بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

النظرية اللينينية في التنظيم

« السابق التالي »

النضال الطبقي البروليتاري والوعي الطبقي البروليتاري

إن توحيد (التوحيد كسيرورة) الكتلة masse البروليتارية، الطليعة البروليتارية والحزب الثوري، مشروط بالانتقال من النضال الطبقي البدائي إلى النضال الطبقي الثوري، أو بدقة أكبر، إلى الثورة البروليتارية، وبانعكاسات هذا التحول على الوعي الطبقي للجماهير المأجورة.

إن الصراع الطبقي موجود منذ آلاف السنين، دون أن يكون الأشخاص المشتركون فيه قد فهموا ما يفعلون. لقد خيضت نضالات طبقية بروليتارية قبل أن توجد حركة اشتراكية بزمن طويل، وبالأحرى قبل الاشتراكية العلمية.

إن النضال الطبقي البدائي -إضرابات، إنقطاعات عن العمل من أجل مطالب متعلقة بالأجور، بتخفيض ساعات العمل أو بتحسينات أخرى في شروط العمل- كان وراء ولادة التنظيم الطبقي البدائي (صناديق التضامن، الشكل الأولي للنقابات)، وإن بقيت هذه الأشكال التنظيمية مؤقتة ومحدودة في الزمن. إن النضال الطبقي البدائي التنظيم الطبقي البدائي والوعي الطبقي البدائي هي إذن الحاصل المباشر للعمل، ووحدها التجربة المستخلصة في هذا العمل يمكن أن يكوّن الوعي وترتفع به. إنه من قوانين التاريخ أن الجماهير العريضة لا تستطيع رفع وعيها إلاّ عبر العمل.

إلاّ أن النضال الطبقي العفوي للعمال المأجورين يترك، حتى في شكله الأكثر بدائية، أثرا ما في نمط الإنتاج الرأسمالي: إن الوعي يتكثف، يصبح ملموسا في التنظيم المتواصل. يقتصر نشاط معظم الشغيلة على النضال (إن معظم الشغيلة غير فاعلين إلاّ أثناء النضال، ما أن ينتهي هذا حتى ينسحبوا عاجلا أو آجلا إلى الحياة الخاصة، أي إلى النضال من اجل الحياة). تتميز الطليعة عن الأكثريات بكونها لا تغادر حتى في فترات النضال النّشط ميدان صراع الطبقات وتواصل بصورة ما “النضال بوسائل أخرى”. تحاول أن تعزز صناديق المقاومة التي تظهر أثناء النضال محاول إياه إلى أموال إضراب دائمة، أي إلى نقابات[17]. تجتهد في بلورة وتدعيم الوعي الطبقي الأولي الذي يولد في غمرة الصراع، عن طريق إصدار جريدة عمالية وتنظيم حلقات تكوين عمالي. إنها تشكل هكذا لحظة التواصل إزاء العمل الجماهيري العفويية في ذاتها. إن التجربة العملية، أكثر بكثير من النظرية، من العلم، من الفهم الفكري للمجتمع ككل، هي التي تدفع الشغيلة المتقدمين على طريق التنظيم الدائم وتنمي الوعي الطبقي[18]. لأن النضال برهن أن حل صناديق المقاومة بعد كل إضراب يضر بفعالية الإضراب ويعود بالضرر على الصندوق، يجري العمل على الانتقال إلى مال الإضراب الدائم. لأن التجربة تثبت أن بيانا عارضا له تأثير أقل من تأثير جريدة[19] تظهر بصورة متواصلة، يجري تأسيس الصحافة العمالية. إن وعيا يمد جذوره في تجربة النضال المباشر هو وعي تجريبي-برغماتي، يمكن بالطبع أن يخصب العمل، لكنه يبقى أدنى بكثير من فعالية الوعي العملي الشامل أي الفهم النظري. لا يمكن لتنظيم الطليعة الثوري أن يعزز هذا الفهم إلاّ شريطة أن يخضع النظرية إلى الامتحان القاسي للإثبات العملي. من وجهة نظر الماركسية في عز نضجها -ماركس بالذات كما لينين- إن نظرية “صحيحة” مقطوعة عن الممارسة، هي على الدرجة ذاتها من ضلال “ممارسة ثورية” لا تدعمها نظرية علمية. لا يقلل هذا بالطبع من أهمية وضرورة الإنتاج النظري: إنه يشير فقط إلى أنه لا يمكن للجماهير المأجورة والأفراد الثوريين أن يحققوا الوحدة بين النظرية والممارسة إلاّ انطلاقا من نقاط انطلاق مختلفة ووفقا لدينامية متمايزة.

