اقتراب ساعة الحساب
تدهور الاقتصاد وإفلاس الإخوان

“إن الوضع الاقتصادي في مصر يتدهور بسرعة فالاحتياطي من النقد الأجنبي يوشك علي النفاد ــ قبل حزمة قروض الإنقاذ الأخيرة، كان الاحتياطي من العملة الصعبة يغطي أقل من ثلاثة أشهر من الواردات ــ والآن يخزن المصريون الوقود في مظم القطاعات تقريبا تحسباً للنقص في المستقبل. وينبئ انقطاع التيار الكهربائي بشكل أكثر تكراراً وأطول أمداً بأن الأسوأ آت في ظل اقتصاد يناضل بالفعل ضد البطالة الجماعية، والتشريد على نطاق واسع، وجيوب الفقر العميقة.” هكذا لخص إريك بيرجلوف، رئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد في مقال له علي الموقع الإلكتروني لشبكة “بروجيكت سنديكيت”.
ويقول تقرير لمجلس سياسات الشرق الأوسط بواشنطن إن حكومة الرئيس محمد مرسي استطاعت، نسبيا، أن تتجنب انهيارًا اقتصاديًّا شاملاً، بفضل القروض والمساعدات التي أتاحتها السعودية وقطر وتركيا وليبيا. فخطط الحكومة المعلنة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، منذ منتصف العام الماضي، ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية وتناميها بصورة غير مسبوقة.
الأداء الاقتصادي
وبالنظر إلي الأداء الاقتصادي لحكومة هشام قنديل نجد أنه بعد مرور أكثر من عامين منذ ثورة 25 يناير، غرق اقتصاد البلاد في دوامة سريعة، نظراً للنمو الهزيل، والبطالة المرتفعة، ومعدلات الاستثمار المنخفضة ــ ويساهم كل هذا بدخول الاقتصاد في عِدة حلقات مفرغة في آن واحد.
وتتوقع الحكومة أن اقتصاد البلاد سينمو 2.2 % في السنة المالية الحالية 2012-2013 التي تنتهي في 30 يونيو أي دون تغير عن السنة السابقة، وهو ما يقلل من فرص وجود وظائف جديدة.
وتشير الأرقام الرسمية إلي ارتفاع معدلات البطالة خلال الربع الأول من العام الجاري 2013 إلى 13.2% ليصل عدد المتعطلين عن العمل إلى 3.6 مليون شخص من قوة العمل، بزيادة قدرها 1,2 مليون عاطل بنسبة 50,1% عن نفس الربع من عام 2010، وذلك وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء.
وتقول فرح حلمي المحللة الاقتصادية:” إن معدلات البطالة في مصر وصلت لمستويات خطيرة نتيجة لتباطؤ القطاعات الاقتصادية الرئيسية بشكل عام.” موضحة أن “البلاد تشهد أعلي نسبة من المتعطلين في الفئة العمرية (15-29 سنة) حيث تبلغ 74% .”
وشهد الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعاً من 13.2 مليار دولار في 2007-2008 إلي 108 ملايين دولار في الربع الأول من العام المالي الجاري.
وزادت أوضاع العمل سوءا لدى شركات القطاع الخاص المصري خلال شهر مايو الماضي، إذ شهد كل من الإنتاج ومستويات الطلبات الجديدة المحلية، وطلبات التصدير الجديدة، وأنشطة الشراء بشكل عام، هبوطًا بأكبر معدل لها، منذ البدء في جمع البيانات في أبريل 2011، الخاصة بمؤشر “PMI™” لبنك HSBC في مصر. كما شهدت مستويات التوظيف تراجعًا للشهر الثاني عشر علي التوالي، وبوتيرة متسارعة، وفي الوقت ذاته تزايد معدل تضخم تكاليف التوظيف وسجل ارتفاعاً قياسياً مع تسارع تضخم تكاليف مستلزمات الإنتاج.
وقال سيمون وليامز، الخبير الاقتصادي لدى HSBC – مصر: ” لا يوجد شيء مشجع في بيانات هذا الشهر . فبعيدا عن القراءات المنخفضة، يظهر مؤشر مدراء المشتريات استمرار تراجع الاقتصاد مع الهبوط الشديد في معدلات التوظيف مما يشير إلي أن التراجع الحاد الواضح منذ شهر ديسمبر 2012 سوف يستمر.”
