بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

حول الفاشية

« السابق التالي »

مأساة البروليتاريا الألمانية [19]

إن أقوى بروليتاريا أوروبية –أقوى بالنسبة لموقعها في الإنتاج وثقلها الاجتماعي، وقوة منظماتها- لم تبد مقاومة لهتلر منذ وصوله إلى السلطة وبدء هجماته العنيفة الأولى ضد المنظمات العمالية. هذا هو الواقع الذي يجب أن تبنى عليه جميع الحسابات الاستراتيجية المستقبلية.

إنه من الغباء الواضح الاعتقاد بأن التطور اللاحق لألمانيا سيسير على الطريقة الإيطالية، أي أن هتلر سيقوي سيطرته بشكل تدريجي، خطوة وراء خطوة… كلا، إن المصير اللاحق للاشتراكية الوطنية يجب استخلاصه من تحليل الظروف الألمانية والعالمية، وليس من تشابه تاريخي بحت. لكن هناك جملة أمور واضحة: إذا كنا منذ شتنبر/(أيلول) 1930 وما بعد قد طالبنا الأممية الشيوعية بسياسة قريبة المدى في ألمانيا، فمن الضروري الآن وضع سياسة للمدى البعيد. وقبل أن تصبح أي معركة حاسمة ممكنة مرة أخرى، سيكون على الطليعة البروليتارية أن تعيد توجيه نفسها، أي بكلام آخر، أن تدرك ما قد حصل، وتحدد مسؤوليات الهزائم التاريخية الكبيرة، وتستشف طريقا جديدة، وبهذه الطريقة تعيد ثقتها بنفسها.

إن الدور الإجرامي للاشتراكية الديموقراطية لا يتطلب تعليقا: فالأممية الشيوعية قد أنشأت منذ أربع عشرة سنة بالضبط لكيما تسحب البروليتاريا من تحت التأثير المثبط للمعنويات للاشتراكية الديموقراطية. وإذا لم تنجح لغاية الوقت الراهن، وإذا كانت تجد البروليتاريا الألمانية نفسها عاجزة وغير مسلحة ومشلولة في وقت الاختبار التاريخي الأعظم، فإن اللوم المباشر والفوري يقع على قيادة الكومنتيرن بعد لينين. هذا هو الاستنتاج الأولي الذي يجب استخلاصه فورا.

لقد حافظت المعارضة البسارية (التروتسكيين) للنهاية، تحت الضربات الغادرة للبيروقراطية الستالينية، على إخلاصها للحزب الرسمي. ويشارك الآن البلاشفة اللينينيون (التروتسكيون) في مصير جميع المنظمات الشيوعية الأخرى: لقد اعتقل مناضلونا ومنعت منشوراتنا، وصودرت أدبياتنا. حتى أن هتلر قد أسرع في منع نشرة المعارضة الصادرة في اللغة الروسية. لكن وإذ يتحمل البلاشفة اللينينيون، مع مجمل الطليعة البروليتارية، نتائج الإنتصار الجدي الأول للفاشبة، فإنهم لم ولن يتحملوا حتى ظل مسؤولية للسياسة الرسمية للكومنترن.

فمنذ سنة 1923، أي منذ بداية النضال ضد المعارضة اليسارية، ساعدت القيادة الستالينية، حتى ولو بطريقة غير مباشرة، الاشتراكية الديموقراطية بكل قوتها على حرف البروليتاريا الألمانية وإرباكها وإضعافها. لقد أوقفت وكبحت العمال عندما كانت تتطلب الظروف هجمة ثورية شجاعة، وأعلنت عن اقتراب الحالة الثورية عندما أصبحت تلك الحالة في الماضي، ووضعت اتفاقات مع تجار كلام وثرثارين برجوازيين صغار، وترنحت بوهن عند ذيل الاشتراكية الديموقراطية تحت غطاء سياسة الجبهة الموحدة، وأعلنت عن «المرحلة الثالثة» والنضال من أجل «إخضاع الشارع» في ظل ظروف جزر سياسي وضعف الحزب الشيوعي، واستبدلت النضال الجدي بقفزات أو مغامرات أو استعراضات، وعزلت الشيوعيين عن النقابات الجماهيرية، وفي وجه الزمر الهجومية للاشتراكيين الوطنيين ماثلة الاشتراكية الديموقراطية بالفاشية ورفضت الجبهة الموحدة مع المنظمات العمالية الجماهيرية وخربت أدنى مبادرة لدفاع عمالي موحد ، وفي الوقت نفسه خدعت العمال بشكل منظم حول علاقات القوى الحقيقية، وشوهت الحقائق وحولت الأصدقاء أعداءا والأعداء أصدقاء – وشدت الحبل أكثر وأكثر على عنق الحزب، مانعة إياه من التنفس الحر وحتى الكلام أو التفكير.

ومن بين الأدبيات الواسعة المكرسة لمسألة الفاشية تكفي الإشارة إلى خطاب ثالمان، الزعيم الرسمي للحزب الشيوعي الألماني الذي شجب أمام الجلسة المكتملة للجنة التنفيذية للكومنتيرن في أبريل/(نيسان) 1931، «المتشائمين»، أي هؤلاء الذين رأوا ما كان سيحدث: «لم نسمح بأن يهزمنا مزاج الذعر … لقد أكدنا باتزان وصلابة حقيقة أن 14 شتنبر/ (ايلول) 1930 كان إلى هذا الحد أو ذاك أفضل يوم عند هتلر، وأنه بعد ذلك لن تأتي أيام أفضل بل أسوأ. إن تقويمنا… قد أثبتته الأحداث.. واليوم، ليس لدى الفاشيين مجال أكثر للضحك». ومشيرا إلى إنشاء الاشتراكية الديموقراطية تجمعات دفاعية، يصف تالمان في الخطاب نفسه هذه التجمعات فيقول أنها لا تختلف بأي شكل عن الدوريات الصدامية للاشتراكيين الوطنيين، وأن الطرفين يهيئان بشكل متواز لإبادة الشيوعية.

اليوم، تالمان معتقل. وبمواجهة الرجعية المنتصرة، يقف البلاشفة اللينينيون في صف تالمان. لكن سياسة تالمان هي سياسة ستالين، أي السياسة الرسمية للكومنترن. هذه السياسة بالضبط هي سبب إضعاف المعنويات التام للحزب في لحظة الخطر، عندما يخسر القياديون رؤوسهم، وعندما ينغلب أعضاء الحزب غير المعتادين التفكير على أمرهم، وعندما تسلم المواقع التاريخية المبدئية دون قتال. إن النظرية السياسية الخاطئة تحمل في طياتها عقابها الذاتي. وقوة الجهاز واستحالة معالجته يزيدان فقط من أبعاد الكارثة.

« السابق التالي »