بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

المخطوطات الاقتصادية والفلسفية

« السابق التالي »

الفينومينولوجيا

(يعرض ماركس هنا العناوين الرئيسية للفصول والبنود في كتاب هيجل فينومينولوجيا الروح)

(أ) وعي الذات:

1- الوعي (أ) اليقين على مستوى الخبرة الحسية أو الـ”هذا” والمعنى. (ب) الإدراك (Perception) أو الشيء مع خصائصه، والوهم (Deception). (جـ) القوة والفهم. المظهر والعالم فوق الحسي.

2- وعي الذات. حقيقة يقين الذات. (أ) استقلال وعي الذات وتبعيته، السيادة (Lordship) والعبودية. (ب) حرية وعي الذات: الرواقبة، الشكية، الوعي التعس.

3- العقل. يقين العقل وحقيقة العقل. (أ) الملاحظة كعملية للعقل. ملاحظة الطبيعة ووعي الذات. (ب) تحقيق وعي الذات العقلاني من خلال نشاطه ذاته. اللذة والضرورة. قانون القلب وجنود الخيلاء. الفضيلة ومسار العالم. (جـ) الفردية التي هي حقيقة في ذاتها ولذاتها. المملكية الحيوانية الروحية والوهم أو الواقعة الحقيقية. العقل كمشرع. العقل الذي يختبر القوانين.

(ب) الروح:

1- الروح الحق: النظام الأخلاقي.

2- الروح في اغتراب ذاتي – الثقافة.

3- الروح المتيقن من ذاته. الأخلاق.

(جـ) الدين:

الدين الطبيعي، الدين في شكل الفن، دين الوحي.

(د) المعرفة المطلقة.

إن موسوعة ([1]) هيجل، إذ تبدأ بالمنطق، بالفكر النظري الخالص، وتنتهي بالمعرفة المطلقة – بوعي الذات، بالروح المجرد الفلسفي أو المطلق (أي فوق الإنساني) – الذي يعي ذاته، الذي يدرك ذاته – ليست في مجملها أكثر من عرض لماهية الروح الفلسفي، وموضعه ذاته. وليس الذهن الفلسفي أكثر من ذهن العالم المغترب الذي يفكر في إطار اغتراب ذاته – أي الذي يدرك ذاته بشكل مجرد. فالمنطق (عملية الذهن، القيمة التأملية أو القيمة الفكرية للإنسان والطبيعة – جوهرهما الذي أصبح غير مكترث بكل تحديد حقيقي، ومن هنا جوهرهما غير الحقيقي) هو تفكير مناسب، ومن هنا تفكير يتجرد عن الطبيعة وعن الإنسان الحقيقي: تفكير مجرد. ثم تخارج هذا التفكير المجرد… الطبيعة كما هي بالنسبة لهذا التفكير المجرد. إن الطبيعة خارجية عنه – إنها ضياع ذاته، وهو يدرك الطبيعة كذلك بطريقة خارجية، كتفكير مجرد – ولكن كتفكير مجرد مناسب. وأخيرًا – الروح – ** يعود إلى نقطة شأنه – التفكير الذي – باعتباره روحًا أنثروبولوجيا وفينومونولوجيا وسيكولوجيا وأخلاقيًا وفنيًا ودينيًا – ليس صحيحًا لذاته، إلى أن يجد أخيرًا ذاته، ويربط ذاته بذاته كمعرفة مطلقة في الروح الذي يصبح من هنا روحًا مطلقًا أي مجردًا، وهكذا يتلقى تجسيده الواعي في أسلوب للوجود يتوافق معه، لأن أسلوب وجوده الحقيقي هو التجريد.

وهناك خطًا مزدوج عند هيجل.

ويبرز الأول أوضح ما يكون في “الفينومينولوجيا” منبت الفلسفة الهيجلية. فحين يدرك هيجل – مثلاً – الثروة وسلطة الدولة إلخ…. كذاتيات (Entities) مغتربة عن الكائن الإنساني، فإن هذا إنما يحدث في شكلها كأفكار… إنها ذاتيات – فكرية ومن هنا مجرد اغتراب للتفكير الفلسفي الخالص أي المجرد. ولهذا فإن العملية كلها تنتهي بالمعرفة المطلقة. فالفكر المجرد هو بالتحديد ما اغتربت عنه هذه المواضيع، وما تواجهه بانتحالها للواقع. وينصب الفيلسوف من نفسه (وهو نفسه شكل مجرد للإنسان المغترب) مقياسًا للعالم المغترب. ومن هنا فإن كل تاريخ عملية الانسلاب، وكل عملية استرجاع (Retraction) الانسلاب، ليست سوى تاريخ إنتاج الفكر المجرد (أي المطلق) – إنتاج الفكر التأملي المنطقي. فالاغتراب – الذي يشكل إذن الأهمية الحقيقية لهذا الانسلاب ولتخطي هذا الانسلاب – هو التعارض بين “في ذاته” و”لذاته”، بين الوعي ووعي الذات، بين الموضوع والذات – أو بعبارة أخرى أنه التعارض – داخل إطار الفكر ذاته – بين التفكير المجرد وبين الواقع الحسي أو الحسي الواقعي. وليست كل التعارضات الأخرى – أو حركات هذه التعارضات – سوى المظهر، القناع، الشكل الخارجي، لهذه التعارضات التي هي وحدها ذات الأهمية، والتي تشكل معنى هذه التعارضات الدنيوية الأخرى. فالجوهر الموضوع للاغتراب والشيء الذي ينبغي تخطيه ليس حقيقة أن الكائن الإنساني يموضع ذاته بصورة غير إنسانية في معارضة ذاته، وإنما حقيقة أنه يموضع ذاته في تمايز عن التفكير المجرد، وفي تعارض معه.

وهكذا فإن تملك قوى الإنسان الجوهرية، التي أصبحت موضوعات – وفي الحقيقة موضوعات غريبة – هو في المقام الأول مجرد تملك يحدث في الوعي، في الفكر الخالص – أي في التجريد، إنه تملك لهذه الموضوعات كأفكار وكحركات للفكر. وبالتالي فرغم مظهرها السلبي والانتقادي للغاية، ورغم النقد الذي تحويه حقًا، والذي كثيرًا ما يستبق تطورًا لاحقًا بعيدًا، فسنجد كامنًا في الفينومينولوجيا منذ الآن – كبذرة، كإمكان، كسر الوضعية غير الانتقادية، والمثالية غير الانتقادية بالمثل، التي تظهر في مؤلفات هيجل اللاحقة – هذا الانحلال والإعادة للعالم التجريبي القائم. وفي المقام الثاني: فإن عودة العالم الموضوعي إلى الإنسان – وعلى سبيل المثال إدراك أن الوعي الحسي ليس وعيًا حسيًا مجردًا وإنما وعيًا حسيًا إنسانيًا – أن الدين والثروة إلخ… ليست سوى العالم المغترب للتموضع الإنساني، لقوى الإنسان الجوهرية وقد أعطيت للعمل، وأنها لهذا ليست سوى الطريق إلى العالم الإنساني الحقيقي – وأن هذا التملك أو الاستبصار (Insight) لهذه العملية يبدو لدى هيجل في هذا الشكل؛ أن انحس الدين وسلطة الدولة إلخ… هي ذاتيات روحية، لأن الروح هو وحده الجوهر الحق للإنسان، والشكل الحقيقي للروح هو الروح المفكر، العقل المنطقي النظري. فإنسانية الطبيعة، والطبيعة التي يولدها التاريخ – إنسانية منتجات الإنسان – تظهر في شكل أنها منتجات للروح المجرد وباعتبارها هذا فإنها – من ثم – مراحل للروح – ذاتيات فكر. ولهذا فإن الفينومينولوجيا هي نقد خفي – لا يزال بالنسبة لنفسه نقدًا غامضًا صوفيًا، ولكن بمقدار ما يبقى في ذهنها اغتراب الإنسان – ورغم أن الإنسان لا يبدو إلا في شكل روح – فسنجد مختفية فيها كل عناصر النقد، مهيأة ومعدة بالفعل بطريقة كثيرًا ما ترتفع فوق وجهة النظر الهيجلية. “فالوعي التعس” و”الوعي الأمين” والصراع بين “الوعي النبيل والدنيء” ([2])… إلخ… إلخ – هذه الأقسام المنفصلة تحوي – ولكن في شكل مغترب لا يزال – العناصر النقدية لمجالات بأسرها مثل الدين والدولة والحياة المدنية إلخ… فتمامًا كما تبدو الذاتيات، الموضوعات، باعتبارها ذاتيات فكر، فإن الذات هي دائمًا وعي أو وعي ذات، أو بالأحرى أن الموضوع لا يبدو إلا كوعي مجرد، والإنسان إلا كوعي ذات: ومن هنا فإن الأشكال المتميزة التي تظهر للاغتراب ليست إلا أشكالاً مختلفة للوعي ووعي الذات، وكما أن الوعي المجرد (الشكل الذي يتصور به الموضوع) هو في ذاته مجرد لحظة في تميز وعي الذات فإن ما يبدو كنتيجة للحركة هو تطابق وعي الذات مع الوعي – المعرفة المطلقة – حركة الفكر المجرد التي لم تعد متجهة إلى الخارج وإنما تدور الآن داخل ذاتها فحسب: وبعبارة أخرى أن النتيجة هي جدل الفكر الخالص.

