بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

شعار “الخصخصة في خدمة الطبقات الشعبية”.. بضاعة قديمة في أغلفة جديدة

يواجه الحزب الوطني الحاكم ولجنة سياساته أزمة استثنائية خلال الفترة الحالية. فهو يحتاج أولاً للتحضير لعملية توريث السلطة، في ظل فقدان تام للشرعية وتنافس سياسي حاد من قبل الإخوان المسلمين. وهو ثانياً يريد تسريع عملية الإصلاح الاقتصادي بخصخصة سريعة لما تبقى من القطاع العام، وتصفية كافة أشكال الدعم المتبقية. والخصخصة في هذه المرحلة تتجاوز القطاع العام التقليدي، وتتضمن المؤسسات المالية والقطاعات التي كانت توصف بالاستراتيجية، وكافة الخدمات الجماهيرية إلى جانب التأمينات والمعاشات والصحة والتعليم.

و يدخل الوطني هذه المرحلة بعد أن أصبح واضحا للشارع، من خلال خمسة عشر عاماً من الخصخصة، أن العملية لا تؤدي إلا للمزيد من الإفقار والبطالة والفساد من جانب، وتركيز غير مسبوق للثروة في أيدي مجموعة صغيرة من رجال الأعمال المقربين من السلطة. وكل ذلك يحدث على خلفية الدور المعلن للنظام في خدمة المصالح الإقليمية للاستعمار الأمريكي والصهيوني.

شعبوية فارغة

وأمام هذه الأزمة المركبة قرر الحزب الحاكم وعلى رأسه جمال مبارك ولجنته أن يتبنى خطاباً شعبوياً مليئاً بالوعود الكاذبة محاولاً تجميل الهجوم الرأسمالي الكاسح، الذي يمثل جوهر برنامجه. فمن القضاء على البطالة إلى تحسين نوعي للخدمات، ومن التحول إلى الطاقة النووية إلى مضاعفة الأجور. والإدعاء الذي يعتمد عليه هذا الخطاب الشعبوي الجديد هو أن الطريقة الوحيدة لتمويل كل هذه المشاريع الطموحة هي الإسراع في الخصخصة. فبيع المشاريع لرأس المال الأجنبي والمحلي سيخلق التمويل اللازم لحل مشكلات الجماهير. إذن فإذا كنت عاطلاً وتريد عملاً فعليك أن تؤيد بيع البنوك العامة، فهم لا يريدون بيعها إلا من أجلك أنت. وإن كنت فلاحاً فقيراً لا تستطيع دفع ديونك، فبادر بالتظاهر من أجل خصخصة الجمعيات الزراعية فعائد الخصخصة لن يذهب إلى غيرك.

هذا الخطاب الأيديولوجي ليس جديداً بالطبع فاستخدام شعارات شعبوية كاذبة لتمرير سياسات رأسمالية متوحشة هو أحد سمات هذه المرحلة من الليبرالية الجديدة عالمياً، مثلها مثل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها. ولكنها في الحالة المصرية تتسم بدرجة من الفجاجة الاستثنائية.

