النضال الطبقي في فرنسا 1848 – 1850
بعد ثورة تموز (يوليو) ([1])، حين كان المصرفي الليبرالي لافيت يرافق “أشبينه” (في النص الأصلي وردت الكلمة الفرنسية „compère“ وتعني 1- الاشبين، 2- العراب، 3- الشريك في دسيسة أو في مغامرة. الناشر) الدوق أورليان ([2])، في موكبه المظفر إلى دار البلدية، أفلتت منه الجملة التالية: “من الآن وصاعدًا سيحكم المصرفيون”. لقد أفشى لافيت بسر الثورة.
وفي عهد لويس فيليب، لم تحكم البرجوازية الفرنسية، بل فئة واحدة منها فقط – المصرفيون، وملوك البورصة والسكك الحديدية، وأصحاب مناجم الفحم الحجري ومناجم الحديد والغابات، والقسم المنضم إليها من أصحاب الملكية العقارية الكبيرة – أي ما يسمى بالأريستقراطية المالية. فقد اعتلت هذه الفئة العرش، وأملت القوانين في المجلسين، ووزعت المراكز الرابحة في الدولة، ابتداء من المناصب الوزارية وانتهاء بدكاكين الدخان الحكومية.
وكانت البرجوازية الصناعية الصرف جزءًا من المعارضة الرسمية، أي أنها لم تكن ممثلة في المجلسين إلا بصورة الأقلية. وكانت معارضتها تشتد بقدر ما كانت أوتوقراطية الأريستقراطية المالية تتخذ شكلاً أصفى فأصفى، وبقدر ما كانت تتصور أن سيادتها على الطبقة العاملة قد أصبحت ثابتة وطيدة بعد انتفاضات أعوام 1832 و1834 و1839 ([3]) التي قمعت بالحديد والنار. فإن الصناعي غراندن من مدينة روان، المتعصب الأشد تطرفًا وضراوة بين رجال الرجعية البرجوازية في الجمعية الوطنية التأسيسية والجمعية الوطنية التشريعية، كان في مجلس النواب أعنف خصم لغيزو. وكان ليون فوشيه، الذي اشتهر فيما بعد بمساعيه العقيمة للنهوض إلى مستوى غيرزو الثورة المضادة الفرنسية، يشن في أواخر عهد لويس فيليب حربًا كلامية دفاعًا عن الصناعة وضد المضاربة وذنبها – الحكومة وكان باستيا يحرض باسم بوردو وجميع صناع الخمور الفرنسيين ضد النظام السائد.
وكانت البرجوازية الصغيرة بجميع فئاتها، وكذلك الفلاحون قد أقصيت كليًا عن الاشتراك في السلطة السياسية. وأخيرًا، كان ممثلو الطبقات المذكورة الأيديولوجيون والمدافعون عنها: علماؤها ومحاموها وأطباؤها، وإلخ.، – أي، باختصار، من يسمون “بمواهبـ”ـها، يقفون في صفوف المعارضة الرسمية أو خارج pays légal (خارج حلقة الأشخاص الذين يتمتعون بحق الانتخاب. الناشر) تمامًا.
وكان العوز المالي قد وضع ملكية تموز، منذ بادئ بدء، في حال تبعية إزاء الأوساط العليا من البرجوازية، وإذا تبعيتها إزاء الأوساط العليا من البرجوازية تغدو بدورها مصدرًا لا ينضب معينه لعوز مالي مشتد أبدًا. فلا يمكن إخضاع إدارة الدولة لمصالح الإنتاج الوطني طالما لم يبعث التوازن في الميزانية، التوازن بين نفقات الدولة وإيراداتها، ولكن كيف يبعث هذا التوازن بدون تخفيض نفقات الدولة، أي بدون اللمس بمصالح أعمدة النظام السائد وبدون تعديل نظام الضرائب، أي بدون إلقاء قسم كبير من عبء الضرائب على كاهل الأوساط العليا من البرجوازية؟
وكانت مديونية الدولة، على العكس، تخدم المصالح المباشرة لتلك الفئة من البرجوازية التي كانت تسود وتشترع بواسطة المجلسين. فقد كان عجز الدولة على وجه الضبط الموضوع الرئيسي لمضارتبها والمصدر الأهم لإثرائها. ففي نهاية كل سنة – عجز جديد. وبعد كل أربع أو خمس سنوات – قرض جديد. والحال، كان كل قرض جديد يوفر للأريستقراطية المالية فرصة مناسبة جديدة لنهب الدولة، المسنودة بصورة مصطنعة على عتبة الإفلاس، – كان يتعين على الدولة أن تأخذ قروضًا من المصرفيين بأجحف الشروط. وفضلاً عن ذلك، كان كل قرض جديد يوفر فرصة إضافية لنهب الجمهور الذي يوظف رساميله في أوراق الدولة المالية ذات الفائدة المئوية، وذلك عن طريق عمليات البورصة، التي كانت الحكومة والأغلبية البرلمانية مطلعة على سرها. وضع قروض الدولة غير المستقر والإطلاع على أسرار الدولة، ذلك هو، على العموم، ما كان يؤمن للمصرفيين وشركائهم في المجلسين وفي العرش إمكانية استثارة تقلبات فجائية، استثنائية في أسعار أوراق الدولة المالية، كانت تستتبع حتمًا، في كل مرة، خراب عدد كبير من صغار الرأسماليين وإثراء كبار المضاربين بسرعة لا تصدق. أن واقع أن عجز الدولة كان يخدم المصالح المباشرة للفئة السائدة من البرجوازية، يفسر لماذا كانت نفقات الدولة الاستثنائية في السنوات الأخيرة من عهد لويس فيليب توازي أكثر من ضعفي نفقات الدولة الاستثنائية في زمن نابليون؛ فقد كانت تبتلع سنويًا حوالي 400 مليون فرنك في حين أنه كان من النادر أن تبلغ جميع صادرات فرنسا بالمتوسط 750 مليون فرنك في السنة. وكانت المبالغ الضخمة التي تمر بهذه الطريقة في يد الدولة، تخلق، علاوة على ذلك، فرصة ملائمة لأجل المقاولات الاحتيالية وعمليات الرشوة والاختلاسات والحيل من كل شاكلة وطراز. إن نهب الدولة الذي كان يجري بالجملة عن طريق القروض، كان يتكرر بالمفرق عن طريق المقاولات الحكومية. وما كان يقع في العلاقات بين المجلس والحكومة كان يتكرر مرارًا في العلاقات بين مختلف الدوائر الحكومية ومختلف أرباب الأعمال.
وكما أن الطبقة السائدة كانت تستغل نفقات الدولة على العموم وقروض الدولة، كذلك كانت تستغل بناء السكك الحديدية. وكان المجلسان يلقيان العبء الرئيسي من النفقات على عاتق الدولة، بينما كانا يضمنان الثمار الذهبية للأريستقراطية المالية المضاربة. والجميع يتذكرون الفضائح التي تفجرت في مجلس النواب عندما تبين صدفة أن جميع نواب الأغلبية، بمن فيهم عدد من الوزراء، كانت لهم مصلحة، بوصفهم مساهمين، في مشاريع بناء السكك الحديدية ذاتها التي كانوا فيما بعد، بوصفهم مشترعين، يجبرون الدولة على تنفيذها على نفقتها.
وكان أقل إصلاح مالي يتحطم، بالعكس، على مقاومة المصرفيين. مثلاً. الإصلاح البريدي. فقد احتج روتشيلد. فهل تجرأت الدولة، يا ترى، على تخفيض تلك المصادر من دخلها التي كان ينبغي أن تدفع منها الفوائد عن دينها المتعاظم باستمرار؟
إن ملكية تموز لم تكن غير شركة مساهمة لأجل استثمار الثروة الوطنية الفرنسية؛ وكانت أرباحها توزع على الوزراء، والمجلسين، وعلى 240000 ناخب مع أذنابهم. وكان لويس فيليب مديرًا لهذه الشركة – ضربًا من روبير ماكير ([4]) على العرش. وكان هذا النظام ما ينفك يعرض للمخاطر ويضر بالتجارة والصناعة والزراعة والملاحة، وبمصالح البرجوازية الصناعية التي سجلت على رايتها في أيام تموز gouvernement a bon marché– حكومة رخيصة.
وبما أن الأريستقراطية المالية كانت تسن القوانين، وتصرف شؤون الدولة، وتتصرف بكل جهاز سلطة الدولة المنظم، وبالنظر لمثل هذا الوضع، ولأنها بالصحافة كانت تقبض بيدها على الرأي العام، لذا ففي جميع الميادين، ابتداء من البلاط الملكي وانتهاء بأوكار الدرجة السفلي، كان يسود العهر نفسه، والكذب الوقح نفسه، والولع نفسه بالإثراء، لا عن طريق الإنتاج، بل عن طريق اختلاس ثروة الغير المتوفرة وسرقتها بحذاقة وشطارة. وفي الأوساط العليا من المجتمع البرجوازي على الأخص، كانت تتبدى مطامع جامحة، غير سليمة، فاسدة، تصطدم لدى كل خطوة حتى بالقوانين البرجوازية، وتفتش فيها الثروة المكتسبة بالمقاربة لنفسها، بالطبع، عن ترضية تصبح فيها المتعة خلاعة ويتعازج فيها الذهب والقذر والدم معًا. إن الأريستقراطية المالية ليست، من حيث أسلوب إثرائها، ومن حيث متعاتها، غير انبعاث لحثالة البروليتاريا في الأوساط العليا من المجتمع البرجوازي.
ولقد صاح الذين لم يشتركوا في حكم هذه الفئة من البرجوازية الفرنسية: “يا للفساد!” وصاح الشعب: “ليسقط اللصوص الكبار! ليسقط القتلة!”، عندما كانت تمثل في عام 1847، على أعلى حلبات المجتمع البرجوازي، نفس تلك المشاهد التي تسوق حثالة البروليتاريا، عادة، إلى أوكار الدعارة وإلى مآوي العجز وإلى دور المجانين، وتقودها إلى قفص الاتهام وإلى الأشغال الشاقة وإلى المقصلة. كانت البرجوازية الصناعية قد رأت خطرًا على مصالحها، وكانت البرجوازية الصغيرة مفعمة بالغضب الأخلاقي، وكان خيال الشعب مستاء. وكانت باريس غارقة في أهاجي من نوع: “سلالة روتشيلد”، “المرابون – ملوك زماننا”، وإلخ. كانت تفضح وتدمغ بالخزي والعار، بقدر متفاوت من الفكاهة والظرافة، سيادة الأريستقراطية المالية.
