بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مرة أخرى: زيادة أسعار الأدوية ولا عزاء للفقراء

في خطوة جديدة، ولكنها مألوفة، قامت معظم شركات الأدوية في مصر برفع أسعار منتجاتها مستغلة فترة أجازه عيد الأضحى واحتفالات رأس السنة الجديدة. شملت الزيادة أكثر من 95 صنف من الأدوية، تتنوع ما بين الأدوية الهامة كأدوية الضغط والسكر والمسكنات والمضادات الحيوية والتي يكون الطلب عليها ملح لأصحاب الأعراض المزمنة، وباقي الأدوية كأدوية البرد.

واختلفت النسبة التي رفعت بها كل شركة من قيمة منتجاتها، كما اختلفت من دواء إلى آخر، فتراوحت نسب الزيادة ما بين 10% و 25%، ووصلت في بعض الأصناف إلى 50 %. ولا يمكن النظر بالطبع إلى هذه الزيادة المفاجئة بانفصال عن الموجات المتلاحقة في زيادة أسعار الدواء في مصر منذ بداية عام 2005، وهي الزيادات التي لا يكاد المواطن المصري يفيق من أثر أحدها حتى تغمره اللاحقة لها.

وتأتي تصريحات المسئولين في وزارة الصحة لتفضح مدى لا مبالاتهم بأوضاع الغالبية العظمى من المواطنين الذين يفترض فيهم مراعاة مصالحهم. فقد صرح الدكتور عبد الرحمن شاهين، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، أنه شيء طبيعي أن تتم زيادة أسعار الأدوية بين حين وآخر، خاصة أن الأدوية التي زادت مؤخرا لم تزد أسعارها منذ فترة. مضيفاً أن هذا يتم لمصلحة الشركات التي تخوض منافسة شرسة في السوق خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الخام والتي يتم استيراد 90% منها من الخارج.

يحاول المسئولون التقليل من أهمية وخطورة هذه الزيادة بدعوى أنها في حدود جنيهات قليلة لكل صنف خاصة في أدوية شركات قطاع الأعمال والتي تنتج معظم الأدوية الهامة بالسوق المصري وأن الزيادات المؤثرة في الأسعار هي للشركات المتعددة الجنسية. إلا أنه من الصعب علينا أن نقنع السواد الأعظم من المواطنين بأن عليهم مضاعفة الجنيهات القليلة التي يستقطعونها من أجل الحصول على علاج فعال للكثير من الأمراض المزمنة والمنتشرة بين جميع فئات الشعب المصري. وبالطبع الطبقات الفقيرة والكادحة هي الأكثر تأثرا بهذه الزيادة “البسيطة” على حد كلام المسئولين والتي قد تلتهم كل دخلهم الشهري.

نسب الزيادة

وبالرغم من أن زيادة شركات الأدوية بقطاع الأعمال شملت أكثر من 80 صنفا، مقابل 15 صنف للشركات المتعددة الجنسية، إلا أن الأخيرة كانت قد قامت برفع أسعارها 3 مرات سابقة، في بداية 2005 وبداية 2006 وفي أشهر الصيف لـ 2006. ويبدو أن شركات الأدوية قد رفضت أن يمر موسم الأعياد بدون تقديم التهنئة – بطريقتها الخاصة– لجموع الشعب المصري.

بهذه الزيادة الأخيرة تكون أسعار الدواء في مصر قد ارتفعت بنسبة 135% في أقل من سنتين. وتعد أقل نسبة زيادة هي 11% للمضادات، أما أدوية الانتفاخ وعسر الهضم فزادت بنسبة42%، وارتفعت أسعار أدوية الكحة والتهاب الشعب الهوائية بنسبة 35%، أما المقويات والفيتامينات فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 40%، وبالنسبة لأسعار أدوية الأنفلونزا والمسكنات فقد زادت بنسبة 40%. وقد تعدت أسعار بعض الأدوية حدودا فلكية كالبيومين البشري والذي لا غنى عنه بصورة دائمة لمرضى الكبد والذي وصل سعره إلى 135 جنيه.

أما عن أسعار أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب والكلى والكبد والتي يعاني منها نسبة لا تقل عن 40% من الشعب المصري فحدث ولا حرج. المشكلة مع هذه الأمراض أنها مزمنة وغالبا ما يعاني منها المريض لفترات طويلة من حياته، تقدر بعشرات السنوات، مما يعني استنزاف بطيء ومستمر لجزء كبير من ميزانية المريض، لاسيما وأن هذه الأمراض تحد من قدرة المريض على العمل والكد وكسب الرزق.