وهكذا فإن الشيء البارز في فينومينولوجيا هيجل وحصيلتها النهائية – أي جدل النفي باعتباره المبدأ المحرك المولد – هو أولاً أن هيجل يتصور خلق الإنسان لنفسه “Self – genesis” كعملية، يتصور الموضعة كفقدان للموضوع، كإنسلاب، وتجاوز لهذا الإنسلاب، وأنه بهذا يدرك جوهر العمل، ويفهم الإنسان الموضوعي – الصادق لأنه إنسان حقيقي – باعتباره حصيلة عمل الإنسان نفسه. فالاتجاه الواقعي الإيجابي للإنسان نفسه ككائن نوعي، أو تجليه ككائن نوعي واقعي (أي ككائن إنساني) ليس ممكنًا إلا بأن تستخرج حقًا من نفسه كل القوى التي له كإنسان نوعي – وهو بدوره أمر ليس ممكنًا إلا من خلال مجموعة أعمال الإنسان، كنتيجة للتاريخ – ليس ممكنًا إلا بأن يعامل الإنسان هذه القوى النوعية كموضوعات، وهذا – بادئ ذي بدء – ليس بدوره ممكنًا إلا في شكل الاغتراب.

وسنبين الآن بالتفصيل أحادية الجانب عند هيجل وحدوده كما تتضح من الفصل الأخير من “الفينومينولويجا”، “المعرفة المطلقة” – وهو فصل يحوي الروح المركزة للفينومينولوجيا، والعلاقة بين الفينومينولوجيا وبين الجدل التأملي، وكذلك وعي هيجل بالاثنين معًا وبعلاقة كل منهما بالأخرى.

ولنكتف الآن مؤقتًا بأن نقول كلمة مقدمًا: أن وجهة نظر هيجل هي وجهة نظر الاقتصاد السياسي الحديث. وهو يدرك العمل كماهية للإنسان – كماهية الإنسان في عملية أثبات ذاتها: إنه لا يرى إلا الجانب الإيجابي – لا السلبي – للعمل، العمل هو الإنسان وهو يصبح لذاته داخل الإنسلاب، أو كإنسان منسلب. والعمل الوحيد الذي يعرفه هيجل ويعترف به هو العمل الذهني المجرد. ومن هنا فإن ما يشكل ماهية الفلسفة – إنسلاب الإنسان في معرفته بذاته أو العلم المنسلب وهو يفكر ذاته – يدركه هيجل باعتباره ماهيتها، ولهذا فإنه يستطيع في مواجهة الفلسفة السابقة أن يجمع عناصرها ومراحلها المنفصلة، وأن يعرض فلسفته باعتبارها الفلسفة. فما صنعه الفلاسفة السابقون – أنهم أدركوا مراحل منفصلة للطبيعة وللحياة الإنسانية كمراحل لوعي الذات، وفي الحقيقة لوعي الذات المجرد – معروف لهيجل باعتباره منجزات الفلسفة. ومن هنا فإن عمله مطلق.

ولنعد الآن إلى موضوعنا.

المعرفة المطلقة. الفصل الأخير من “الفينومينولوجيا”.

النقطة الأساسية هي أن موضوع الوعي ليس إلا وعي الذات أو أن الموضوع ليس إلا وعي ذات متموضعًا – وعي الذات كموضوع.

(وضع “Positing” الإنسان = وعي الذات).

والنتيجة إذن هي تخطي موضوع الوعي. والموضوعية من حيث هي كذلك تعتبر علاقة إنسانية مغتربة لا تتفق مع ماهية الإنسان، مع وعي الذات. وإعادة تملك الجوهر الموضوعي للإنسان، المولد في شكل اغتراب كشيء أجنبي، لا تعني إذن إلغاء الاغتراب فحسب، بل إلغاء الموضوعية كذلك، وبعبارة أخرى فإن الإنسان يعتبر كائنًا روحيًا غير موضوعي.

إن الموضوع يكشف عن نفسه لا بمجرد العودة إلى الذات – وهذه لدى هيجل الطريقة الأحادية الجانب لفهم هذه الحركة، إدراك جانب واحد فحسب. فالإنسان يوضع كمعادل للذات، غير أن الذات ليست إلا الإنسان المتصور بشكل مجرد – الإنسان الذي ولده التجريد. والإنسان يدور على الأنا، فالعين عين الأنا، والآذن أذن الأنا الخ…، وفيه نجد لكل واحدة من قواه الإنسانية صفة الذات  “Selfhood”. لكن من الخطأ أن نقول استنادًا إلى ذلك أن “لوعي الذات عيونًا وآذانًا وقوى جوهرية”، فوعي الذات بالأحرى صفة للطبيعة الإنسانية، للعين الإنسانية الخ… وليست الطبيعة الإنسانية صفة لوعي الذات.

والمجرد المحدد لذاته هو الإنسان كانا مجرد – الأنا وقد رفعت في تجريدها الخالص إلى مستوى الفكر (وسنعود إلى هذه النقطة فيما بعد).

وبالنسبة لهيجل فإن ماهية الإنسان – الإنسان – تساوي وعي الذات. ومن هنا فإن كل اغتراب لماهية الإنسان ليس إلا اغتراب وعي الذات. واغتراب وعي الذات لا ينظر إليه باعتباره تعبيرًا عن الاغتراب الحقيقي الكائن الإنساني – تعبيره المنعكس في مملكة المعرفة والفكر. بالعكس أن الاغتراب الحقيقي – الذي يبدو حقيقيًا – هو من حيث أعماقه، من حيث طبيعته الخفية (وهي طبيعة لا تظهرها في الضوء إلا الفلسفة) ليس إلا تجليًا لاغتراب الماهية الواقعية للإنسان، لوعي الذات. ومن هنا فإن العلم الذي يدرك هذا يسمى الفينومينولوجيا. ولهذا فإن كل إعادة لتملك الجوهر الموضوعي المغترب يظهر كعملية تجسد في وعي الذات: فالإنسان الذي يسيطر على وجوده الأساسي هو مجرد وعي ذات يسيطر على الماهيات الموضوعية، وعودة الموضوع إلى الذات هي إذن إعادة لتملك الموضوع.

