بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

البرنامج الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة: إعادة إنتاج لنظام مبارك

ترتكز محاور البرنامج الاقتصادي للإخوان على أسس التكوين الطبقى والانحيازات الاقتصادية /الاجتماعية التي تدور فى فلك البرجوازية، سواء على مستوى القيادات المنتمية للبرجوازية الكبيرة كخيرت الشاطر وحسن مالك، أو مستوى شرائح الطبقة الوسطى والتي تمثل القواعد الجماهيرية للإخوان.

وبالتالي يتوافق البرنامج مع الشروط التى تفرضها الرأسمالية العالمية، وهى القواعد التى تنص عليها سياسات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى المؤسسة لسياسات السوق الحرة واحتكار القطاع الخاص آليات وأدوات الإنتاج، وتفتيت دور الدولة وتهميشها وتعويم العملة (حرية تحديد سعر الصرف)، وقصر دور الدولة على تهيئة المناخ العام للاستثمار الأجنبي، ودخول الشركات الأجنبية أسواق الدول التابعة وسيطرتها على أدوات الإنتاج وموارد الدولة مع عدم وجود أي سياسة حمائية للدول التابعة لحماية اقتصادها الوطنى. وبالتالى سيطرة الشركات العالمية بمساعدة البرجوازيات المحلية الفاسدة على سوق الإنتاج العالمي.

ونحن فى هذا المقال نرصد الملامح الرئيسية لهذا البرنامج الذى يتوافق فى مضمونه مع السياسات الاقتصادية فى عصر مبارك.

يمزج الخطاب الإخوانى ما بين اللغة الدينية التى تحض على إقرار المبادئ والقيم الإسلامية التى تشجع الابتكار الفردي وحرية الفرد فى النشاط التقتصادي والملكية الخاصة (والتي تعتبر جوهر موضوع الملكية فى الإسلام)، وبين اللغة الاقتصادية التى تؤول الخطاب الدينى لصالح سياسة الاقتصاد الحر والعرض والطلب وميكانيكية الأثمان، مع وجود دور لخلق شبكة تضامن اجتماعي من خلال اجتزاء نسبة من الزكاة والصدقات والوقف لتدعيم الطبقات الفقيرة من خلال جمعيات التكافل الاجتماعي وكفالة الأيتام وغير ذلك.

يرتكز البرنامج على أربعة محاور رئيسية نعرضها هنا بإيجاز:

أولا السياسة المالية:

وتهدف لنمو الاقتصاد واستقراره من خلال:
1- السيطره على عجز الموازنة وعلى الدين العام.
2- ترشيد الإنفاق الحكومي بالتخلص من مجلس الشورى وقوات الأمن المركزى وأمن الدولة والتصرف فى الصحف القومية والقنوات التليفزيونية والقصور والاستراحات الرئاسية وضبط قضية العلاج على نفقة الدولة وفوضى تعيين المستشاريين.
3- ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة.
4- إعادة هيكلة منظومة دعم الطاقة والغذاء لرفع الكفاءة الاقتصادية.
5- إعادة النظر فى المنظومة الضريبية لتحقيق العدالة الاجتماعية بشرط ان تكون أداة جاذبة للاستثمار
6- الاستقلال التام للجهاز المركزي للمحاسبات لتفعيل الرقابة.

ثانيا السياسة النقدية:

وتهدف إلى السيطرة على معدلات التضخم وإدارة منظومة سعر الصرف للجنيه المصري من خلال تحقيق الاستقلال الكامل للبنك المركزي، وأيضا السماح للمصرفية الإسلامية فى الدخول للمنظومة المالية لما تتمع به من مميزات فى تحقيق مستويات أعلى للادخار وامتلاكها أدوات مالية فعالة مثل استخدام صكوك التمويل, والمصرفية الإسلامية تعمل على إحداث التوازن فى السوق المالي والمشاركة فى الربح والخسارة.

ثالثا السياسات التجارية:

وتهدف لتحفيز النمو الاقتصادي والدخول إلى عالم المنافسة الاقتصادية فى السوق العالمى من خلال تشجيع الابتكار والمنافسة:
1- التجارة الداخلية وتأتي تنمية التجارة الداخلية ودعمها لتوفير السلع للمستهلكين من خلال آليات إعادة هيكلة القوانين المنظمة لشؤونها وتفعيل دور الرقابة على السوق لمنع الاحتكارات وتفعيل دور جمعيات المستثمرين واتحاد الغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال.