ويضيف وليامز:” إن الزيادة الكبيرة جدا في أسعار الإنتاج تشير إلي زيادة التضخم خلال الأشهر القادمة، مما يقلل من متوسط الدخل الحقيقي ويلقى بظلاله علي آمال التعافي.”
وقد تسارع معدل تضخم أسعار مستلزمات الإنتاج، بشكل كبير، منذ ديسمبر الماضي، وسجل أعلي مستوى له في أربعة أشهر، مدفوعا بشكل أساسي بزيادة أسعار المواد الخام المستوردة، نتيجة لارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه والذى تجاوز سعره الرسمي في البنوك الـ7 جنيهات وفي السوق السواء حوالي 7.5 جنيه .
ومن ناحية أخري قال صندوق النقد الدولي نهاية الشهر الماضي إنه من المتوقع أن يرتفع تضخم أسعار المستهلكين في مصر إلى 10.9 % هذا العام وهو ما سيكون أعلى مستوى منذ 2010 متأثرا بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتراجع العملة المحلية وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وتقول الحكومة إن عجز الموازنة العامة للدولة سيدور بين 11 و11.5 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2012-2013 ليبلغ نحو 200 مليار جنيه.
وتواجه الحكومة فجوة تمويلية قدرها 14.5 مليار دولار وبلغ الدين الخارجي نحو 40 مليار دولار نهاية ابريل الماضي ووصل الدين العام الداخلي الى 1.3 تريليون جنيه حسب بيانات وزارة المالية.
وتعكس كل هذه المؤشرات والأرقام عمق الأزمة التي يواجها الاقتصاد المصري ومن الواضح أن المساعدات المالية الخارجية التي تقدر بـ 13 مليار دولار من قبل تركيا وقطر والسعودية ليبيا فيما يبدو لم تستطع تأجيل يوم حساب الإخوان إلى الأبد فالوقت ينفد منهم.
وواقع الحال أن مرسي وحكومته لا يملكان ترف الوقت لبدء التعاطي مع التحديات الاقتصادية الصعبة التي تفرض ذاتها على الأجندة بقوة، فبعد مرور أكثر من عامين على بدء الثورة، يواجه مرسي التوقعات المرتفعة للشارع المصري عبر تزايد حدة الاحتجاجات الجماهيرية.
فوفقا للتقرير للمركز التنموي الدولي، شهدت مصر منذ مطلع العام 3013 نحو 5544 احتجاجا، وفي هذا الصدد يقول محمد عادل مدير المركز أن هذا العام فارقة تاريخية في عدد الاحتجاجات التي نفذها المصريون خلاله، ويصعد بمصر للمرتبة الأولى عالميا في عدد الاحتجاجات.
وأكد عادل أن 63.7 % من دوافع احتجاجات مايو كانت من أجل حقوق اقتصادية واجتماعية جاءت على رأسها حقوق بيئة العمل المنتهكة في كافة القطاعات والتي خرج من أجلها العمال والفلاحون والمهنيون، وأن النظام يتجرع الآن سوءات النظام البيروقراطي المصري لأنه لم يعد قادرا على الإيفاء بحقوق جهازه الإداري، في حين مثلت الاحتياجات الأساسية للمواطنين من كهرباء ومياه الشرب والري وخدمات أمنية وتعليمية وحقوق للسكن وغيرها من المطالب القوام الأساسي لمسببات الاحتجاجات التي خرجت للمطالبة بحقوق اقتصادية واجتماعية.
الأزمة وانحيازات الإخوان
خلال أكثر من عامين عمل الإخوان المسلمون على الوقوف ضد حركة الجماهير من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ففي ظل نظام المجلس العسكري قام الإخوان بالاصطفاف إلى جانب الجنرالات وأجهزة الشرطة المرة تلو الأخرى في محاولة لكسر حركة الجماهير وسحقها.
إن أداء الإخوان المسلمين سواء في تجربة مجلس الشعب القصيرة أو بعد انتخاب مرسي رئيسا للجمهورية، كشف حقيقة الإخوان المعادية لمصالح الجماهير، ومدي حزمهم في تأييد سياسات الليبرالية الجديدة المتوحشة منذ الإطاحة بمبارك.