لا فلس من أجل المجلد! المجلد لا يجلب أي ربح! السلام بأي ثمن كان! الحرب تخفض أسعار الأوراق المالية ذات الفائدة 3 أو 4 بالمئة! – ذلك ما سجلته فرنسا رجال البورصة على رايتها. ولهذا كانت سياستها الخارجية تتلخص في جملة من الإهانات للكرامة القومية الفرنسية. ولقد غضبت هذه الكرامة بقوة خاصة لضم كراكوفيا إلى النمسا الذي أنجز نهب بولونيا، ولأن غيزو وقف بنشاط إلى جانب الحلف المقدس ([5]) في حرب زوندربوند السويسرية ([6]). إن انتصار الليبراليين السويسريين في هذه الحرب المهزلة قد رفع في المعارضة البرجوازية في فرنسا شعورها بكرامتها، والانتفاضة الشعبية الدامية في باليرمو فعلت فعلها، كالتيار الكهربائي، في الجمهور الشعبي المشلول وأيقظت ذكرايته ومشاعره الثورية العظيمة (ضم كراكوفيا إلى النمسا، بموافقة روسيا وبروسيا، في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1846؛ حرب زوندربوند السويسرية من 4 إلى 28 تشرين الثاني 1847؛ انتفاضة باليرمو في 12 كانون الثاني (يناير) 1848؛ قصف المدينة بالمدافع مدة تسعة أيام في أواخر كانون الثاني من قبل قوات نابولي. (ملاحظة أنجلس لطبعة 1895)).
وأخيرًا تسارع انفجار الاستياء العام، وتحول التذمر إلى انتفاضة بفضل حادثين اقتصاديين عالمي الشأن.
فإن مرض البطاطا وسوء الموسم في 1845 و1846 قد قويا التذمر العام في صفوف الشعب. وفي 1847، أدى غلاء الأسعار في فرنسا، كما في القارة كلها إلى وقوع مصادمات دموية. إلى جانب إفراط الأريستقراطية المالية بلا حياء في العربدة والقصف والفجور – نضال الشعب من أجل وسائل العيش الضرورية! في بوزانس يعدمون المشتركين في عصيانات الجياع، وفي باريس تنتزع العائلة الملكية من يد القضاء النصابين المتخمين!
وكانت الأزمة التجارية والصناعية العامة في بريطانيا الحادث الاقتصادي الثاني الكبير الذي عجل في انفجار الثورة. فقد سبق وأنبأ عنها في خريف 1845 الإفلاس الشامل الذي أصاب المضاربين بأسهم السكك الحديدية، وأخرتها في عام 1846 جملة من الظروف العرضية كإلغاء رسوم الحبوب المتوقع، وانفجرت أخيرًا، في خريف 1847، بصورة الإفلاسات التي حلت بكبار تجار لندن المتاجرين ببضائع المستعمرات، والتي تبعتها على الفور إفلاسات المصارف العقارية وإغلاق المصانع في الدوائر الصناعية في بريطانيا. وقبل أن تنعكس في القارة إلى النهاية عواقب هذه الأزمة، نشبت ثورة شباط.
إن الوباء الاقتصادي الذي أصاب التجارة والصناعة، قد زاد من وطأة حكم الأريستقراطية المالية المطلق فوق ما هو عليه من وطأة لا تطاق. فشنت البرجوازية المعارضة في فرنسا كلها حملة من المآدب دعمًا للإصلاح الانتخابي كان المقصود منها أن تؤمن لها الأغلبية في المجلسين وتطيح بوزارة البورصة. وفي باريس، استتبعت الأزمة الصناعية، على الأخص، عاقبة أخرى: فقد أجبرت جمهور الصناعيين وكبار التجار الذين لم يبق في وسعهم، بحكم الظروف الناشئة، أن يسيروا أمورهم في السوق الخارجية، على الاندفاع إلى السوق الداخلية. فأسسوا شركات كبيرة أنزلت منافستها الخراب بصغار أصحاب الدكاكين. وهذا ما يفسر الإفلاسات العديدة في هذا القسم من البرجوازية الباريسية ومسلكه الثوري في أيام شباط. ومعلوم أن غيزو والمجلسين قد ردوا على اقتراحات الإصلاحات بتحد لا لبس فيه ولا إبهام، وأن لويس فيليب اعتزم تعيين وزارة بارو بعد فوات الأوان بكثير، وأن الأمور بلغت حد الاصطدام بين الشعب والجيش، وأن الجيش كان منزوع السلاح بالمسلك الخامل الذي سلكه الحرس الوطني، وأن ملكية تموز اضطرت إلى إخلاء المكان للحكومة المؤقتة.
إن الحكومة المؤقتة التي نشأت على متاريس شباط كانت، لا مناص، من حيث قوامها، انعكاسًا لمختلف الأحزاب التي تقاسمت فيما بينها ثمار النصر. ولم يكن من الممكن أن تكون إلا مساومة بين مختلف الطبقات التي أطاحت بملكية تموز بتضافر جهودها، ولكن التي كانت مصالحها متناقضة. كانت الأغلبية الساحقة من الحكومة المؤقتة تتألف من ممثلي البرجوازية. وكان ليدرو – رولان وفلوكون ممثلي البرجوازية الصغيرة الجمهورية؛ وكانت البرجوازية الجمهورية ممثلة بجماعة من „National“([7])، والمعارضة الملكية الأسرية ([8]) بكريميه ودوبون دي ليروم وغيرهما. وكان للطبقة العاملة ممثلان فقط هما لويس بلان والبر. وأخيرًا، لم يكن لامارتين في الحكومة المؤقتة معبرًا حقًا وفعلاً عن مصلحة فعلية ما، عن طبقة معينة ما؛ فقد كان صورة مجسدة لثورة شباط نفسها، للانتفاضة العامة بأوهامها وشعرها ومضمونها الخيالي وتعابيرها. وعلى كل حال، كان ممثل ثورة شباط هذا، من حيث وضعه ومن حيث آرائه، ينتمي إلى البرجوازية.
وإذا كانت باريس تسود على فرنسا بفضل المركزية السياسية، فإن العمال يسودون على باريس في أزمان الهزات الثورية. وقد كانت أول خطوة قامت بها الحكومة المؤقتة أنها حاولت أن تتخلص من هذا النفوذ الساحق بالاحتكام إلى فرنسا الصافية الذهن ضد باريس الثملة بنشوة النصر. فقد نازع لامارتين مجاهدي المتاريس الحق في إعلان الجمهورية. وقال أنه لا يمكن أن يفعل ذلك غير أغلبية الأمة الفرنسية، وأنه يجب انتظار تصويتها، وأنه يجب على بروليتاريا باريس أن لا تشوه انتصارها بالاغتصاب. إن البرجوازية تسمح للبروليتاريا باغتصاب واحد فقط، هو اغتصاب النضال.
في 25 شباط (فبراير)، عند الظهر، لم تكن الجمهورية قد أعلنت بعد، ولكن جميع الحقائب الوزارية كانت قد وزعت بين العناصر البرجوازية في الحكومة المؤقتة والجنرالات والمصرفيين والمحامين الملتفين حول „National“. إلا أن العمال قرروا أن لا يسمحوا هذه المرة بهذا الخداع كما حدث في تموز (يوليو) 1830. فقد كانوا على استعداد لاستئناف النضال ونيل الجمهورية بقوة السلاح. ولإبلاغ ذلك راح راسباي إلى دار البلدية. وأمر الحكومة المؤقتة، باسم بروليتاريا باريس، بأن تعلن الجمهورية؛ وإذا لم تنفذ مشيئة الشعب هذه في غضون ساعتين، فإنه سيعود على رأس 200000 شخص. كانت جثث المجاهدين المستشهدين لم تبرد بعد، وكانت المتاريس لم ترفع بعد، وكان العمال لم تنزع بعد منهم أسلحتهم، وكان الحرس الوطني القوة الوحيدة التي كان من الممكن معارضتهم بها. وفي هذه الأوضاع، تبددت على الفور اعتبارات الحكمة السياسية والحساسية الشرعية عند الحكومة المؤقتة. وقبل انقضاء مدة الساعتين، كانت جميع جدران باريس تزدهي بالكلمات الجبارة التاريخية:
الجمهورية الفرنسية! الحرية، المساواة، الإخاء!
ومع إعلان الجمهورية على أساس حق الانتزاع العام زالت أيضًا ذكرى تلك الأهداف والبواعث المحدودة التي دفعت البرجوازية إلى ثورة شباط. فعوضًا عن بضع فئات من البرجوازية، توفرت فجأة لجميع طبقات المجتمع الفرنسي إمكانية الوصول إلى السلطة السياسية، واضطرت إلى ترك اللوجات والصالة والشرفة وإلى الظهور على الحلبة الثورية بوصفها أشخاص المسرحية! ومع الملكية الدستورية، زال أيضًا استقلال الدولة الظاهري حيال المجتمع البرجوازي، ومع هذا الاستقلال زالت جملة كاملة من المصادمات المشتقة، الناجمة عن هذا الوهم!
وما أن أجبرت البروليتاريا الحكومة المؤقتة، ومن خلالها فرنسا كلها، على القبول بالجمهورية، حتى برزت على الفور في المقدمة كحزب مستقل، ولكنها استثارت إلى النضال ضدها كل فرنسا البرجوازية. لقد كسبت فقط التربة لأجل النضال في سبيل تحررها الثوري، ولكنها لم تكسب البتة هذا التحرر نفسه.
