بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الإرهاب والشيوعية

« السابق التالي »

33- ملحق (1)

يظهر هذا الكتاب أيام انعقاد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية. أن حركة البروليتاريا الثورية قد خطت، خلال الشهور التي تلت انعقاد المؤتمر الأول، خطوة كبيرة إلى الأمام. وأن مواقع الاشتراكيين – الوطنيين الرسميين، العلنيين، قد تهدمت في كل مكان. وأن أفكار الشيوعية تنتشر أكثر فأكثر. وأن الكاوتسكية الرسمية، الدوغمائية، قد تشوهت سمعتها بصورة قاسية. وكاوتسكي نفسه صار يظهر بوجه حقير مضحك في صفوف الحزب “المستقبل” الذي هو خالقه.

إلا أن الصراع العقائدي في صفوف الطبقة العاملة لم يبدأ حقًا إلا الآن. وإذا كانت الكاوتسكية الدوغمائية هي في سبيلها إلى الموت، كما قلنا، وإذا كان قادة الأحزاب الاشتراكية الوسطية يعجلون بالتخلي عنها، فإن الكاوتسكية، كلفت فكرية بورجوازية، وكتقليد من تقاليد السلبية، وكجبن سياسي، ما تزال تلعب دورًا ملموسًا في أوساط المنظمات العمالية القيادية في العالم أجمع، بما فيها الأحزاب التي تميل إلى الأممية الثالثة، وحتى الأحزاب التي انتمت إليها شكليًا.

إن حزب ألمانيا المستقل، الذي كتب على يافطته شعار ديكتاتورية البروليتاريا، تشكو صفوفه من زمرة كاوتسكي ( ) الذي يبذل كل جهوده للإساءة نظريًا إلى ديكتاتورية البروليتاريا في تعبيرها الحي: السلطة السوفياتية. إن شروط الحرب الأهلية لا تجعل هذا النوع من التعايش ممكنًا إلا حتى اليوم الذي تبدو فيه ديكتاتورية البروليتاريا للأوساط القيادية من الاشتراكيين – الديموقراطيين “المستقلين” كرغبة ورعة واحتجاج غير متبلور ضد الخيانة الصريحة المخزية التي صدرت عن نوسك وأيبرت وشايدمان وغيرهم، وفي النهاية كأداة ديماغوجية انتخابية وبرلمانية.

إن حيوية الكاوتسكية الكامنة ملموسة بشكل خاص لدى اللونغيويين الفرنسيين. ولقد اقتنع جان لونغيه هو نفسه بذلك وحاول طويلاً أن يقنع الآخرين بإخلاص بأنه يسير بدون تحفظ معنا، وبأن رقابة كليمانصو وافتراءات أصدقائنا الفرنسيين لوريو ومونات وروسمر وغيرهم، هي وحدها التي تمنع قيام أخوة سلاح كاملة بيننا. إلا أنه يكفي بالمقابل أن نطلع على أي خطاب برلماني للونغيه حتى نقتنع بأن الهوة التي تفصله عنا في الساعة الراهنة هي بدون أدنى ريب أعمق مما كانت عليه في المرحلة الأولى من الحرب الإمبريالية. إن المشكلات الثورية التي تنتصب الآن أمام البروليتاريا العالمية قد أصبحت جدية أكثر، ومباشرة وجليلة وفورية أكثر، وأوضح أيضًا مما كانت عليه قبل خمسة أو ستة أعوام، وأن الرجعية السياسية التي يحمل لواءها اللونغيويون، الممثلون البرلمانيون للسلبية الخالدة، قد أصبحت أشد بروزًا من أي وقت سبق، رغم أن اللونغيويين قد دخلوا شكليًا إلى صف المعارضة البرلمانية.

إن الحزب الإيطالي، المنتمي إلى الأممية الثالثة، لم يتحرر البتة من الكاوتسكية. إن عددًا كبيرًا من قادة هذا الحزب لا يرفعون أعلام الأممية إلا بسبب وظائفهم وتحت ضغط القاعدة. وبين 1914 – 1919 كان أسهل على الحزب الاشتراكي الإيطالي من سائر أحزاب أوروبا إلى حد بعيد أن يتمسك بموقف المعارضة في مسألة الحرب، باعتبار أن إيطاليا لم تدخل الحرب إلا بعد تسعة شهور من سائر البلدان الأخرى، وكذلك وبصورة خاصة لأن وضع إيطاليا الدولي قد خلق في هذا البلد تجمعًا بورجوازيًا قويًا (الجيوليتيون بالمعنى الموسع للكلمة) مانع حتى الدقيقة الأخيرة دخول إيطاليا الحرب. إن هذه الظروف قد سمحت للحزب الاشتراكي الإيطالي بألا يوافق على منح الحكومة اعتمادات الحرب، بدون أزمة داخلية عميقة في صفوفه، وبأن يبقى، بصورة عامة، خارج معسكر دعاة الحرب. لكن التطهير الداخلي في الحزب كان لا بد حتمًا أن يتأخر نتيجة ذلك. والحزب الاشتراكي الإيطالي ما يزال يشكو إلى اليوم، وبعد انتمائه إلى الأممية الثالثة، من توراتي وأتباعه.