إن إضرابات العمال واحتجاجات الجماهير العام الماضي لم تصب فقط المستثمرين المحليين والأجانب بالهلع بل الإخوان المسلمين أيضا، وذلك لأنها فجرت مجمل مشروع الإخوان المتركز علي برامج اقتصادية مؤيدة للسوق ومعادية للطبقة العاملة والفقراء إلى حد كبير، حيث هاجم الإخوان هذه الإضرابات مرارا وتكرارا ممثلين مصالح الرأسماليين الكبار حلفاء مبارك والمجلس العسكري. وعبر الإخوان عن موقفهم أكثر من مرة علي صفحاتها الرسمية بشبكات التواصل الاجتماعي، وجوهر هذا الموقف هو أن :”رأس المال جبان، والمستثمرين في حالة هلع ، وإضرابات العمال ستؤدي إلى تفكيك الدولة.”
وكما أكدت العديد من وثائق وبيانات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان على دور القطاع الخاص في تحريك النمو، وعلى ضرورة اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، كما تتوقع البرامج الاقتصادية التي يطرحونها دوراً كبيراً للمؤسسات الدولية، خاصة صندوق النقد والبنك الدولي، سعيا لتطبيق نفس سياسات التقشف وبرامج الخصخصة وبيع البلد.
وتسعى الإخوان لمواجهة حركة الاحتجاجات العمالية عبر السياسات القمعية القديمة والسعي لإصدار قوانين لتقيد حق العمال في الإضراب، وذلك استجابة لمطالب وضغوط رجال الأعمال الكبار، خاصة الصناعيين. فمنذ اليوم الأول لدخوله قصر الرئاسة حاول مرسي طمأنة رجال الأعمال حيث شكّل لجنة للاتصال بين مكتبه وبين ممثلي قطاع الشركات الخاصة. تضمّ هذه اللجنة مستثمرين من أصحاب الشركات الكبيرة والمؤسسات التقليدية في القطاع الخاص (وهي الشركات التي استفادت بشكل كبير من فساد نظام مبارك) وأعضاء الجمعية المصرية لتنمية الأعمال التي أسسها رجل الأعمال الإخواني حسن مالك. ليصبح مالك بديلا لأحمد عز. لقد أثبت الإخوان أن طبيعة الصراع مع نظام مبارك كان حول الأعمال والبزنس التي يمكنهم الحصول عليه، وكما قال حسن مالك نفسه لشبكة أخبار بلومبيرج الأمريكية:” لقد سمحوا لي بالوصول إلى مستوى معين، لكن كان هناك سقف.”
وكذلك سارع الإخوان إلي التصالح مع رجال أعمال نظام مبارك الذين نهبوا ثروات مصر لسنوات، بل أيضا مع الذين فروا من البلاد. فقد ذكر وزير الاستثمار الإخواني يحيى حامد منذ أقل من شهر أن مجلس الوزراء وافق على تعديلات لقانون الاستثمار من شأنها أن تمنحه صلاحية أكبر للتفاوض على اتفاقات تصالح مع رجال أعمال يقيمون خارج البلاد منذ الثورة لتحسين مناخ الاستثمار. وأكثر من ذلك قال حامد وفقا لوكالة رويترز إن منع شخصيات مثل رشيد محمد رشيد ومحمد منصور – وهما من وزراء عهد مبارك وساهما في تنفيذ سياسات تحرير الاقتصاد – من العودة إلى مصر “يعطي إشارات سيئة جدا.”
كما تواطأ الإخوان مع المجلس العسكري في الحفاظ علي أن تظل الإمبراطورية الاقتصادية للجيش بعيدة عن المراقبة، فالجزء الخاص بالجيش في الدستور الجديد سيء السمعة لم يحافظ على سلطة الجيش وفقط، بل عمقها ووطدها وذلك في إطار صفقة مع نفس جنرالات الجيش للحفاظ علي امتيازاتهم. وتشير التقديرات إلى أن الجيش يسيطر على 20 إلى 40 % من اقتصاد البلاد، ويعكس الهامش الواسع لهذا التقدير ندرة المعرفة وانعدام الشفافية المحيطة بالمسألة. وتتمتع الشركات المملوكة للجيش، بإعفاءات ضريبية، وأكثر من ذلك فهي تدعم من خلال المساعدة المالية التي تحصل عليها من ميزانية الدفاع بينما تذهب أرباح هذه الشركات إلى جيوب كبار القادة والجنرالات.
