المخطوطات الاقتصادية والفلسفية
(الملكية الخاصة والشيوعية.
مختلف مراحل تطور الأفكار الشيوعية.
الشيوعية الفجة والشيوعية القائمة على المساواة والشيوعية بوصفها اشتراكية تتوافق مع الإنسانية)
حول الصفحة 39. أن التضاد بين اللا ملكية والملكية – طالما لم يفهم باعتباره تضادًا بين العمل ورأس المال، لا يزال تضادًا لا مباليًا، لم يدرك في صلته الفاعلة، في علاقته الداخلية – لا يزال تضادًا لم يدرك كتناقض. وهو يمكن أن يجد تعبيرًا في هذا الشكل الأول حتى دون التطور المتقدم للملكية الخاصة (كما في روما القديمة وتركيا ألخ…)، أنه لا يبدو بعد وكأن الملكية الخاصة ذاتها هي التي أقامته، لكن العمل – الماهية الذاتية للملكية الخاصة كاستبعاد للملكية، ورأس المال – العمل الموضوعي كاستبعاد للعمل – يشكلان الملكية الخاصة في حالة تناقضها المتطورة – ومن هنا علاقة دينامية تتحرك بعناد نحو حلها.
حلو الصفحة نفسها، أن تخطي ([1]) اغتراب الذات يتبع نفس تطور اغتراب الذات، فالملكية الخاصة ترى أولاً في جانبها الموضوعي وحده – ولكن مع العمل كماهية لها. ومن هنا فإن شكل وجودها هو رأس المال الذي ينبغي أن يلغي “باعتباره هذا” (برودون)، أو أن شكلاً خاصًا من أشكال العمل – العمل السوي المجزأ، وبالتالي غير الحر – يتصور كمصدر لضرر الملكية الخاصة، ولوجودها في اغتراب عن الناس، وعلى سبيل المثال فوربيه الذي كان كالفزيوقراط يتصور بدوره العمل الزراعي باعتباره على الأقل النموذج المثالي، في حين يعلن سان سيمون على العكس أن العمل الصناعي من حيث هو كذلك هو الماهية، ثم هو يتطلع إلى حكم الصناعيين وحدهم وتحسين ظروف العمال. وأخيرًا فالشيوعية هي التعبير الإيجابي عن الملكية الخاصة الملغاة – أولاً كملكية خاصة كلية Universal. والشيوعية بإحاطتها بهذه العلاقة ككل فإنها:
(1) في شكلها الأول مجرد تعميم واكتمال لهذه العلاقة، وهي تكشف عن نفسها باعتبارها هذا في شكل مزدوج: فمن ناحية تتضخم سيطرة الثروة المادية إلى حد أنها تزيد أن تحطم كل شيء لا يقبل أن يحوزه الجميع كملكية خاصة، إنها تريد أن تزيل الموهبة… الخ بالقوة لأن هدف الحياة والوجود الوحيد بالنسبة لها هو الحيازة المادية المباشرة. أن مقولة العامل لا تلغي، وإنما هي توسع لتشمل كل الناس. وتستمر علاقة الملكية الخاصة باعتبارها علاقة الجماعة بعالم الأشياء، وأخيرًا فإن حركة المقابلة بين الملكية الخاصة الكلية وبين الملكية الخاصة تجد تعبيرًا عنها في الشكل الحيواني لمقابلة الزواج (وهو بالتأكيد شكل للملكية الخاصة الاستئثارية) بمشاعية النساء، التي تصبح المرأة فيها جزءًا من الملكية الجماعية المشتركة. ويمكن أن نقول أن فكرة مشاعية النساء هذه تكشف عن سر هذه الشيوعية التي لا تزال فجة تمامًا وبلا تفكير. فتمامًا كما تنتقل المرأة من الزواج إلى البغاء العام ([2]) فإن كل عالم الثروة (أي جوهر الإنسان الموضوعي) ينتقل من علاقة الزواج المستأثرة بمالك الملكية الخاصة إلى حالة من البغاء الكلي مع الجماعة. وهذا الطراز من الشيوعية بنفيه شخصية الإنسان في كل مجال ليس في الحقيقة إلا التعبير المنطقي للملكية الخاصة، الذي هو هذا النفي. أن الحسد العام الذي يشكل ذاته كقوة هو القناع الذي يتخذه التعطش إلى الثروة، والذي يشبع به نفسه وإنما بطريقة أخرى. أن أفكار كل قطعة من الملكية الخاصة – الكامنة في كل قطعة بما هي كذلك – تتجه على الأقل ضد كل ملكية خاصة أغني في شكل الحسد واللهفة إلى الهبوط إلى مستوى مشترك بحيث أن هذا الحسد واللهفة يشكلان جوهر المنافسة. وليست الشيوعية الفجة إلا اكتمال هذا الحسد وهذه التسوية منطلقة من الحد الأدنى المتصور مسبقًا. أن لديها معيارًا محددًا محدودًا. أما كيف أن هذا الإلغاء للملكية الخاصة ليس في الحقيقة تملكًا فهو ما يؤكده النفي المجرد لكل عالم الثقافة والمدنية، والردة إلى البساطة غير الطبيعية للإنسان الفقير الذي ليست له مطالب، الذي لم يفشل فحسب في تخطي إطار الملكية الخاصة، بل حتى لم يبلغها بعد.