وتجاوز موضوع الوعي، معبرًا عنه بشكل شامي يعني ([3]): (1) أن الموضوع من حيث هو موضوع يتمثل للوعي باعتباره شيئًا يختفي. (2) أن انسلاب وعي الذات هو الذي يقيم الشيئية (Thinghood). (3) إن هذا التخارج ([4]) لوعي الذات ليست له فحسب دلالة سلبية بل دلالة إيجابية كذلك. (4) أن له هذا المعنى لا بالنسبة لنا فحسب أو باطنيًا (Intriniscally) بل بالنسبة لوعي الذات نفسه. (5) بالنسبة لوعي الذات فإن لسلبية الموضوع، إلغائه لذاته، دلالة إيجابية – فوعي الذات يعرف هذا العدم للموضوع – لأن وعي الذات نفسه ينسلب بذاته، ولأنه في هذا الانسلاب يقيم ذاته كموضوع، أو من أجل الوحدة التي لا تنقسم للوجود للذات (Being – For – Self) يقيم الموضوع باعتباره ذاته. (6) ومن الناحية الأخرى هناك أيضًا هذه اللحظة الأخرى في العملية، إن وعي الذات قد ألغي بنفس القدر هذا الانسلاب والموضوعية وتجاوزهما واسترجاعهما في ذاته، وبذا استراح مع ذاته في وجوده الآخر من حيث هو وجود آخر. (7) هذه هي حركة الوعي، وفي هذه الحركة فإن الوعي هو مجموع لحظاتها. (8) ولا بد للوعي بالمثل أن يكون قد أقام علاقة بالموضوع في كل جوانبه ومراحله، وأحاط به من زاوية كل من هذه الجوانب والمراحل، وهذا المجموع للخصائص المحددة يجعل الموضوع كائنًا روحيًا باطنيًا، وهو يصبح كذلك في الحقيقة بالنسبة للوعي من خلال إدراك كل خصيصة مفردة منها كذات، أو من خلال ما أسميناه فيما سبق الموقف الروحي منها.

أما عن (1): أن الموضوع من حيث هو موضوع يتمثل للوعي باعتباره شيئًا يختفي – فهذه هي عودة الموضوع إلى الذات التي تحدثنا عنها فيما سبق.

أما عن (2): إن انسلاب وعي الذات هو الذي يقيم الشيئية. لأن الإنسان يساوي وعي الذات فإن جوهره الموضوعي المنسلب، أو الشيئية، يساوي وعي الذات المنسلب، وهكذا تقام الشيئية خلال هذا الانسلاب (فالشيئية هي ما هو موضوع بالنسبة للإنسان، والموضوع بالنسبة له ليس في الحقيقة إلا ما هو بالنسبة له موضوع جوهري، ومن هنا جوهره الموضوعي، ولما لم يكن الإنسان الواقعي، ولا بالتالي الطبيعة – باعتبار أن الإنسان هو الطبيعة الإنسانية – هو الذي يعتبر من حيث هو كذلك – الذات وإنما تجريد الإنسان – وعي الذات – فإن الشيئية لا يمكن أن تكون إلا وعي ذات منسلبًا). ومن المتوقع تمامًا أن كائنًا طبيعيًا حيًا مزودًا أو متمتعًا بقوات جوهرية موضوعية (أي مادية) لا بد أن تكون له موضوعات طبيعية واقعية لجوهره، وأن انسلابه الذاتي لا بد أن يقود إلى إقامة عالم موضوعي واقعي – وإنما عالم في شكل تخارج – ومن هنا عالم لا ينتمي إلى وجوده الجوهري، عالم يسيطر عليه. وليس في هذا شيء غامض أو غير مفهوم، بل أن الأمر ليكون غامضًا لو كان على العكس. لكن من الواضح بالمثل أن وعيًا للذات لا يمكن أن يقيم الشيئية إلا خلال انسلابه – أي يقيم شيئًا ليس هو ذاته إلا شيئًا مجردًا، شيئًا ينتمي للتجريد وليس شيئًا واقعيًا. ومن الواضح كذلك أن الشيئية من هنا محرومة تمامًا من أي استقلال، من أي جوهرية، في مواجهة وعي الذات، وأنها على العكس مجرد مخلوق – شيء وضعه وعي الذات. وهذا الذي يوضع، بدلاً من أن يؤكد ذاته، ليس إلا تأكيدًا لفعل الوضع الذي تتركز فيه للحظة طاقة الفعل كناتج له، بحيث يبدو وكأنه يعطي الشيء الموضوع – ولكن للحظة فقط – جوهرًا ([5]) مستقلاً حقيقيًا.

وحيثما يقيم الإنسان الواقعي الجسدي، الإنسان الذي يضع قدميه ثابتتين على الأرض الصلبة، الإنسان الذي يستنشق ويزفر كل قوى الطبيعة، حيثما يقيم هذا الإنسان قواه الجوهرية الموضوعية الحقيقية كموضوعات غريبة عن طريق تخارجه، فليس فعل الوضع هو الذات في هذه العملية: إنها ذاتية القوى الجوهرية الموضوعية، التي لا بد من ثم أن يكون فعلها شيئًا موضوعيًا. فالكائن الموضوعي يتصرف بطريقة موضوعية، وما كان ليتصرف بطريقة موضوعية لو لم تكن الموضوعية كامنة في طبيعة وجوده ذاتها. أنه لا يخلق أو يقيم إلا موضوعات، لأنه إنما أقامته موضوعات – لأنه في الأصل طبيعة، ومن هنا فإن هذا الكائن الموضوعي – في فعل الإقامة – لا يسقط من حالة “النشاط الخالص” إلى خلق للموضوع، بالعكس أن ناتجه الموضوعي إنما يؤكد نشاطه الموضوعي، ويقيم نشاطه كنشاط لكائن طبيعي موضوعي.

وهنا نرى كيف تميز الطبيعة (Natrualism) أو الإنسانية المتسقة ذاتها عن كل من المثالية والمادية، مشكلة في نفس الوقت الحقيقة الموحدة للاثنتين. ونرى أيضًا كيف أن الطبيعة وحدها هي القادرة على الإحاطة بفعل تاريخ العالم.

فالإنسان هو مباشرة كائن طبيعي. وهو ككائن طبيعي، وككائن طبيعي حي، مزودة من ناحية بالقوى الطبيعية للحياة – إنه كائن طبيعي نشط. وتوجد هذه القوى فيه كاتجاهات وقدرات – كدوافع. ومن ناحية أخرى فإنه ككائن موضوعي طبيعي جسدي حسي هو مخلوق محدود مشروط يعاين كالحيوانات والنباتات، وبعبارة أخرى فإن موضوعات دوافعه توجد خارجه، كموضوعات مستقلة عنه، غير أن هذه الموضوعات هي موضوعات لاحتياجاته – موضوعات أساسية لا غنى عنها لتجلي قواه الجوهرية و تأكدها. فالقول بأن الإنسان كائن جسدي حي حقيقي حسي موضوعي مليء بالقوة الطبيعية يعني القول بأن لديه موضوعات حقيقية حسية كموضوعات لوجوده أو لحياته، أو بأنه لا يستطيع أن يعبر عن حياته إلا بموضوعات حقيقية حسية موضوعية. فأن تكون موضوعيًا وطبيعيًا وحسيًا، وفي نفس الوقت أن يكون لك موضوع وطبيعة وحس خارجك، أو أن تكون أنت ذاتك موضوعًا وطبيعة وحسًا لطرف ثالث هو نفس الشيء. فالجوع حاجة طبيعية، ولهذا فإنه يحتاج إلى طبيعة خارجه، موضوع خارجه، لكي يشبع ذاته، لكي يهدأ. الجوع حاجة معترف بها لجسدي إلى موضوع يوجد خارجه، لا غنى عنه لتكامله وللتعبير عن وجوده الجوهري. والشمس موضوع للنبات – موضوع لا غنى عنه بالنسبة له، يؤكد حياته – تمامًا كما أن النبات موضوع للشمس، باعتباره تعبيرًا عن قوة الشمس كموقظة للحياة، عن قوة الشمس الجوهرية الموضوعية.