وبالعكس، كان يتعين على جمهورية شباط قبل كل شيء أن تجعل سيادة البرجوازية أكمل من ذي قبل: فبفضلها توفرت لجميع الطبقات المالكة إمكانية الوصول إلى السلطة السياسية جنبًا إلى جنب مع الأريستقراطية المالية. وانتشلت الجمهورية أغلبية ملاكي الأراضي الكبار، والشرعيين (الليجيتيميين – Legitimes) من تلك الحقارة السياسية التي حكمت عليهم بها ملكية تموز. وليس عبثًا حرضت „Gayette de France“([9]) مع جرائد المعارضة بصوت واحد، وليس عبثًا وقف لاروشجاكلين في جلسة مجلس النواب في 24 شباط (فبراير) إلى جانب الثورة. فلقد وضع حق الاقتراع العام مصير فرنسا في أيدي المالكين الإسميين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من الشعب الفرنسي، – في أيدي الفلاحين. وأخيرًا، حطمت جمهورية شباط التاج الذي كان يختفي الرأسمال وراءه، فظهرت سيادة البرجوازية الآن على المكشوف.
وكما ظفر العمال في أيام تموز بالملكية البرجوازية، كذلك ظفروا في أيام شباط بالجمهورية البرجوازية. وكما اضطرت ملكية تموز إلى إعلان نفسها ملكية مطوقة بمؤسسات جمهورية، كذلك اضطرت جمهورية شباط إلى إعلان نفسها جمهورية مطوقة بمؤسسات اجتماعية. فإن بروليتاريا باريس قد انتزعت هذا التنازل أيضًا.
وقد أملى مارش، العامل، المرسوم الذي تعهدت بموجبه الحكومة المؤقتة المشكلة للتو بأن تؤمن للعمال وسائل عيشهم بالعمل، وتضمن العمل لجميع المواطنين، وهكذا دواليك. وعندما نسيت وعودها بعد بضعة أيام، وغابت البروليتاريا عن بالها كليًا، على ما يبدو، تحرك جمع من 20000 عامل إلى دار البلدية صائحين: تنظيم العمل! تشكيل وزارة خاصة للعمل! وبعد مناقشات طويلة، عينت الحكومة غصبًا عنها، لجنة دائمة خاصة عهدت إليها بالبحث عن الوسائل لتحسين أوضاع الطبقات الكادحة. وقد تألفت هذه اللجنة من مندوبي الطوائف الحرفية في باريس برئاسة لويس بلان والبر. وقد وضع قصر اللوكسمبورغ تحت تصرفها لعقد جلساتها. وهكذا طرد ممثلو الطبقة العاملة من المبنى الذي كانت تعقد فيه الحكومة المؤقتة جلساتها، وقبض القسم البرجوازي من هذه الحكومة في يده بوجه الحصر على سلطة الدولة الفعلية وعلى مقاليد الحكم. وإلى جانب وزارات المالية والتجارة والأشغال العامة، وإلى جانب المصرف والبورصة، أقيم الكنيس الاشتراكي الذي كانت مهمة كاهنيه الأولين، لويس بلان والبر، فتح أرض الميعاد، والتبشير بالإنجيل الجديد، وتوفير العمال لبروليتاريا باريس. وخلافًا لكل سلطة دولة دنيوية، كانا لا يملكان أي ميزانية وأي سلطة تنفيذية. كان ينبغي عليهما أن يحطما بجبهتيهما دعائم النظام البرجوازي. وبينما كانوا يبحثون في قصر اللوكسمبورغ عن الحجر الفلسفي، كانوا يصكون في دار البلدية النقود المتداولة.
ولكنه يجب القول أنه لم يكن من الممكن فعلاً أن تتحقق مطالب بروليتاريا باريس إلا بشكل لجنة اللوكسمبورغ الغامض لأنها كانت تتجاوز إطار الجمهورية البرجوازية.
لقد قام العمال بثورة شباط مع البرجوازية سوية؛ والآن حاولوا أن يذودوا عن مصالحهم إلى جانب البرجوازية، – إذ أنهم قد أجلسوا عاملاً واحدًا في قلب الحكومة المؤقتة إلى جانب الأغلبية البرجوازية. تنظيم العمل! ولكن العمل المأجور – إنما هو التنظيم البرجوازي القائم للعمل. وبدونه، لا رأسمال، ولا برجوازية، ولا مجتمع برجوازي. وزارة خاصة للعمل! ولكن أليست وزارات المالية والتجارة والأشغال العامة، يا ترى، وزارات برجوازية للعمل؟ وإلى جانبها، لم يكن من الممكن أن تكون الوزارة البروليتارية غير وزارة العجز، وزارة التمنيات البريئة، لجنة اللوكسمبورغ. إن العمال، وقد آمنوا بإمكان تحررهم جنبًا إلى جنب مع البرجوازية، كانوا يأملون كذلك بتحقيق ثورتهم البروليتارية ضمن حدود فرنسا الوطنية، جنبًا إلى جنب مع سائر الأمم البرجوازية. ولكن علاقات فرنسا الإنتاجية تشترطها تجارتها الخارجية، ووضعها في السوق العالمية وقوانين هذه السوق. وهل يسع فرنسا، يا ترى، أن تخالف هذه القوانين دون أن تستثير حربًا ثورية أوروبية يتردد صداها في بريطانيا، سيدة السوق العالمي هذه؟
حين تثور طبقة تتركز فيها مصالح المجتمع الثورية، تجد مباشرة في وضعها بالذات المضمون والمادة لأجل نشاطها الثوري: فتقضي على الأعداء، وتتخذ التدابير التي تمليها مقتضيات النضال، وعواقب أعمالها تدفعها إلى أبعد. وهي لا تنصرف إلى البحوث النظرية في مهامها. إلا أن الطبقة العاملة الفرنسية لم تكن في مثل هذه الوضع، ولم تكن قادرة بعد على تحقيق ثورتها بالذات.
إن تطور البروليتاريا الصناعية مشروط، على العموم، بتطور البرجوازية الصناعية. ففي ظل سيادتها فقط، تكتسب البروليتاريا الصناعية وجودًا قوميًا واسعًا قادرًا على رفع ثورتها إلى مستوى ثورة وطنية، وفي ظل سيادتها فقط تصنع البروليتاريا الصناعية وسائل الإنتاج العصرية التي تشكل في الوقت نفسه وسائل تحررها الثوري. فقط سيادة البرجوازية الصناعية تستأصل جذور المجتمع الإقطاعي المادية وتمهد التربة التي يمكن عليها وحدها قيام الثورة البروليتارية. إن الصناعة الفرنسية هي الأكثر تطورًا في القارة كلها، والبرجوازية الفرنسية هي الأكثر ثورية. ولكن، ألم تكن ثورة شباط موجهة مباشرة، يا ترى، ضد الأريستقراطية المالية؟ إن هذا الواقع قد بين أن البرجوازية الصناعية لم تكن سائدة في فرنسا. فلا يمكن أن تقوم سيادة البرجوازية الصناعية إلا حيث حولت الصناعة العصرية جميع علاقات الملكية على هواها؛ ولكنه لا يمكنها أن تبلغ هذه الدرجة من الجبروت إلا متى ظفرت بالسوق العالمي، لأن الحدود الوطنية لا تكفي لأجل تطورها. أما الصناعة الفرنسية، فإنها لا تحتفظ لنفسها بالسوق الداخلي بدرجة معينة إلا بفضل نظام من الرسوم المانعة معدل إلى هذا الحد أو ذاك. ولهذا، إذا كانت البروليتاريا الفرنسية تملك في باريس في زمن الثورة قوة فعلية ونفوذًا فعليًا يدفعانها إلى أبعد مما يتناسب مع وسائلها، فإنها في بقية فرنسا غير متمركزة إلا في بعض المراكز الصناعية المتفرقة، ضائعة تقريبًا في الأغلبية الساحقة من الفلاحين والبرجوازية الصغيرة. إن النضال ضد الرأسمال، بشكله العصري، بطوره الأعلى، نضال العامل المأجور الصناعي ضد البرجوازي الصناعي هو في فرنسا واقع جزئي. وبعد أيام شباط، كان بوسعه، أقل من ذي قبل، أن يكون بمثابة مضمون قومي للثورة خصوصًا وأن النضال ضد أساليب الاستثمار الرأسمالي الثانوية – نضال الفلاح ضد الربا والرهن العقاري، نضال البرجوازي الصغير ضد التاجر الكبير والمصرفي الكبير والصناعي الكبير، وبكلمة، ضد الإفلاس، – كان لا يزال مخفيًا تحت غلاف الانتفاضة العامة ضد الأريستقراطية المالية. ولهذا لا غرابة إذا كانت بروليتاريا باريس قد حاولت أن تزود عن مصالحها جنبًا إلى جنب مع المصالح البرجوازية، عوضًا عن تقديمها بوصفها المصلحة الثورية للمجتمع نفسه؛ ولا غرابة إذا كانت قد نكست الراية الحمراء أمام الراية المثلثة الألوان ([10]). ولم يكن بوسع العمال الفرنسيين أن يسيروا أي خطوة إلى الأمام، ولم يكن بوسعهم أن يمسوا وأن شعرة واحدة من الصرح البرجوازي، طالما لم يستنهض مجرى الثورة ضده، ضد سيادة الرأسمال، جمهور الأمة الواقف بين البروليتاريا والبرجوازية، جمهور الفلاحين وصغار البرجوازيين، طالما لم يجبرهم على الانضمام إلى البروليتاريا، والاعتراف بها مناضلهم الطليعي. ولم يستطع العمال أن يشتروا هذا النصر إلا بثمن هزيمة تموز الرهيبة.
