بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عويل وبكاء على كرونشتاد

التالي »

المقالة الأولى: مقدمة

تخاض الحملة حول كرونشتاد بنشاط متزايد في بعض الأوساط، وقد يظن المرء أن تمرد كرونشتاد قد تم ليس منذ سبع عشرة عاما بل الأمس بالذات. ويشارك في هذه الحملة بنفس المستوى من الحماس وتحت شعار واحد وموحد: الفوضويون والكاشفة الروس، والاشتراكيون الديمقراطيون اليساريون من مكتب لندن، وأفراد طوافون ونشرة ميليكوف [1]، وعند المناسبة الصحافة الرأسمالية الكبرى، إنها “جبهة شعبية” على طرازها الخاص.

يوم أمس بالذات، صدف أن قرأت في مجلة أسبوعية مكسيكية، وهي مجلة كاثوليكية رجعية، و”ديمقراطية” في آن واحد، هذه الأسطر: “أمر تروتسكي بإطلاق النار على 1500 (؟) بحار من كرونشتاد، وهم من أصفى الأصفياء. إن سياسته وهو في السلطة لا تختلف البتة عن سياسة ستالين الحالية.”وقد خلص الفوضويون اليساريون كما هو معروف للاستنتاج نفسه. وعندما أجبت باختصار للمرة الأولى في الصحافة على أسئلة فاندلين طوماس وهو عضو في لجنة تحقيق نيويورك، سرعان ما هبت المناشفة الروس تدافع عن بحارة كرونشتاد و… عن فندلين توماس. ثم جاءت في ما بعد نشرة ميليكوف تكتب بالروح نفسها. وتهجم علي الفوضويون بعنف أشد بعد ذلك. إن هذه الجهات جميعها تدعي أن أجوبتي لا قيمة لها إطلاقا. ومما يزيد من روعة هذا الإجماع أن الفوضويون يدافعون تحت شعار “كرونشتاد” عن عين الشيوعية المعادية للدولة، هذا بينما كان المناشفة يقفون علنيا مع إعادة الرأسمالية أيام انتفاضة كرونشتاد، ولا يزال ميليكوف حتى الآن من أنصار الرأسمالية.

كيف يمكن لانتفاضة كرونشتاد أن تسبب مثل هذه الحرقة في القلب لدى الفوضويين والمناشفة و”الليبراليين” المضادين للثورة في آن معا. إن الجواب سهل: فلهذه الجماعات كلها مصلحة في التشهير في التيار الثوري الحقيقي الوحيد الذي لم يتخل عن رايته قط، والذي لم يساوم مع أعدائه والذي يمثل وحده المستقبل. ولهذا السبب نجد بين الكاشفين المتأخرين لـ” جريمة” في كرونشتاد مثل هذا العدد من الثوريين السابقين أو أنصاف الثوريين، وهم أناس فقد برنامجهم ومبادئهم ووجدوا من الضروري تحويل الأنظار عن انحطاط الأممية الثانية أو عن خيانة الفوضويين الإسبان. وحتى الآن لا يستطيع الستالينيون الانضمام علنيا إلى هذه الحملة حول كرونشتاد. لكن حتى هم يبتهجون لها بالطبع، ذلك أن الضربات موجهة ضد “التروتسكية”، ضد الماركسية الثورية، ضد الأممية الرابعة.

لماذا تحققت هذه الأخوة المتنافرة حول كرونشتاد بالذات؟ لقد اشتبكنا مرات عديدة خلال سني الثورة مع القوزاق والفلاحين وحتى مع بعض شرائح العمال( نظمت بعض الجماعات من عمال الأورال فيلقا طوعيا في جيش كولتشاك[2]؟)

ذلك أن التعارض بين العمال بصفتهم مستهلكين والفلاحين بصفتهم منتجين وبائعي خبز يكمن أساسا عند جذور هذه النزاعات. وتحت ضغط الحاجة والحرمان كان العمال أنفسهم ينقسمون بين حين وآخر إلى فرق متعادية حسب شدة أو ضعف روابطهم بالقرية. وكان الجيش الأحمر أيضا تحت تأثير الريف. فخلال سنوات الحرب الأهلية كانت الضرورة في أكثر من مرة لنزع السلاح من الفيالق المستاءة. إن إدخال “السياسة الاقتصادية الجديدة” (س ا ج) خفف من حدة هذا التوتر لكنه ظل بعيدا عن إزالته. لا بل بعكس ذلك فتحت “س ا ج” المجال أمام بعث الكولاك [3 ] وأدت في بداية هذا العقد [4 ] إلى تجدد الحرب الأهلية في القرية. إن انتفاضة كرونشتاد لم تكن سوى حلقة من تاريخ العلاقات بين المدينة البروليتارية والقرية البرجوازية الصغيرة. ويمكن فهم هذه الحلقة فقط من خلال ارتباطها بالمجرى العام لتطور الصراع الطبقي أثناء الثورة.

لم تختلف كرونشتاد عن سلسة طويلة من التحركات والانتفاضات البرجوازية الصغيرة الأخرى إلا من حيث تأثيرها الخارجي الأكبر. فالمسألة هنا تعلقت بحصن بحري قرب بيتروغراد نفسها. وخلال الانتفاضة كانت التصريحات تصدر والبث الإذاعي يتم. وكان الاشتراكيون – الثوريون والفوضويين المهرولون من بتروغراد يمجدون الانتفاضة بالعبارات والإيماءات “النبيلة”. كل ذلك ترك آثارا في مجال المطبوعات. فليس من الصعب بالإستاد إلى هذه المواد “الوثائقية”، (أي الشعارات المغلوطة). بناء أسطورة حول كرونشتاد يزيد من تعظيمها إن اسم كرونشتاد كان محاطا في سنة 1917 بهالة ثورية. فالمجلة المكسيكية التي ذكرناها أعلاه لم تصف بحارة كرونشتاد ساخرة بـ “أصفى الأصفياء” بدون سبب.

ان التلاعب حول مجد كرونشتاد الثوري هو إحدى السمات المميزة لهذه الحملة المشعوذة حقا. فالفوضويون والمناشفة والليبراليون والرجعيون يحاولون إظهار القضية وكأن البلاشفة قد صوبوا أسلحتهم في بداية عام 1921 نحو بحارة كرونشتاد ذاتهم اللذين أمنوا انتصار انتفاضة أكتوبر. هنا تكمن نقطة الانطلاق لكل التشويهات اللاحقة. وعلى كل من أراد دحض هذه الأكاذيب أن يقرأ أولا مقال الرفيق ج.ج. ورايت في “الأممية الجديدة” (شباط 1938). ان المشكلة التي أتناولها هنا مختلفة : أود وصف ملامح انتفاضة كرونشتاد من وجهة نظر أعم.

التالي »