وليست الجماعة إلا جماعة عمل، ومساواة في الأجور التي يدفعها رأس المال الجماعي – الجماعة كرأسمالي كلي، وكلا جانبي العلاقة يرفع إلى كلية متخيلة – العمل كحالة يوضع فيها كل شخص، ورأس المال ككلية الجماعة وقوتها المعترف بهما.
وفي الموقف من المرأة كغنيمة وخادمة للشهوة الجماعية ينعكس الانحطاط اللانهائي الذي يوجد فيه الإنسان لذاته، لأن سر هذا الموقف يجد تعبيره الجلي القاطع الواضح غير المقنع في علاقة الرجل بالمرأة، وفي الطريقة التي يتم بها تصور علاقة التكاثر المباشرة الطبيعية، فالعلاقة المباشرة والطبيعية والضرورية بين شخص وشخص هي علاقة الرجل بالمرأة. ففي هذه العلاقة الطبيعية بين الجنسين تكون علاقة الإنسان بالطبيعة هي مباشرة علاقته بالإنسان، تمامًا كما أن علاقته بالإنسان هي مباشرة علاقته بالطبيعة – بوظيفته الطبيعية الخاصة. ومن هنا ففي هذه العلاقة يتجلى بشكل محسوس – وقد انتهى إلى واقعة يمكن ملاحظتها – المدى الذي أصبحت فيه ماهية الإنسان طبيعة للإنسان. أو الذي أصبحت فيه الطبيعة بالنسبة له الماهية الإنسانية للإنسان. ومن هنا يستطيع المرء من هذه العلاقة أن يحكم على كل مستوى تطور الإنسان، ويتضح من طبيعة هذه العلاقة إلى أي حد تمكن الإنسان – ككائن نوعي، كإنسان – من أن يصبح ذاته، وأن يدرك ذاته، فالعلاقة بين الرجل والمرأة هي العلاقة الأكثر طبيعية بين الكائن الإنساني والكائن الإنساني، وهي بالتالي تكشف عن المدى الذي أصبح به سلوك الإنسان الطبيعي إنسانيًا، أو المدى الذي أصبحت به الماهية الإنسانية فيه ماهية طبيعية – المدى الذي أصبحت فيه طبيعته الإنسانية هي الطبيعة بالنسبة له، وفي هذه العلاقة يتضح أيضًا المدى الذي أصبحت به حاجة الإنسان حاجة إنسانية، ومن ثم المدى الذي أصبح به الشخص الآخر كشخص حاجة بالنسبة له – المدى الذي يكون فيه في وجوده المفرد هو في نفس الوقت كائن اجتماعي. وهكذا فإن الإلغاء الإيجابي الأول للملكية الخاصة – الشيوعية الفجة – هو مجرد شكل تظهر فيه على السطح وضاعة الملكية الخاصة التي تريد أن تضع نفسها باعتبارها الجماعة الإيجابية.
(2) الشيوعية (أ) التي لا تزال ذات طبيعية سياسية – ديموقراطية أو مطلعة. (ب) مع إلغاء الدولة، إلا أنها لا تزال بعد غير كاملة. ولا تزال متأثرة بالملكية الخاصة (أي باغتراب الإنسان). وفي كلا الشكلين تدرك الشيوعية نفسها باعتبارها عودة تكامل الإنسان مع ذاته أو رجوعه إليها، وتخطي اغتراب الذات الإنساني، ولكن لأنها لم تدرك بعد الماهية الإيجابية للملكية الخاصة، ولم تدرك بنفس القدر الطبيعة الإنسانية للحاجة، فإنها تظل أسيرة لها وملوثة بها، إنها حقًا قد أدركت مفهومها، لكنها لم تدرك ماهيتها.
(3) ألشيوعية باعتبارها التخطي الإيجابي للملكية الخاصة، أو لاغتراب الذات الإنساني، وبالتالي باعتبارها التملك الحقيقي للماهية الإنسانية من جانب الإنسان وللإنسان، وبالتالي الشيوعية باعتبارها عودة الإنسان الكاملة إلى ذاته ككائن اجتماعي (أي إنساني) – عودة تصبح واعية ومكتملة في إطار كل ثروة التطور السابق. وهذه الشيوعية – كطبيعية مكتملة التطور – تساوي الإنسانية، وكإنسانية مكتملة التطور تساوي الطبيعية، إنها الحل الحقيقي للنزاع بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان – الحل الحقيقي للصراع بين الوجود والماهية، بين التموضع وتأكيد الذات، بين الحرية والضرورة، بين الفرد والنوع. الشيوعية هي لغز التاريخ وقد حل، وهي تعرف نفسها باعتبارها هذا الحل.
ومن هنا فإن كل حركة التاريخ هي كل من فعل توليدها الواقعي (فعل ولادة وجودها التجريبي) وكذلك بالنسبة لوعيها المفكر العملية المدركة والمعروفة لصيرورتها. وفي نفس الوقت فإن تلك الشيوعية الأخرى – التي لا تزال غير ناضجة – تبحث عن برهان تاريخي لذاتها – برهان في مملكة الموجود – بين الظواهر التاريخية غير المترابطة المعارضة للملكية الخاصة، منتزعة مراحل مفردة من العملية التاريخية، ومركزة الاهتمام عليها كبراهين على أصالة نسبها (وهذا جواد طالما امتطاه كابيه وفيلجارديل وغيرهما). وهي إذ تفعل ذلك فإنها إنما توضح أنه حتى الآن فإن الجانب الأكبر من هذه العملية يناقض مزاعمها، وأنها إذا كانت قد وجدت ذات مرة، فإن وجودها في الماضي بالتحديد يدحض زعمها أنها جوهرية (Essential).