والكائن الذي ليست له طبيعته خارجه ليس كائنًا طبيعيًا، ولا يلعب دورًا في نظام الطبيعة. والكائن الذي ليس له موضوع خارجه ليس كائنًا موضوعيًا. الكائن الذي ليس هو ذاته موضوعًا لكائن ثالث ليس له وجود بالنسبة لموضوعه، أي أنه لا يرتبط به موضوعيًا، إن وجوده ليس موضوعيًا.

إن وجودًا غير موضوعي هو علم – لا وجود.

فلنفترض كائنًا ليس هو ذاته موضوعًا، وليس له موضوع، إن مثل هذا الكائن في المقام الأول سيكون الكائن الأوحد (Unique): فلن يكون هناك وجود خارجه – وسيوجد منفردًا وحيدًا لأنه حالما توجد موضوعات خارجي، حالما لا أكون وحيدًا، فإنني آخر – واقع آخر غير الموضوع الذي يوجد خارجي. وهكذا فأنا بالنسبة لهذا الموضوع الثالث واقع آخر غيره، أي أنني موضوع له. وهكذا فإن افتراض كائن ليس موضوعًا لكائن آخر يعني أننا نفترض مسبقًا أنه لا يوجد كائن موضوعي. فحالما يكون لدى موضوع، فإنني أكون موضوعًا لهذا الموضوع. لكن كائنًا غير موضوعي هو شيء غير حقيقي لا معنى له – شيء يفكر فيه فحسب (أي متخيلاً فقط) – مخلوق من مخلوقات التجريد. وأن تكون حسيًا، أي أن تكون موضوعًا للحس، أن تكون موضوعًا حسيًا وبذلك تكون لديك موضوعات حسية خارجك – موضوعات لحسك، أن تكون حسيًا يعني أن تعاني ([6]).

ومن هنا فإن الإنسان ككائن حي هو كائن يعاني – ولأنه يشعر بما يعانيه فإنه كائن منفعل، والانفعال هو القوة الجوهرية للإنسان العاكف بنشاط على موضوعه.

لكن الإنسان ليس مجرد كائن طبيعي، بل هو كائن طبيعي إنساني، وبعبارة أخرى أنه كائن لذاته، ولهذا فإنه كائن نوعي، عليه أن يؤكد ذاته ويبديها باعتباره هذا سواء في وجوده أو في معرفته، ومن هنا فإن الموضوعات الإنسانية ليست الموضوعات الطبيعية كما تعرض نفسها مباشرة، كما ليس الحس الإنساني ما هو عليه مباشرة – كما هو موضوعيًا – حساسية إنسانية، موضوعية إنسانية. فلا الطبيعة موضوعيًا ولا الطبيعة ذاتيًا معطاة مباشرة في شكل ملائم للكائن الإنساني. ولما كان كل شيء طبيعي ينبغي أن تكون له بدايته، فإن للإنسان أيضًا فعل مجيئه إلى الوجود – التاريخ – ولكنه بالنسبة له تاريخ معروف، ومن هنا فكفعل للوجود فإنه فعل تجاوز ذاتي واع للوجود. فالتاريخ هو التاريخ الطبيعي الحقيقي للإنسان (وسنعود إلى هذه النقطة فيما بعد).

وثالثًا لأن هذه الإقامة للشيئية ليست ذاتها إلا خدعة، فعلاً يتناقض مع طبيعة النشاط الخالص، فلا بد من أن تلغى ثانية وتنكر الشيئية.

وأما عن (3) و(4) و(5) و(6): (3) إن هذا التخارج للوعي ليست له فحسب دلالة سلبية، بل دلالة إيجابية كذلك و(4) وله هذا المعنى لا بالنسبة لنا فحسب أو باطنيًا بل للوعي ذاته ([7]). (5) بالنسبة للوعي فإن لسلبية الموضوع، إلغائه لذاته، دلالة إيجابية. فالوعي يعرف هذا العدم للموضوع لأنه ينسلب بذاته، ولأنه في هذا الانسلاب يعرف ذاته كموضوع أو – من أجل الوحدة التي لا تنقسم للوجود للذات – يعرف الموضوع باعتباره ذاته. (6) ومن الناحية الأخرى هناك أيضًا هذه اللحظة الأخرى في العملية، إن الوعي قد ألغي بنفس القدر هذا الانسلاب والموضوعية وتجاوزهما واسترجاعهما في ذاته، وبذلك استراح مع ذاته في وجوده الآخر من حيث هو وجود آخر.

وكما رأينا من قبل فإن: تملك ما هو مغترب وموضوعي، أو إلغاء الموضوعية في شكل الاغتراب (الذي لا بد أن يتقدم من الغربة غير المكترثة إلى الاغتراب الحقيقي العدائي) يعني بالمثل بل وبالدرجة الأولى لدى هيجل أن الموضوعية هي التي ستلغي، فليس الطابع المحدد للموضوع – وإنما بالأحرى طابعه الموضوعي – هو الذي يعد إهانة ويشكل اغترابًا لوعي الذات. ولهذا فإن الموضوع شيء سلبي، يلغي ذاته – عدم. وهذا العدم للموضوع ليس له فحسب معنى سلبي، بل معنى إيجابي بالنسبة للوعي، لأن مثل هذا العدم للموضوع هو بالتحديد التأكيد الذاتي للاموضوعيته، لتجريده. وبالنسبة للوعي ذاته فإن لهذا العدم للموضوع معنى إيجابيًا لأنه يعرف هذا العدم، الوجود الموضوعي، كانسلابه الذاتي، لأنه يعرف أنه لا يوجد إلا كنتيجة لانسلابه الذاتي…

والطريقة التي يوجد بها الوعي، والتي يوجد بها الشيء بالنسبة للوعي، هي المعرفة، فالمعرفة هي فعله الوحيد. وهكذا فإن الشيء يوجد بالنسبة للوعي بمقدار ما يعرف الأخير هذا الشيء. والمعرفة هي علاقته الموضوعية الوحيدة. وإذن فالوعي يعرف عدم الموضوع (أي يعرف عدم وجود التمايز بين الموضوع وبينه، عدم وجود الموضوع بالنسبة له) لأنه يعرف الموضوع كانسلابه الذاتي؛ أي أنه يعرف ذاته – يعرف المعرفة كموضوع، لأن الموضوع ليس سوى مظهر لموضوع، ليس إلا نوعًا من التعمية، ولكنه ليس في جوهره إلا المعرفة ذاتها، التي واجهت ذاتها بذاتها وبعملها هذا واجهت نفسها بالعدم – بشيء ليست له موضوعية خارج المعرفة. أو: المعرفة تعرف أنها بربط ذاتها بموضوع فإنها فحسب خارج ذاتها، أنها إنما تتخارج (Externalize itself)، أنها ذاتها لا تبدو لذاتها إلا كموضوع – أو أن ما يبدو لها كموضوع ليس سوى هي ذاتها.

ومن ناحية أخرى – كما يقول هيجل – فإن هناك في نفس الوقت تلك اللحظة الأخرى في هذه العملية، أن الوعي قد ألغي بنفس القدر وتجاوز هذا التخارج والموضوعية واسترجاعهما في ذاته، وبذلك استراح في وجوده الآخر من حيث هو وجود آخر.

وفي هذه المناقشة تتجمع معًا كل أوهام الفكر النظري.

