الإرهاب والشيوعية
إن مفتاح الاقتصاد هو اليد العاملة، سواء أكانت مختصة، أم ضعيفة التخصص، أم نصف مختصة، أم بدائية، إلى آخره. وأن إيجاد الوسائل لإحصائها بدقة، وتجنيدها، وتوزيعها، واستخدامها بصورة منتجة، يعني عمليًا حل مشكلة بنائنا الاقتصادي. أنها مهمة عصر كامل، مهمة عظيمة. وصعوبتها تتعقد من واقع أنه يتوجب علينا أن نعيد تنظيم العمل على أسس اشتراكية في شروط من الفقر والفاقة المريعة لم يشهد أحد قط مثيلها.
وكلما اهترأت آلاتنا، وكلما تخربت وسائط نقلنا. وسككنا الحديدية، وكلما تضاءل حظنا في أن نتلقى من الخارج في مدى قريب كمية ما من الآلات مهما تكن ضئيلة، ازدادت أهمية مسألة اليد العاملة. أننا نملك، على ما يبدو، يدًا عاملة كبيرة الأهمية. لكن ما الطريق المؤدية إليها؟ كيف نقودها إلى البناء؟ كيف ننظمها صناعيًا؟ لقد سبق أن اصطدمنا، أثناء عمليات إزاحة الثلوج التي سدت هذا الشتاء سككنا الحديدية، بصعوبات كبيرة. أننا لا نملك أي إمكانية للتغلب على هذه الصعوبات بشراء اليد العاملة، نتيجة لتدهور قيمة النقد وعدم وجود بضائع مصنوعة. وإن حاجاتنا من الوقود لا يمكن أن تشبع، ولو جزئيًا بدون استخدام كثيف، لم تشهد البلاد مثله قط، للقوة العاملة من أجل قطع الحطب واستخراج التراب النفطي والفحم الحجري. لقد دمرت الحرب الأهلية السكك الحديدية والجسور والمحطات. ولا بد من عشرات ومئات الآلاف من الشغيلة لإعادة كل شيء إلى وضعه الطبيعي. ولا بد من منازل للشغيلة، ولو كانت أكواخًا مؤقتة، من أجل إنتاج واسع المدى لحطب التدفئة والتراب النفطي ومن أجل الأعمال الأخرى. ومن هنا كانت، من جديد، ضرورة يد عاملة هامة لأعمال البناء. كما أن كمية كبيرة من اليد العاملة ضرورية لتنظيم الأسطول وهكذا ودواليك.
لقد كانت الصناعة الرأسمالية تتمون إلى حد كبير باليد العاملة المساعدة من بين عناصر الريف المهاجرة. إن نقص الأراضي القابلة للزراعة الذي كان يضغط بقسوة، كان يقذف باستمرار إلى السوق بكمية احتياطية من اليد العاملة. وكانت الدولة ترغمها على بيع نفسها بزيادة الضرائب وكانت السوق تقدم بضائع للفلاح. وفي الساعة الراهنة لم يعد لهذا الوضع وجود. إن لدى الفلاح الآن أراضي أكثر، لكن لما كان يفتقر إلى أدوات الحراثة، فإنه بحاجة إلى المزيد من القوة العاملة. ثم أن الصناعة قد أصبحت عاجزة تقريبًا عن أن تقدم أي شيء للريف، ولم تعد السوق تمارس أي جذب لليد العاملة.
إلا أننا بحاجة إلى هذه اليد العاملة أكثر من أي وقت مضى. وليس العامل هو الوحيد الذي يتوجب عليه أن يعطي السلطة السوفياتية قوته حتى لا تسحق روسيا الكادحة ومعها الشغيلة أنفسهم، بل نحن بحاجة أيضًا إلى قوة الفلاحين. والطريقة الوحيدة للحصول على اليد العاملة اللازمة للمهام الاقتصادية الراهنة هي تطبيق إلزامية العمل.
إن مبدأ إلزامية العمل بالذات هو مبدأ غير قابل للنقاش بالنسبة إلى الشيوعيين: “من لا يعمل لا يأكل”. ولما كان على الجميع أن يأكلوا، فالجميع مرغمون بالتالي على العمل. لقد نص دستورنا وقانون العمل على إلزامية العمل. لكنها لم تكن حتى الآن إلا مجرد مبدأ. ولم يأخذ تطبيقه إلا طابعًا عرضيًا وجزئيًا ومؤقتًا. وأن ضرورة إلزامية العمل لم تنطرح علينا بكل حدتها إلا اليوم ونحن نواجه المسائل التي يطرحها واجب النهوض بالبلاد. إن الحل النظامي الوحيد، مبدئيًا وعمليًا، للمصاعب الاقتصادية يقوم على اعتبار جميع سكان البلاد مستودعًا ضروريًا للقوة العاملة – منبعًا لا ينفد تقريبًا – وعلى تنظيمهم تنظيمًا متينًا بواسطة الإحصاء والتجنيد والاستخدام.