فمن السهل أن نرى أن كل الحركة الثورية تجد بالضرورة كلا من أساسها التجريبي وأساسها النظري في حركة الملكية الخاصة – وبتعبير أدق في حركة الاقتصاد.
وهذه الملكية الخاصة المادية المحسوسة مباشرة هي التعبير المادي الحسي عن الحياة الإنسانية المغتربة. وحركتها – الإنتاج والاستهلاك – هي الانكشاف الحسي لحركة كل الإنتاج حتى الآن – أي تحقق الإنسان أو حقيقته. فالدين والعائلة والدولة والقانون والأخلاق والعلم والفن إلخ.. ليست سوى أساليب إنتاج خاصة، وتخضع لقانونه العام. ومن هنا فإن التخطي الإيجابي للملكية الخاصة كتملك للحياة الإنسانية هو التخطي الإيجابي لكل اغتراب – وبعبارة أخرى عودة الإنسان من الدين والعائلة والدولة إلخ.. إلى أسلوب وجوده الإنساني أي الاجتماعي. فالاغتراب الديني بما هو كذلك لا يحدث إلا في مملكة الوعي، حياة الإنسان الداخلية، لكن الاغتراب الاقتصادي هو اغتراب الحياة الواقعية، وبالتالي فإن تخطيه يشمل كلا الجانبين. ومن الواضح أن المرحلة الأولى للحركة بين مختلف الشعوب تتوقف على ما إذا كانت الحياة الحقة للشعب والأصيلة بالنسبة له تتجلى أكثر في الوعي أو في العالم الخارجي – ما إذا كانت بدرجة أكبر مثالية أو واقعية. والشيوعية تبدأ منذ البداية (أوين) مع الإلحاد. لكن الإلحاد في البداية أبعد من أن يكون شيوعية، والحق أنه لا يزال في أغلبه تجريدًا.
وهكذا فإن خيرية (Philanthropy) الإلحاد هي في البداية مجرد خيرية فلسفية مجردة، أما خيرية الشيوعية فهي على الفور واقعية تتجه مباشرة إلى الفعل.
وقد رأينا كيف أنه مع افتراض الملكية الخاصة الملغاة إيجابيًا فإن الإنسان ينتج الإنسان – ينتج نفسه وينتج الإنسان الآخر، وكيف أن الموضوع – باعتباره التجسيد المباشر لفرديته – هو في الوقت نفسه وجوده للإنسان الآخر، ووجود الإنسان الآخر، ووجود الإنسان الآخر بالنسبة له. بيد أنه بالمثل فإن كلا من مادة العمل والإنسان كذات هما نقطة انطلاق الحركة فضلاً عن نتيجتها (وفي هذه الحقيقة بالتحديد – أنهما لا بد أن يشكلا نقطة الانطلاق – تكمن الضرورة التاريخية للملكية الخاصة). وهكذا فإن الطابع الاجتماعي هو الطابع العام للحركة كلها: فتمامًا كما أن المجتمع ذاته ينتج الإنسان كإنسان فإن المجتمع ينتجه الإنسان. والفاعلية والاستهلاك – في كل من مضمونهما وأسلوب وجودهما – اجتماعيان: فاعلية اجتماعية واستهلاك اجتماعي، والماهية الإنسانية للطبيعة لا توجد أولاً إلا بالنسبة للإنسان الاجتماعي، والماهية الإنسانية للطبيعة لا توجد أولاً إلا بالنسبة للإنسان الاجتماعي، لأنه هنا فحسب توجد الطبيعة بالنسبة له كرابطة مع إنسان – كوجوده بالنسبة للآخر ووجود الآخر بالنسبة له – كعنصر الحياة للعالم الإنساني، هنا فحسب توجد الطبيعية كأساس لوجوده الإنساني. هنا فحسب أصبح ما هو بالنسبة له وجوده الطبيعي هو وجوده الإنساني، وأصبحت الطبيعة هي الإنسان بالنسبة له. وهكذا فإن المجتمع هو الوحدة المكتملة في الجوهر بين الإنسان والطبيعة – البعث الحقيقي للطبيعة – طبيعية الإنسان وإنسانية الطبيعة وقد وصل كلاً منهما إلى تحققه.
غير أن الفاعلية الاجتماعية والاستهلاك الاجتماعي لا يوجدان فقط في شكل نوع من الفاعلية الجماعية المباشرة والاستهلاك الجماعي المباشر رغم أن الفاعلية الجماعية والاستهلاك الجماعي – أي الفاعلية والاستهلاك اللذين يتجليان ويتأكدان مباشرة في الترابط الحقيقي مع الناس الآخرين – سيحدثان حيثما ينبع مثل هذا التعبير المباشر عن الاجتماعية من الطابع الحقيقي لمضمون الفاعلية الإنسانية، ويكون ملائمًا لطبيعة الاستهلاك.
