بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

اقتصاد

اقتصاد ما بعد مرسي

الليبرالية الجديدة.. والتسول

استمراراً لمسلسل المنح والقروض والهبات التي تتلقاها مصر من الدول العربية منذ ثورة 25 يناير وما واكبها من إعلان العرب دعم الاقتصاد المصري، ثم الـ 11 مليار دولار التي اقترضها مرسي من قطر وتركيا وليبيا خلال عام واحد من حكم مصر, أعلنت عدد من الدول العربية، منها السعودية والإمارات، عن حزمة مساعدات بلغت 8 مليارات دولار من الدولتين عقب عزل محمد مرسي وإسقاط حكم الإخوان.

يعتقد من يتولون زمام الأمور في مصر أن التحركات الشعبية في الشارع المصري ترتبط بالجانب السياسي فقط دون أدنى اهتمام بالأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المصريون؛ فإذا كان حكم محمد مرسي قد فشل على المستوى السياسي وسالت دماء الشهداء في أكثر من مذبحة، هو أيضاً لم يحقق التوقعات التي انتظرها الشارع المصري لتحسين مستوى المعيشة وهو ما ينتظره غالبية الشعب من أي نظام حكم.

ومع أزمات الطاقة من سولار وبنزين وانقطاع الكهرباء واستمرار طوابير الخبز، وما تردد عن إلغاء الدعم أو ترشيده، وطرح مشروع الصكوك الإسلامية، فإن كل هذه العوامل زادت من احتقان الشارع المصري ضد الإخوان. ولكن السلطة الحالية صرفت نظر المواطنين عن هذه الأزمات لتعلن أنها في حرب مقدسة “ضد الإرهاب” وكل ما هو دون ذلك مؤجل إلى حين.

تشكيلة الحكومة الحالية غلب عليها الطابع النيوليبرالي؛ حيث ضمت المجموعة الاقتصادية وزراء يدعمون تحرير الاقتصاد والتركيز على دعم رجال الأعمال وجذب الاستثمارات، وبالأخص زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء والرئيس الأسبق لهيئتي الرقابة المالية والاستثمار في عهد حسني مبارك، ووزير المالية أحمد جلال أحد المدافعين عن الاقتصاد الحر، وذلك بحكم عمله في البنك الدولي وكمدير تنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية الذي أسسه جمال مبارك، وأسامة صالح وزير الاستثمار في عهد حكومة هشام قنديل، ورجل الأعمال منير فخري عبد النور وزيراً للصناعة أحد أعضاء حزب الوفد الذي يضم عدداً كبيراً من رجال الأعمال.

وإذا كان خبراء الاقتصاد قد اعترضوا على سياسة الإخوان في إثقال الاقتصاد المصري بالمنح والقروض والمساعدات دون أى جهود ملموسة لحل الأزمة بعيداً عن “الشحاتة” من الدول العربية والمضي في طريق الحصول على قرض صندوق النقد الدولى دون أدنى اعتبار لتاريخ الصندوق في إفقار الشعوب تحقيقاً لسياسات التقشف ورفع الدعم عن الفقراء، فإن حكومة ما بعد 30 يونيو مستمرة في نفس السياسة، ولا يحق لأحد الاعتراض لأن “مصر تحارب الإرهاب” ويدعمنا “الأشقاء” للقضاء على الإخوان.

الرئاسة المصرية أعلنت عن تقديم الإمارات منحة إلى القاهرة تقدر بمليار دولار ووديعة دون فوائد في البنك المركزي قيمتها 2 مليار دولار فضلاً عن دعم الطاقة والمواد البترولية. كما أعلن وزير المالية السعودي، إبراهيم العساف، في وقت سابق أن المملكة وافقت على تقديم حزمة مساعدات لمصر بخمسة مليارات دولار تشمل ملياري دولار وديعة نقدية بالبنك المركزي وملياري دولار أخرى منتجات نفطية وغاز ومليار دولار نقداً.

وكانت الإمارات قد وعدت مصر بمساعدات 3 مليار دولار منذ عام 2011 ، ولكنها علقتها بسبب العلاقات السيئة مع محمد مرسي في مصر. والسعودية أيضاً وعدت مصر في نفس العام بمساعدات 3.75 مليار دولار قدمت منها 1.75 مليار دولار وتبقي 2 مليار دولار قامت بزيادتها مؤخراً إلى 5 مليار دولار.

وهذا يعني أن “الأشقاء” اهتموا بطبيعة النظام الذى يدعمونه أكثر من اهتمامهم بمصلحة الشعب المصري، مما يعني بوضوح أن هناك أهداف أخرى من هذه المساعدات.

كانت الديون الخارجية قد ارتفعت خلال عام من حكم مرسي بقيمة 11 مليار دولار لتقفز من 34.4 مليار دولار عند توليه الحكم إلى 45.4 مليار دولار حالياً منها 7 مليارات من قطر كما ارتفع الدين الداخلى من 1238 مليار جنيه في بداية حكم مرسى إلى أكثر من 1500 مليار جنيه حتى الآن.

لكن الأكيد أن هذه المساعدات والقروض مسكن مؤقت للوضع الحالي، ولا تمثل حلاً لانتشال الاقتصاد المصري من عثرته لأنها في النهاية يجب أن تُرد. للأصحابها صحابها.

وفى نفس الوقت تحتاج مصر إلى توفير 19.5 مليار دولار حتى يونيو 2014 لتغطية الديون المستحقة، وعجز في تجارة السلع والخدمات يبلغ 5.4 مليار دولار في ظل غموض مصير قرض صندوق النقد الدولي والذي تعثر مراراً خلال الفترة الماضية.

فيما لم تقدم الحكومة الحالية أي حلول سريعة لعودة الاقتصاد، وتعللت بالاعتصامات والتظاهرات التي يقوم بها الإخوان المسلمون وأنصارهم في “التحالف الشعبي لدعم الشرعية”. وأدى التعامل الأمني العنيف والدموي مع اعتصام الإخوان إلى فرض قانون الطوارئ وحظر التجوال مما يعني توقف “عجلة الإنتاج” وتقليص ساعات العمل في المصانع، وهو ما يؤثر على الاقتصاد خاصةً مع تحذير عدد من الدول لمواطنيها من السفر إلى مصر مما أدى إلى تراجع حركة السياحة وهبوط معدلات الإشغال الفندقي إلى أدنى مستوياتها منذ فترة طويلة؛ حيث انخفضت السياحة الوافدة إلى مصر خلال يوليو الماضي بنسبة 20% مقارنةً بنفس الفترة من 2012 والتي شهدت إقبال مليون سائح، كما أوقفت شركات آي تي سي، وألتي تورز، وتوماس كوك الإنجليزية، وتوي الألمانية رحلاتها إلى مصر حتى منتصف سبتمبر المقبل.

في النهاية، يجب أن يعلم القائمون على الحكم في مصر اليوم أنه بالرغم من المعركة المزعومة مع “الإرهاب”، التي تُستخدم لكبت مطالب الجماهير في العدالة الاجتماعية، سيعود المواطن إلى سيرته الأولى محاطاً بأزمات اقتصادية عديدة، ولن ينتظر خطاب طمأنة من الجنرال أو تبرعات في صندوق 306306، بل لن يمر عليه وقت طويل حتى ينزل مرة أخرى إلى الشارع بحثاً عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.