بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

المخطوطات الاقتصادية والفلسفية

« السابق التالي »

قوة النقود في المجتمع البورجوازي

إذا لم تكن مشاعر الإنسان وعواطفه الخ… مجرد ظاهرة انثروبولوجية بالمعنى (الضيق) ([1]) بل تأكيدات انطولوجية حقًا للوجود الأساسي (للطبيعة)، وإذا لم تكن تتأكد حقًا إلا أن موضوعها يوجد بالنسبة لها كموضوع للحس، فإن من الواضح:

  • إنه ليس لها بأي حال مجرد أسلوب واحد للتأكيد، بل بالأحرى أن الطابع المميز لوجودها، لحياتها، يتألف من الأسلوب المميز لتأكيدها. والطريقة التي يوجد بها الموضوع بالنسبة لها هو الأسلوب المميز لإشباعها.
  • حيثما يكو التأكيد الحسي هو الإلغاء المباشر للموضوع في شكله المستقل (كما في أكل الموضوع وشربه وتشغيله الخ…) فهذا هو تأكيد الموضوع.
  • وبقدر ما يكون الإنسان – ومن هنا مشاعره الخ… إنسانيًا، فإن تأكيد الموضوع من جانب شخص آخر هو بالمثل متعته هو.
  • ومن خلال الصناعة المتطورة وحدها – أي من خلال وساطة الملكية الخاصة – يصل الجوهر الانطولوجي للعاطفة الإنسانية إلى كليته وإنسانية معًا، ومن هنا فإن علم الإنسان هو ذاته نتاج لإقرار الإنسان لذاته بواسطة العملي.
  • معنى الملكية الخاصة – المتحررة من اغترابها – هو وجود الموضوعات الأساسية للإنسان كموضوعات للفاعلية معًا.

وبحيازة صفة شراء كل شيء، بحيازة صفة تملك كل المواضيع، تصبح النقود موضوع الحيازة البارز. وكلية صفتها هي قدرة وجودها. ومن ثم فإنها تعمل كالكائن الأسمى. أن النقود هي القواد بين حاجة الإنسان وبين الموضوع، بين حياته ووسائل حياته. لكن ذلك الذي يتوسط بين حياتي وبيني يتوسط أيضًا بين وجود الآخرين وبيني. أنه بالنسبة لي الشخص الآخر.

“ماذا… اللعنة، أن أيديك وأقدامك

ورأسك وظهرك… كلها لك

وما نحصل عليه والحياة جميلة،

أيمكن أحد أن يعلن أنه ليس ملكنا.

أنني – مثلاً – أستطيع أن أشترى ستة ثيران

أفليست قوتها ملكًا لي؟

أنني أعدو سريعًا، وأنا السيد البدين

وكأن أقدامها ملك لي”.

(جوته: فاوست – مفيستوفيليس ([2]) )

شكسبير في “تيمون أثينا”:

“الذهب؟ الذهب الأصفر اللامع الثمين؟ كلاً أيتها الآلهة

لست زاهدًا كسولاً… إن قدرًا منه

سيجعل الأسود أبيض، والقبيح جميلاً

والخطأ صوابًا، والوضيع نبيلاً، والعجوز شابًا،

والجبان باسلاً

… ماذا، إنه

سيبعد عن جواركم كهنتكم وخدمكم

وينتزع وسائد الأقوياء من تحت رؤوسهم:

هذا العبد الأصفر

سيوثق الأديان ويحطمها، ويبارك الملعونين،

ويجعل الجذام معبودًا ويكرم اللصوص

ويعطيهم لقبًا، وجاهًا وتقريظًا

مع أعضاء مجلس الشيوخ فوق مقاعدهم: إنه هو الذي يجعل الأرملة الثكلة تتزوج ثانية” ([3]) .

ثم فيما بعد:

“أنت ياقتل الملوك الجميل… يا أيها الفاصل العزيز

بين الابن الطبيعي والسيد! أيها المدنس المشرق

لأطهر فراش الآلهة العفاف، يا مارس الباسل!

أنت أيها المغازل الفتى أبدًا، الغض المحبوب الرقيق،

الذي يذيب رواؤه الجليد المقدس

الذي يرقد في حضن ديانًا! أيها الإله المرئي!

الذي يصهر المستحيلات معًا:

ويجعلها تتبادل القبلات! الذي يتحدث بكل لسان ولكن غرض، يا لمسة القلوب!

