بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

النظرية اللينينية في التنظيم

« السابق التالي »

التنظيم، البيروقراطية والعمل الثوري

إلاّ أن ثمة إشكالا في هذا الصدد لم يدركه لينين (1903-1905) أو لم يفهمه كفاية (1908-1914) في السنوات الأقسى من النضال ضد المناشفة. وهنا بالذات تبرز قيمة الإسهام التاريخي الذ قدمه تروتسكي وروزا لكسمبورغ لفهم الدياليكتيك “طبقة عاملة -شغيلة متقدمون -حزب العمال”. إنه بالتحديد عدم نضج الوعي الطبقي لدى الجماهير الواسعة الذي أثبت ضرورة وجود طليعة، فصل بين الحزب والجماهير. يتعلق الأمر هنا بإسهام ديالكتيكي معقد، شدّد عليه لينين عدة مرات، يدور حول وحدة الفصل والدمج، ويتناسب مع الخصوصيات التاريخية للنضال الثوري من أجل قلب اشتراكي للمجتمع. طبعا، يتكون الحزب داخل المجتمع البرجوازي. لا يمكن أن يتجرد من بصمات التقسيم العالمي للعمل والانتاج السلعي، الملامة لهذا المجتمع، والتي تؤدي إلى تشيء كل العلاقات الانسانية[38]. وهذا يعني أن إرساء جهاز حزبي مقطوع عن جمهور الشغيلة يخفي إضفاء الاستغلال على هذا الجهاز بالذات. حين ينتج هذا الاتجاه في فرض نفسه، يتحول الجهاز من أداة لبلوغ هدف (نجاح النضال الطبقي البروليتاري) إلى هدف بحد ذاته. هنا يوجد بالضبط جذر تشويهات الأمميتين الثانية والثالثة، وتبعية الأحزاب الاشتراكية-الديموقراطية والشيوعية في أوروبا الغربية لبيروقراطيات محافظة وإصلاحية أصبحت جزءا من الوضع الراهن[39]. إن البيروقراطية نتاج لتقسيم العمل، أي لعجز الجماهير الواسعة عن الاضطلاع مباشرة لوحدها بكل المهام التي تتحكم بها وذلك لكونها لا تشارك إلى حد بعيد في سيرورة الإنتاجالثقافي والنظري في ظل الرأسمالية. يتناسب تقسيم العمل هذا مع الشروط المادية، وليس بدعة موظفين. إذا تجاهلنا هذه الشروط نصل إلى الظاهرات ذاتها التي نصل إليها تحت تأثير البيروقراطية: تقنية التنظيم -المشكلة ذاتها التي قمنا بعرضها: ليس نمط الانتاج الرأسمالي الإطار المثالي لتربية على النشاط- الذاتي البروليتاري؛ إنه لا يعلم الشغيلة آليا أن يكتشفوا ويستخدموا عفويا أهداف وأشكال تحررهم.

لقد بخس لينين، في مجادلاته الأولى مع المناشفة، تقدير خطر إضفاء الاستقلالية على الجهاز وبقرطة الأحزاب العمالية. كان يرى المشكلة المركزية في انتهازية الجامعيين البرجوازيين الصغار كما المدافعين البرجوازيين الصغار عن “النقابية الصرفة” وكان ليسخر من نضال العديد من رفاقه ضد خطر البيروقراطية.

في الواقع برهن التاريخ أن خطر الانتهازية الرئيسي في الاشتراكية الديموقراطية لما قبل الحرب العالمية الأولى لم يكن يأتي لا من الجامعيين ولا من المدافعين عن “النقابية الصرفة”لكم من بيروقراطية الحزب الاشتراكي-الديموقراطي بالذات، وباختصار: من ممارسة “شرعية” كانت تقتصر من جهة على الانتحابية والنشاط البرلماني، ومن جهة أخرى على النضال من أجل إصلاحات مباشرة في الميدان الاقتصادي والنقابي. (يكفي أن نصف هذه الممارسة ليصبح واضحا إلى حد تشبه ممارسة الأحزاب الشيوعية الحالية في أوروبا الغربية).

لقد لاحظ تروتسكي وروزا لكسمبورغ هذا الخطر بصورة أدق وأبكر مما فعل لينين. منذ عام 1904 أشارت روزا لكسمبورغ إلى أن “فصلا بين الجماهير المتحركة واشتراكية-ديموقراطية مترددة” هو أمر ممكن[40]، لكن فقط في حالة “المركزية القصوى” للحزب، وفقا للمثال اللينيني. بعد ذلك بعامين، صاغ تروتسكي المشكلة بدقة وافية: “إن الأحزاب الاشتراكية الأوروبية، لاسيما أكبرها، الحزب الاشتراكي-الديموقراطي الألماني، تمّت نزعتها المحافظة بالنسبة ذاتها التي اعتنقت الجماهير العريضة وفقا لها الاشتراكية، وهذا بمقدارما أصبحت تلك الجماهير أكثر تنظيما وضبطا. نتيجة لذلك يمكن للاشتراكية-الديموقراطية، وهي التنظيم الذي يحيط بالتجربة السياسية للبروليتاريا، أن تصبح في وقت ما عائقا مباشرا في وجه تطور الصراع بين العمال والرجعية البرجوازية. بتعابير أخرى، إن النزعة المحافظة لدى الاشتراكية الدعاوية في الأحزاب البروليتارية يمكن في أحد الأوقات أن تكبح البروليتاريا في النضال المباشر من أجل السلطة”[41].لم يكن لينين يريد في البدء أن يرى ذلك هكذا. وهو لم يغير رأيه إلاّ في بدء الحرب العالمية الأولى في حين كان اليسار الألماني قد توقف منذ سنوات عدة عن تغذية الأوهام حول قيادة الحزب الاشتراكي-الديموقراطي[42].

« السابق التالي »