في المقام الأول: الوعي – وعي الذات – يستريح مع ذاته في وجوده الآخر من حيث هو وجود آخر. ومن هنا فإنه – أو إذا جردنا هنا من التجريد الهيجلي ووضعنا وعي ذات الإنسان بدلاً من وعي الذات – يستريح مع ذاته في وجوده الآخر من حيث هو وجود آخر. وهذا يتضمن – من ناحية – أن الوعي (المعرفة كمعرفة، والتفكير كتفكير) يدعى أنه مباشرة هو الآخر بالنسبة لذاته – أنه عالم الحس، العالم الواقعي، الحياة – الفكر يتخطى ذاته في الفكر (فيورباخ) ([8]). وهذا الجانب محتوى هنا من حيث أن الوعي كمجرد وعي لا يهاجم الموضوعية المغتربة، وإنما يهاجم الموضوعية من حيث هي موضوعية.

وثانيًا، هذا يتضمن أن الإنسان الواعي لذاته، بمقدار ما أدرك العالم الروحي (أو أسلوب الوجود الروحي العام لعالمه) وألغاه وتجاوزه كانسلاب ذاتي فإنه رغم هذا يؤكده في شكله المنسلب، ويقدمه باعتباره الأسلوب الحقيقي لوجوده – ويعيد إقامته ويتظاهر بأنه يستريح مع وجوده الآخر من حيث هو وجود آخر. وهكذا – على سبيل المثال – فبعد إلغاء الدين وتجاوزه، بعد إدراك الدين كنتاج لانسلاب الذات، فإنه رغم هذا يجد تأكيدًا لذاته في الدين كدين. وهنا يوجد جذر وضعية هيجل الزائفة، أو نقده الذي لا يعدو أن يكون نقدًا ظاهريًا: هذا ما وصفه فيورباخ بأنه وضع الدين أو اللاهوت ونفيهما وإعادة إقامتهما – ولكن ينبغي أن نفهمه بصورة أعم، وهكذا فإن العقل يستريح في اللاعقل من حيث هو لا عقل. والإنسان الذي أدرك أنه يعيش حياة منسلبة في السياسة والقانون إلخ… يعيش حياته الإنسانية الحقة في هذه الحياة المنسلبة من حيث هي كذلك. وهكذا فإن إثبات الذات، في تناقض مع ذاته – في تناقض مع كل من معرفة الموضوع والوجود الجوهري للموضوع – هو المعرفة الحقة والحياة الحقة.

وهكذا لم يعد يمكن الحديث عن عملية توفيق قام بها هيجل تجاه الدين والدولة إلخ… لأن هذه الأكذوبة هي أكذوبة مبدئه.

فإذا كنت أعرف الدين كوعي ذات إنساني منسلب، فإن ما أعرفه فيه كدين ليس وعي ذاتي، وإنما وعي ذاتي المنسلب متأكدًا فيه. ومن هنا فإنني أعرف ذاتي – وعي الذات الذي ينتمي إلى طبيعته الحقة – لا متأكدة في الدين بل بالأحرى في الدين الملغي المتجاوز.

وهكذا فعند هيجل ليس نفي النفي تأكيدًا للمساهمة الحقة يتم بالتحديد خلال نفي الماهية الزائفة. إن نفي النفي لديه هو تأكيد الماهية الزائفة، أو الماهية المغتربة عن ذاتها في إنكارها، أو هو إنكار هذه الماهية الزائفة كوجود موضوعي يعيش خارج الإنسان ومستقلاً عنه وتحويلها إلى الذات.

ومن هنا يلعب فعل التجاوز – الذي يرتبط فيه الإنكار بالاستبقاء، الإنكار بالتأكيد – دورًا خاصًا.

وهكذا – مثلاً – ففي فلسفة الحقوق عند هيجل قانون الحق الخاص للتجاوز يساوي الأخلاق، والأخلاق المتجاوزة تساوي العائلة، والعائلة المتجاوزة تساوي المجتمع المدني، والمجتمع المدني المتجاوز يساوي الدولة، والدولة المتجاوزة تساوي تاريخ العالم. وفي العالم الواقعي يظل الحق الخاص والأخلاق والعائلة والمجتمع المدني والدولة إلخ…. موجودة، لكنها أصبحت لحظات للإنسان – حالة لوجوده وكينونته – ليست لها قيمة إذا ما أخذت معزولة، ولكنها تتحلل، ويولد كل واحد منها الآخر إلخ… لقد أصبحت لحظات للحركة.

وفي وجودها الواقعي تختفي طبيعتها المتحركة هذه، وهي تظهر للمرة الأولى وتتجلى في الفكر، في الفلسفة. ومن هنا فإن وجودي الديني الحقيقي هو وجودي في فلسفة الدين، ووجودي السياسي هو وجودي في فلسفة الحق، ووجودي الطبيعي الحقيقي هو وجودي في فلسفة الطبيعة، ووجودي الفني الحقيقي هو وجودي في فلسفة الفن، ووجودي الإنساني الحقيقي هو وجودي في الفلسفة. وبالمثل فإن الوجود الحقيقي للدين والدولة والطبيعة والفن هو فلسفة الدين والطبيعة والدولة والفن. غير أنه إذا كانت فلسفة الدين إلخ… هي بالنسبة لي الوجود الحقيقي الوحيد للدين فإنني أيضًا لا أكون متدينًا حقًا إلا كفيلسوف للدين، وهكذا فإنني أنكر الشعور الديني الواقعي، والإنسان المتدين الواقعي، لكنني في نفس الوقت أؤكدهما – جزئيًا داخل وجودي أنا أو داخل الوجود الغريب الذي أضعه في معارضتهما – لأن هذا هو التعبير الفلسفي الوحيد عنهما – وجزئيًا أؤكدهما في شكلهما الأصلي، لأنهما ليسا صحيحين بالنسبة لي إلا كمجرد الوجود الآخر الظاهري. كرموز، كأشكال لوجودهما الحقيقي (أي لوجودي الفلسفي) المختفي تحت أقنعة حسية.

وبنفس الطريقة فإن الكيف المتجاوز يساوي الكم، والكم المتجاوز يساوي القياس، والقياس المتجاوز يساوي الماهية، والماهية المتجاوزة تساوي المظهر، والمظهر المتجاوز يساوي الواقع، والواقع المتجاوز يساوي المفهوم، والمفهوم المتجاوز يساوي الموضوعية، والموضوعية المتجاوزة تساوي الفكرة المطلقة، والفكرة المطلقة المتجاوزة تساوي الطبيعة، والطبيعة المتجاوزة تساوي الروح الذاتي، والروح الذاتي المتجاوز يساوي الروح الأخلاقي الموضوعي، والروح الأخلاقي الموضوعي المتجاوز يساوي الفن، والفن المتجاوز يساوي الدين، والدين المتجاوز يساوي المعرفة المطلقة ([9]).

ومن ناحية فإن فعل التجاوز هذا هو تخط للذاتية الفكرية (Thought entity)، وهكذا فإن الملكية الخاصة كفكرة تتجاوز في فكرة الأخلاق، ولأن الفكر يتصور نفسه باعتباره الآخر بالنسبة لذاته، باعتباره واقعًا حسيًا – ومن هنا يتصور فعله باعتباره فعلاً حسيًا واقعيًا – فإن هذا التجاوز في الفكر – الذي يترك موضوعه قائمًا في العالم الحقيقي – يؤمن بأنه قد تغلب عليه فعلاً. ومن ناحية أخرى فلأن الموضوع قد أصبح الآن بالنسبة إليه لحظة من الفكر، فإن الفكر يأخذه في واقعه أيضًا باعتباره تأكيدًا ذاتيًا لذاته – لوعي الذات، للتجريد.