وأنه لتبقى للجنة اللوكسمبورغ، لصنيعة عمال باريس هذه، مأثرة مفادها أنها كشفت من على منبر أوروبا سر ثورة القرن العشرين، ألا وهو تحرير البروليتاريا. لقد احمر وجه „Moniteur“([11]) عندما اضطرت إلى الترويج رسميًا “للهذيانات الوحشية” التي كانت حتى ذاك مدفونة في تأليف الاشتراكيين المشكوك في صحتها والتي لم تكن تصل إلى مسامع البرجوازية إلا بين الفينة والفينة بصورة أساطير ما، بعيدة، رهيبة نصفيًا، مضحكة نصفيًا. وإذا أوروبا المندهشة تستيقظ فجأة من نعاسها البرجوازي. وهكذا إذن، أزيلت سيادة البرجوازية، عند تأسيس الجمهورية، من تصورات البروليتارييين الذين كانوا يخلطون بين الأريستقراطية المالية وبين البرجوازية على العموم؛ ومن خيال السذج الجمهوريين الذين كانوا ينكرون وجود الطبقات ذاته أو كانوا يعتبرونها، في أحسن الأحوال، عاقبة للملكية الدستورية؛ ومن الجمل والتعابير المنافقة لتلك الفئات من البرجوازية التي كانت قد أقصيت حتى ذاك عن الحكم. وفي ذلك الحين، تحول الملكيون جميعهم إلى جمهوريين، وأصحاب الملايين الباريسيون جميعهم إلى عمال. وكانت fraternité– التآخي العام والأخوة الشاملة – الكلمة المناسبة لهذا القضاء الخيالي على العلاقات الطبقية. هذا الانصراف الرغيد عن التناقضات الطبقية، هذا التوفيق العاطفي بين المصالح الطبقية المتضادة، هذا التحويم الخيالي فوق النضال الطبقي، وبكلمة، هذه الأخوة، – ذلك ما كان شعار ثورة شباط الحقيقي. كل ما في الأمر، أن سوء فهم بسيط قد قسم المجتمع إلى طبقات؛ وفي 24 شباط، نعت لامارتين الحكومة المؤقتة بأنها “حكومة تضع حدًا لسوء الفهم الرهيب القائم بين مختلف الطبقات”. فانتشت بروليتاريا باريس بهذه النفحة السمحاء من الأخوة العامة.
أما الحكومة المؤقتة التي اضطرت إلى إعلان الجمهورية، فقد بذلت، من جهتها، قصارى جهدها لتجعل الجمهورية مقبولة بالنسبة للبرجوازية والأقاليم. فقد تنكرت للفظائع الدموية المقترفة في عهد الجمهورية الفرنسية الأولى ([12]) بإلغائها عقوبة الإعدام عن الجرائم السياسية؛ وكان من الممكن الذود في الصحافة عن جميع النظرات بكل حرية؛ وبقي الجيش والقضاء والإدارة، سوى بعض الاستثناءات، في أيدي الموظفين القدامى؛ ولم يحل إلى المحاكمة أي من كبار مجرمي ملكية تموز. وتعلل الجمهوريون البرجوازيون من جماعة „National“ بكونهم قد استعاضوا عن الأسماء والألبسة الملكية بالأسماء والألبسة الجمهورية القديمة. فإن الجمهورية لم تكن بالنسبة لهم غير حلة جديدة لحفلة راقصة من أجل المجتمع البرجوازي القديم. واعتبرت الجمهورية الفتية أن مأثرتها الرئيسية تقوم، لا في تخويف أي كان، بل، بالعكس، في تخويف نفسها بالأحرى، والذود عن وجودها ونزع سلاح العداء باللطف والليونة وعدم المقاومة. وأعلنت بطبل وزمر عن مسالمتها للطبقات المميزة داخل البلد وللدول الاستبدادية في الخارج. عش ودع الآخرين يعيشون – ذلك كان شعارها. وفي ذلك الوقت على وجه الضبط، بعد ثورة شباط على الفور، ثار الألمان والبولونيون والنمساويون والمجريون والإيطاليون – كل شعب وفقًا لظروف وضعه الخاصة. ولم تكن روسيا وبريطانيا على استعداد للتدخل، – فالأخيرة كانت هي نفسها قد شملت الحركة، وكانت الأولى تخاف من هذه الحركة. ولهذا لم تلق الجمهورية في طريقها أي عدو قومي. وهذا يعني أنه لم تقم هناك تعقيدات خارجية كبيرة من شأنها أن تلهب العزيمة، وتعجل العملية الثورية، وتدفع الحكومة المؤقتة إلى الأمام أو تلقي بها إلى البحر. أن بروليتاريا باريس، التي رأت في الجمهورية وليدها، قد رحبت، طبعًا، بكل خطوة من الحكومة المؤقتة تساعد هذه الحكومة في توطيد مكانتها في المجتمع البرجوازي. وبطيبة خاطر قدمت لكوسيديير خدمات بوليسية لحماية الملكية في باريس وعهدت إلى لويس بلان بامر فض الخلافات بين العمال وأرباب العمل حول الأجور. وكانت ترى من الشرف لها أن تبقى شرف الجمهورية البرجوازي في عيون أوروبا نقيا لا تشوبه شائبة.
ولم تلق الجمهورية أي مقاومة لا من الخارج ولا من الداخل. وهذا ما نزع سلاحها. وعليه غدت مهمتها، لا تحويل العالم بالسبيل الثوري، بل مجرد تكييف نفسها لأوضاع المجتمع البرجوازي. أما بأي تعصب عكفت الحكومة المؤقتة على أداء هذه المهمة، فإن إجراءاتها المالية هي خير ما يبين ذلك.
كان تسليف الدولة والتسليف الخاص متخلخلين بالطبع. فإن تسليف الدولة يرتكز على الثقة بأن الدولة تدع الماليين – المرابين يستثمرونها. ولكن الدولة القديمة سقطت، وكانت الثورة موجهة قبل كل شيء ضد الأريستقراطية المالية. وكانت تشنجات الأزمة التجارية الأوروبية الأخيرة لم تتوقف بعد. وكانت الإفلاسات لا تزال تتعاقب الواحد تلو الآخر.
إذن، كان التسليف الخاص مشلولاً، والدورة التجارية معسرة، والإنتاج مقوضًا قبل انفجار ثورة شباط. وجاءت الأزمة الثورية تقوي الأزمة التجارية. فإن التسليف الخاص يرتكز على الثقة بأن مجمل علاقات الإنتاج البرجوازي كله، بأن النظام البرجوازي كله يبقى سليمًا مصونًا؛ فكيف كان يجب أن تؤثر فيه ثورة كانت تتهدد أساس الإنتاج البرجوازي ذاته، أي عبودية البروليتاريا الاقتصادية، – ثورة كانت قد عارضت البورصة بأبي الهول في اللوكسمبورغ؟ إن تحرير البروليتاريا يعني القضاء على التسليف البرجوازي لأنه يعني القضاء على الإنتاج البرجوازي والنظام البرجوازي. والحال، أن تسليف الدولة والتسليف الخاص، إنما هما ميزان الحرارة الاقتصادي الذي يشير إلى شدة الثورة. فبقدر ما يهبط التسليف، بقدر ما ترتفع حرارة الثورة وتتنامى قوتها الخلاقة.
لقد أرادت الحكومة المؤقتة أن تكشف عن وجه الجمهورية قناع العداء للبرجوازية. ولهذا الغرض كان ينبغي قبل كل شيء أن تؤمن لشكل الدولة الجديد قيمة تبادلية، سعرًا في البورصة. ومع تسعير الجمهورية في البورصة، كان لا بد بالضرورة أن يرتفع التسليف الخاص من جديد.
ولتبديد أدنى شك بأن الجمهورية لا تريد أو لا تستطيع أداء الالتزامات التي أخذتها إرثًا عن الملكية، ولبعث الثقة في إيفائية الجمهورية وفي نزاهتها البرجوازية، لجأت الحكومة المؤقتة إلى تبجح غير لائق بقدر ما هو صبياني. فقد دفعت قبل الموعد القانوني لدائني الدولة فوائد الأوراق المالية ذات القيمة 5 و4.5 و4 بالمئة. ولقد استعاد الرأسماليون في الحال كل ثقتهم البرجوازية بالنفس وكل زهوهم البرجوازي بالنفس عندما رأوا بأي تسرع وجبن يجهدون لشراء ثقتهم.
يقينًا أن المصاعب المالية التي تواجهها الحكومة المؤقتة لم تقل من جراء هذه النزوة المسرحية التي أفقدتها احتياطيها من النقد السائل. ولم يبق من الممكن إخفاء العوز النقدي زمنًا أطول، فاضطرت البرجوازية الصغيرة والخادمات والعمال إلى أن يسددوا من جيوبهم ثمن المفاجأة الطيبة التي فوجئ بها دائنو الدولة.
وقد أعلنت الحكومة أن صناديق الادخار لن تدفع بعد الآن بموجب الدفاتر من النقود مبلغًا يربو على 100 فرنك. فقد صودرت المبالغ المودعة في صناديق الادخار، وحولت بمرسوم من الحكومة إلى دين على الدولة لا يترتب تسديده. الأمر الذي أثار على الجمهورية حقد البرجوازية الصغيرة التي تتخبط، فضلاً عن ذلك، في وضع حرج. وإذا بها، وقد تلقت سندات دين على الدولة عوضًا عن دفاتر الادخار، تضطر إلى بيع هذه السندات في البورصة، وتسليم نفسها على هذا النحو لكبار مرابي البورصة الذين كانت ثورة شباط موجهة ضدهم.
كان المصرف (البنك) هيكل الأريستقراطية المالية التي كانت سائدة في ملكية تموز. وكما تقبض البورصة في يدها على قرض الدولة، كذلك المصرف يسير التسليف التجاري.
إن ثورة شباط لم تهدد سيادة المصرف وحسب، بل هددت كذلك وجوده بالذات؛ ولهذا حاول بادئ ذي بدء أن يشوه سمعة الجمهورية، بجعله العجز عن التسليف ظاهرة عامة. فقد توقف فجأة عن تسليف المصرفيين والصناعيين والتجار. إن هذه المناورة لم تستتبع على الفور ثورة مضادة، ولكنها أنزلت حتمًا ضربة بالمصرف نفسه. فقد استرجع الرأسماليون نقودهم المحفوظة في أقبية المصرف. واندفع مالكو البنكنوت (البنكنوت – الورقة المصرفية. الورقة النقدية) إلى صندوق المصرف ليبادلوها بالذهب والفضة.
وكان بمقدور الحكومة أن تكره المصرف على الإفلاس، بصورة شرعية تمامًا، ودون التدخل بالعنف، ولهذا الغرض، كان حسبها أن تبقى مكتوفة اليدين وتدع المصرف وشأنه. أن إفلاس المصرف كان من شأنه أن يكون بمثابة طوفان يطهر في لحظة واحدة التربة الفرنسية من الأريستقراطية المالية، من هذه القاعدة الذهبية لملكية تموز، من هذا العدو الأقوى والأخطر للجمهورية. ولو أفلس المصرف، لتعين على البرجوازية نفسها أن تقف من تأسيس الحكومة للمصرف الوطني ومن إخضاع التسليف الوطني لمراقبة الأمة موقفها من آخر محاولة يائسة للخلاص.
