بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

حصاد الرأسمالية: الهند.. الفقراء وقود الأغنياء

لا يستغرق الأمر كثيرا حتى يدرك من تطأ أقدامه أرض الهند أن التناقض هو سيد الموقف، فخلال موجة الصقيع توفي 39 مشرد هذا العام في حين يتزاحم الأثرياء الهنود على امتلاك اليخوت الفاخرة. وقد يبيع المزارعون زوجاتهم لسداد ديونهم للأغنياء في حين تم تصنيف الهند ضمن أفضل خمس دول يبلغ متوسط قيمة ما يمتلكه الأثرياء فيها من أصول قابلة للاستثمار أكثر من مليون دولار.

ورغم أن معدل النمو في الهند يتعدى 8% فقد فشلت الهند في القضاء على الفقر بعد ستة عقود من الاستقلال، حيث لا يزال مئات الملايين من الهنود يعانون ضيق المعيشة، فطبقا لمؤشر الفقر التابع للأمم المتحدة فإن نسبة الفقراء تعدت 55% ، في حين أصدرت لجنة التخطيط المحلية تقريرا بأن 29.7% فقط تحت مستوى الفقر !

ورغم الاتفاق العام في التقاريرعلى أن نسبة الفقر في الهند قد انخفضت فإن وتيرة هذا الانخفاض بطيئة جدا إذا اخذنا بالإعتبار النمو الاقتصادي العالي نسبيا الذي تشهده البلاد، فمعدل النمو في الهند يصل إلى 8% في حين يقبع واحد كل اثنين من ساكني الريف تحت الفقر المدقع، الأمر الذي أدى لتلاعب الحكومة حول تحديد خط الفقر بما لا يتلائم مع أجور الأفراد وغلاء المعيشة مما أدى إلى التلاعب أيضا بأرقام التضخم الحقيقية وزيادة لمعدلات نمو غير حقيقية، كل هذا عكس عدم جدية الحكومة الرأسمالية في التعامل مع الأزمة والتي سيكون حلها تحكم الدولة بأدوات الإنتاج دون الرأسماليين.

لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه الهند والتي عجزت الحكومة الحالية من الحد بها هي التضخم، فالرأسماليون يقرروا التوسع في إنتاجهم بهدف تحقيق أكبر قدر من الأرباح باستخدام كل أدواتهم المتاحة إلى أن يصل الأمر إلى نقطة تنخفض عندها المواد الخام أو التمويل وخاصة في ظل سياسة اقتصادية عالمية تربط الأسواق وتتأثر بعضها ببعض، ثم زيادة أسعار السلع وأسعار الفائدة تأخذ أيضا في الازدياد ويكثر الفقراء فيما يعرف كل ذلك بالتضخم، فيلجأ الرأسماليون في هذه الحالة إلى تخفيض إنتاجهم وإنفاقهم على السلعة من حيث الكمية أو العمالة البشرية التي تساهم في تصنيعها وهو ما قد يؤدي لتسريح كمية أكبر من العاملين وزيادة معدلات البطالة.

لكن الوضع يكون مضاعفا على كاهل المواطن الهندي عندما اقترنت السياسات الاقتصادية الفاشلة وتوغل يد الرأسماليين بفساد الطبقة السياسية وانتشار الرشاوي في جميع مؤسسات الدولة مع وجود تعمد حكومي لتعميق الأزمة بتدهور العناية الصحية والتعليم وكلها عوامل تسهم في إبقاء الفقراء على حالهم.

على سبيل المثال إنفاق الحكومة على قطاع الصحة لا يزيد على 1% من ناتج المحلي في حين ارتفعت نفقات الدفاع الهندية بمعدل 18% على مدى السنوات الثلاث الأخيرة و9% على قطاع الطاقة في تلك الدولة النووية، لتتقدم على بريطانيا في الإنفاق العسكري. وهو ما أدى إلى خوض ما يقرب من 100 مليون عامل هندي إضرابا الشهر الماضي في أغلب قطاعات العمل احتجاجا على قوانين العمل المتلاعب بها وغلاء المعيشة وغياب الاستثمار الحكومي في القطاع العام.

والواضح أن كل محاولات التقريب بين الطبقات الثرية والفقيرة ذاقت الفشل، ولم تمثل أي حل للقضاء على مشاكل ليست طارئة على المجتمع الهندي، فزيارة جيتس للهند ودعوته لجمع التبرعات لم تغير أبدا من 46% من أطفال الهنود الذين يعانون سوء التغذية في حين 60 مليون طن من الحبوب يفسد سنويا داخل صوامع الدولة، كما أن أغنى أغنياء الهند الذي خفض أجره قبل عامين ربما اعتبره البعض مثالا للاعتدال لكنه في الحقيقة لم يقض على صراع طبقي واقع بالفعل بين أقلية تملك كل شيىء وأغلبية لا تملك شيىء.

الهند ليست وحدها بلد العجائب، فنفس النظام السياسي الاقتصادي القائم في تلك الدولة التي يسكنها خمس سكان العالم والمرتبط بأمريكا والدول الأوروبية هو نفسه النظام الذي تنتفض ضده الجماهير العربية في ثوراتها العظيمة وتقاوم خطط تقشفه جماهير أوروبا، وهو النظام الرأسمالي الذي لا يمكن التعرف عليه إلا بمراحل الانتعاش المحدود والتأزم اللامتناهي. هل سيستمر الفقراء في حرق أنفسهم كوقود للأغنياء؟