يمكننا أن نرسم لهذه المحاكمة البيان الـتالي:

 

 

 

هذا الرسم البياني الشكلي يكشف سلسلة من الاستنتاجات فيها ملخص دينامية الوعي الطبقي، استنتاجات سبق وانطوى عليها التحليل السابق، لكنها ممكنة الإدراك الآن في موقعها ومرماها الحقيقيين. إنه صعب نسبيا استثارة العمل الجماعي للشغيلة المتقدمين (“القادة الطليعيين” للطبقة العاملة في المنشأة) وذلك بالضبط لأن تحريكه لا يتوقف على القابلية العفوية الصرفة للانفجار (كما الحال مع الجماهير الواسعة).

إن التجربة العملية للنضال، التي هي الحافز الأساسي لعمل الشغيلة المتقدمين، تجعلهم بالضبط يترددون حيال الإنخراط في الأعمال الكبرى. لقد هضموا دروس الأعمال السابقة وهم يعرفون أن انفجارا غير كاف إطلاقا لبلوغ الهدف.ليس لديهم الكثير من الأوهام عن قوة الخصم ناهيك عن “أريحيته”) وعن مدى دوام حركة الجماهير. هنا تكمن بالتحديد “التجربة” الكبرى للنزعة الاقتصادية.

فلنوجز:

إن بناء الحزب الثوري يعني انصهار وعي النوى الثوري بوعي الشغيلة المتقدمين.

إن انضاج وضع ما قبل الثوري (ثوري بالقوة) ينجم عن التلاقي المتنامي لعمل الجماهير الواسعة وعمل الشغيلة المتقدمين.

إن وضعا ثوريا -أي امكانية استلام السلطة الثورية- يتحقق عندما ينجز الانصهار بين أعمال الطليعة الثوري وأعمال الجماهير، كما بين الوعي الثوري ووعي الطليعة العمالية[20]. لا تنخرط الجماهير الواسعة في النضال الطبقي الذي يعود أصله الأساسي إلى تناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي، إزاء “مسائل حيوية” مباشرة. وينطبق هذا على كل عمل جماهيري، حتى السياسي منه. إن مشكلة تحول النضال الطبقي إلى نضال ثوري مشروطة إذن ليس فقط كميا، بل كذلك نوعيا. إن حلها يفترض مسبقا عددا مرتفعا كفاية من الشغيلة المتقدمين القادرين على تعبئة الجماهير حول أهداف تضع موضع الاتهام دوام المجتمع البرجوازي ونمط الإنتاج الرأسمالي: نرى هنا الأهمية المركزية للمطالب الإنتقالية، الدور الاستراتيجي الذي يلعبه العمال الذين أصبحو يعرفون، بكامل تجربتهم، أن ينشروا هذه المطالب والوزن التاريخي للتنظيم الثوري الذي وحده هو القادر على وضع برنامج شامل للمطالب الإنتقالية، يتناسب في الوقت ذاته مع الشروط التاريخية الموضوعية والحاجات الذاتية للجماهير. ليست ثورة بروليتارية منتصرة ممكنة إلاّ شريطة النجاح في استيفاء هذه العوامل مجتمعة[21].

« السابق التالي »