ولكن مرة أخرى فحين أنشط علميًا إلخ… – حين أنغمس في فاعلية لا أكاد أستطيع أن أؤديها في اشتراك مباشر مع الآخرين – فإنني حينئذ اجتماعي، لأنني أنشط كإنسان، ولا يقتصر الأمر على أن مواد فاعليتي قد أعطيت لي كناتج اجتماعي (كما هو الأمر حتى بالنسبة للغة التي ينشط بها المفكر): بل أن وجودي ذاته هو فاعلية اجتماعية، ومن هنا فإن ما أصنعه بنفسي، أصنعه بنفسي للمجتمع وأنا أعي ذاتي ككائن اجتماعي.
ووعيي العام ليس سوى الشكل النظري لما شكله الحي هو الجماعة الواقعية، النسيج الاجتماعي، رغم أن الوعي العام في الوقت الحالي تجريد من الحياة الواقعية، وهو باعتباره هذا يواجهها بصورة عدائية. وبالتالي – أيضًا – فإن فاعلية وعيي العام – كفاعلية – هي وجودي النظري ككائن اجتماعي.
وما يجب تجنبه في المقام الأول هو إقرار “المجتمع” كتجريد في مواجهة الفرد. فالفرد هو الكائن الاجتماعي. ومن هنا فإن حياته – حتى ولو لم تظهر في الشكل المباشر لحياة جماعية تتحقق مع الآخرين – هي تعبير عن الحياة الاجتماعية وتأكيد لها. فحياة الإنسان الفردية وحياته النوعية ليستا مختلفتين، مهما كان أسلوب وجود الفرد – وهذا أمر حتمي – أسلوبًا أكثر خصوصية أو عمومية لحياة النوع، أو كانت حياة النوع حياة فرد أكثر خصوصية أو عمومية.
ويؤكد الإنسان في وعيه النوعي حياته الاجتماعية الواقعية، وهو لا يعدو أن يكرر وجوده الواقعي في الفكر، تمامًا كما أن وجود النوع – بالعكس – يؤكد ذاته في الوعي النوعي، ويكون لذاته في عموميته ككائن مفكر.
والإنسان – مهما كان فدرًا خاصًا (وخصوصيته بالتحديد هي التي تجعل منه فردًا، كائنًا. اجتماعيًا فرديًا حقيقيًا) – هو بالدقة الكلية – الكلية المثالية – الوجود الذاتي للفكر والمجتمع معروضًا لذاته، تمامًا كما يوجد أيضًا في العالم الواقعي كادراك للوجود الاجتماع واستمتاع واقعي بالوجود الاجتماعي، وككلية لفاعلية الحياة الإنسانية.
وهكذا فإن التفكير والوجود لا شك متمايزان، لكنهما في نفس الوقت متحدان مع بعضهما البعض.
ويبدو الموت انتصارًا قاسيًا للنوع على الفرد المحدد، ومناقضًا لوحدتهما. لكن الفرد المحدد ليس سوى كائن نوعي محدد، وهو باعتباره هذا فإن.
(4) وتمامًا كما أن الملكية الخاصة ليست إلا التعبير الحسي عن حقيقة أن الإنسان يصبح موضوعيًا لذاته، وفي نفس الوقت يصبح بالنسبة لذاته موضوعًا غريبًا غير إنساني، تمامًا كما أنها تعبر عن أن تأكيد حياته هو انسلاب هذه الحياة، وأن تحققه الواقعي هو فقدانه للواقع، هو واقع غريب: فإن التخطي الإيجابي للملكية الخاصة – أي التملك الحسي للإنسان وبالإنسان للماهية الإنسانية وللحياة الإنسانية، للإنسان الموضوعي، للإنجازات الإنسانية – لا ينبغي أن يدرك فحسب بمعنى الإشباع المباشر الأحادي الجانب – بمعنى الحيازة والملكية. فالإنسان يتملك جوهره الكلي بطريقة كلية، أي كإنسان كلي. فكل علاقاته الإنسانية بالعالم – الرؤية والسمع والشم والتذوق والشعور والتفكير والإدراك والحس والرغبة والفعل والحب – وباختصار كل أجهزة وجوده الفردي – كتلك الأجهزة الاجتماعية في شكلها مباشرة – هي في اتجاهها الموضوعي، أو في اتجاهها من الموضوع، تملك هذا الموضوع، تملك العالم الإنساني، واتجاهها من الموضوع، تملك هذا الموضوع، تملك العالم الإنساني، واتجاهها من الموضوع هو تجلي العالم الإنساني ([3]) ، أنه الفاعلية الإنسانية والمعاناة الإنسانية، لأن المعاناة – مدركة بطريقة إنسانية – هي تمتع بالذات لدى الإنسان.
لقد جعلتنا الملكية الخاصة من الغباء وأحادية الجانب بحيث أن موضوعًا ما لا يعد موضوعنا إلا حين نمتلكه – حين يوجد بالنسبة لنا كرأسمال، أو حين نحوزه بشكل مباشر أو نأكله أو نشربه أو نرتديه أو نقطنه الخ… وباختصار حين نستخدمه. رغم أن الملكية الخاصة ذاتها بدورها تدرك كل هذه التحقيقات المباشرة للحيازة كوسيلة حياة، والحياة التي تعد هذه التحقيقات وسيلتها هي حياة الملكية الخاصة – العمل والتحول إلى رأسمال.