2- التجارة الخارجية ودفع النمو الاقتصادي للأمام من خلال تفعيل الصادرات ولتحقيق ذلك لابد من تدعيم الصادرات من خلال تعظيم القيمة المضافة للصادرات المصرية المعتمدة على الصناعات التحويلية وزيادة حصة مصر من الصادرات عالية التكنولوجيا وايضا تفعيل دوائر التعاون الاقتصادي العربى ثم الإسلامى ثم الأفريقى والإسراع فى تنفيذ مشروع منطقة التجارة العربية الحرة

رابعا الاستثمار المحلى والأجنبي:

وهو المحرك الرئيسي لأي نشاط اقتصادي ويرى الحزب الاستفادة من ترسانة القوانين المشجعة للاستثمار التي قام بها نظام مبارك ومعالجة الانحرافات وصور الفساد الذي قاد إلى توجيه معظم الاستثمارات نحو قطاعات البترول والسيطرة على الشركات الوطنية وأنشطة العقارات والسياحة والاعتماد على الاستثمارات كثيفة رأس المال.

ولهذا يرى الحزب ضرورة الاعتماد على الاستثمار المحلي باعتباره البيئة المناسبة للنمو والتنمية المستقلة ويعمل على جذب الأموال المصرية للعاملين فى الخارج وذلك من أجل تحفيز الاستثمار الأجنبي الذي يأتي مكملا للاستثمار المحلي.

ومن خلال النقد التحليلى لبرنامج الإخوان الاقتصادي تتكشف لنا البنى العميقة التى تحكم طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والانحيازات الطبقية التى تتوافق مع سياسات الرأسمالية الاحتكارية:

1- يبرز التناقض العميق بين ما تطرحه شعارات البرنامج عن تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية والتنمية، وبين القواعد التى يتبناها البرنامج من سياسات السوق الحرة والاعتماد على الاقتصاد الحر فى تحقيق التنمية والعدالة وأولى هذه التناقضات: طبيعة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة التى خلقت الهوة العميقة، التى تفصل بين مجتمع الأغنياء وبين الأغلبية الكاسحة من الفقراء، بسبب الاستقطاب الحاد الذى يتسبب فيه تركيز وسيطرة قلة قليلة من رجال الأعمال على أدوات الإنتاج، وتكدس الثروات والأرباح المهولة فى حساباتهم البنكية التى يستخدمونها فى تحقيق رفاهيتهم المطلقة وإعادة صبها فى دورة إنتاج جديدة لتحقيق مزيد من الأرباح.

2- ينطلق البرنامج من مبادئ عامة وأطر كلية لا ترتكز فى الواقع على آليات تنفيذية حقيقية، ولا على أساليب وخطط تعالج التضاد بين حقوق العمال ومكتسباتهم وبين استغلال الطبقة البرجوازية لهم. وغياب أي طرح حقيقى يعيد توزيع الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية؛ فما تزال قوانين العمل القديمة المجحفة لحقوق العمال قائمة بما فيها من عدم تأمين صحي واجتماعي، وفصل تعسفى للعمال، وتحديد الأجر من خلال صاحب العمل، والضغط على العمال لمزيد من الإنتاج على حساب جميع مستحقاتهم.

3- تبني البرنامج لجميع الأسس التي ترتكز عليها قاعدة الإنتاج الرأسمالى الاحتكارى، وبالتالي نرى أن دور الدولة يقتصر على توفير المناخ الملائم للاستثمار وتنظيم العلاقة بين البرجوازية المحلية والشركات الاجنبية التى تقوم بالسيطرة على مقدرات الدولة ومواردها واحتكار الأسواق المحلية، مع تفتيت الدور المركزي للدولة فى توفير الخدمات العامة للناس وتحقيق العدالة فى التوزيع، وهو ما يعتبر استمرارا لعهد مبارك وسياسة التكيف الهيكلي منذ التسعينات، والتى تهدف لخلق بؤر وتجمعات رأسمالية فى الدول التابعة والمتخلفة اقتصاديا قائمة على التشغيل الكثيف لرأس المال وكثيفة العمل فى قطاعات الصناعة الملوثة للبيئة كالأسمدة والأسمنت والسيراميك وغيرها، بالاعتماد على توفير الدولة لدعم الطاقة والإعفاءات من الضرائب والحصول على الخامات والموارد بأسعار رخيصة.