أموال الخصخصة لمن؟

توجهات الحزب الوطني الإعلامية تنقل لنا رسالة ضمنية بأن حصيلة الخصخصة هذا العام ستوجه نحو حل المشكلات الجماهيرية ورفع مستوى المعيشة. ولا نحتاج سوى لأن نلقى نظرة سريعة إلى أكبر صفقة خصخصة على الإطلاق، وهي بيع بنك الاسكندرية لمستثمر رئيسي وهو بنك سان باولو الإيطالي، والتي جرت مؤخرا لنرى لمن تعمل عملية الخصخصة في الحقيقة. لن نخوض هنا في معنى أن يعود القطاع المالي للسيطرة الأجنبية كما كان في النصف الأول من القرن العشرين. ولن نخوض أيضاً في أن نفس بنك الاسكندرية كان مملوكاً قبل التأميم لبنك باركليز البريطاني وطيد الصلة بالحكومة البريطانية. ولن نخوض أيضاً في الدور الذي لعبته تلك البنوك الأجنبية في إفقار وتجويع الريف المصري والاستيلاء على الأرض. يكفي أن ننظر إلى الصفقة الجديدة. لقد تم بيع 80% من أسهم البنك لشركة سان باولو الايطالية مقابل 1.6 مليار دولار. وهذا البنك الإيطالي الكبير نفسه يتم الآن بيعه لبنك إنتيسا الإيطالي، وتعتبر صفقة بنك الاسكندرية جزءاً من توسع شمل استثمارات في المجر ورومانيا وسلوفينيا وألبانيا وتونس. كانت القروض غير المرتجعة لبنك الاسكندرية تمثل 44% من إجمالي قروض البنك وهو ما يصل قيمته إلى 6.9 مليار جنيه أي 1.2 مليار دولار. الحكومة اختارت –برغم وجود بدائل أخرى لا تحمل ميزانيتها هذا العبء الهائل – بالطبع أن تخلص ميزانية البنك مائة في المائة من هذا العيب. وقد تم ذلك من خلال تحويل تلك القروض إلى بنك الاستثمار الوطني، ثم تسوية تلك القروض فيما بعد من خلال استخدام 20% من حصيلة خصخصة شركة الاتصالات المصرية في يناير 2006. يعني أن الحكومة التي تدعي أن الخصخصة لصالح الفقراء فضلت أن تسدد هذا الدين الهائل نقدا ومباشرة من حساب فاتورة تقليص الدعم وغيرها من البنود التي تدعي الحكومة أنها تزهق روح ميزانيتها.

أما حصيلة بيع بنك الاسكندرية فلن تذهب بالطبع إلى خدمة الجماهير بل ستذهب إلى دفع ديون (القروض غير المرتجعة) لبنوك القطاع المتبقية وهي بنك مصر والقاهرة والبنك الأهلي. ويتم الآن دمج بنكي مصر وبنك القاهرة تحضيراً لبيعهما لمستثمر رئيسي العام القادم.

إذنً حصيلة بيع شركة الاتصالات ذهبت ليس لحل مشاكل الجماهير بل للتخلص من ديون بنك الاسكندرية حتى تتمكن الحكومة من بيعه وحصيلة بيع بنك الاسكندرية لن تذهب هي الأخرى للعمال والفلاحين والعاطلين بل لعملية التخلص من ديون بنك مصر والقاهرة تحضيراً لبيعها وهكذا. حصيلة الخصخصة تستخدم لتمويل مزيد من الخصخصة.

وعلى القارئ أن يتخيل مصير 8000 عامل وموظف في بنك الاسكندرية –تبقوا بعد معاش مبكر صفى نسبة هائلة من العمالة قبل البيع – بعد الخصخصة فكم منهم سيبقي السيد الإيطالي الجديد؟ وعندما يباع بنكا مصر والقاهرة بعد الدمج لمستثمر فرنسي أو بريطاني كم سيبقي هؤلاء من أكثر من 25 ألف عامل وموظف؟ وكيف سيدافع هؤلاء عن وظائفهم وأجورهم وحياتهم أمام تلك الشركات العملاقة، وأمام دولة ليبرالية جديدة لا دور لها إلا خدمة رأس المال.

برامج فاشلة قبل أن تبدأ

أما الخطاب المباركي الجديد حول البطالة والقضاء عليها فلا يقل عبثاً وكذباً. فالحزب الوطني يدعي أن برنامجه سيوجد نحو 4.5 مليون فرصة عمل جديدة حتى عام 2010. وبغض النظر عن السؤال البديهي الذي يتبادر للذهن حول ما كان الحزب الوطني يفعله في العقدين الماضيين حين ارتفعت نسب البطالة الى أرقام غير مسبوقة، وكيف يمكن خلق 4.5 فرصة عمل خلال 6 سنوات قادمة في حين أنه في الأعوام ال12 الأخيرة لم يستطيع الاقتصاد المصري أن يخلق أكثر من 4.4 مليون فرصة عمل. كيف؟