إن هذا التجمع الواسع للغاية – نحن لا نستطيع مع الأسف أن نقدم أرقامًا دقيقة عن الأهمية العددية للزمرة البرلمانية الإيطالية، وعن الصحافة، وعن منظمات الحزب والمنظمات المهنية. أقول إن هذا التجمع يمثل بلا ريب انتهازية أقل ادعاء، وأقل دوغمائية، وأكثر جعجعة وغنائية، إلا أنها تظل انتهازية ضارة مشؤومة، كاوتسكية مغلفة بطابع رومانتيكي! إن البعض، رغبة منه في تفسير الموقف المصالح التوفيقي الذي يقفه تجاه الزمر الكاوتسكية واللونغيوية والتوراتية، يزعم أن ساعة العمل الثوري لم تدق بعد في البلدان المعنية. لكن مثل هذه الطريقة في طرح المسألة ليست الطريقة الصحيحة. إن ما من إنسان يطلب، في الواقع، من الاشتراكيين الذين يصبون إلى الشيوعية، أن يحددوا في فترة قريبة موعد انقلاب ثوري. لكن ما تطلبه الأممية الثالثة من أنصارها هو أن يعترفوا، فعليًا لا لفظيًا، بأن البشرية المتمدينة قد دخلت في عصر ثوري، وبأن جميع البلدان الرأسمالية تسير نحو انقلابات كبيرة ونحو الحرب الطبقية المكشوفة، وبأن مهمة ممثلي البروليتاريا الثوريين هي تهيئة السلاح الفكري الضروري وإعداد المنظمات التي ستكون نقاط الارتكاز في هذه الحرب المحتمة، القريبة للغاية. إن الأمميين الذين يرون أنه من الممكن التعاون اليوم أيضًا مع كاوتسكي ولونغيه وتوراتي، وتوجيه الجماهير العمالية بالتفاهم معهم، إنما هم في الواقع يستنكفون عن تهيئة عصيان البروليتاريا المسلح، سواء أعلى صعيد الأفكار أم على صعيد التنظيم، وسواء أكان هذا العصيان قريبًا أم بعيدًا، وسواء أكانت المسألة مسألة شهور أو سنين. وكيلا يتفتت تمرد الجماهير البروليتارية المكشوف إلى محاولات متأخرة زمنيًا للبحث عن طريق أو قيادة، ينبغي على جماهير البروليتاريين أن تتعلم من الآن كيف تعانق وتفهم مجموع المهام التي تقع على عاتقها، والتعارض المطلق القائم بين هذه المهام وبين مختلف أشكال الكاوتسكية والتواطر الانتهازي. إن على اليسار الثوري حقًا، أي الشيوعي، أن يقف أمام الجماهير موقف المعارضة إزاء مختلف التجمعات الغائمة المترددة ذات المواقف الازدواجية، المدافعة المحامية الممجدة للسلبية، وذلك عن طريق تعزيز مواقعه بلا كلل، في ميدان الأفكار أولاً، ثم في ميدان التنظيم المشروع أو نصف المشروع، أو السري كليًا. وأن ساعة القطيعة الحاسمة مع الكاوتسكيين العلنيين أو المتسترين، أو ساعة طردهم من صفوف الحزب العمالي، يجب أن تعينها، بالطبع، اعتبارات الموقف التكنيكية، لكن كل سياسة الشيوعيين الحقيقيين يجب أن تتوجه نحو الهدف التالي: القطيعة النهائية. لهذا يبدو لي أن هذا الكتاب لا يرى النور متأخرًا بالرغم من كل شيء – وبغض النظر عن أسفي العميق إن لم يكن من وجهة نظري كمؤلف، فعلى الأقل من وجهة نظري كشيوعي.

ل. تروتسكي
حزيران 1920

—–
(21): في الساعة التي يظهر فيها هذا الكتاب في فرنسا، كان الانشقاق قد تم في حزب ألمانيا المستقل، وانفصلت غالبيته عن زمرة كاوتسكي.

« السابق التالي »