وهكذا ففي مكان كل هذه الحواس الجسدية والذهنية جاء الإغتراب الخالص لكل هذه الحواس – حاسة التملك. وكان لابد من الهبوط بالكائن الإنساني إلى هذا الفقر المطلق حتى يمكن أن يضفى ثروته الداخلية على العالم الخارجي (عن مقولة “الملكية” أنظر هيس في “الواحد وعشرين بحثًا”) ([4]) .
ومن هنا فإن تخطي الملكية الخاصة هو الإنعتاق الكامل لكل الحواس والصفات الإنسانية، لكنه يمثل هذا الإنعتاق بالتحديد لأن هذه الحواس والصفات أصبحت – ذاتيًا وموضوعيًا – إنسانية. لقد أصحبت العين عينًا إنسانية، تمامًا كما أن موضوعها أصبح موضوعًا اجتماعيًا إنسانيًا – موضوعًا ينبثق من الإنسان للإنسان. ومن هنا فإن الحواس أصبحت بشكل مباشر في ممارستها منظرة. أنها ترتبط بالشيء لصالح الشيء، لكن الشيء ذاته علاقة إنسانية موضوعية بذاتها وبالإنسان ([5]) والعكس بالعكس. وبالتالي فقدت الحاجة أو المتعة طبيعتها الأنانية، وفقدت الطبيعة منفعتها المحضة بأن أصبح الاستخدام استخدامًا إنسانيًا.
وبنفس الطريقة فإن حواس ومتعات الآخرين أصبحت ملكًا لي، ومن هنا فإلى جانب هذه الأجهزة المباشرة تتطور أجهزة اجتماعية في شكل مجتمع، وهكذا مثلاً أصبحت الفاعلية في ارتباط مباشر بالآخرين الخ… جهازًا للتعبير عن حياتي أنا، وأسلوبًا لتملك الحياة الإنسانية.
ومن الواضع أن العين الإنسانية ترضى نفسها بطريقة تختلف عن العين الفجة غير الإنسانية، والأذن الإنسانية بطريقة تختلف عن الأذن الفجة الخ…
ولنوجز ما قلناه؛ أن الإنسان لا يضيع في موضوعه عندما يصبح الموضوع بالنسبة له موضوعًا إنسانيًا أو أنسانًا موضوعيًا. وليس هذا ممكنًا ألا حين يصبح الموضوع بالنسبة له موضوعًا اجتماعيًا، ويصبح هو ذاته لذاته كائنًا اجتماعيًا، تمامًا كما يصبح المجتمع موجودًا بالنسبة له في هذا الموضوع.
ومن هنا فمن ناحية فإن كل الموضوعات لا يصبح بالنسبة للإنسان موضعه لذاته، موضوعات تؤكد فرديته وتحققها، لا تصبح موضوعاته: أي لا يصبح الإنسان نفسه الموضوع إلا حين يصبح العالم الموضوعي في كل مكان بالنسبة للإنسان في المجتمع عالم قوى الإنسان الجوهرية ([6]) – الواقع الإنساني، ولهذا السبب واقع قواه الجوهرية الخاصة. والطريقة التي تصبح بها هذه الموضوعات موضوعاته تتوقف على طبيعة الموضوعات وعلى طبيعة القوة الجوهرية التي تتوافق معها، لأن تحديد هذه العلاقة هو بالدقة الذي يشكل أسلوب التأكيد الخاص الواقعي. فالموضوع يوجد بالنسبة للعين بطريقة مختلفة عما يوجد به بالنسبة للأذن، وموضوع العين موضوع آخر غير موضوع الأذن. وخصوصية كل قوة جوهرية هي بالتحديد ماهيتها الخاصة، ومن هنا فإنها أيضًا الأسلوب الخاص لموضعتها، الأسلوب الخاص لوجودها الحي الواقعي موضوعيًا، وهكذا يتأكد الإنسان في العالم الموضوعي لا في فعل التفكير وحده، بل بكل حواسه.
ومن الناحية الأخرى فإذا نظرنا إلى هذا في جانبه الذاتي: فتمامًٍا كما أن الموسيقى وحدها توقظ في الإنسان حاسة الموسيقى، وتمامًا كما أن أجمل موسيقى ليس لها معنى بالنسبة للإذن غير الموسيقية – ليست موضوعًا لها، لأن موضوعي لا يمكن أن يكون ألا تأكيد أحدى قواي الجوهرية، ولا يمكن بالتالي أو يكون كذلك بالنسبة لي إلا حين تبدو قواي الجوهرية لذاتها كقدرة ذاتية، لأن معنى موضوع ما بالنسبة لي لا يمتد إلا بمقدار ما تمتد حواسي (ليس له معنى إلا بالنسبة لحاسة تتجاوب مع هذا الموضوع) – ولهذا السبب فإن حواس الإنسان الاجتماعي حواس أخرى غير حواس الإنسان غير الاجتماعي. فمن خلال التفتح الموضوعي لثروة الوجود الجوهري للإنسان يمكن أن تربى أو أن تولد ثروة الحساسية الإنسانية الذاتية (الأذن الموسيقية والعين التي تحس جمال الشكل – وباختصار الحواس القادرة على الإشباع الإنساني، الحواس التي تؤكد ذاتها كقوى جوهرية للإنسان)، فما يسمى بالحواس الإنساني – إنسانية الحواس – وليس فحسب الحواس الخمس – إنما تولد بفضل موضوعها، بفضل الطبيعة المتسمة بالإنسانية. وتكون الحواس الخمس هو عمل تاريخ العالم كله حتى وقتنا الحالي.