4- يهدف البرنامج للحد من البطالة وتحقيق العدالة فى التوزيع وتأمين حقوق العمال ولكن تحقيق هذا من المستحيل فى ظل سياسات وأزمة الرأسمالية الراهنة ومن خلال التناقض الذى وصلت إليه، وتسارع معدل الربح للانخفاض بسبب تنامي معدلات الاستثمار أسرع من قوة العمل. ولهذا تقوم الشركات بتخفيض قوة العمل وتسريح الآلاف من العمال فى المصانع، مع اتخاذ سياسات تعمل على رفع مستوى الربحية من خلال فائض القيمة المطلق بزيادة ساعات العمل وفائض القيمة النسبي بزيادة كثافة العمل وأيضا خفض الأجور وإدخال العمال فى دائرة الفقر.

ومع زيادة التركيز لرأس المال وسيطرة الشركات العملاقة على أدوات الإنتاج واحتكار دورة السلع والسوق من خلال القضاء على المؤسسات الوسيطة (المصانع الصغيرة والورش المحدودة والشركات الصغيرة) وهي التي تشتغل عليها شرائح الطبقة الوسطى وتعتمد عليها فى نموها الاقتصادي، وبالتالى انهيار قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى إلى مصاف الطبقة العاملة وانحدار مستوياتها المعيشية مما يشكل استقطابا حادا بين من يملك المليارات وبين من لا يمتلك قوت يومه من الأغلبية العظمى لسكان العالم.

وبالتالى فإن التركيز على أساليب شكلية مثل التضامن الاجتماعى وتعظيم دور المؤسسات الأهلية، من خلال الزكاة والوقف، هو في الواقع تجذير للأزمة ومزيد من الإفقار للشعب المصري.

5- إعادة إنتاج النظام القديم بأشكال جديدة، وذلك عقب نجاح الثورة فى خلع رأس السلطة السياسية تم الاتفاق فيما بين الطبقة الحاكمة الوارثة للنظام (المجلس العسكري) والقوى الرجعية من التيار الإسلامى والأحزاب الكرتونية الأخرى على إعادة تكوين النظام القديم وملء الفراغ السياسي من خلال إعطاء البرلمان للإخوان والسلفيين مع الحفاظ على جوهر سياسات النظام والقواعد الاقتصادية للسوق الحرة والتبعية لقوى الغرب وأمريكا وتأمين مصالح إسرائيل.

ولكن يحتاج النظام أولا إلى كبح جماح الثورة وإيقافها عند هذا الحد والعمل على القضاء على القوة الأساسية التي تدفع فى اتجاه التغيير الثوري، وهي قوى الطبقة العاملة من عمال وفلاحين، ولذلك بدأ النظام بقانون تجريم الاعتصامات والإضرابات.

6- الاعتماد على الاستثمار الأجنبى المباشر، مما يعنى خلق بيئة فاسدة؛ فالشركات العالمية لا يعنيها سوى تحقيق الربح الأقصى من خلال الحصول على الموارد بأسعار رخيصة وعمالة رخيصة لا تستطيع تأمين حقوقها من خلال نقابات مستقلة، وبالتالي لا يهدف البرنامج إلى تحقيق عدالة فى التوزيع ولهذا لا نرى إقرارا للحد الأدنى للاجور أو إجراء ضرائب تصاعدية على الأغنياء أو ضرائب على نشاط البورصة او إعادة الشركات التي خصخصت إلى القطاع العام أو إجراء تغييرات جذرية فى الموازنة العامة بما يكفل تغطية المجال الصحى والتعليمى والخدمات العامة للجماهير المصرية.

اقرأ أيضاً:
قراءة في البرنامج الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة

العسكر والإخوان وجهان لعملة واحدة: الدولار الأمريكي
العسكر والإخوان.. والرئيس القادم