فكر، أن عبدك الإنسان يتمرد، وبقوتك

ضعهم في منازعات لعينة، حتى تكون للوحوش

إمبراطورية العالم!” ([4])

إن شكسبير يصور بشكل رائع الطبيعة الحقيقية للنقود، ولكي نفهمه لنبدأ أولاً بعرض فقرة جوته.

إن هذا الذي يكون لي من خلال وساطة النقود – هذا الذي أستطيع أن أدفع مقابله (أي الذي تستطيع النقود شراءه) – هذا هو أنا، مالك النقود. ومدى قوة النقد هو مدى قوتي. وصفات النقود هي صفاتي وقواي الجوهرية – صفات مالكها وقواه. وهكذا فأنا وما أستطيعه لا تحدده بأي حال فرديتي. إنني قبيح، لكنني أستطيع أن أشترى لنفسي أجمل النساء. ومن هنا فإنني لست قبيحًا، لأن تأثير القبح – قوته المنفرة – تلغيه النقود. إنني – في شخصيتي كفرد – أعرج لكن النقود تزودني بأربعة وعشرين قدمًا. ولذا فلست أعرج. إنني سيء، غير أمين، بلا ضمير، غبي، لكن النقود مكرمة وكذلك مالكها. إن النقود هي الخير الأسمى، ولذا فإن مالكها خير، كذلك فإن النقود توفر على مئونة أن أكون غير أمين: ومن هنا يفترض أنني أمين، إنني غبي، لكن النقود هي الذهن الحقيقي لكل الأشياء، فكيف إذن يكون مالكها غبيًا؟ كذلك فإنه يستطيع أن يشترى لنفسه الموهوبين، أو ليس هذا الذي يسيطر على الموهوبين أكثر موهبة منهم؟ ألست أنا – الذي أملك بفضل نقودي كل ما يصبو إليه القلب الإنساني – أمتلك كل القدرات الإنسانية؟ أفلا تحول نقودي إذن كل أوجه عجزي إلى نقيضها؟

وإذا كانت النقود هي الرابطة التي تربطني بالحياة الإنسانية، وتربط المجتمع بي وتربطني بالطبيعة والإنسان، أفليست النقود هي رابطة كل الروابط؟ أليست هي إذن بالتالي عامل الانفصال الكلي؟ إنها عامل الانفصال الحقيقي كما هي عامل الربط الحقيقي، إنها القوة الجلفنية – الكيميائية (الكلية) ([5]) للمجتمع.

ويؤكد شكسبير بشكل خاص صفتين للنقود:

(1) إنها الإله المرئي – تحول كل الصفات الإنسانية والطبيعية إلى أضدادها، الخلط الكلي بين الأشياء وأنقلابها، أنها تؤاخي بين المستحيلات. (2) إنها البغي المشتركة والقواد المشترك للناس والأمم.

إن انقلاب كل الصفات الإنسانية والطبيعية وخلطها، والمؤاخاة بين المستحيلات – القوة الألهية للنقود – تكمن في طابعها باعتبارها طبيعة النوع المغتربة المنسلبة للناس، أن النقود هي قدرة البشرية المنسلبة.

إن ما لا أستطيع أن أفعله كإنسان، والذي تعد كل قواي الجوهرية الفردية عاجزة عنه، أستطيع أن أفعله بواسطة النقود. وهكذا فإن النقود تحول كلاً من هذه القوى إلى شيء آخر غير ما هي عليه في ذاتها – أي تحولها إلى نقيضها.

فلو إنني أريد طبعًا معينًا، أو أريد أن أستقل عربة البريد لأني لست من القوى بحيث أمضى على قدمي، فإن النقود تحضر لي الطبق وعربة البريد. أي أنها تحول رغباتي من شيء في مملكة الخيال، وتترجمها من وجودها المتصور أو المتخيل أو المراد إلى وجودها الحسي، الواقعي – من الخيال إلى الحياة، من الوجود المتخيل إلى للوجود الحقيقي، وبالقيام بهذه الوساطة فإن النقود هي القوة الخلاقة الحقيقية.

ولا شك أن الطلب يوجد كذلك بالنسبة لمن ليست لديه نقود، لكن طلبه مجرد شيء في الخيال ليس له تأثير أو وجود بالنسبة لي، وبالنسبة لطرف ثالث، بالنسبة للآخرين، وبذلك يظل بالنسبة لي غير حقيقي وبلا موضوع. والفارق بين الطلب الفعال المستند إلى النقود، والطلب غير الفعال المستند إلى حاجتي، رغبتي، أمنيتي الخ…. هو الفارق بين الوجود وبين الفكر، بين المتخيل الذي لا يوجد إلا داخلي وبين المتخيل كما هو بالنسبة لي خارجي كموضوع واقعي.