ولكن، عوضًا عن هذا، أقرت الحكومة المؤقتة سعرًا إلزاميًا للبنكنوت. وفضلاً عن ذلك، حولت جميع المصارف الإقليمية إلى فروع لمصرف فرنسا، وأتاحت له بالتالي مد شبكته في عموم فرنسا. وفيما بعد، أخذت قرضًا من المصرف، ورهنت له غابات الدولة على سبيل الضمانة. وهكذا وطدت ثورة شباط ووسعت مباشرة نفس تلك البنكوقراطية (البنكوقراطية – سلطة أو حكم المصرف) التي كان ينبغي عليها الإطاحة بها.
ولكن الحكومة المؤقتة كانت تنوء أكثر فأكثر تحت عبء العجز المتفاقم. وعبثًا الحت في السؤال، مستعطفة التضحيات الوطنية. العمال وحدهم رماو لها بصدقة. فكان لا بد من اللجوء إلى وسيلة بطولية – إلى فرض ضريبة جديدة. ولكن على من يفرضون الضريبة؟ على ذئاب البورصة وملوك المصارف، ودائني الدولة وأصحاب الريع، والصناعيين؟ ولكنه لم يكن من الممكن على هذا النحو استمالة البرجوازية إلى الجمهورية. وكان هذا يعني تقويض تسليف الدولة والتسليف التجاري بيد، وتحميله تضحيات مذلة باليد الأخرى. ولكنه كان لا بد من أن يفتح أحد صرته. فمن ذا الذي ضحى به على مذبح التسليف البرجوازي؟ Jacques le bonhomme([13]) ، الفلاح.
فقد أقرت الحكومة المؤقتة ضريبة إضافية على جميع الضرائب المباشرة الأربع مقدارها 45 سنتيما لكل فرنك. وكذبت الصحافة الحكومية على بروليتاريا باريس زاعمة أن هذه الضريبة تقع بصورة رئيسية على الملكية الكبيرة للأرض، على أصحاب المليار الذين أنعم عليهم به عهد العودة ([14]). أما في الواقع، فقد أصابت الضريبة في المقام الأول الفلاحين أي الأغلبية الساحقة من الشعب الفرنسي. واضطر الفلاحون إلى تحمل نفقات ثورة شباط، – ولذا شكلوا جيش الثورة المضادة الرئيسي. كانت الضريبة الجديدة من 45 سنتيما قضية حياة بالنسبة للفلاح الفرنسي، فجعل منها بدوره قضية حياة أو موت بالنسبة للجمهورية. ومذ ذاك أخذت ضريبة “45 سنتيما الإضافية تجسد الجمهورية في عيني الفلاح الفرنسي، بينما أخذت بروليتاريا باريس تبدو له مبذرا يتنعم على حسابه.
وبينما بدأت ثورة 1789 بتحرير الفلاحين من عبء الإتاوات الإقطاعية، كان أول عمل قامت به ثورة 1848 فرض ضريبة جديدة على سكان الريف لكي لا تلحق ضررًا بالرأسمال ولكي تؤمن سير آلة دولته.
ولم يكن بوسع الحكومة المؤقتة أن تزيل جميع هذه المصاعب وتحرف الدولة عن مجراها القديم إلا بطريقة واحدة فقط، وأعني بها إعلان إفلاس الدولة. إن الجميع يتذكرون كيف تشدق ليدرو – رولان فيما بعد أمام الجمعية الوطنية بأنه رفض بغضب فاضل اقتراحًا من هذا القبيل تقدم به صقر البورصة، المرابي فولد، وزير المالية الفرنسية حاليًا. إلا أن فولد عرض عليه تفاحة من شجرة المعرفة القديمة.
وبما أن الحكومة المؤقتة اعترفت بالكمبيالات التي حررها المجتمع البرجوازي القديم على الدولة، فقد وقعت تحت تأثيره. ولقد وقعت في وضع مدين متورط للمجتمع البرجوازي، بدلاً من أن تظهر بالنسبة إليه في دور دائن رهيب يسترد ديونه الثورية القديمة. كان ينبغي عليها أن توطد العلاقات البرجوازية المتزعزعة لكي تؤدي الالتزامات التي لا يمكن أداؤها إلا في إطار هذه العلاقات. وأصبح التسليف شرطًا ضروريًا لوجودها، بينما غدت التنازلات في صالح البروليتاريا والوعود المغدقة عليها قيودًا كان ينبغي تحطيمها مهما كلف الأمر. أن تحرير العمال – وحتى جملة واحدة في هذا الصدد – صار بالنسبة للجمهورية الجديدة خطرًا لا يطاق، لأن هذا المطلب كان احتجاجًا دائمًا على بعث التسليف الذي يرتكز على الاعتراف الوطيد الراسخ بالعلاقات الطبقية الاقتصادية القائمة. ولهذا كان ينبغي تحطيم العمال.
كانت ثورة شباط قد طردت الجيش من باريس. وكان الحرس الوطني أي البرجوازية على اختلاف فئاتها، يشكل القوة الحربية الوحيدة، ولكنه لم يكن يشعر بأن على ما يكفي من القوة للتغلب على البروليتاريا. ناهيك بأنه اضطر، وأن بعد مقاومة بالغة العناد، وأن بعد مئات العوائق من كل شاكلة وطراز، لأن يفسح المجال، شيئًا فشيئًا، أمام البروليتاريين المسلحين للانضمام إلى صفوفه. وعليه، لم يبق غير مخرج واحد هو استعداء قسم من البروليتاريين على قسم آخر.
ولهذا الغرض شكلت الحكومة المؤقتة 24 كتيبة من الحرس المتنقل من شبان تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والعشرين، كل كتيبة من ألف شخص. وكان هؤلاء بمعظمهم من حثالة البروليتاريا الموجودة في جميع المدن الكبيرة والتي تختلف اختلافًا بينًا عن البروليتاريا الصناعية. فإن هذه الفئة التي تقدم اللصوص والمجرمين من كل نوع تتأليف من عناصر تعيش من فتائت مائدة المجتمع، من أناس ليست لديهم مهن معينة، من أفاقين – gens sans feu et sans aveu؛ وهم يتميزون بعضهم عن بعض تبعًا للمستوى الثقافي للأمة التي ينتسبون إليها، ولكنهم يحتفظون في كل مكان وزمان بسمات اللاتساروني المميزة ([15]). وفي تلك السن التي جندتهم فيها الحكومة المؤقتة، سن الفتوة، كانوا متقلقلين للغاية، فكان بمقدورهم الإقدام على أعظم ضروب البطولة والتفاني، وكذلك على أحط أعمال النهب واللصوصية وعلى أقذر عمليات الارتشاء وبيع الذات. وقد دفعت الحكومة المؤقتة لهم في اليوم الواحد فرنكًا واحدًا و50 سنتيما أي أنها اشترتهم. وألبستهم معطفًا عسكريًا خاصًا، أي أنها فرقتهم من حيث الهيئة الخارجية عن ذوي القمصان الفضفاضة ([16]). أما الآمرون، فإما أعطوهم إياهم جزئيًا من ضباط القوات النظامية، وأما اختاروهم بأنفسهم جزئيًا من بين الشبان البرجوازيين المدللين الذين أسروهم بالكلمات المدوية عن الموت في سبيل الوطن وعن الإخلاص للجمهورية.
وعليه، كان يقف ضد بروليتاريا باريس جيش منتخب من بينها ومؤلف من 24 ألفًا من الشبان الأقوياء المستقتلين. وقد حيت البروليتاريا الحرس المتنقل في شوارع باريس بالهتافات المدوية “هورا”. فقد رأت فيه مناضليها الطليعيين على المتاريس. واعتبرته حرسًا بروليتاريًا تمييزًا له عن الحرس الوطني البرجوازي. وكانت غلطتها غلطة لا تغتفر.
وإلى جانب الحرس المتنقل، قررت الحكومة أن تجمع حولها كذلك جيشًا من عمال الصناعة. فقد وظف الوزير ماري مائة ألف عامل كان مرمى بهم إلى الشارع من جراء الأزمة والثورة، فيما يسمى بالمشاغل الوطنية. ووراء هذا الاسم المدوي، كان يكمن أمر واحد فقط، هو استخدام العمال في أعمال حفر وردم مملة، رتيبة، غير منتجة، بأجر قدره 23 فلسًا. “بيوت عمل”([17]) إنجليزية في الهواء الطلق – هذا ما كانته هذه المشاغل الوطنية. وقد ظنت الحكومة المؤقتة أنها وجدت فيها جيشًا بروليتاريًا ثانيًا ضد العمال أنفسهم. ولكن البرجوازية أخطأت هذه المرة بصدد المشاغل الوطنية مثلما أخطأ العمال في الحرس المتنقل. فقد أنشأت جيشًا للفتنة.
ولكن هدفًا واحدًا قد تحقق.
المشاغل الوطنية – هكذا كانت تسمى المشاغل الشعبية التي بشر بها لويس بلان في اللوكسمبورغ. أما مشاغل ماري، فقد أنشئت حسب خطة معارضة تمامًا لخطة اللوكسمبورغ، ولكنها فسحت المجال، بفضل وحدة الاسم، لكبة من الأخطاء جديرة بكوميديا أسبانية حافلة بحيل الخدم وشيطناتهم. بل أن الحكومة المؤقتة نفسها نشرت سرًا إشاعة مفادها أن هذه المشاغل الوطنية هي من اختراع لويس بلان، وقد بدت هذه الإضاعة قابلة للتصديق خصوصًا وأن لويس بلان، بشير المشاغل الوطنية، كان عضوًا في الحكومة المؤقتة. وقد كانت بيوت العمل هذه، بالنسبة للبرجوازية الباريسية التي خلطت الأمرين جزئيًا عن سذاجة وجزئيًا عن قصد وعمد، وبالنسبة للرأي العام في فرنسا وأوروبا المطبوخ بمهارة، أول خطوة نحو تحقيق الاشتراكية، الأمر الذي جعل الاشتراكية موضع تشهير وتجريح.