فمن الناحية الأولى فإن الوجود الذي يتجاوزه هيجل في الفلسفة ليس إذن الدين الواقعي أو الدولة الواقعية أو الطبيعة الواقعية بل أن الدين ذاته يصبح بالفعل موضوعًا للمعرفة أي دوجماطيقًا، ونفس الأمر بالنسبة للفقه والعلم السياسي والعلم الطبيعي. ومن هنا فهو من الناحية الأولى يقف في معارضة كل من الشيء الواقعي والعلم المباشر غير الفلسفي أو التصورات (Conceptions) غير الفلسفية لهذا الشيء. وهو بالتالي يناقض تصوراتها الجارية ([10]).

ومن الناحية الأخرى فإن الإنسان المتدين إلخ… يمكن أن يجد لدى هيجل تأكيده النهائي.

وقد حان الوقت الآن لكي نمسك بالجوانب الإيجابية في الجدل الهيجلي في مجال الاغتراب.

(أ) الإلغاء كحركة موضوعية لاسترجاع الانسلاب في الذات. تلك هي البصيرة – معبرًا عنها داخل الاغتراب – والخاصة بتملك الجوهر الموضوعي خلال إلغاء اغترابه، إنها البصيرة المغتربة إلى الموضعة الحقيقية للإنسان، إلى التملك الحقيقي لماهيته الموضوعية خلال إلغاء الطابع المغترب للعالم الموضوعي في أسلوب وجوده المغترب – تمامًا كما أن الإلحاد باعتباره إلغاء الله – هو مقدم الإنسانية النظرية، والشيوعية – باعتباره إلغاء الملكية الخاصة – هي تبرير الحياة الإنسانية الواقعية كملك للإنسان، وبذلك مقدم الإنسانية العملية (أو تمامًا كما أن الإلحاد هو الإنسانية متصالحة مع ذاتها خلال إلغاء الدين، في حين أن الشيوعية هي الإنسانية متصالحة مع ذاتها خلال إلغاء الملكية الخاصة). فعن طريق إلغاء هذه الوساطة فحسب وإن كانت هي نفسها مقدمة ضرورية – تولد الإنسانية المستمدة من ذاتها إيجابيًا، الإنسانية الإيجابية.

لكن الإلحاد والشيوعية ليسا هروبًا، ليسا تجريدًا، ليسا فقدانًا للعالم الموضوعي الذي ولده الإنسان – فقدانًا لقواه الجوهرية المعطاة لمملكة الموضوعية، إنهما ليسا عودة في الفقر للبساطة البدائية غير الطبيعية، وبالعكس أنهما ليسا سوى الصيرورة الواقعية الأولى، تحقق ماهية الإنسان وقد أصبح واقعيًا بالنسبة للإنسان – ماهية الإنسان كشيء واقعي.

وهكذا فحين يدرك هيجلي المعنى الإيجابي للنفي المستند إلى ذاته (وإن يكن ثانية بطريقة مغتربة) فإنه يدرك الاغتراب الذاتي للإنسان، انسلاب جوهر الإنسان، فقدان الإنسان للموضوعية وفقدانه للحقيقة (Realness) باعتباره اكتشافًا للذات، وتغييرًا للطبيعة، وموضعته وتحققه. وباختصار فإن هيجل – داخل مملكة التجريد – يدرك العمل باعتباره فعل ولادة الإنسان لذاته – يدرك علاقة الإنسان بذاته ككائن غريب، وتجلى ذاته ككائن غريب، باعتبارها مولد وعي النوع وحياة النوع.

(ب) بيد أنه بعيدًا عن، أو بالأحرى نتيجة، للانحراف (Perverseness) الذي وصفناه من قبل فإن هذا الفعل يبدو لدى هيجل:

أولاً كمجرد فعل شكلي، لأن ماهية الإنسان ذاتها تؤخذ كمجرد ماهية مجردة مفكرة، لا تتصور إلا كوعي ذات. و…

ثانيًا، لأن التصور شكلي مجرد فإن إلغاء الانسلاب يصبح تأكيدًا للانسلاب، أو بعبارة أخرى فإن هذه الحركة لتوليد الذات وموضعة الذات في شكل انسلاب ذات واغتراب ذات هي – لدى هيجل – التعبير المطلق، ومن ثم النهائي – للحياة الإنسانية – للحياة التي أصبحت غاية ذاتها، للحياة التي استراحت مع ذاتها، للحياة التي حققت الوحدة مع ماهيتها.

وهكذا فإن هذه الحركة في شكلها المجرد كجدل تعتبر الحياة الإنسانية حقًا، ولأنها رغم ذلك تجريد – اغتراب للحياة الإنسانية – فإنها تعتبر عملية إلهية، وإنما عملية إلهية للإنسان، عملية تمر بها ماهية الإنسان الخالصة المطلقة كشيء متميز عنه.

وثالثًا، لا بد لهذه العملية من حامل، ذات. لكن الذات تبدو أولاً كنتيجة. ومن هنا فإن هذه النتيجة – الذاتي التي تعرف ذاتها كوعي ذات مطلق – هي الله – الروح المطلق – الفكرة التي تعرف ذاتها وتتجلى لذاتها. ويصبح الإنسان الواقعي والطبيعة الواقعية مجرد محمولين (Predicates) – رمزين لهذا الإنسان الخفي غير الواقعي ولهذه الطبيعة غير الواقعية. وهكذا فإن الذات والمحمول يرتبطان ببعضهما البعض في علاقة تعاكس مطلق – إنها ذات – موضوع صوفية أو ذاتية تصل إلى ما بعد الموضوع – الذات المطلق كعملية، كذات تنسلب عن ذاتها وتعود من الانسلاب إلى ذاتها، لكنها في نفس الوقت تسترجع هذا الانسلاب في ذاتها، والذات باعتبارها هذه العملية، خالصة قلقة تدور داخل ذاتها.

أولاً التصور الشكلي والمجرد لعمل التوليد الذاتي والتموضع الذاتي للإنسان.

إذ وضع هيجل الإنسان كمعادل لوعي الذات، فإن الموضوع المغترب – الواقع الجوهري المغترب للإنسان – ليس سوى وعي، مجرد فكرة الاغتراب – التعبير المجرد وبالتالي الفارغ غير الواقعي عن الاغتراب، النفي. ومن هنا فإن إلغاء الاغتراب ليس بالمثل إلا إلغاء مجردًا فارغًا لهذا التجريد الفارغ – نفي النفي. وهكذا فإن النشاط الغني الحي الحسي العيني لتموضع الذات ينتهي إلى مجرد تجريده، السلبية المطلقة – تجريدًا يتثبت ثانية باعتباره تجريدًا ويفكر فيه كنشاط مستقل – كنشاط محض. ولأن هذه السلبية المزعومة ليست أكثر من الشكل المجرد الفارغ للفعل الحي الحقيقي، فإن مضمونه لا يمكن بالتالي أن يكون إلا مجرد مضمون شكلي أنجبه التجريد من كل مضمون. وكنتيجة لذلك فإن هناك أشكال تجريد عامة مجرد تنتمي لكل مضمون، ولهذا السبب فإنها غير مكترثة – وبالتالي صالحة – لكل مضمون – صور الفكر أو المقولات المنطقية المفصولة عن الروح الواقعي وعن الطبيعة الواقعية (وسنعرض المضمون المنطقي للسلبية المطلقة فيما بعد).

