عرض ندوة الموازنة العامة:
الموازنة العامة.. الفقراء يدفعون الثمن
بعد ثورة دفع ثمنها الشعب من دمه وحملت شعار " العيش" و"الكرامة الانسانية", جاء الإعلان عن الموازنة العامة ليثبت للجميع أن من ثرنا عليهم لازالوا يحكمون ويأكلون أرزاقنا. فما بين خفض لدعم الصادرات واستحداث ضرائب جديدة أو إلغاء بعضها يظل السؤال: هل الموازنة تمثل تحول حقيقي في سياسات الدولة؟ وهل يمكن أن نبني عليها دولة ترقى لطموحات الجماهير المصرية؟
تحت عنوان " الموازنة العامة .. الفقراء يدفعون الثمن" عقد مركز الدراسات الاشتراكية, الثلاثاء 7 يونيو, ندوة بحضور حلمي الراوي مدير مرصد الموازنة العامة لحقوق الإنسان, و وائل جمال الصحفي الاشتراكي للإجابة عن الأسئلة السابقة.
في المرحلة الحالية التي تشهدها مصر بعد الثورة, وجد الراوي أن هناك صراع دائر طول الوقت بين الداخل والخارج, الداخل متمثل في وزارة المالية وآداءها المراقب من قبل المجتمع المدني والذي اتسم بعدم الاستقرار, والخارج متمثل في مؤسسات ومنظمات خارجية تتحكم في الاقتصاد العالمي. فعلى سبيل المثال اجتمع منذ قليل وفد من منظمة العمل الدولية لإنجاز ما يمكن إنجازه حول موضوع الحد الأدنى للأجور في حين أن الوزير عصام شرف نفسه الذي اجتمع بهم يمتلك خبرات سابقة تؤهله للقيام بذلك دون الاستعانة بالخارج, كما التقى بممثلي صندوق النقد الدولي من أجل حزمة من القروض لمصر قد تزيد عمليا التأزم الاقتصادي بالفوائد. هذا ما انعكس على محتوى الموازنة, فالوزارة انفردت بوضع الموازنة والتقت بوفود أجنبية في ظل غياب داخلي لمجلسي الشعب والشورى.
محدودية البعد الاجتماعي للموازنة
وفي ظل هذا التخبط, أوضح الراوي, أن الموازنة ظهرت في شكل أولويات بدلا من برامج شاملة محددة الأهداف, فبرغم اعتبار مراعاة البعد الاجتماعي أولا, والنمو والسيطرة على عجز الموازنة وإبقاءه في حدود آمنة ثانيا, إلا أن الراوي تساءل عن معنى البعد الاجتماعي الذي تذكره الموازنة هل سيعني العدالة والمساواة وتلك المعاني المطاطية الغامضة أم سيعنى التقريب الفعلي بين الطبقات ومحاولة إزالة الفروق بينهم؟. فالمعنى الأول ينتهج نفس لغة النظام السابق في حين المعنى الثاني يمكن صياغته في برامج وهو ما لم تستهدفه الموازنة. وفي ذلك يدلل الراوي على كلامه بآلية الموازنة لتنفيذ تلك الأولويات, فبدلا من زيادة ميزانية الصحة بفض بعض مشاكل العلاج على نفقة الدولة كحد أقصى, لماذا لا يتم إدراج ذلك في برامج التأمين الصحي الشامل وما ينعكس ذلك على دخول شركات الأدوية التابعة للدولة في إنتاجها للدواء والتحكم في أسعاره كذلك القضاء على احتكار القطاع الخاص وما يترتب على ذلك من تضخم في الأسواق.