على طريق مبارك
وحكومة الإخوان التي تحاصرها الانتقادات بشأن مشروعات تنموية خيالية بَشّر بها مرسي في برنامجه الانتخابي أعلنت، بشكل غير مباشر، تخليها عن توفير الخدمات الأساسية، من البنية التحتية لمشروعات الصحة والتعليم والنقل والكهرباء والطرق، والانطلاق في الطريق الذي بدأه “يوسف بطرس غالي” وزير مالية مبارك في مشروعات الشراكة بين القطاع العام والخاص، والمعروفة اختصارًا بـمصطلح “شراكة القطاع العام والخاص – PPP” من أجل جذب الاستثمارات العربية والأجنبية إلى مصر، بالتعاون مع بنوك الاستثمار المصرية الكبرى الخاصة مثل “بلتون فاينانشال” والمجموعة المالية “هيرميس”. وتتولى هذه المؤسسات المالية مهمة الجولات الترويجية للاقتصاد المصري في الخارج وترتب زيارات للمستثمرين الدوليين لمقابلة “هشام قنديل” رئيس مجلس الوزراء، وعدد من ممثلي الحقائب الوزارية، وكبرى الشركات المدرجة بالبورصة.
واللجوء لمشروع “شراكة القطاع العام والخاص” يعني انسحاب الدولة من القطاعات المهمة والاستراتيجية، وإحياء مشروع حكومات مبارك للخصخصة، ولكن بشكل معدل؛ إذ يسمح النظام الجديد للقطاع الخاص المحلي والأجنبي بإقامة وتملك المشروعات الاستراتيجية، كما يتضح من مشروع محور قناة السويس.
وشجع الإخوان الاستثمارات الخاصة في مجال توليد الطاقة للتعويض عن العجز الذي نتج عنه انقطاع الكهرباء بصورة متكرّرة خلال فترات الذروة. ويمكن للمحطات الخاصة المشاركة في هذا المشروع أن تبيع الكهرباء مباشرة للمصريين باستخدام الشبكة القومية مما سيطلق موجة من الغلاء الرهيب في أسعار الكهرباء ستكتوي بها الجماهير.
قرض الصندوق
تعتزم الحكومة تطبيق حزمة إجراءات تقشفية معادية للفقراء لمعالجة عجز الموازنة في إطار اتفاق للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، بدلا من فرض ضرائب تصاعدية علي رجال الأعمال وذلك لضمان ولاء الطبقات الغنية. ومن المتوقع أن تزيد بتنفيذ هذه السياسات التقشفية من إفقار غالبية المصريين سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، الأولى لأنها تخفض دعم سلع معينة مهمة جدا للأسرة المصرية تحديدا الدعم الغذائي ودعم السولار، والثانية لأنها تعمل على تكريس نفس هيكل الموازنة المنحاز للأغنياء ورجال الأعمال.
إن السياسات الاقتصادية لجماعة الإخوان المسلمين أدت إلي استعداء قاعدتها الانتخابية، التي تتألف أساساً من مجموعات من الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة، الذين يعيش معظمهم في المناطق الريفية بعد أن طحنتهم الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار.
مفترق طرق
لقد قلبت الثورة مصر رأسا على عقب. كل شيء تغير، الجماهير كسرت حاجز الخوف وبدأت في امتلاك زمام المبادرة لذا لا ينبغي لنا أن نتوهم، كما يتوهم الإخوان المسلمين، أبداً، أنه بمرور الوقت سيختفى المتظاهرون، وتخفت حدة الإضرابات العمالية وحالة التسييس العالية التي مست معظم شرائح الشعب المصري والتي تدل عليها حالة التعبئة القوية التي تشهدها حملة تمرد، فالثورة لم تخلع حاكمًا فاسدًا لتجلب مجموعة جديدة لا تقل فساداً وشراسة وقمعا.
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، الظالمة، لا تزال علي حالها من مبارك إلى المجلس العسكري إلى مرسي وهي تمهد اليوم للانتفاضة الجماهيرية، التي أصبحت هي البديل المحتمل بشكل كبير في ظل إفلاس الليبرالية الجديدة الفجة وإفلاس سياسات الإخوان. مصر الآن عند مفترق طرق. فسرقة الإخوان للثورة، وتطبيقهم لحزمة الإجراءات التقشفية المعادية للعمال والفلاحين والفقراء ستؤدي إلي الانفجار الجماهيري، أي إلى فتح أفق بديل التغيير الثوري السياسي والاجتماعي.