لقد كانت المشاغل الوطنية باسمها، إن لم يكن بمضمونها، صورة مجسدة لاحتجاج البروليتاريا على الصناعة البرجوازية والتسليف البرجوازي والجمهورية البرجوازية. فانصب عليها كل حقد البرجوازية؛ فقد رأت فيها تلك النقطة التي يمكنها أن توجه إليها ضربتها، ما أن تبلغ من القوة ما يكفي لكي تقطع على المكشوف كل صلة بأوهام شباط. كذلك وجه البرجوازيون الصغار كل استيائهم، كل كدرهم ضد المشاغل الوطنية التي غدت هدفًا مشتركًا. وقد حسبوا، وهم يصرون بأسنانهم، مبالغ النقود التي ابتلعها العمال الطفيليون، بينما كان وضعهم هم يغدو يومًا بعد يوم أشد فأشد إرهاقًا. وشرعوا يقولون في أنفسهم بدمدمة وتذمر: معاش الدولة مقابل التظاهر بالعمل، تلك هي الاشتراكية! ورأوا في المشاغل الوطنية وفي بيانات اللوكسمبورغ، وفي مظاهرات عمال باريس في الشوارع سبب حالتهم البائسة. وما من أحد كان يستشيط غضبًا من دسائس الشيوعيين الموهومة مثل البرجوازي الصغير الواقف على شفير الإفلاس، دون أي أمل في الخلاص.
وهكذا كانت جميع الأفضليات، جميع المواقع الفائقة الأهمية، جميع فئات المجتمع المتوسطة في يد البرجوازية في الاشتباك العتيد بين البرجوازية والبروليتاريا. وفي هذا الوقت بالذات، كانت موجات ثورة شباط تتدفق عاليًا فوق أوروبا، وكان كل بريد يحمل أنباء الثورة تارة من إيطاليا، وطورًا من ألمانيا، وحينًا من أقصى جنوب شرقي أوروبا، ويدعم الشعب في نشوته العاملة، ناقلاً إليه بلا انقطاع البراهين الجديدة على انتصاره الذي كانت ثماره قد أفلتت من يديه.
كان 17 آذار (مارس) و16 نيسان (إبريل) الاشتباكين الأولين في النضال الطبقي العظيم الذي كان يكمن في أحشاء الجمهورية البرجوازية.
ففي 17 آذار، تكشف وضع البروليتاريا ذو الوجهين، الذي لا يسمح بأي أعمال حازمة. فقد كان الهدف الأولي من مظاهرتها، إعادة الحكومة المؤقتة إلى سبيل الثورة، وإجبارها، عند الاقتضاء، على طرد الأعضاء البرجوازيين من قوامها، وتأجيل موعد الانتخابات إلى الجمعية الوطنية والحرس الوطني. ولكن البرجوازية، الممثلة في الحرس الوطني، نظمت في 16 آذار مظاهرة ضد الحكومة المؤقتة. وقد تحركت المظاهرة نحو دار البلدية هاتفة: “ليسقط ليدور – رولان!”. الأمر الذي أجبر الشعب على الهتاف في 17 آذار: “عاش ليدرو – رولان! عاشت الحكومة المؤقتة!” وللرد على البرجوازية، اضطر الشعب إلى الدفاع عن الجمهورية البرجوازية التي خيل إليه أنها في خطر. فعزز موقف الحكومة المؤقتة بدلاً من أن يخضعها لنفسه. وانتهى 17 آذار بمشهد ميلودرامي. صحيح أن بروليتاريا باريس قد عرضت مرة أخرى قوتها العملاقة، إلا أن هذا لم يفعل غير أن قوى البرجوازية – داخل الحكومة المؤقتة وخارجها – في عزمها على تحطيم البروليتاريا.
وكان 16 نيسان سوء فهم خلقته الحكومة المؤقتة بالتحالف مع البرجوازية. ففي ميدان مارس وفي ميدان سباق الخيل، تجمع عدد كبير من العمال للتباحث في الانتخابات المقبلة إلى هيئة الأركان العامة للحرس الوطني. وإذا إشاعة تنتشر فجأة بسرعة البرق في عموم باريس، من طرف إلى آخر، مفادها أن جموعًا مسلحة من العمال قد احتشدت في ميدان مارس برئاسة لويس بلان وبلانكي وكابيه وراسباي، بقصد السير إلى دار البلدية وإسقاط الحكومة المؤقتة وإعلان الحكومة الشيوعية. ويقرعون أجراس الاحتشاد العام، – وفيما بعد أخذ ليدرو – رولان وماراست ولامارتين يتنازعون فيما بينهم شرف هذه المبادرة، – وإذا 100000 رجل يقفون بعد ساعة تحت السلاح والحرس الوطني يحتل دار البلدية، والهتافات “ليسقط الشيوعيون! ليسقط لويس بلان وبلانكي وراسباي وكابيه!” تدوي في عموم باريس. وتتدفق على الحكومة المؤقتة وفود لا عد لها للأعراب عن إخلاصها وعن استعدادها لإنقاذ الوطن والمجتمع. وعندما ظهر العمال، أخيرًا، أمام دار البلدية لكي يسلموا الحكومة المؤقتة حاصل التبرعات النقدية الوطنية التي جرت في ميدان مارس، علموا، لما فيه دهشتهم، أن برجوازية باريس قد أحرزت للتو نصرًا على ظلهم في صراع موهوم محاط بأعظم إجراءات الاحتراس. ولقد كان الاعتداء الرهيب في 16 نيسان ذريعة لأجل إعادة الجيش إلى باريس، – الأمر الذي كان حقًا وفعلاً هدف كل هذه المهزلة الفظة، – ولأجل مظاهرات أنصار الاتحاد (أنصار تحويل فرنسا إلى اتحاد بين الأقاليم، إلى دولة اتحادية) الرجعية في الأقاليم.
وفي 4 أيار (مايو)، التأمت الجمعية الوطنية (هنا وفيما بعد، حتى الصفحة 101، يقصد بالجمعية الوطنية الجمعية التأسيسية „Constituante“ التي دامت من 4 أيار (مايو) 1848 إلى أيار 1849. الناشر) الناجمة عن الانتخابات العامة والمباشرة. إن حق الاقتراع العام لم يكن يملك تلك القوة السحرية التي نسبها إليه الجمهوريون من الطراز القديم. فإن هؤلاء كانوا يرون في عموم فرنسا أو على الأقل في أغلبية الفرنسيين “مواطنين” لهم مصالح واحدة، ونظرات واحدة، وإلخ.. وكان ذلك عندهم ضربًا من عبادة الشعب. ولكن الانتخابات أظهرت، عوضًا عن شعبهم المتخيل، الشعب الفعلي، أي ممثلي مختلف الطبقات التي ينقسم إليها. ونحن نعرف لماذا سار الفلاحون والبرجوازية الصغيرة في الانتخابات وراء البرجوازية ذات النزعة القتالية ووراء كبار ملاكي الأراضي المتحرقين إلى عهد العودة (عودة النظام الملكي الإقطاعي. الناشر). ولكن، إذا لم يكن حق الاقتراع العام تلك العصا السحرية التي كان يعتبره إياها الجمهوريون السذج، فإنه كان يتحلى بميزة أخرى، أعلى بما لا يقاس: فقد أطلق العنان للنضال الطبقي، وأجبر مختلف الفئات المتوسطة في المجتمع البرجوازي على التخلي بسرعة عن أوهامها وخيباتها؛ ورفع دفعة واحدة إلى قمة الدولة جميع فئات الطبقة الاستثمارية كاشفًا بالتالي عن وجوهها أقنعتها الكاذبة، في حين أن الملكية كانت قد شوهت بنصابها الانتخابي المالي سبعة فئات معينة من البرجوازية، وأتاحت للفئات الأخرى التخفي وراء الكواليس وإحاطة ذاتها بهالة المعارضة العامة.
في الجمعية الوطنية التأسيسية التي افتتحت في 4 أيار، كان يهيمن الجمهوريون البرجوازيون، الجمهوريون من جماعة „National“. وحتى الشرعيون والأورليانيون لم يتجاسروا في البدء على الظهور إلا بقناع النزعة الجمهورية البرجوازية. فباسم الجمهورية فقط، كان يمكن شن النضال ضد البروليتاريا.
من 4 أيار، لا من 25 شباط، ينبغي حساب بداية الجمهورية، أي الجمهورية المعترف بها من الشعب الفرنسي؛ فإن هذه الجمهورية ليست تلك الجمهورية التي فرضتها بروليتاريا باريس على الحكومة المؤقتة، وليست الجمهورية ذات المؤسسات الاجتماعية، ليست ذلك الحلم الذي تراءى أمام المقاتلين على المتاريس. إن الجمهورية الشرعية الوحيدة، الجمهورية التي نادت بها الجمعية الوطنية، لم تكن سلاحًا ثوريًا ضد النظام البرجوازي، بل كانت، بالعكس، إعادة لبنيانه السياسي توطد المجتمع البرجوازي سياسيًا من جديد، – أي أنها كانت، بالاختصار، جمهورية برجوازية. وهذا التأكيد دوى من على منبر الجمعية الوطنية، وتردد صداه في كل الصحافة البرجوازية، الجمهورية منها والمعادية للجمهورية.
ولقد رأينا أن جمهورية شباط لم تكن بالفعل ولم يكن من الممكن أن تكون إلا جمهورية برجوازية، وأن الحكومة المؤقتة اضطرت، تحت ضغط البروليتاريا المباشر، إلى إعلانها جمهورية ذات مؤسسات اجتماعية؛ وأن بروليتاريا باريس لم تكن بعد قادرة على الخروج من إطار الجمهورية البرجوازية إلا في أحلامها، في الخيال، – وأنها كانت في الواقع تخدمها في كل مكان بكل نشاطها؛ وأن الوعود التي أغدقت عليها صارت خطرًا لا يطاق على الجمهورية الجديدة، وأن كل وجود الحكومة المؤقتة اقتصر على النضال المتواصل ضد مطالب البروليتاريا.