يجيب إعلام الوطني بأحد الحلول السحرية”لمشكلة” البطالة، والذي ُروج لها من قبل الكثير من الأنظمة الليبرالية الجديدة، وهو ما يشكل موضة جديدة وكاسحة هذه الأيام أو ما يسمى بتنمية المشروعات الصغيرة. والمنطق هنا بسيط. فإذا كانت الدولة والرأسمالية الكبيرة غير راغبة في تشغيل العمال، وخلق فرص عمل حقيقية، فلنحول العاطلين إلى رأسماليين صغار ومتناهيي الصغر. والفكرة هي أن يتم تقديم قروض صغيرة لهؤلاء يقيمون بها مشروعات قزمية تخلق لهم دخلاً كافياً، ليس فقط للمعيشة، بل طبعاً لسداد القروض ومعها الفائدة. وهي فكرة عبقرية بالفعل: العاطل الفقير مسئول عن تشغيل نفسه من خلال الاقتراض بفوائد باهظة. وبالطبع فمن لا يستطيع السداد فليس أمام البنك إلا الاستيلاء على بيته أو ورشته أو أدوات عمله. وإذا لم يكف هذا فهناك المحاكم والسجن في نهاية المطاف.

ومن المذهل أن نقرأ تفاصيل تلك المشروعات. فالمطروح هو تقديم 3 مليارات جنيه كقروض صغيرة تتراوح بين 5 و10 آلاف جنيه لخلق 600 ألف فرصة عمل بواقع 5 آلاف جنيه لكل فرصة عمل. والواقع أن مثل هذا المشروع لن يخلق آلاف المشاريع الرأسمالية الصغيرة وينقذ العاطلين، بل سيحول هؤلاء العاطلين الباحثين عن عمل إلى عاطلين مدينين للبنوك، غير قادرين على دفع الفوائد ومعرضين للتشريد والسجن.

أما الحل السحري الآخر فهو ذلك المشروع القومي العملاق المعروف بإسم مشروع الألف مصنع. ومن المفترض أن يتكلف هذا المشروع 100 مليار جنيه خلال الأعوام الست القادمة. يقوم الجهاز المصرفي (أي سان باولو وأخوته) بتقديم ائتمان قيمته 52 مليار جنيه لتمويلها. وفقاً لحسابات لجنة السياسات فهذا المشروع سيخلق 1.5 مليون فرصة عمل جديدة. وحتى لو افترضنا جدلاً أن الألف مصنع سيتم إنشائهم بالفعل وصدقنا الأوهام التي تبيعها لجنة السياسات، ففرصة العمل الواحدة طبقاً لحسابات هذا المشروع تبلغ تكلفتها حوالي 67 ألف جنيه، في حين أنه وطبقاً لبيانات الهيئة العامة للاستثمار فإن تكلفة فرصة العمل الدائمة في المشروعات الاستثمارية بلغت حوالي 250ألف جنيه. وبالتالي فالادعاء بخلق 1.5 مليون فرصة عمل، بتكلفة 67 ألف جنيه لكل فرصة عمل، هو مجرد ألاعيب بالأرقام لدعم خطاب الوعود والأوهام الذي يريد جمال مبارك استخدامها لحملته الانتخابية القادمة.

والواقع أنه إذا استمرت البلاد تحت حكم مبارك الأب والابن ومن حولهم، فإن الأعوام الست القادمة لن تشهد سوى مضاعفة الفقر والجوع والتشريد والبطالة وتضخم ثروات البليونيرات الذين أصبحوا يملكون كل شيء في مصر.وعلينا ألا نكتفي فقط فضح أكاذيبهم وتبريراتهم بل أن نناضل لوقف وافشال مشاريعهم. فمبارك وسان باولو وشركائهم، مثلهم مثل الملك فاروق وباركليز وشركائهم من قبل، لن يجلبوا لنا سوى الجوع والدمار.