وحول الأولوية الثانية للموازنة, وجد الراوي أن نظام الموازنة الحالي هو نظام البنوك والاعتمادات, فعلى الرغم من أن خطة التنمية تخصص بنود للزيادة, إلا أن ذلك لا يخرج عن إطار المواءمة التي قد يتلاعب بها النفوذ السياسي كثيرا, كما في موازنة الداخلية التي تمتلك مخصصات غير موجودة بالصحة أو البيئة, يضاف لذلك قطاعات أخرى كالاستثمار والسياحة والخارجية والدفاع ورئاسة الجمهورية التي تبتلع 40% من الموازنة كقطاعات سيادية (!). وأكد الراوي أن رجال الأعمال أيضا لا ينفصلوا عن ذلك النفوذ السياسي, ففي الوقت الذي وضعت فيه الموازنة دون مشاركة مجتمعية تذكر, كان النقاش دائر مع رجال الأعمال حول الضرائب التصاعدية التي تستهدف أرباحهم, وهو ما يحيد عن الشفافية بل يزيد من التورط بسياسات اقتصادية غير محددة البرامج بدلا من وضع الخيارات والبدائل للظواهر الاقتصادية والأزمات المتتالية وخاصة إذا كان مؤشر النمو الذي تعتمده الموازنة لا يعبر فعليا عن مستوى الرفاهية الاقتصادية.
الموازنة: مشروع الالتفاف حول الثورة
وهنا أضاف وائل أن الجدل الذي أثير حول الموازنة يعبر عن أحوال مصر بعد الثورة في تحقيق التوازن السياسي والاجتماعي الذي ثارت لأجله الجموع الشعبية واستطاعت إزاحة القشرة العليا المستغلة أمثال يوسف غالي, لكن ما يشير إليه الواقع هو أن رجال النظام السابق مازالوا متحكمين بالاقتصاد, مازال أبو العينين مسيطر على صناعة السيراميك ومازال مصنع عز الدخيلة لم يحسم أمره برغم إيداع عز نفسه للسجن. هذا التعتيم السياسي الذي لم ينجز أهداف الثورة انعكس بدوره على طبيعة الموازنة التي طرحت أحد بنودها اعتبار الاعتصامات العمالية كمطالب فئوية.
ووجد وائل أن الموازنة طرحت جوانب إيجابية اعتبرها كالانتصارات, فبنفس بند المطالب الفئوية تم إقرار ارتفاع الحد الأدنى للأجور من 400 إلى 700 جنيه وكذلك تم إقرار الضريبة التصاعدية, ولكن في المقابل لن يفى ذلك الحد الأدنى متطلبات السوق الحالية ولم يلزم القطاع الخاص على تطبيقه من خلال آلية واضحة المعالم في ظل وجود تصادم طبقي مباشر بين أقلية تتحكم بالثروات وأغلبية لا تملك حقوقها. وأكد وائل أن مشروع الموازنة كان ممكن أن يقدم تلك الآلية بإلغاء الدعم على صناعات احتكارية كالأسمنت والأسمدة وهو ما لن يقلل كثيرا من هامش أرباحهم التي تصل إلى 65 % تصل جميعها إلى جيوب الرأسماليين وليس الشعب. كما أن الموازنة ألغت الضرائب العقارية على الفيلات والقصور بالساحل الشمالي مثلا والتي قدرت أن تدر 15 مليار جنيه في الخمس سنوات القادمة, وهو ما يضاهي المبلغ الذي تم التوقيع عليه مع البنك الدولي وكان من الممكن أن يغنينا عن ذلك منذ البداية. كما أن ضرائب أرباح الرأسماليين لم تحدد أهم عنصر للمضارابات وهو البيع والشراء, فتلك المضاربات بالبورصة مثلا لا تكن ذات صفة إنتاجية, وعند فرض الضرائب عليها سيتم اختيار المضاربة في حدود الإنتاج, وهذا بالتأكيد سيقضي على المضاربات العشوائية الني لا يستفيد منها المواطن شيئا.
وفي إطار الثورة الني نعيشها تساءل وائل: كيف يمكن لحكومة تسيير أعمال صعدت على أكتاف الثورة أن تتخذ مشاريع ذات أمد طويل, بل وتوقعنا في فخ ديون تزداد فائدته سنة بعد سنة وهو المدخل السياسي للسيطرة الخارجية؟.
ليس من حق الحكومة أن تفرض علينا السياسات كما فعل النظام السابق. علينا تنظيم صفوفنا من خلال النقابات المستقلة وكل الطرق الأخرى حتى نتمكن من انتزاع حقوقنا ونكون قادرين على مواجهة الالتفاف حول ثورتنا. فنحن الشعب من صنعنا ثورتنا ونحن من يجب أن نجني ثمارها.