وفي شخص الجمعية الوطنية كانت فرنسا كلها قاضية بروليتاريا باريس. ولقد بددت الجمعية على الفور جميع الأوهام الاجتماعية لثورة شباط ونادت على المكشوف بالجمهورية البرجوازية، والجمهورية البرجوازية فقط. واستعجلت إلى فصل ممثلي البروليتاريا، لويس بلان وألبر، من اللجنة التنفيذية المنتخبة من قبلها ([18])؛ ورفضت الاقتراح القائل بإنشاء وزارة خاصة للعمل وقابلت بالاستحسان العاصف كلمات الوزير تريلا: “إن المقصود الآن واحد فقط، وهو إعادة العمل إلى ظروفه السابقة”.
ولكن كل هذا لم يكن كافيًا. فإن جمهورية شباط قد ظفر بها العمال بتأييد البرجوازية الضمني. وعن حق وصواب، اعتبر البروليتاريون أنفسهم المنتصرين في نضال شباط وتقدموا بمطالب المنتصر المتعالية. فكان لا بد من التغلب عليهم في قتال الشوارع، كان لا بد من تقديم البرهان لهم على أنهم سيمنون بالهزيمة حين يقاتلون ضد البرجوازية، لا بالتحالف معها. ففي حينه، اقتضى الحال، لأجل إنشاء جمهورية شباط مع تنازلاتها للاشتراكية، معركة البروليتاريا، المتحدة مع البرجوازية، ضد الملكية؛ أما الآن، فقد كان الحال يقتضي معركة جديدة لأجل تحرير الجمهورية من التنازلات التي أجرتها في صالح الاشتراكية، لأجل توطيد سيادة الجمهورية البرجوازية رسميًا. كان ينبغي على البرجوازية أن ترفض، بقوة السلاح، مطالب البروليتاريا. إن هزيمة حزيران، وليس انتصار شباط، هي التي كانت مهد الجمهورية البرجوازية الحقيقي.
وقد عجلت البروليتاريا النهاية باقتحامها الجمعية الوطنية في 15 أيار، وبقيامها بمحاولة فاشلة لاستعادة نفوذها الثوري السابق، – ولكنها لم تبلغ غير أمر واحد، هو وقوع زعمائها الحازمين في أيدي سجاني البرجوازية ([19]). Il faut en finir! يجب وضع حد لهذا! في هذا الهتاف، تجلى عزم الجمعية الوطنية الراسخ على إجبار البروليتاريا على دخول المعركة الحاسمة. فأصدرت اللجنة التنفيذية جملة من المراسيم المتحدية، كالمرسوم بمنع التجمعات الشعبية، مثلاً، وإلخ.. ومن على منبر الجمعية الوطنية التأسيسية، تعالت التحديات السافرة والشتائم والسخريات الموجهة إلى العمال. ولكن المشاغل الوطنية هي التي كانت، كما رأينا، الموقع الرئيسي لأجل الهجوم. وعليها دلت الجمعية التأسيسية، بلهجة آمرة، اللجنة التنفيذية التي كانت تنتظر وحسب أن تصادق الجمعية الوطنية بصيغة الأمر على خطتها بالذات.
بدأت اللجنة التنفيذية بأن صعبت الدخول إلى المشاغل الوطنية، وأحلت الأجرة بالقطعة محل الأجرة باليوم، وأبعدت جميع العمال من غير مواليد باريس إلى سولون بحجة أعمال الحفر والتتريب الجارية هناك. إلا أن هذه العمال، – كما أعلن العمال، الذين عادوا من هناك خائبي المل، لرفاقهم، – كانت مجرد صيغة بيانية ينبغي لها أن تلطف طردهم. وأخيرًا، في 21 حزيران (يونيو)، صدر في „Moniteur“ مرسوم يأمر بطرد جميع العمال العازبين من المشاغل الوطنية بالقوة أو بتجنيدهم في الجيش.
ولم يكن لدى العمال مجال للاختيار: كان ينبغي عليهم أما أن يموتوا جوعًا، وأما أن يشرعوا بالنضال. وقد ردوا في 22 حزيران بانتفاضة جلية – هي أول معركة كبيرة بين الطبقتين اللتين ينقسم إليهما المجتمع الحديث. كان ذلك نضالاً من أجل بقاء أو فناء النظام البرجوازي. وتمزق اللحاف الذي كانت تلتحف به الجمهورية.
ومعلوم بأي شجاعة لا نظير لها وبأي نبوغ صمد العمال، طوال خمسة أيام، دون أن يكون لهم زعماء، دون أن تكون لهم خطة عامة للعمل، دون أن تكون لهم الأموال بله الأسلحة في معظم الأحوال، في وجه الجيش والحرس المتنقل، والحرس الوطني الباريسي، ورجال الحرس الوطني القادمين من الأقاليم. ومعلوم أن البرجوازية قد انتقمت للخوف المميت الذي كابدته بأعمال وحشية لم يسمع بمثلها من قبل، وذبحت أكثر من 3000 أسير.
ولقد كان ممثلو الديمقراطية الفرنسية الرسميون متأثرين بالأيديولوجية الجمهورية إلى حد أنهم لم يشرعوا في استشفاف أهمية معركة حزيران إلا بعد مرور بضعة أسابيع عليها. فكأنما قد أعمى أبصارهم دخان البارود الذي تبددت فيه جمهوريتهم الغريبة الخيالية.
وأن القارئ ليسمح لنا بأن ننقل بأقوال “الجريدة الرينانية الجديدة” الانطباع المباشر الذي أحدثته هزيمة حزيران في نفوسنا:
“لقد تلاشت البقية الرسمية الأخيرة من ثورة شباط – اللجنة التنفيذية – كالشبح، أمام جدية الحدث؛ وألعاب لامارتين النارية تحولت إلى قصف مدافع كافينياك. وهكذا هو fraternité، إخاء الطبقتين المتضادتين اللتين تستثمر إحداهما الأخرى، هذا الإخاء المبشر به في شباط، المكتوب بأحرف ضخمة على جبين باريس، على كل سجن، على كل ثكنة. تعبيره الحقيقي، غير المقلد، العادي إنما هو الحرب الأهلية، الحرب الأهلية بكل منظرها الرهيب، – الحرب بين العمل والرأسمال. إن هذا الإخاء قد توهج أمام جميع نوافذ باريس في مساء الخامس والعشرين من حزيران، عندما أقامت باريس البرجوازية زينة من الأنوار بينما كانت باريس البروليتاريا تحترق في النار، وتطلق الأنين، وتنزف دمًا. ولم يستمر الإخاء إلا حيث كانت مصالح البرجوازية تتطابق مع مصالح البروليتاريا.
إن متحذلقي التقاليد الثورية القديمة من عام 1793، العقائديين الاشتراكيين، الذين طلبوا الرحمة للشعب من البرجوازية، والذين كان يجوز لهم إلقاء المواعظ الطويلة وتشويه سمعتهم بأنفسهم، إلى أن يفلحوا في هدهدة الأسد البروليتاري؛ والجمهوريين الذين يحرصون على النظام البرجوازي القديم كله ولكن بدون رأس متوج؛ والمعارضين الأسريين الذين حملت لهم الصدفة انهيار الأسرة عوضًا عن تغيير الوزارة؛ والشرعيين الذين يجهدون لكي لا يخلعوا بزتهم المميزة، بل لتغيير تفصيلها فقط، – هؤلاء كانوا الحلفاء الذين قام الشعب معهم بشباطه…
إن ثورة شباط كانت ثورة جميلة، ثورة العواطف العامة، لأن التناقضات التي تكشفت فيها بسطوع ضد السلطة الملكية، كانت لا تزال تغفو بأمان، جنبًا إلى جنب بشكل غير متطور، لأن النضال الاجتماعي الذي يشكل خلفيتها كان لا يزال يعيش عيشة الأشباح، عيشة الأقوال والكلمات أما ثورة حزيران، فهي، على العكس، ثورة كريهة، منفرة، لأن الفعل حل محل القول، لأن الجمهورية كشفت رأس المسخ نفسه، بخلعها عنه التاج الذي يقنعه ويخفيه. النظام! – هكذا كانت صيحة غيزو الحربية. الناظم! صاح سيباستياني، نصير غيزو، عندما استولى الروس على فرصوفيا. النظام! يصيح كافينياك، هذا الصدى الفظ للجمعية الوطنية الفرنسية والبرجوازية الجمهورية. النظام! – لعلع رصاصه ممزقًا جسد البروليتاريا. ما من ثورة من الثورات العديدة التي قامت بها البرجوازية الفرنسية منذ 1789 كانت تطاولاً على النظام، لأن جميع هذه الثورات لم تمس البتة السيادة الطبقية وعبودية العمال والنظام البرجوازي، وإن كان تغير أحيانًا كثيرة الشكل السياسي لهذه السيادة وهذه العبودية. ولكن حزيران تطاول على هذا النظام. فالويل لحزيران!” (“الجرية الرينانية الجديدة”، 29 حزيران (يونيو) 1848).
الويل لحزيران! – يردد الصدى الأوروبي.
لقد أجبرت البرجوازية بروليتاريا باريس على القيام بانتفاضة حزيران. وأن هذا الظرف بحد ذاته قد حكم عليها مسبقًا بالإخفاق. وليست الحاجة المباشرة، الواعية هي التي دفعت البروليتاريا إلى هذه المحاولة لقلب البرجوازية بالعنف؛ ناهيك بأنه لم يكن بعد بمقدورها أن تنفذ هذه المهمة. وكان لا بد أن تعلن لها „Moniteur“ رسميًا أنه انقضى ذلك الزمن الذي كانت الجمهورية فيه بحاجة إلى المراوغة أمام أوهامها؛ والهزيمة وحدها هي التي كشفت لها هذه الحقيقة، وهي أن أقل تحسن في وضعها في إطار الجمهورية البرجوازية يبقى طوبوية وأن هذه الطوبوية تمسي جريمة لدن أول محاولة لتحقيقها. وآنذاك، عوضًا عن المطالب التي شاءت البروليتاريا أن تجبر جمهورية شباط على تلبيتها، المطالب المفرطة من حيث الشكل، ولكن التافهة وحتى البرجوازية من حيث الجوهر، ظهر الشعار الثوري الجريء: إسقاط البرجوازية! ديكتاتورية الطبقة العاملة!