الجشع.. كلمة السر

والغريب أنه قد تعالت الأصوات المدافعة من داخل المؤسسات الحكومية دفاعا عن هذه الزيادة الجنونية في أسعار الدواء أكثر من أصوات أصحاب هذه الشركات نفسها. فمن يعلل هذه الزيادة بارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، إلى المنافسة الشرسة التي تواجهها الشركات المصرية، إلى أن الزيادة في الأسعار طفيفة وغير مؤثرة، إلى أن الشركات الدولية يجب أن تفعل ذلك لكي تعوض خسائرها! ومن الغريب أن نسمع مثل هذه التعليقات في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصائيات أن المرتبة الأولى في العالم لأكبر رأسمال وأغنى شركات في العالم هي شركات الدواء وذلك قبل شركات السلاح والسيارات التي تأتي في المرتبة الثانية والثالثة.

وفي الوقت الذي تزداد فيه أسعار الدواء بجنون يجعل معظم هذه المنتجات عسيرة المنال للشريحة العظمى من للفقراء والكادحين، نجد زيادة جنونية في عدد مندوبي مبيعات شركات الأدوية الذين يدورون على جميع الأطباء والمراكز الطبية والمستشفيات لتوزيع الدعايات والعينات المجانية لترويج سلعهم في الأوساط الطبية، بكل ما يكلفه هذا من أموال. وفي نفس الوقت الذي تنفق فيه شركات الأدوية الملايين سنويا على المنشورات الدعائية والدعاية والمؤتمرات والندوات لتسويق سلعها، نجدها تصرخ مستنجدة بالحكومة والمسئولين حين تنالها سهام النقد بسبب زيادة أسعارها بصورة جنونية بأنها مهددة بالإفلاس والإغلاق ومحاصرة بالمنافسة العالمية وزيادة أسعار المواد الخام وغيرها من الحجج.

اتفاقية التربس

وإذا كانت هذه الصورة قاتمة، فهي سوف تزداد قتامة باستمرار، والفضل في ذلك لاتفاقية التربس. فقد وقعت مصر على هذه الاتفاقية وبدأ سريانها بالفعل منذ بداية عام 2005. هذه الاتفاقية تعني أن هناك حقوقا للملكية الفكرية للأدوية الجديدة، والتي ستنزل الأسواق العالمية، ومنها المصرية، بالسعر الذي تحدده الشركة المنتجة فقط وبدون أي بديل. وبالتالي فمن المتوقع أن ترتفع أسعار الأدوية بعشرات وربما مئات أضعاف الأسعار الحالية. ولا يمكننا إلا أن نتخيل ما يعنيه ذلك لمعظم المصريين والذين سيصبح حصولهم على العلاج المتطور الجديد من ضروب المستحيل. وقد يأتي اليوم الذي نرى فيه علاجا لأمراض كالسرطان والإيدز ولكننا بالتأكيد، وبسبب هذه الاتفاقية، لن نرى اليوم الذي يحصل فيه بسطاء المصريين على علاج بسعر يتناسب مع إمكانياتهم المادية. ومع فك رموز الخريطة التحتية للبشر “الجينوم”، أصبح تصنيع الأدوية الجديدة ذات الكفاءة الأعلى والآثار الجانبية الأقل مسألة وقت ليس إلا. ولكن هذا التطور الرائع في مسيرة الإنسان لن يحظى بثماره إلا هؤلاء الذين يستطيعون أن يدفعوا ثمن الحصول عليه.

ما الحل؟

والحل؟؟ بالتأكيد الحل ليس هو الاستسلام للزيادة الجنونية لأسعار الدواء وجشع الشركات ومنطق الربح والتنافس الأعمى الذي يدعى نظام السوق. وبالتأكيد ليس أيضاً في الاستغناء عن المنتجات الدوائية ذات الفاعلية والتأثير والتي تعبر عن تقدم التكنولوجيا والصناعة البشرية واللجوء إلى بدائل بدائية غير موثوق في تأثيرها.

الحل يكمن في وقوفنا صفا واحدا، وكتفا بكتف بنضال لا هوادة فيه ضد شركات ومؤسسات وضعت منطق الربح فوق منطق حياة البشر، وأن ننشئ جمعياتنا ومؤسساتنا الجماعية التي نستطيع أن نخوض النضال عن طريقها. ولنا أن نستلهم من تجارب وخبرات الآخرين خير مداد لنا في كفاحنا الخاص. فتجربة شعب جنوب أفريقيا مثلا للحصول على حصة من دواء الإيدز الرخيص أمام احتكار الشركات المتعددة الجنسية وأدويتها باهظة الثمن لا تزال أمام أعيننا ونضال هذا الشعب وانتصاره مازال مر المذاق في حلوق أصحاب هذه الشركات الجشعة.