كيف يدمر فريدمان حياتنا في مصر؟
كيف يمكن أن يكون لهذا المفكر الأمريكي أي علاقة بمصر؟ ولماذا ننظر في سيرته من الأصل؟ هل الأمر متعلق بتاريخ النظرية الاقتصادية فحسب؟ الحقيقة لا. فبالرغم من أننا لم نسمع في أي من وسائل الإعلام المصرية عن الرجل لا في حياته ولا في وفاته فهو موجود بأفكاره ووصفاته في حياتنا اليومية.
فلم يكن فريدمان مجرد منظر أو عالم اقتصاد أكاديمي تحركه دوافع علمية مجردة. فقد كان على مدى سنوات عمره الأربع والتسعين مشاركا بالمشورة والتوجيه المباشرين أحيانا وغير المباشرين أحيانا أخرى في السياسة الاقتصادية بل والسياسة الطبقية عموما، وليس فقط في الولايات المتحدة بل في العالم أجمع. فريدمان كان مستشارا لثلاثة رؤساء جمهوريين أمريكيين، ومستشارا لمارجريت تاتشر بل وعمل مهندسا لسياسة الجنرال بينوشيه في تشيلي.
ومنذ الثمانينيات أصبحت وصفات فريدمان هي الروشتة المعممة للتطبيق في العالم بأسره جاذبة معها ملايين البشر تحت خط الفقر وملايين أخرى لطابور العاطلين خاصة في العالم الثالث. ولا يمكن أن نفصل ما يحدث في مصر على مدى السنوات التي طبق فيها ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي عن فريدمان. فتقليص الدعم ومساندة الدولة لرجال الأعمال والخصخصة وتسريح موظفي الدولة وعمال القطاع العام ورفع الأسعار تحت شعار تحرير السوق .. كل هذه الأمور هي التطبيق العملي للسياسات التي دافع عنها وبشر بها فريدمان، بل وسهر بشكل مباشر على ترويجها.
وفي مصر، وبعد سنوات من تطبيق هذه السياسات، وبعد فشلها الذريع في أمريكا اللاتينية كما كشفت الأزمات المتوالية والثمن الاجتماعي الباهظ الذي دفعه الفقراء، يجيء لنا من يقول إن المشكلة، كل المشكلة، هي أن هذه السياسات لم تطبق إلى الحد المطلوب. فالدولة مازالت تدعم الفقراء، وهناك قيود أمام رجال الأعمال وليس هناك حرية كافية للشركات العابرة للقوميات في استغلال العمال المصريين وفي اقتناص الأرباح من عرق ملايين المستهلكين المصريين. ومن هذا المنطلق وبرعاية وتأييد من المؤسسات الدولية التي تسهر على تعميم وصفة فريدمان يجيء تنظيم فريدمان الجديد في مصر، والذي سيطر على الحكومة بقيادة صقور لجنة السياسات، ببساطة ليطبق روشتة فريدمان إياها: يقلص أجورنا، ويرفع أسعار المواصلات والمياه والكهرباء والبنزين. وفي المقابل يعطي كل الدعم للأغنياء ورجال الأعمال.