فكيف نجند عمليًا اليد العاملة على أساس إلزامية العمل؟
حتى اليوم، كانت وزارة الحربية هي الوحيدة التي تملك تجربة في مجال الإحصاء والتجنيد والتدريب وتوزيع الجماهير الواسعة. ولقد ورثت وزارة الحربية طرائقها وأساليبها الفنية من الماضي إلى حد بعيد. ولم يقدر لنا أن نتلقى مثل هذا الإرث في المجال الاقتصادي لأنه كان يسيطر عليه مبدأ الملكية الخاصة ولأن اليد العاملة كانت تتدفق إلى مختلف المشاريع من سوق العمل مباشرة. لقد كان من الطبيعي إذن يوم كنا مرغمين، وبخاصة في الآونة الأولى، أن نستخدم على نطاق واسع جهاز وزارة الحربية لتعبئة القوى العاملة.
لقد أنشأنا في المركز والأقاليم أجهزة خاصة لوضع إلزامية العمل موضع التنفيذ. وتعمل اليوم لهذا الغرض لجان خاصة في الحكومات والمحافظات والكونتونات. وهي تعتمد بصورة رئيسية على الأجهزة المركزية والمحلية التابعة لوزارة الحربية. ومراكزنا الاقتصادية: “المجلس الأعلى للاقتصاد الشعبي”، و”قوميسارية الزراعة”، و”قوميسارية الطرق والمواصلات”، و”قوميسارية التموين”، تحدد بنفسها ما يلزمها من اليد العاملة. وتتلقى “اللجنة المركزية لإلزامية العمل” كل هذه الطلبات، وتنسقها، وتلائم بينها وبين مصادر اليد العاملة المحلية، وتصدر التعليمات المناسبة لأجهزتها المحلية، وتحقق بواسطتها تعبئة القوى العاملة. أما على نطاق الأقاليم والحكومات والمحافظات، فإن الأجهزة المحلية تنفذ بصورة مستقلة ذاتيًا هذا العمل بهدف تلبية الحاجات الاقتصادية المحلية.
إن هذا التنظيم كله لم ترسم معالمه إلا بصورة عامة للغاية. ولا بد له ليكتمل من عمل الشيء الكثير. لكن الطريق التي نسير فيها هي بدون أدنى ريب الطريق الصالحة.
إذا كان تنظيم المجتمع الجديد تعتمد كأساس على تنظيم جديد للعمل، فإن هذا التنظيم يقتضي بدوره التطبيق النظامي لإلزامية العمل. إن التدابير الإدارية والتنظيمية غير كافية لإنجاز هذه المهمة. إن هذه المهمة تشمل أسس الاقتصاد العام وأسس الوجود بالذات. إنها تصطدم بالآراء المسبقة وبالعادات البسيكولوجية. وإن وضع إلزامية العمل موضع التنفيذ يفترض، من جهة أولى، عملاً تربويًا جبارًا، ويفترض من الجهة الثانية أكبر الحذر في الطريقة العملية لتطبيقها.
إن استخدام اليد العاملة يجب أن يتم بأكبر قدر من التوفير. ولا بد عند تعبئة القوة العاملة من أن نأخذ بعين الاعتبار شروط الوجود الاقتصادي لكل منطقة، وحاجات الصناعة الزراعية لدى السكان القرويين. وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار إلى أقصى حد ممكن الموارد الموجودة مسبقًا والعناصر المهاجرة المحلية، إلخ. وينبغي أن يتم توزيع اليد العاملة المعبأة على مسافات صغيرة، أي أن تؤخذ من أقرب القطاعات إلى جبهة العمل. وينبغي أن يتناسب عدد الشغيلة المعبئين مع أهمية المهمة الاقتصادية. وينبغي أن يزود الشغيلة المجندون في الوقت المناسب بالمؤن وأدوات العمل وينبغي أن يكون فوق رؤوسهم معلمون مجربون يتمتعون بروح المبادهة وينبغي أن يقتنع الشغيلة فعليًا بأن يدهم العاملة تستخدم بتبصر واقتصاد وأنها لا تبذر عبثًا. ويتوجب علينا، أينما أمكننا، أن نستبدل التعبئة المباشرة بالمهمة، أي أن نفرض على كانتون معين الالتزام بأن يقدم، في مدة معينة، كذا مترًا مكعبًا من الخشب، أو أن ينقل إلى هذه المحطة أو تلك كذا قنطارًا من الفلزات، إلخ. ومن الضروري في هذا المجال أن نستفيد من الخبرة المكتسبة، وأن نعطي النظام الاقتصادي أكبر قدر من المرونة، وأن نبرهن على مزيد من الاهتمام بالمصالح المحلية والعادات المحلية. وبكلمة واحدة، علينا أن نحسن ونعدل إلى حد الكمال الطرائق والمناهج والأجهزة المخصصة لتعبئة اليد العاملة. لكن لا بد أيضًا من أن نقتنع مرة واحدة ونهائيًا بفكرة أن مبدأ إلزامية العمل بالذات قد حل بصورة جذرية ودونما رجعة محل مبدأ التطوع الاختياري، تمامًا كما أن تشريك وسائل الإنتاج قد حل محل الملكية الرأسمالية.