عويل وبكاء على كرونشتاد
إن السادة النقاد هم في الجوهر معارضون لديكتاتورية البروليتاريا، ومن هذه الزاوية معادون للثورة، والسر بأكمله كامن في ذالك. صحيح إن بعضهم يعترف بالثورة وبالديكتاتورية ــ بالقول.لكن هذا لا يضيف شيئا إلى الأمر. إنهم يرغبون بثورة لا تؤدي إلى ديكتاتورية، أو بديكتاتورية تقوم بغير استعمال القوة. طبعا أن هذه الديكتاتورية “مريحة” جدا، غير إنها تتطلب بعض التوافه : تطورا متساويا ومتقدما جدا للجماهير العاملة. لكن الديكتاتورية في مثل هذه الظروف قد تكون عموما غير ضرورية. إن بعض الفوضويين الذين هم في الواقع أساتذة ليبراليون يأملون ان الكادحين بعد مئة عام أو ألف عام سوف يبلغون مستوى من التطور عاليا إلى حد يتضح معه إن القسر غير ضروري. وطبعا إذا كانت الرأسمالية تستطيع أن تؤدي إلى مثل هذا التطور فلن يكون ثمة سبب للإطاحة بالرأسمالية. ولن يكون أيضا ثمة حاجة للثورة العنيفة أو للديكتاتورية التي هي النتيجة الحتمية للانتصار الثوري. ألا أن رأسمالية أيامنا الآفلة تترك مجالا ضيقا جدا للأوهام الإنسانية المسالمة.
إن الطبقة العاملة، بصرف النظر عن الجماهير شبه العمالية، ليست منسجمة إن اجتماعيا أو سياسيا. إن الصراع الطبقي يفرز طليعة تجتذب خيرة عناصر الطبقة. وتصبح الثورة ممكنة عندما تكون الطليعة مؤهلة لقيادة أغلبية البروليتاريا، لكن هذا لا يعني أبدا أن التناقضات الداخلية في صفوف الكادحين تختفي. عندما تكون الثورة في أوجها تخف هذه التناقضات طبعا، لكن فقط لتظهر لاحقا بكل حدتها في مرحلة جديدة. هكذا هو جوهر الثورة عموما. وهكذا كان المجرى في كرونشتاد. وعندما يحاول اشتراكيو الصالونات رسم طريق آخر لثورة أكتوبر، بعد الأحداث، لا يسعنا إلا أن نطلب منهم باحترام أن يرونا أين بالضبط متى وجدت مبادئهم العظيمة تأكيدا عمليا لها، جزئيا على الأقل، بالميل على الأقل، أين هي الدلائل التي تحملها على توقع انتصار تلك المبادئ في المستقبل؟ بالطبع لن نحصل أبدا على جواب.
إن للثورة قوانينها الخاصة. وقد صغنا منذ زمن بعيد ” دروس ثورة أكتوبر” التي ليس لها معنى روسي فحسب بل معنى عالمي. ولم يوجد أحد قط ليحاول حتى أن يقترح أي “دروس” أخرى. إن الثورة الاسبانية تؤكد “دروس أكتوبر” بالطريقة السلبية. ونجد النقاد الصارمين صامتين أو مبهمين. إن حكومة “الجبهة الشعبية” الاسبانية تخنق الثورة الاشتراكية وتعدم الثوار. والفوضويون يشاركون في هذه الحكومة او عندما يزاحون منها يستمرون بتأييد الجلادين. ونجد حلفاءهم والمحامين عنهم في الخارج يشغلون أنفسهم في هذه الأثناء بالدفاع… عن تمرد كرونشتاد ضد البلاشفة الفظين. إنها لكوميديا مخجلة.
إن الخلافات الراهنة حول كرونشتاد تدور حول المحاور الطبقية ذاتها التي دارت حول انتفاضة كرونشتاد حيت حاولت فئات البحارة الرجعية الإطاحة بالديكتاتورية البروليتارية. ان الطوافين والانتقائيين البرجوازيين الصغار، وهم واعون لعجزهم على ساحة السياسة الثورية الحالية، يحاولون استعمال قضية كرونشتاد القديمة للنضال ضد الأممية الرابعة أي ضد حزب الثورة البروليتارية. ان “كرونشتاديي” أخر زمان هؤلاء سوف يسحقون أيضا ــ بدون استخدام السلاح ولحسن الحظ هم لا يحوزون على حصن.
كويوواكان، 15 كانون الثاني 1938