وإنجاز هيجل الإيجابي هنا – في منطقه النظري – هو أن المفهومات المحددة – صور الفكر المثبتة الكلية في استقلالها في مواجهة الطبيعة والروح – هي نتيجة ضرورية للاغتراب العام للجوهر الإنساني ومن ثم أيضًا للفكر الإنساني، وأن هيجل بذلك قد جمع بينهما معًا وعرضهما كلحظات لعملية التجريد. وعلى سبيل المثال فإن الوجود المتجاوز هو الماهية، والماهية المتجاوزة هي المفهوم، والمفهوم المتجاوز هو… الفكرة المطلقة. ولكن ماذا إذن هي الفكرة المطلقة؟ إنها تتجاوز نفسها ثانية إذا لم ترد أن تمر ثانية من البداية بكل فعل التجريد، وأن تذعن لكونها كلية تجريدات، أو كونها التجريد الذي يدرك ذاته. لكن التجريد الذي يدرك ذاته كتجريد يعرف أنه لا شيء، ولا بد له أن يتخلى عن ذاته – أن يتخلى عن التجريد – وهكذا يصل إلى ذاتية هي نقيضه تمامًا – إلى الطبيعة. وهكذا فإن “المنطق” كله هو إيضاح أن الفكر المجرد ليس شيئًا في ذاته، إن الفكرة المطلقة ليست شيئًا في ذاتها، وأن الطبيعة وحدها هي الشيء.

إن الفكرة المطلقة، الفكرة المجردة التي “تعتبر من حيث وحدتها مع ذاتها حدسًا” ([11]) (هيجل الأنسكلوبيديا – الطبعة الثالثة – ص 222) والتي “تقرر في حقيقتها المطلقة أن تترك لحظة خصوصيتها أو لحظة التحدد (Characterization) المبدئي والوجود الآخر – الفكرة المباشرة كانعكاس لها – تنطلق حرة من ذاتها كطبيعة” (المصدر نفسه) – هذه الفكرة التي تتصرف بمثل هذه الطريقة الغريبة الفريدة، والتي سببت للهيجليين مثل هذا الصداع الرهيب، ليست من البداية إلى النهاية سوى تجريد (أي المفكر المجرد) – تجريد يقرر – وقد علمته التجربة وتنور بالنسبة لحقيقته – في ظل ظروف متنوعة (زائفة لا تزال هي ذاتها تجريدًا) أن يتخلى عن ذاته وأن يحل محل استغراقه في ذاته، وعدميته، وعموميته وعدم تحديده وجوده الآخر، الخاص، والمحدد، يقرر أن يترك الطبيعة التي يبقيها مختفية في ذاته وإنما كتجريد، كذاتية فكر، تنطلق متحررة من ذاتها، وبعبارة أخرى أن التجريد يقرر أن يتخلى عن التجريد، وأن يلقي نظرة على الطبيعة متحررًا من التجريد. والفكرة المجردة التي تصبح دون وسيط حدسًا ليست إطلاقًا سوى تفكير مجرد يتخلى عن ذاته ويعتزم الحدس. وليس هذا الانتقال من المنطق إلى فلسفة الطبيعة إلا الانتقال – الذي يصعب للغاية على الفيلسوف المجرد أن يقوم به، وبذلك يبدو وصفه له غريبًا للغاية – من التجريد إلى الحدس، والشعور الصوفي الذي يدفع الفيلسوف إلى الأمام من التفكير المجرد إلى الحدس هو الملل – الشوق إلى مضمون.

(والإنسان المغترب عن ذ اته هو أيضًا المفكر المغترب عن ماهيته، أي عن الماهية الطبيعية والإنسانية. ومن هنا فإن أفكاره أشكال وأشباح ذهنية مثبتة تعيش خارج الطبيعة والإنسان. وقد أغلق هيجل على كل هذه الأشكال الذهنية في كتابة المنطق، مدركًا كلاً منها أولاً كنفي، أي كانسلاب للفكر الإنساني – ثم كنفي للنفي – أي كتجاوز لهذا الانسلاب، كتعبير واقعي عن الفكر الإنساني. ولكن لما كان هذا لا يزال يحدث داخل حدود الاغتراب، فإن هذا النفي هو جزئيًا استرجاع هذه الأشكال المثبتة في اغترابها – وجزئيًا التوقف قبل الفعل الأخير – فعل الرجوع إلى الذات في الانسلاب – كأسلوب حقيقي لوجود هذه الأشكال الذهنية المثبتة ([12])، وجزئيًا – وإلى الحد الذي يدرك فيه هذا التجريد ذاته ويشعر بإنهاك لا ينتهي داخل ذاته – يظهر هنا عند هيجل في شكل العزم على الاعتراف بالطبيعة باعتبارها الوجود الجوهري والانتقال إلى الحدس – التخلي عن الفكر المجرد – التخلي عن الفكر الذي لا يدور إلا في مدار الفكر، الفكر المحروم من العيون والأسنان والآذان وكل شيء).

لكن الطبيعة بدورها، إذا ما أخذت بشكل مجرد، إذا ما أخذت لذاتها – الطبيعة المثبتة معزولة عن الإنسان – ليست شيئًا بالنسبة للإنسان، وغني عن البيان أن المفكر المجرد الذي يعتزم الحدس، يحدس الطبيعة بشكل مجرد، فتمامًا كما ترقد الطبيعة حبيسة داخل المفكر في شكل الفكرة المطلقة، في شكل ذاتية فكر – في شكل هو شكله ورغم ذلك فإنه خفي وغامض حتى بالنسبة له – فإن ما عليه أن يطلقه من ذاته الآن ليس في الحقيقة سوى هذه الطبيعة المجردة، سوى الطبيعة كذاتية فكر – ولكن لها الآن معنى كونها الموجود الآخر للفكر، كونها طبيعة واقعية محدسة – كونها طبيعة متميزة عن الفكر المجرد. أو إذا تحدثنا بلغة بشرية أن المفكر المجرد يتعلم في حدسه للطبيعة أن الذاتيات التي فكر في خلقها من لا شيء، من التجريد الخالص – الذاتيات التي كان يؤمن بأنه ينتجها في الجدل الإلهي كمنتجات خالصة لعمل الفكر الذي ينسج داخل ذاته إلى الأبد ولا ينظر أبدًا إلى الخارج – ليست إلا تجريدات من خصائص الطبيعة. ولهذا فإن الطبيعة كلها لديه إنما تكرر التجريدات المنطقية في شكل حسي خارجي. أنه يحللها ويحلل هذه التجريدات مرة أخرى بعد الأخرى، ومن هنا فإن حدسه للطبيعة ليس سوى التكرار الواعي من جانبه لعملية ميلاد تجريده. وهكذا – على سبيل المثال – فإن الزمن يساوي السلبية التي ترجع إلى ذاتها (المصدر نفسه ص 238): ويتجاوب مع الصيرورة المتجاوزة كوجود الحركة المتجاوزة كمادة – في شكل طبيعي. فالضوء هو انعكاس في الذات، في شكل طبيعي، وجرم كالقمر والشهاب هو الشكل الطبيعي للتضاد الذي يقوم – طبقًا للمنطق – بين الإيجابي المرتكز على ذاته من ناحية والسلبي المرتكز على ذاته من ناحية أخرى. والأرض هي الشكل الطبيعي للأرض المنطقية كوحدة سلبية للتضاد إلخ…. ([13]).

إن الطبيعة كطبيعة – أي من حيث أنها لا تزال متميزة حسيًا عن ذلك المعنى السري المختبئ داخلها – الطبيعة مفصولة ومتميزة عن هذه التجريدات، ليست شيئًا – إنها لا شيء يثبت أنه لا شيء – خالية من المعنى، أو ليس لها سوى معنى كونها خارجية ينبغي إلغاؤها.

“وفي الموقف الغائي المحدود نجد القضية الصحيحة أن الطبيعة لا تحوي داخلها الغاية المطلقة” (ص 225) وغايتها هي تأكيد التجريد.

“لقد أوضحت الطبيعة ذاتها باعتبارها الفكرة في شكل الوجود الآخر، ولما كانت الفكرة في هذا الشكل هي نفي ذاتها أو خارجية عن ذاتها، فإن الطبيعة ليست فحسب خارجية نسبيًا في مواجهة هذه الفكرة، بل أن الخارجية تمثل الشكل الذي توجد فيه الطبيعة” (ص 227).