والحاسة التي تكون أسيرة الحاجة العملية ليست سوى حاسة مقيدة، فبالنسبة للإنسان الذي يتصور جوعًا ليس الشكل الإنساني للطعام هو الذي يوجد، وإنما فقط شكله المجرد كطعام، ولا يهم عنده أن يكون في أكثر أشكاله فجاجة، ويكون من المستحيل أن نقول أين تختلف هذا النشاط الغذائي عن نشاط الحيوانات. والإنسان المثقل بالأعباء والذي يعاني الحاجة ليس لديه حس لأرقى مسرحية، وتأجر المعادن لا يرى إلا القيمة التجارية للمعادن. ولا يرى جمالها ولا طبيعتها الفريدة: أنه ليست لديه حاسة معدنية. وهكذا فإن موضعة الماهية الإنسانية في كل من جانبيها النظري والعملي لأزمة لجعل حاسة الإنسان إنسانية، ولخلق الحاسة الإنسانية التي تتوافق مع كل ثروة الجوهر الإنساني والطبيعي.
وتمامًا كما ينشأ عن حركة الملكية الخاصة، عن ثروتها فضلاً عن بؤسها – أو عن ثروتها وبؤسها المادي والروحي – أن يجد المجتمع البازغ تحت يده كل المواد اللازمة لهذا التطور: فإن المجتمع الراسخ ينتج الإنسان في هذا الثراء الكامل لوجوده – ينتج الإنسان الثري الذي يتمتع بعمق بكل الحواس – باعتباره واقعه الثابت.
وهكذا سنرى كيف أن الذاتية والموضوعية، الروحية والمادية، الفاعلية والمعاناة، أنما تفقد طابعها التناقضي – ومن ثم وجودها من حيث هي متناقضة – في ظروف المجتمع، سنرى كيف أن حل التناقض النظري ليس ممكنًا إلا بطريقة عملية، بفضل الطاقة العملية للناس. ومن هنا فإن حله ليس بأي حال مجرد مشكلة معرفة، بل مشكلة واقعية للحياة لم تستطع الفلسفة حلها بالتحديد لأنها تصورت هذه المشكلة كمجرد مشكلة نظرية.
وسنرى كيف أن تاريخ الصناعة، والوجود القائم الموضوعي للصناعة، هما الكتاب المفتوح لقوى الإنسان الجوهرية، وكشف السيكولوجيات الإنسانية أمام الحواس. وحتى الآن لم يكن هذا يتصور في علاقته التي لا تنقصم بالوجود الجوهري للإنسان وإنما في علاقة خارجية بالمنفعة، لأن الناس – إذ يتحركون في مملكة الاغتراب – لم يستطيعوا أن يروا إلا أسلوب الوجود العام للإنسان – الدين أو التاريخ في طابعه المجرد العام كسياسة وفن وأدب الخ… – كحقيقة لقوى الإنسان الجوهرية وفاعلية الإنسان النوعية. أن أمامنا القوى الجوهرية المتوضعة للإنسان في شكل مواضيع حسية منسلبة مفيدة، في شكل اغتراب، معروضة في صناعة مادية عادية (يمكن تصورها كجزء من هذه الحركة العامة، تمامًا كما يمكن تصور هذه الحركة كجزء خاص من الصناعة لأن كلك الفاعلية الإنسانية حتى الآن كانت عملاً – أي صناعة – فاعلية مغتربة عن ذاتها).
والسيكولوجيا التي يبقى هذا بالنسبة لها – هذا الجزء من التاريخ الأكثر معاصرة وقربًا من الحواس – كتابًا مغلقًَا، لا يمكن أن تصبح علمًا واقعيًا شاملاً حقًا. فالحق ماذا يمكن أن نقوله عن علم يلغي في استخفاف هذا الجزء الكبير من العمل الإنساني، ويعجز عن أن يرى عدم كماله، في حين أن مثل هذا الثروة من الجهد الإنساني المتفتحة أمامه لا تعني بالنسبة له أكثر مما قد يمكن أن تعبر عنه كلمة واحدة – “الحاجة”،… “الحاجة المبتذلة”؟
لقد طورت العلوم الطبيعية فاعلية هائلة، وجمعت كتلة متزايدة على الدوام من المواد. غير أن الفلسفلة بقيت غريبة عنها كما بقيت هي غريبة عن الفلسفة. ولم تكن وحدتها المؤقتة إلا وهمًا خياليًا. توفرت الإدارة ولم تتوفر الوسائل. وحتى التاريخ لا يولي اهتمامًا للعلم الطبيعي إلا بشكل عابر كعامل للتنوير والمنفعة ناشيء عن الاكتشافات الفردية العظيمة. لكن العلم الطبيعي غزًا الحياة الإنسانية وحولها رغم هذا عمليًا من خلال وساطة الصناعة، ومهد للإنعتاق الإنساني، وإن كان عليه إلى حد كبير وبشكل مباشر أن يكمل نزع الإنسانية. فالصناعة هي العلاقة التاريخية الفعلية للطبيعة – ومن ثم للعلم الطبيعي – بالإنسان. ومن هنا فإذا أدركت الصناعة باعتبارها انكشافًا خارجيًا لقوى الإنسان الجوهرية، فإننا نكسب أيضًا فهمًا للماهية الإنسانية للطبيعة، أو الماهية الطبيعية للإنسان. وبالتالي فإن العلم الطبيعي سيفقد اتجاهه المادي المجرد – أو بالأحرى اتجاهه المثالي – وسيصبح أساس العلم الإنساني كما أصبح بالفعل بأساس الحياة الإنسانية الفعلية وأن يكن في شكل مغترب. أن القول بأساس للحياة وأساس آخر للعلم هو بداهة أكذوبة. فالطبيعة التي تجد صيرورتها في التاريخ الإنساني – مولد المجتمع الإنساني – هي طبيعة الإنسان الواقعية، ومن هنا فإن الطبيعة كما توجد من خلال الصناعة – وأن يكن في شكل مغترب – هي طبيعة أنثربولوجية حقيقية.