وإذا لم يكن لدى نقود للسفر فليست لي حاجة – أي حاجة واقعية تحقق ذاتها – إلى السفر. وإذا كانت لدى موهبة للدراسة وليست لدى نقود لها فليست لدى موهبة الدراسة – أي ليست لدى موهبة فعالة، موهبة حقيقية. ومن ناحية أخرى إذا لم تكن لدى موهبة الدراسة، ولكن لدى الإرادة والنقود لها، فإن لدى موهبة فعالة لها. أن النقود باعتبارها الوسيط والملكة الخارجية المشتركة لتحويل الصورة إلى واقع، والواقع إلى مجرد صورة (وهي ملكة لا تنبعث من الإنسان كإنسان، أو من المجتمع الإنساني كمجتمع) تحول القوى الجوهرية الحقيقية للإنسان والطبيعة إلى ما لا يزيد عن تصورات مجردة وبالتالي نواقص – إلى أوهام مؤلمة – تمامًا كما تحول النواقص والأوهام الحقيقية – القوى الجوهرية التي هي عاجزة حقًا، والتي لا توجد إلا في خيال الفرد – إلى قوى وملكات حقيقية.

وفي ضوء هذه الخاصية وحدها فإن النقود هي القلب العام للفرديات الذي يحولها إلى ضدها، ويضيف صفات متناقضة إلى صفاتها.

وعندئذ تظهر النقود باعتبارها قوة القلب هذه، سواء ضد الفرد أو ضد روابط المجتمع الخ…. التي تزعم أنها جواهر في ذاتها، أنها تحول الإخلاص إلى خيانة، والحب إلى حقد، والحقد إلى حب، والفضيلة إلى رذيلة، والرذيلة إلى فضيلة، والخادم على سيد، والسيد إلى خادم، والبلاهة إلى ذكاء، والذكاء إلى بلاهة.

ولما كانت النقود – باعتبارها المفهوم القائم والنشط للقيمة – تخلط كل الأشياء وتبادلها، فإنها الخلط والتركيب لكل الأشياء، إنها العالم مقلوبًا – خلط وتركيب كل الصفات الطبيعية والإنسانية.

إن من يستطيع أن يشترى الشجاعة شجاع، ولما لم تكن النقود تتبادل مقابل أي صفة محددة، مقابل أي شيء محدد، أو مقابل أي قوة إنسانية خاصة، وإنما مقابل كل العالم الموضوعي للإنسان والطبيعة فإنها إذن من وجهة نظر مالكها تخدم في مبادلة كل صفة مقابل كل صفة وموضوع حتى لو كانا متناقضين: إنها المؤاخاة بين المستحيلات، إنها تجعل المتناقضات تتعانق.

افترض الإنسان إنسانًا، وعلاقته بالعالم علاقة إنسانية: عندئذ لن تستطيع أن تبادل الحب إلا بالحب، والثقة إلا بالثقة الخ… وإذا كانت تريد أن تستمتع بالفن فلا بد أن تكون أنسانًا ذات تربية فنية، وإذا كنت تريد أن تمارس التأثير على الآخرين فلا بد أن تكون شخصًا يتمتع بتأثير حافز مشجع على الآخرين. ولا بد أن تكون كل علاقة من علاقاتك بالإنسان وبالطبيعة تعبيرًا محددًا يتفق مع موضوع إرادتك، مع حياتك الفردية الواقعية. وإذا كنت تحب دون أن تثير حبًا مقابلاً – أي إذا لم يكن حبك كحب يثير حبًا متبادلاً، إذا لم تكن من خلال التعبير الحي عن ذاتك كشخص محب تجعل من نفسك شخصًا محبوبًا فإن حبك عاجز، إنه مأساة.

 

([1] )

([2] ) جوته “فاوست – الجزء الأول – مكتب فاوست – المشهد الثالث. أنظر جوته “فاوست” الجزء الأول – ترجمة فيليب واين (ينجوين 1949 – ص 91) – الناشر.

([3] ) شكسبير “تيمون أثينا” – الفصل الرابع – المشهد الثالث (وقد أقتبس ماركس عن ترجمة شيلجيل – تيك) – الناشر.

([4] ) المصدر السابق – الناشر.

([5] ) نهاية الصفحة ممزقة في المخطوط – الناشر.

« السابق التالي »