عويل وبكاء على كرونشتاد
ان هذا الوصف لمعالم كرونشتاد الاجتماعية والسياسية، الذي بالإمكان دعمه بالعديد من الوقائع والوثائق، كاف بذاته لإلقاء النور على التحولات التي حصلت في كرونشتاد خلال سنوات الحرب الأهلية والتي أدت إلى تغيير ملامحها إلى حد بات معه التعرف عليها عسيرا. وبالضبط حول هذا الجانب الهام من المسألة لا ينبس المهتمون الجدد ببنت شفة، جزئيا عن جهل وجزئيا عن سوء نية.
أجل، لقد سجلت كرونشتاد صفحة مجيدة من تاريخ الثورة. لكن الحرب الأهلية كانت نذرا لهجرة شاملة لسكان كرونشتاد والأسطول البلطيقي بأكمله. وقد سبق أن أرسلت فصائل من بحارة كرونشتاد في أيام انتفاضة أكتوبر لمساندة موسكو. وكانت فصائل أخرى ترسل إلى الدون والى أوكرانيا لمصادرة الخبز وتنظيم السلطة المحلية. وقد بدت كرونشتاد في البدء وكأنها لا تنضب. لقد أرسلت شخصيا من مختلف الجبهات عشرات البرقيات بخصوص تجنيد فصائل جديدة “يمكن الثقة بها” من بين عمال بطرسبرج وبحارة البلطيق. لكن منذ عام 1918 بالذات وعلى كل حال منذ عام 1919، أخذت الجبهات تشكو من أن مفاوز الكرونشتاديين الجديدة غير مرضية وكثيرة المطالب وغير منضبطة ولا يمكن الوثوق بها في القتال ومضرة أكثر منها نافعة.وبعد تصفية يودينيتش [6] (في شتاء عام 1919) أصبح أسطول البلطيق وحامية كرونشتاد مجردين من كل القوى الثورية. وقد زجت جميع عناصرهما التي لها فائدة ما في القتال ضد دنيكين [7] في الجنوب. فإذا صح أن بحارة كرونشتاد كانوا في عامي 1917و 1918 بمستوى أرفع بكثير من المستوى المتوسط للجيش الأحمر وشكلوا على حد سواء العمود الفقري للفصائل الأولى والعمود الفقري للنظام السوفياتي في مقاطعات عديدة، فان أولئك البحارة الذين بقوا في كرونشتاد “الآمنة” حتى بداية عام 1921 من دون أن يقاتلوا على أي جبهات الحرب الأهلية كانوا في ذالك الوقت في مستوى أدني بكثير، على العموم، من المستوى المتوسط للجيش الأحمر. وضموا في صفوفهم نسبة كبيرة من العناصر المنحطة المعنويات كليا، المرتدية السراويل المبهرجة وذات قصات الشعر الهزلية.
إن انحطاط المعنويات الذي أساسه المجاعة والمضاربة الاحتكارية كان قد تفشى كثيرا عند نهاية الحرب الأهلية. وقد أصبح ما يسمى ب “حملة الأكياس” (المضاربون الصغار) آفة اجتماعية تهدد بخنق الثورة. وفي كرونشتاد بالضبط حيث لم تفعل الحامية شيئا وكان لديها كل ما تحتاج إليه، بلغ انحطاط المعنويات إبعادا كبيرة الأهمية. ولما أضحت الأوضاع متأزمة جدا في بتروغراد الجائعة ناقش المكتب السياسي أكثر من مرة أمكانية تأمين “عون داخلي” من كرونشتاد حيت بقيت كمية من المؤن القديمة. لكن بعض مندوبي عمال بتروغراد أجابوا :”لن تحصلوا على شيء منهم بالود. أنهم يضاربون بالملابس والفحم والخبز. وفي الوقت الحاضر رفع كل أنواع الرعاع في كرونشتاد رؤوسهم “. تلك كانت حقيقة الوضع. انه لم يكن مثل تلك التجميلات المعسلة التي تعقب الأحداث.
وتجدر الإضافة أيضا أن البحارة السابقين الليتونيين والاستونيين الذين خشوا أن يرسلوا إلى الجبهة والذين كانوا يستعدون للانتقال إلى وطنيهم البرجوازيين الجديدين لاتفيا وأستونيا، هؤلاء كانوا قد التحقوا بالأسطول البلطيقي كـ “متطوعين”. إن هذه العاصر كانت معادية جوهريا للسلطة السوفياتية وقد أظهرت هذا العداء بشكل تام أيام انتفاضة كرونشتاد… ومقابل هؤلاء كانت هناك آلاف عديدة من العمال الليتونيين، خاصة مزارعين قدامى، أظهرت بطولة خارقة على كافة جبهات الحرب الأهلية. ويجب بالتالي ألا ننظر إلى العمال الليتونيين و” الكرونشتاديين” بالعين نفسها. يجب ان نرى الفرو قات الاجتماعية والسياسية.