إن البروليتاريا، إذ حولت قبرها إلى مهد للجمهورية البرجوازية، أجبرتها في الوقت نفسه على الظهور بمظهرها الحقيقي، كدولة مهمتها المنشودة تخليد سيادة الرأسمال وعبودية العمل. وكان لا بد لسيادة البرجوازية، المحررة من جميع القيود، والتي ترى دائمًا أمام عينيها عدوًا مثخنًا بالندوب والجراح، لدودا، غير مقهور، غير مقهور، لأن وجوده حاجة حيوية للبرجوازية ذاتها، – أن تصبح على الفور إرهاب البرجوازية. وبعد أن غادرت البروليتاريا المسرح لفترة من الزمن، واعترف رسميًا بديكتاتورية البرجوازية، كان لا بد للفئات المتوسطة من المجتمع البرجوازي – البرجوازية الصغيرة والفلاحين – أن تأخذ بالانضمام إلى البروليتاريا بوثوق مشتد، بقدر ما كان وضعها يتردى والتناحر بينها وبين البرجوازية يتفاقم. وكما رأت من قبل سبب مصائبها في تزايد قوة البروليتاريا، كذلك كان لا بد لها أن تراه الآن في هزيمة البروليتاريا.
وإذا كانت انتفاضة حزيران عززت في كل مكان في القادة أدراك البرجوازية لوضعها وحملتها على الدخول في حلف سافر مع الملكية الإقطاعية ضد الشعب، فمن ذا الذي كان أول ضحية لهذا الحلف؟ البرجوازية القارية ذاتها. فإن هزيمة حزيران قد أعاقتها عن توطيد سيادتها وإبقاء الشعب راضيًا جزئيًا، خائب الأمل جزئيًا، في أسفل دركات الثورة البرجوازية.
وأخيرًا، كشفت هزيمة حزيران أمام الدول الاستبدادية في أوروبا هذا السر وهو أنه من الضروري لفرنسا أن تحافظ على السلام مع جاراتها مهما كلف الأمر، لكي يكون بمقدورها أن تخوض غمار الحرب الأهلية في أرضها بالذات. وقد وضع هذا في قبضة روسيا والنمسا وبروسيا شعوبًا شرعت تناضل في سبيل استقلالها الوطني، ولكن مصير هذه الثورات الوطنية صار في الوقت نفسه مرهونًا بمصير الثورة البروليتارية، وزال استقلالها الظاهري عن الانقلاب الاجتماعي العظيم. فلا المجريون، ولا البولونيون، ولا الإيطاليون سيصبحون أحرارًا ما دام العامل عبدًا!
وأخيرًا، غيرت انتصارات الحلف المقدس أوروبا إلى حد أن كل انتفاضة بروليتارية جديدة في فرنسا تستتبع حتمًا حربًا عالمية. إن الثورة الفرنسية الجديدة ستكون ملزمة بأن تتخطى على الفور النطاق الوطني وتظفر لنفسها بالحلبة الأوروبية التي لا يمكن أن تتحقق ثورة القرن التاسع عشر الاجتماعية إلا عليها.
وهكذا إذن، كانت هزيمة حزيران وحدها هي التي خلقت تلك الظروف التي تستطيع فرنسا في ظلها أن تأخذ زمام مبادرة الثورة الأوروبية. إن الرابطة المثلثة الألوان، إذ تغمست بدم عصاة حزيران، قد صارت راية الثورة الأوروبية – راية حمراء!
وإننا لنهتف: ماتت الثورة، عاشت الثورة!
([1]) المقصود هنا الثورة البرجوازية التي نشبت في فرنسا في تموز (يوليو) 1830 والتي أدت إلى الإطاحة بسلالة بوربون، وإلى ارتقاء سلالة أورليان سدة الحكم – ص 33.
([2]) صعد الدوق أورليان على العرش الفرنسي باسم لويس فيليب – ص 33.
([3]) في 5 و6 حزيران (يونيو) 1832، نشبت انتفاضة في باريس أعدها الجمهوريون اليساريون. وقد بني العمال الذين اشتركوا فيها جملة من المتاريس ودافعوا عن أنفسهم ببالغ الشجاعة والصلابة.
وانتفاضة العمال في مدينة ليون في نيسان (إبريل) 1834 هي من عداد أولى النضالات الجماهيرية التي قامت بها البروليتاريا الفرنسية. قمعت الانتفاضة بوحشية.
أما الانتفاضة التي نشبت في باريس في 12 أيار (مايو) 1839 فقد أعدتها الجمعية الجمهورية الاشتراكية السرية بقيادة بلانكي. وقد حطمتها القوات المسلحة والحرس الوطني – ص 33.
([4]) روبر ماكير – نموذج لرجل الأعمال المكار الحاذق خلقه الممثل الفرنسي الشهير فريديريك ليمتر وخلده الرسام أونوري دوميه في رسومه الكاريكاتورية. كانت شخصية روبر ماكير بمثابة هجاء لاذع لسيادة الأريستقراطية المالية في عهد ملكية تموز (يوليو) – 36.
([5]) الحلف المقدس – اتحاد رجعي لملوك أوروبا، أسسته في سنة 1815 روسيا القيصرية والنمسا وبروسيا لقمع الحركات الثورية في مختلف البلدان ولصيانة الأنظمة الإقطاعية الملكية فيها – ص 38.
([6]) زوندربوند. حلف منفرد للأقضية السويسرية الكاثوليكية السبعة المتخلفة اقتصاديًا، عقد عام 1843 بغية مقاومة التحويلات البرجوازية التقدمية في سويسرا. كان قرار السيم السويسري في تموز (يوليو) 1847 بحل زوندربوند ذريعة تذرع بها زوندربوند لشن العمليات الحربية ضد الأقضية الأخرى. في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1847، هزمت قوات الحكومة الاتحادية جيش زوندربوند. في زمن حرب زوندربوند، قامت الدولتان الأوروبيتان الغربيتان الرجعيتان، اللتان دخلتا قبل ذاك في الحلف المقدس – أي النمسا وبروسيا – بمحاولة للتدخل في الشؤون السويسرية في مصلحة زوندربوند. وقد وقف غيزو عمليًا موقف تأييد لهاتين الدولتين، بأخذه جانب الدفاع عن زوندربوند – ص 38.
([7])„Le National“ (“الناسيونال” – “الجريدة الوطنية”) – جريدة يومية فرنسية صدرت في باريس من 1830 إلى 1851. لسان حال الجمهوريين البرجوازيين المعتدلين – ص 40.
([8]) المعارضة الأسرية – معارضة كتلة من النواب في مجلس النواب الفرنسي في عهد ملكية تموز (يوليو)؛ أعربت عن مصالح الأوساط الليبرالية من البرجوازية الصناعية والتجارية. طالب ممثلو المعارضة الأسرية بإجراء إصلاح انتخابي معتدل، لاعتبارهم إياه وسيلة للاحتفاظ بالسلطة لسلالة (أو أسرة) أورليان ولدرء نشوب الثورة – ص 40.
([9])„La Gasette de France“ (“لا غازيت دي فرانس” – “جريدة فرنسا”) – جريدة يومية صدرت في باريس ابتداء من 1831. لسان حال الشرعيين، أنصار عودة سلالة بوربون – ص 42.
([10]) في الأيام الأولى من وجود الجمهورية الفرنسية، برزت مسألة اختيار راية الدولة. طالب عمال باريس بإعلان الراية الحمراء راية الدولة؛ وألح ممثلو البرجوازية على الراية المثلثة الألوان (الأزرق والأبيض والأحمر) التي كانت راية فرنسا في عهد الثورة البرجوازية عام 1879 وفي عهد إمبراطورية نابليون الأول. اضطر ممثلو العمال إلى الموافقة على الراية المثلثة الألوان، ولكنه ألصقت بعصاها عقدة حمراء – ص 45.
([11])„Le Moniteur universel“ (“المونيتور أونيفرسال” – “البشير العام”) جريدة يومية فرنسية، لسان الحال الحكومي الرسمي؛ صدرت من 1789 إلى 1901. على صفحات “المونيتور”، كانت تنشر بالضرورة الوثائق الحكومية والتقارير البرلمانية، وكذلك التقارير عن جلسات لجنة لوكسمبورغ – ص 46.
([12]) دامت الجمهورية الأولى في فرنسا من 1792 إلى 1804 – ص 47.
([13]) جاك البسيط – Jaques bonhomme– لقب ازدراء واحتقار كان يطلقه النبلاء على كل فلاح في فرنسا – ص 52.
([14]) المبلغ الذي اعتمد في 1825 للتعويض على الأريستقراطيين الذين صودرت أملاكهم في عهد الثورة البرجوازية بأواخر القرن الثامن عشر – ص 52.
([15]) لاتساروني. كنية عناصر متفسخة طبقيًا، من حثالة البروليتاريا في إيطاليا. غير مرة استخدمت الأوساط الملكية الرجعية اللاتساروني في النضال ضد الحركة الليبرالية والديموقراطية – ص 54.
([16]) أصحاب البلوزات – أي العمال – ص 54.
([17]) بموجب “قانون الفقراء” الإنجليزي الصادر في عام 1834، أجيز شكل واحد فقط لمساعدة الفقراء هو إسكانهم في بيوت العمل التي يسودها نظام سجون الأشغال الشاقة. كان العمال يقومون فيها بعمل غير منتج، رتيب، مرهق – ص 55.
([18]) اللجنة التنفيذية – حكومة برجوازية في فرنسا، انتخبتها الجمعية التأسيسية عوضًا عن الحكومة المؤقتة – ص 60.
([19]) جري نضال الجماهير الشعبية الثوري في 15 أيار (مايو) 1848 تحت شعار تعميق الثورة باطراد. اقتحم المتظاهرون قاعة جلسات الجمعية التأسيسية وطالبوا بتنفيذ الوعود بتوفير الخبز والعمل للعمال وبإنشاء وزارة للعمل. وقاموا بمحاولة لحل الجمعية التأسيسية ولتأليف حكومة مؤقتة جديدة. ولكن الحرس الوطني والقوات المسلحة وصلت في الوقت المناسب وفرقت المتظاهرين واعتقلت زعماء العمال بلانكي وباربيس والبر وراسباي – ص 61.