والإدراك الحسي (أنظر فيورباخ) يجب أن يكون أساس كل علم. ولا يكون العلم علمًا حقيقيًا إلا حين ينطلق من الإدراك الحسي في شكله المزدوج سواء كوعي حسي أو حاجة حسية – أي حين ينطلق من الطبيعة. وكل التاريخ هو التمهيد لأن يصبح “الإنسان” موضوعًا للوعي الحسي وتصبح حاجات “الإنسان كإنسان” حاجات “طبيعية حسية”. والتاريخ ذاته جزء واقعي من التاريخ الطبيعي – من صيرورة الطبيعة إنسانًا. ومع الزمن سيشمل العلم الطبيعي علم الإنسان، تمامًا كما سيشمل علم الإنسان العلم الطبيعي: وسيكون هناك علم واحد.
والإنسان هو الموضوع المباشر للعلم الطبيعي: لأن الطبيعة الحسية المباشرة بالنسبة للإنسان هي بشكل مباشر حساسية إنسانية (والتعبيران متطابقان) – معروضة مباشرة في بشكل مباشرة حساسية إنسانية (والتعبيرات متطابقان) – معروضة مباشرة في شكل الإنسان الآخر الموجود حسيًا للإنسان الآخر. لكن الطبيعة هي الموضوع المباشر لعلم الإنسان: أن الموضوع الأول للإنسان – الإنسان – هو طبيعة، هو حسية، ولا يمكن للقوى الجوهرية الحسية الإنسانية الخاصة أن تتعرف على ذاتها إلا في علم العالم الطبيعي عمومًا، لأنها لا تستطيع أن تجد تحققها الموضوعي إلا في موضوعات طبيعة حسية. فالواقع الاجتماعي للطبيعة، والعلم الطبيعي الإنساني، أو العلم الطبيعي عن الإنسان، كلها تعبيرات متطابقة.
وسنرى كيف أنه مكان ثروة وبؤس الاقتصاد السياسي يأتي الكائن الإنساني الغني والحاجة الإنسانية الغنية، والكائن الإنساني الغني هو في نفس الوقت الكائن الإنساني الذي يشعر بالحاجة لكلية فعاليات الحياة الإنسانية – الإنسان الذي يوجد فيه تحققه الخاص كضرورة داخلية، كحاجة، ولا يقتصر الأمر على الثروة وحدها، بل بالمثل فإن فقر الإنسان – مع افتراض الاشتراكية – يحصل بنفس القدر على مغزى إنساني ومن ثم اجتماعي. فالفقر هو الرابطة السلبية التي تجعل الكائن الإنساني يشعر بالحاجة إلى أكبر ثروة – إلى الكائن الإنساني الآخر. أن مجال الوجود الموضوعي في، التفجر الحي لفاعليتي الجوهرية، هو العاطفة التي تصبح من هنا فاعلية وجودي.
(5) أن الكائن لا يعتبر نفسه مستقلاً إلا حين يقف على قدميه، وهو لا يقف على قدميه إلا حين يدين بوجوده لذاته، والإنسان الذي يعيش بفضل غيره يعتبر نفسه كائنًا تابعًا. لكنني أعيش كلية بفضل آخر إذا لم أكن أدين له فحسب بالإبقاء على حياتي، بل إذا كان فضلاً عن ذلك قد خلق حياتي – إذا كان هو مصدر حياتي. وإذا لم تكن حياتي من خلقي، فإن لها بالضرورة مصدرًا من هذا النوع خارجها. ومن هنا فإن الخلق فكرة من الصعب نزعها من الوعي الشعبي، فالوجود الذاتي للطبيعة والإنسان أمر غير مفهوم لهذا الوعي، لأنه يتناقض كل شيء ملموس في الحياة العملية.
وقد تقلت فكرة خلق الأرض ضربة قوية من علم تاريخ الأرض “geogeny”، أي من العلم الذي يعرض تكون الأرض، صيرورة الأرض، كعملية، كتوليد ذاتي، فالتوالد التلقائي هو التفنيد العملي الوحيد لنظرية الخلق.
