عمل يفرض على العمال شروط عمل أكثر زلاً واستغلالاً.

كل هذا المتغيرات غذّت بشكل مباشر وبشكل غير مباشر حدة الاستغلال الاقتصادي للطبقة العاملة، أما مظاهر الفساد فتتمثل في صفقات مجحفة في خصخصة القطاع العام، وتخصيص أراضي الدولة وإصدار رخص إنتاج في قطاعات معينة لمحاسيب النظام والمقربين منه .

ولكن حتى نزن أهمية كل مفهوم أو كل سبب مقارنة بالسبب الأخر فلنتصور حال الطبقة العاملة في ظل كل سبب (أو كنتيجة كل سبب) مع تنحية السبب الآخر؟ لنرى تأثير كل سبب بمفرده، فلنتصور قطاع خاص يستهدف مص دم العمال للوصول لأقصى أرباح، وقانون عمل يزيد استغلال العامل والأسعار في زيادة مستمرة بما فيها أسعار المنتج الذي ينتجه وأجره لا يتناسب مطلقا مع الأسعار.

والدولة ترفع يدها بالتدريج من الخدمات العامة والاجتماعية ومن الدعم، ويتم خصخصة القطاع العام ولكن بافتراض أن صفقات الخصخصة نزيها وشفافة، فكيف سيكون حال الطبقة العاملة؟ لن يتغير حالها كثيراً عن حالها الحالي.

ولكي نزن الأمور أكثر فلنتأمل طبيعة إضرابات واحتجاجات الطبقة العاملة التي مازالت تحدث بعد 25 يناير أي بعد الإطاحة بمبارك وبعض محاسيبه؟ وما هي المطالب التي يرفعها العمال بشكل رئيسي في هذه الإضرابات والاحتجاجات؟ انها مطالب اقتصادية أو مطالب تصب في تحسين شروط العمل وتقليل الاستغلال.

سيتضح أن الاستغلال الاقتصادي يمثل السبب الجوهري في إفقار الطبقة العاملة المصرية ومن ناحية أخرى يمثل القضاء على الاستغلال هدفها الثوري والجوهري، وبالتالي يمكن توصيف الوضع الذي ثار ضده المصريين والطبقة العاملة المصرية (ولازالوا ثائرين) على انه استغلال اقتصادي كسبب جوهري يغلفه فساد رجال ومحاسيب النظام كسبب فرعي(بالإضافة إلى القمع الأمني والكبت السياسي)، بل إن هذا الاستغلال الاقتصادي هو جوهر الاستغلال في النظام الرأسمالي بأكمله. وبإسقاط هذا الاستنتاج على المرحلة الحالية التي تعيشها الثورة المصرية، واستخدامه في تفسير خطاب التيارات السياسية المختلفة..

سنجد الليبرالية المصرية (المؤمنة بسياسة التحرير التام للأسواق وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي) تنتقد النظام السابق على انه نظام فاسد اقتصادياً انحرف عن مبادئ وسياسات الرأسمالية (الأكاديمية أو النظرية).

وهو نفس النقد والخطاب الموجه من الليبرالية الاجتماعية والرأسمالية الإسلامية، مع تبنيهما لنظام رأسمالي يوجِد للدولة دور كلاعب اقتصادي. ويزيد النقد نسبياً من طرف التيارات الإصلاحية الأخرى ولكن في حدود بحيث لا يقترب من جوهر استغلال النظام الذي يمثل أساس وجود الرأسمالية، وإجمالاً فكل هذه محاولات لتغييب جوهر الاستغلال الرأسمالي الذي يشكل حجر الزاوية في الصراع الطبقي وجوهر الثورة المصرية.

إن الموقف من جوهر الاستغلال هو الذي يُميز بين كل فصيل سياسي على الساحة فهو الذي يحدد الحليف الطبقي والعدو الطبقي للطبقة العاملة، وهو الذي يحدد موقف كل فصيل من استكمال الثورة واستمرارها.

ال فساد و الانحرافات في الرأسمالية تزيد من سوء وضع الطبقة العاملة وتكبلها بمزيد من القيود وبالأخص في رأسماليات الدول النامية، بل إنها تحث وتعضد النضال ضد هذا الفساد، غير أن هذا الفساد لا يمثل جوهر استغلال النظام.

فجوهر الاستغلال الرأسمالي هو علاقة الاستغلال الاقتصادي الناشئة نتيجة ملكية وسائل الإنتاج والعمل المأجور.

الاشتراكية الثورية تدعوا للنضال من أجل وضع أفضل ديمقراطياً للطبقة العاملة وبالتالي النضال ضد أي طاغية و أي نضال من أجل تحسين وضع وظروف عمل الطبقة العاملة في ظل علاقات إنتاج رأسمالية، ولكنها تتعامل مع كل هذه الإصلاحات كأهداف مرحلية وكوسائل للوصول لهدفها النهائي والجوهري.

حيث يتمثل هدف الطبقة العاملة النهائي في انتزاع السلطة للقضاء على جوهر الاستغلال الرأسمالي بإنهاء علاقة ملكية وسائل الإنتاج والعمل المأجور.

اقرأ أيضاً:

الثورة وإفلاس النظام الاقتصادي لجنرالات مبارك

مطالبنا ومصالحهم: قراءة سريعة في الأزمة الاقتصادية