ولا ينبغي أن نفهم الخارجية هنا باعتبارها عالم الحس المتخارج والمكشوف للضوء، المفتوح أمام الإنسان المزود بالحواس، وإنما ينبغي أن نفهمه هنا بمعنى الانسلاب – خطًا – نقيصة، ينبغي ألا توجد. لأن ما هو صحيح لا يزال هو الفكرة. وليست الطبيعة إلا شكل الوجد الآخر للفكرة. ولما كان الفكر المجرد هو الماهية، فإن ما هو خارجي بالنسبة له هو بحكم ماهيته مجرد شيء خارجي. إن المفكر المجرد يعرف في نفس الوقت بأن الحسية – الخارجية – في تعارض مع الفكر الذي ينسج داخل ذاته – هي ماهية الطبيعة. لكنه يعبر عن هذا التناقض بطريقة تجعل من خارجية الطبيعة هذه، تناقضها مع الفكر، نقيصتها، بحيث أن الطبيعة بمقدار ما هي متميزة عن التجريد شيء ناقص. والشيء الناقص لا بالنسبة لي وفي عيني فحسب، بل في ذاته – باطنيًا – له شيء خارجه يفتقر إليه. أي أن وجوده هو شيء آخر غيره ذاته. ومن هنا فإن على الطبيعة أن تتخطى ذاتها بالنسبة للمفكر المجرد، لأنه منذ البداية يضعها ككائن متجاوز بالقوة.

“وبالنسبة لنا فإن الطبيعة هي مقدمة الروح باعتباره حقيقة الطبيعة، ولهذا السبب فإنه أولها المطلق وفي هذه الحقيقة اختفت الطبيعة، ونتج الروح باعتباره الفكرة وقد وصلت إلى الوجود لذاتها، وموضوعها، فضلاً عن ذاتها – هو المفهوم. وهذا التطابق سلبية مطلقة لأنه في حين أن للمفهوم في الطبيعة موضوعيته الخارجية الكاملة، فإن هذا، انسلابه، قد تخطى، وفي هذا الانسلاب أصبح المفهوم متطابقًا مع ذاته، ومن هنا فإنه هذا التطابق فحسب في كونه عودة خارج الطبيعة” (ص 392).

“وباعتباره الفكرة المجردة فإن الوحي هو الانتقال دون وسيط إلى الطبيعة، صيرورتها، وباعتباره وحي الروح – الذي هو حر – فإنه إقرار الطبيعة كعالم الروح – وهو إقرار يعد في نفس الوقت باعتباره انعكاسًا – افتراضًا مسبقًا للعالم كطبيعة موجودة بشكل مستقل. والوحي في التصور هو خلق الطبيعة كوجود للذهن، يحقق فيه الذهن تأكيد حريته وحقيقتها” “فالمطلق هو الروح. هذا هو أعلى تعريف للمطلق”.

“كتبه كارل ماركس بين إبريل وأغسطس 1844”

ونشره للمرة الأولى جزئيًا معهد الماركسية اللينينية بالروسية عام 1927

ثم كاملاً بالألمانية في عام 1933

 

([1] ) ج. ت. ف. هيجل

“Enzyklopadie der Philosophischen Wissenschaften”.

وتتألف “السكلوبيديا العلوم الفلسفية” لهيجل من مجلد واحد يضم ثلاثة أقسام: موضوع الأول هو المنطق، وموضوع الثاني فلسفة الطبيعة، والثالث فلسفة الروح – الناشر.

([2] ) “الوعي التعس” إلخ.. أشكال للذهن ومراحل وعوامل في التاريخ الإنساني ميزتها وحللتها الأقسام الخاصة من كتاب هيجل “الفينومينولوجيا” – الناشر.

([3] ) الفقرة التالية مأخوذة حرفيًا عن الفقرة الثانية والثالثة من الفصل الأخير “لفينومينولوجيا” هيجل – الناشر.

([4] ) Entausserung

([5] ) Wesen

([6] ) أن تكون حسيًا يعني أن تعاني “Sinnlich sein ist leidend sein” وينبغي أن نفهم “تعاني” هنا بمعنى “تتحمل” أي أن تكون موضوعًا لفعل آخر. ولاحظ الانتقال في الجملة التالية من “Leiden” (المعاناة) إلى “leidenschafilich” (الانفعال).

([7] ) أخذ ماركس الضمير (es) هنا على أنه عائد على “Bewusstsein” (الوعي). ولكن يبدو أن بيل في ترجمته الإنجليزية لكتاب هيجل كان أكثر صحة حين أخذه على أنه يعود على “Selbstbewusstsein” (وعي الذات). وقد استخدم ماركس في أول اقتباس لهذه الفقرة الضمير دون تحديد من يعود عليه فاتبع المترجم الإنجليزي بيل في ترجمته على أنه يعود على “وعي الذات” أما عند إعادة الاقتباس هنا فقد اتبع المترجم ماركس وعاد بالضمير على “الوعي” – المترجم.

([8] ) يشير ماركس هنا إلى الفقرة 30 من كتاب فيورباخ “Grudsatze der Philosophie der Zukunft” “مبادئ فلسفة المستقبل” التي تقول “إن هيجل مفكر يتخطى ذاته في الفكر” – الناشر.

([9] ) يقدم هذا التسلسل “المقولات” أو “أشكال الفكر” الرئيسية في أنسكلوبيديا هيجل بالترتيب الذي تحدث به ويتم تجاوزها. وبالمثل فإن التسلسل السابق (ص 148) من “الحق الخاص” إلى “تاريخ العالم” يقدم المقولات الرئيسية في كتاب هيجل “فلسفة الحق” بالترتيب الذي يظهر به هناك – الناشر.

([10] ) أي التصور الجاري للاهوت والفقه والعلم السياسي والعلم الطبيعي إلخ. الناشر.

([11] ) “منطق هيجل” ترجمة والاس الفقرة 244 “والحدس” يستخدم هنا ترجمة لكلمة “Anschauen” التي تعني في الاستخدام الجاري “التأمل” لكن هيجل يستخدم الكلمة هنا – كما استخدمها كانت – كتعبير فني يعني في الفلسفة – تقريبًا – “الإدراك من خلال الحواس” كذلك ينبغي فهم كلمة “الحدس” هنا لا بمعناها الشائع وإنما بمعناها الفلسفي الذي يعتبر معادلاً لكلمة (Anschauen) – الناشر.

([12] ) ويعني هذا أن ما فعله هيجل هو أنه وضع مكان هذه التجريدات المثبتة فعل التجريد الذي يدور في دائرته هو. وكان له – وهو يفعل ذلك – أولا فضل أنه أوضح مصدر كل هذه المفاهيم غير الملائمة التي تنتمي – كما عرضت في الأصل – لفلسفات متباينة، وأنه جمعها معًا، وأنه جعل كل محيط التجريد بكل اتساعه، موضحًا للنقد بدلاً من تجريد محدد ما (وسنرى فيما بعد لماذا يفصل هيجل الفكر عن الذات، غير أنه من الواضح في الوقت الحالي أنه حين لا يوجد الإنسان، فإن تعبيره المميز لا يمكن أيضًا أن يكون إنسانيًا، كما لا يمكن أن يدرك الفكر كتعبير عن الإنسان من حيث هو ذات إنسانية وطبيعية مزودة بعيون وآذان.. إلخ… ويعيش في المجتمع وفي العالم وفي الطبيعة).

([13] ) الزمن والحركة والمادة والضوء إلخ.. أشكال متميزة في “فلسفة الطبيعة” لهيجل، والصيرورة إلخ.. هي بالطبع مقولات في “المنطق” – الناشر.

« السابق التالي »