ومن السهل الآن بالتأكيد أن نقول للفرد المفرد ما قاله أرسطو من قبل. لقد ولدت لأبيك وأمك، ومن ثم ففيلك أنتج تزاوج كاثنين أنسبانيين – وهو فعل نوعي لكائنات إنسانية – الكائن الإنساني، ومن هنا فأنت ترى أن الإنسان يدين بوجوده – حتى جسديًا – للإنسان ومن هنا يجب ألا تبصر فحسب جانبًا واحدًا – التسلسل “Progression” اللا نهائي الذي يدفعك إلى أن تتساءل: “من الذي أنجب والدي؟ ومن أنجب جدي؟ الخ…”. بل يجب كذلك أن تبصر الحركة الدائرية التي تردك حسيًا في هذا التسلسل والتي يكرر الإنسان ذاته عن طريقها في التكاثر، وبذلك يظل دائمًا الذات. غير أنك ستجيب: سأسلم لك بهذه الحركة الدائرية، فلتسلم لي بالتسلسل الذي يدفعني أكثر إلى أن أسأل: من الذي أنجب الإنسان الأول والطبيعة ككل؟ ولا أستطيع إلا أن أجيبك: أن سؤالك نفسه نتاج تجريد. أسأل نفسك كيف وصلت إلى هذا السؤال. أسأل نفسك عما إذا لم يكن سؤالك مطروحًا من زاوية لا أستطيع أن أجيب عليها، لأنها زاوية معكوسة. أسأل نفسك عما إذا كان مثل هذا التسلسل من حيث هو تسلسل موجود بالنسبة لذهن عاقل، فأنت حين تسأل عن خلق الطبيعة والإنسان فإنك تجرد – بفعلك هذا – من الطبيعة والإنسان. أنك تفترض أنهما غير موجودين ورغم هذا فإنك تريد مني أن أثبتهما لك كموجودين. وأنا الآن أقول لك: تخل عن تجريدك وستتخلى أيضًا عن سؤالك. أو أذا أردت أن تظل متمسكًا بتجريدك فكن متسقًا، وإذا كنت تفرك في الإنسان والطبيعة باعتبارهما غير موجودين، ففكر في نفسك كغير موجود، لأنك أيضًا بالتأكيد طبيعة وإنسان. لا تفكر، ولا تسألني، لأنه حالما تفكر وتسأل فليس لتجريدك من وجود الطبيعة والإنسان معني. أم هل أنت من الأنانية بحيث تفترض كل شيء كلا شيء ورغم هذا تريد أن تكون أنت نفسك موجودًا؟
وتستطيع أن تجيب: لا أريد أن أفترض لا شيئية الطبيعة، فأنا أنما أسألك عن مولدها كما أسأل عالم التشريح عن تكوين العظام الخ….
ولكن لما كان كل ما يسمى تاريخ العالم هو بالنسبة للإنسان الاشتراكي – لا يعدو أن يكون أنجاب الإنسان عن طريق العمل الإنساني، لا يعدو أن يكون صيرورة الطبيعة للإنسان، فإن لديه البرهان المرئي الذي لا يدحض على مولده خلال ذاته، على عملية صيرورته، ولما كان الوجود الحقيقي للإنسان والطبيعة قد أصبح عمليًا وحسيًا ومدركًا – لما كان الإنسان قد أصبح للإنسانة كوجود للطبيعة، والطبيعة قد أصبحت للإنسان كوجود للإنسان – فإن السؤال عن كائن غريب، عن كائن فوق الطبيعة والإنسان – وهو سؤال يتضمن الاعتراف بلا جوهرية الطبيعة والإنسان – قد أصبح مستحيلاً في الممارسة. والإلحاد كإنكار لهذه اللا جوهرية لم يعد له معنى، أن الإلحاد هو نفي الله، وهو يفترض وجود الإنسان خلال هذا النفي، لكن الاشتراكية كاشتراكية لم تعد بحاجة إلى مثل هذا الوسيط. إنها تنطلق من الوعي الحسي عمليًا ونظريًا للإنسان وللطبيعة كجوهر. والاشتراكية من وعي الذات الإيجابي للإنسان الذي لم يعد موجودًا بالوساطة من خلال إلغاء الدين، تمامًا كما أن الحياة الواقعية هي واقع الإنسان الإيجابي الذي لم يعد موجودًا بالوساطة خلال إلغاء الملكية الخاصة، خلال الشيوعية. الشيوعية هي الإيجاب كنفي للنفي، ومن هنا فإنها المرحلة الواقعية الضرورية للمرحلة التالية من التطور التاريخي في عملية الانعتاق والاسترجاع البشريين. الشيوعية من النموذج الضروري للمبدأ الدينامي للمستقبل القريب، لكن الشيوعية باعتبارها هذا ([7]) ليست هدف التطور الإنساني – هيكل المجتمع الإنساني.
([1] ) Aufheben تخطي… ألغى… إزال.
([2] ) ليس البغاء سوى تعبير محدد عن البغاء العام للعامل، ولما كان البغاء علاقة لا تدخل فيها البغي وحدها، بل كذلك من يعاشرها – بل أن انحطاط الأخير أكبر – فإن الرأسمالي الخ… يندرج أيضًا تحت هذا العنوان.
([3] ) وهو لهذا السبب متنوع تنوع تحديدات الماهية الإنسانية والفاعليات الإنسانية.
([4] ) “Einundzwanzig Bogenaus des Sweiz”
أيرست تيل – زيوريخ وفينتر تور – 1843 – ص 329 الناشر.
([5] ) وفي الممارسة لا أستطيع أن أربط نفسي بشيء إنسانيًا إلا إذا ربط الشيء نفسه بالكائن الإنساني أنسانيًا.
([7] ) يعني ماركس “بالشيوعية باعتبارها هذا” الشيوعية الفجة القائمة على المساواة كما عرضها بابوف واتباعه.